الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن وزن الأفعال والتروك بميزان الأخلاق، وصحة هذا الوزن أو فساده ومدى التزام الإنسان بمقتضاه وتنفيذه له، كل ذلك يتوقف على نوع المعاني الأخلاقية التي يحملها؛ من حيث جودتها أو رداءتها ومدى رسوخها في نفسه وانصباغها بها وحماسه لها وغيرته عليها وشعوره بضرورتها إليه، فلا يكفي لظهور أثر الأخلاق في فعل الإنسان وتركه أن يعرف الإنسان الجيد والرديء من الأخلاق، ويخزن هذه المعرفة في رأسه، ويتكلم بها في المناسبات، بل لا بد من انصباغ كيانه بها ورسوخه في أعماق نفسه؛ بحيث تصير له كاللون الأسود والأبيض بالنسبة للبشرة السوداء أو البيضاء، وأن تكون حاضرة في ذهنه مسيطرةً على سلوكه، متحمسًا لها، غيورًا عليها إلى درجة الإيمان بأن الحياة لا تصلح عضوًا للتفريط بمعنًى من معانٍ الأخلاق الفاضلة الإسلامية التي يحملها.
ومن أجل هذا أكّد الإسلام على معاني الأخلاق المطلوبة وشوّق إليها وحث النفوس عليها وكررها وأعادها حتى يتذكر المسلم دائمًا وينصبغ بها فيكون أثرها واضحًا في سلوكه.
مكانة الأخلاق في الإسلام
وللأخلاق في الإسلام مكانة عظيمة جدًّا، تظهر من وجوه كثيرة نذكر منها ما يأتي:
أولًا: تعليل الرسالة بتقويم الأخلاق وإشاعة مكارم الأخلاق: جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).
ثانيًا: تعريف الدين بحسن الخلق: فقد جاء في حديث مرسل، أن رجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما الدين؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((حسن الخلق))، وهذا
يعني: أن حسن الخلق ركن الإسلام العظيم الذي لا قيام للدين بدونه، كالوقوف في عرفات بالنسبة للحج؛ فقد جاء في الحديث الشريف:((الحج عرفة)) أن ركن الحج العظيم الذي لا يكون الحج إلا به هو الوقوف في عرفات.
ثالثًا: من أكثر من يرجح كفّة الحسنات يوم الحسنات يوم الحساب حسن الخلق، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة حسن الخلق)).
رابعًا: المؤمنون يتفاضلون في الإيمان، وأفضلهم في الإيمان أحسنهم أخلاقًا، كما قال عليه الصلاة والسلام:((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا))، وسئل صلى الله عليه وسلم عن أكمل الناس إيمانًا قال:((أحسنهم خُلقًا)).
خامسًا: إن المؤمنون يتفاوتون في الظفر في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقربهم منه يوم القيامة، وأكثر المسلمين ظفرًا بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرب منه من حسنت أخلاقهم، كما قال عليه الصلاة والسلام:((إن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا)).
سادسًا: إن حسن الخلق أمرٌ لازم وشرط لا بد منه للنجاة من النار والفوز بالجنة، وإن التفريط بهذا الشرط لا يغني عنه كل عمل صالح حتى الصلاة والصيام، ففي الحديث أنه قيل: يا رسول الله فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها؟ قال:((لا خير فيها، هي في النار)).
سابعًا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ربه بأن يحسِّن خلقه، وهو ذو الأخلاق الحسنة، وكان يسأل الله أن يهديه إلى أحسن الأخلاق، صحّ بذلك الحديث عنه صلى الله عليه وسلم فكان إذا قام من الليل قال:((اللهم اهدني لأحسن الأخلاق؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيّئها، فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت))، كما كان