الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الأخلاق التي يجب أن يتخلق بها الداعية: الرفق
الرفق لغة مأخوذ من مادة رفق التي تدل على موافقة، ومقارنة بلا عنف هذا هو أصل الرفق، ثم يشتق منه كل شيء يدعو إلى راحة، وموافقة يقال: رفق بالأمر وله، وعليه يرفق رفقًا.
والرفق اصطلاحًا: هو لين الجانب بالقول، والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو ضد العنف، والرفيق: اسم من أسماء الله تبارك وتعالى ففي الحديث: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه)). ولقد أمر الله تبارك وتعالى موسى، وهارون عليهما السلام بالرفق حين قال لهما:{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أو يَخْشَى} (طه: 43، 44).
وامتن الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بما حباه من الرأفة، والرفق فقال:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ وشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران: 159). ولقد كان صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الرفق بالعامة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إني لأدخل في الصلاة فأريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز -أي: أخفف في الصلاة- مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه))، وعن عائشة رضي الله عنها قالت:((إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل، وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع الوضوء))، وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((اعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى فقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي))، وعنها رضي الله عنها:((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم))، وذلك في رمضان في صلاة قيام الليل.
وعنها رضي الله عنها أنها قالت: ((ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا))، وكان صلى الله عليه وسلم يحثُّ أصحابه على الرفق، ويرغبهم فيه، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه))، وعنها رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)).
وعنها رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ((يا عائشة ارفقي؛ فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيرًا دلهم على باب الرفق))، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار على كل قريب هين سهل))، وعن جرير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يحرم الرفق يحرم الخير كله))، وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا الدين يسر، ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، ويسروا، واستعينوا بالغدوة، والروحة، وشيء من الدلجة))، وكان صلى الله عليه وسلم ينكر على من يشدد على نفسه عن
عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها، وعندها امرأة فقال: من هذه؟ قالت: فلانة تذكر من صلاتها قال: مه عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا، وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه)).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فرأى حبلًا ممدودا بين ساريتين فقال: ما هذا الحبل؟ قالوا: لزينب تصلي فيه فإذا فترت تعلقت به فقال: حلوه حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد))، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:((جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها -أي: عدوها قليلة- فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ -كأنهم يلتمسون العذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قلة عبادته، هكذا ظنوا فقالوا- قد غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر -ونحن لسنا كذلك فنحن بحاجة إلى اجتهاد في العبادة- فقال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر، ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له لكني أصوم، وأفطر، وأصلي، وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)).
وهكذا كان صلى الله عليه وسلم رفيقًا بأصحابه، وأمرهم بالرفق، ونهاهم عن الشدة، والعنف، والتشدد، والتنطع، ويتأكد الرفق في حق العالم بالمتعلم، وفي حق العالم بالجاهل؛ فيجب على كل عالم أن يكون رفيقًا بكل متعلم، وأن يكون رفيقًا بكل جاهل؛ فلا يعنفه، ولا يوبخه، ولا يسبه، ولا يشتمه، ولا يضربه لقلة فهمه، ولا لسوء حفظه، ولا لخطأ صدر منه عفوًا عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن أعرابيًّا بال في ناحية المسجد فأسرع الناس إليه أي: لينهوه أو ليقعوا به فنهاهم
النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين صبوا عليه -أي: على بول الأعرابي- سجلًا من ماء أو قال: ذنوبًا من ماء)).
وعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: ((بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله)) وكان الكلام في أول الأمر مباحًا في الصلاة، كان الكلام المباح مباحًا؛ يعطس العاطس فيشمت، يسلم المسلم فيرد عليه السلام، ثم نهوا عن ذلك، ولم يعلم معاوية بأنهم قد نهوا عن الكلام فبينما هو يصلي إذ عطس رجل فقال: يرحمك الله ((قال: فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم)) -يعني يقولون: اسكت اسكت- لا يستطيعون أن يتكلموا قال: فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت -لم يفهم لماذا يسكتونه لكنه سكت- فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول معاوية: فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله، ولا بعده أحسن تعليمًا منه فوالله ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن))، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ((إن فتى شابًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، -ما هذا الذي تقول لرسول ال له - قالوا: مه مه، فقال: ادنه -ادنه يا بني اقترب مني- فدنا منه قريبًا، قال: فجلس -فخاطب فيه العقل- قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم -وأخذ يعدد عليه محارمه، كل ذلك يقول: لا والله يا رسول الله، فيقول: وكذلك الناس لا يحبونه لمحارمهم- قال: ثم وضع يده على صدي، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء)).
وهكذا علم النبي -صلى الله عليه، وسلم- أهل العلم كيف يرفقون بأهل الجهل حتى يعلموهم، وينتفعوا بعلمهم؟ فيتأكد على العالم أن يرفق بالجاهل، كما يتأكد على الداعية أن يرفق بالمدعوين؛ فيجب على الداعية أن يكون رفيقًا بالمدعوين؛ لأن الرفق هو أقرب الطرق إلى القلوب، وأهم أسباب القبول، ولذلك قال الله تعالى لموسى، وهارون عليهما السلام:{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أو يَخْشَى} (طه: 43، 44){فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} أي: هينًا لا عنف فيه، ولا صلابة، ولا غلظة، ولا فظاظة لعله يتذكر ما ينفعه فيأتيه أو يخشى ما يضره فيتركه، وقد فسر هذا القول اللين بقول الله تعالى في سورة "النازعات":{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} (النازعات: 17 - 19). فالقول اللين المجمل في سورة "طه"{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} بينته آيات "النازعات": {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} .
وأحسن الطرق تفسير القرآن أن يفسر القرآن بالقرآن، والمتأمل في هذه الكلمات يرى الرفق، واللين ينسابان من كل حرف فيها فإنه أتى بحرف هل الذي يدل على العرض، والمشاورة {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} كأنه يعرض عليه، ويشاوره مما يفيد أنه يجب على الدعاة أن يعلموا أن الدعوة عرض لا فرض؛ عليك أيها الداعية أن تحسن عرض دعوتك، ولا يجوز أن تفرضها:{أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس: 99)، والقاعدة العظيمة في الإسلام:"لا إكراه في الدين" قاعدة يجب على الدعاة أن يفقهوها، ويعوها لا إكراه في الدين فإنما الدعوة عرض لا فرض فاعرض دعوتك، ولا تفرضها فإن الله تعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم:{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف: 29) فقل الحق من ربكم، واترك الناس بعدها أحرارًا يختارون لأنفسهم ما شاءوا من الإيمان، والكفر فجزاء الجميع عند الله:{يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} (النحل: 111).
ولذلك لما
قال: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} بين جزاء من كفر، ومن آمن فقال:{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وسَاءَتْ مُرْتَفَقًا * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} (الكهف: 29، 30).
فالدعوة عرض لا فرض؛ فإذا أحسن الداعية عرض دعوته، واستخدم الأسلوب الهادئ، والكلمة الطيبة اللينة الرقيقة، وصل إلى قلوب الناس من أقصر الطرق وأقربها، واستجاب الناس لدعوته، ثم تأمل قوله تعالى:{فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} ، فهو يدعوه إلى التزكية، والتطهر، ولكنه لم يقل له: تعال أزكيك أو أطهرك، وإنما تزكي أنت نفسك أنا أدلك على طريقة التزكية، وأنت تزكي نفسك، ثم وأهديك إلى ربك فتخشى إلى ربك الذي رباك بنعمه الظاهرة والباطنة، وآتاك مما سألته، ومما لم تسأله مما يوجب عليك أن تذكر نعم الله، وتقابلها بالشكر، وهكذا يجب أن يكون الداعية رفيقًا، ولا يجوز أن يكون عنيفًا غليظا فإن الداعية إذا كان عنيفًا غليظًا فقد خالف أمر الذي يدعو إليه.
فالدعوة إلى الله، والله أمر الدعاة أن يكونوا هينين لينين أمرهم بالرفق، ونهاهم عن العنف؛ فإذا خالف الداعية فقد خالف أمر الله، وخالف أيضًا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد كان صلى الله عليه وسلم هينًا لينًا سهلًا رفيقًا أحسن عرض دعوته فنجح في تبليغ رسالته حتى دخل الناس في دين الله أفواجًا، وامتن الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بما وفقه له من الرفق، واللين فقال:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ وشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} .
فإذا أعطي الداعية الرفق فقد أعطي مفاتيح النجاح في دعوته، وتبليغ رسالته، وإذا تخلى الداعية عن الرفق، وتحلى بالعنف؛ ففشل في دعوته فلا يلومن إلا نفسه، ولذلك لما بعث نستور صاحبيه إلى الملك يدعوان إلى دين عيسى عليه السلام-
أمرهما أن يرفقا بالملك، وأن يدعواه بالحكمة، والموعظة الحسنة فخالف الصاحبان النصيحة، فدخلا على الملك فأغلظا له القول، وعنفاه فأخذهما الملك، وحبسهما، وآذاهما فقال لهما نستور:"ما مثلكما إلا كمثل امرأة لم تلد حتى كبرت سنها فولدت فاستعجلت شباب ولدها لتنتفع به فأطعمته أكثر مما يطيق فقتلته فلم تحقق هدفها". ومن هنا قيل: من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه. فيتأكد على الداعية أن يرفق بالمدعوين حتى يقبلوا عليه، ويلتفوا حوله، وينتفعوا في دعوته، وأن يدخلوا في دين الله عز وجل.
كما يتأكد الرفق في حق أفراد الأسرة بعضهم ببعض فيرفق الرجل بامرأته فلا يكلفها ما لا تطيق، وإذ كلفها أعانها كما قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتَّقْوَى} (المائدة: 2) عن إبراهيم عن الأسود قال: سألت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في أهله؟ قالت: "كان في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة".
وعلى المرأة أن ترفق بزوجها فلا تطلب منه ما لا يملك، ولا تكلفه ما لا يجد، وعلى كل من الرجل، والمرأة أن يرفق بالأولاد فلا يعنفهم، ولا يوبخهم، ولا يسبهم، ولا يشتمهم، ولا يضربهم، ولا يكلفهم ما لا يطيقون، وتمتد دائرة الرفق لتشمل كل ذي سلطان في سلطانه فيجب على كل ذي سلطان أن يرفق بمن في سلطانه، وألا يكلفهم ما لا يطيقون، وأن يعفو عن ذلاتهم، ويقيل عثراتهم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لكل سلطان رفيق فقال:((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به)).
فينبغي على كل ذي سلطان أن يرفق بمن في ولايته، وتحت سلطانه حتى تشمله هذه الدعوة المباركة:((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به)).
ولا تقتصر دعوة الإسلام إلى الرفق على البشر فقط بل تمتد لتشمل الرفق بالحيوان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما رجل يمشي بطريق
اشتد عليه العطش فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث -يأكل الثرى من العطش- فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في هذه البهائم لأجرًا فقال: في كل كبد رطبة أجر)).
وعن عبد الله رضي الله عنه قال: ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها؛ فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا، ولدها إليها)).
وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطًا لرجل من الأنصار؛ فإذا جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وزرفت عينا الجمل، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح بفراه فسكت، فقال: من رب هذا الجمل لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه، وتدئبه)).
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله يعذب الذين يعذبون الحيوان، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت))، فلنتحلى جميعًا بالرفق، ولنتخلى عن العنف فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، وما رأينا الذين اتخذوا العنف طريقًا لهم في الدعوة جنوا ثمرة من ثمار دعوتهم بل جلبوا لأنفسهم الشر، والبلاء، ولم يقتصر الشر، والبلاء الذي تسببوا فيه عليهم بل امتد ليشمل غيرهم من الأبرياء.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.