الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادسًا: الأحكام المتعلقة بالمعاملة الدولة الإسلامية للدول الأخرى ومدى علاقاتها بها، ونوع هذه العلاقة في السلم والحرب، وما يترتب على ذلك من أحكام، وكذلك بيان علاقة المستأمنين مع الدولة الإسلامية، وهذه الأحكام منها ما يدخل في نطاق القانون الدولي العام، ومنها ما يدخل في نطاق القانون الدولي الخاص، وآ ياتها نحو من خمس وعشرين آية.
أخير ً ا: الأحكام الاقتصادية وهي المتعلقة بموارد الدولة ومصارفها وبحقوق الأفراد في أموال الأغنياء، وآ ياتها نحو من عشر آيات، كيف بيَّن القرآن الكريم هذه الأحكام للناس؟ قال الله تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (النحل: 89)، وقال تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام: 38).
بيان القرآن الكريم للأحكام الشرعية
فالقرآن الكريم فيه بيان لجميع الأحكام الشرعية إلا أن بيانه على نوعين:
النوع الأول: ذكر القواعد والمبادئ العامة للتشريع، وبيان الأحكام بصورة مجملة؛ فمن القواعد والمبادئ العامة التي تكون أساس ًا للتشريع وتفريع الأحكام: مبدأ الشهرة؛ حيث قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر} (آل عمران: 159)، ومدح المؤمنين بأخذ أنفسهم بهذا المبدأ فقال على سبيل المدح:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى: 38).
ومنها: مبدأ العدل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (النحل: 90){إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (النساء: 58)، ومنها: أن الإنسان لا يُسأل عن ذنب غيره، وإنما هو فقط مأخوذ بجريرته قال الله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (الأنعام: 164)، ومنها: أن العقوبة مقدرة بقدر
الجريمة قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (الشورى: 40){وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (النحل: 126)، وقال تعالى:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: 190).
ومن هذه القواعد والمبادئ العامة: أن مال الغير له حرمة؛ فلا يجوز الاعتداء على مال الغير قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} (النساء: 29، 30)، وقال تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 188)
ومنها: مبدأ التعاون على الخير وما يحقق المصلحة العامة للأمة، قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2)، ومنها: الأمر بالوفاء وفاء الإنسان بكل ما يلتزمه من عهود وعقود ومواعيد، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة: 1)، ومنها: الحرج مرفوع قال الله تعالى: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج: 78)، ومنها: الضرورات تبيح المحظورات، قال تعالى:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (البقرة: 173).
ومن الأحكام التي جاءت مجملة في القرآن ولم يفصل حكمها: الأمر بالزكاة، قال تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (التوبة: 103)، وقال في القصاص:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} ، وقال:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (البقرة: 178) ولم يبين القرآن الكريم شروط القصاص، وقد بينتها السنة، وكذلك البيع والربا قال تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (البقرة: 275) فجاءت السنة
ببيان البيع الحلال وشروطه، والربا الحرام وأنواعه، وهذا النوع من البيان للأحكام وهو البيان الإجمالي، وهو الغالب في القرآن، الغالب في القرآن الإجمال.
والحكمة في مجيء أحكام القرآن على شكل قواعد ومبادئ عامة هي أن مجيئها على هذا النوع يجعلها تتسع لما يستجد من الحوادث فلا تضيق بشيء أبد ً ا.
النوع الثاني من أحكام القرآن: الأحكام التفصيلية: والأحكام المفصلة في القرآن الكريم قليلة؛ منها: مقادير المواريث، ومقادير العقوبات في الحدود، وكيفية الطلاق، وعدد الطلقات، وكيفية اللعان بين الزوجين، وبيان المحرمات من النساء، ونحو ذلك، لكن الأحكام التفصيلية - كما ذكرنا - أقل بكثير من الأحكام الإجمالية. وللقرآن الكريم في بيان الأحكام أساليب مختلفة اقتضتها بلاغته وكونه معجز ً ا، وكتاب هداية وإرشاد هو يعرض الأحكام عرض ً افيه تشويق للامتثال، وتمثيل ٌ عن المخالفة والعناد، ولهذا نجد ما هو واجب قد ينص ّ على وجوبه بصيغة الأمر كقوله تعالى {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} (الطلاق: 2).
أو بأن الفعل مكتوب على المخاطبين كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183){كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (البقرة: 178)، وقد يكون بيان الواجب بذكر الجزاء الحسن والثواب لفاعله كقوله تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (النساء: 13)، والمحرم قد يكون بيان بصيغة النهي كقوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} ، وكقوله تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقد يكون بالتوعد على الفعل، أو بترتب العقوبة عليه كقوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (النساء: 10). وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (النساء: 14).
وعلى هذا؛ فيجب على كل من يريد استنباط الأحكام من القرآن أن يعرف أساليب القرآن في بيان الأحكام، وما يقترن بالنصوص مما يدل على الوجوب أو الحرمة أو الإباحة، ومن الضوابط والقواعد النافعة في هذا الباب:
أولًا: يكون حُكم الفعل الوجوب أو الندب إذا جاء بالصيغة الدالة على الوجوب أو الندب، أو إذا ذ ُ كر في القرآن واقترن به مدح أو محبة أو ثناء له، أو لفاعله، أو إذا اقترن به الجزاء الحسن والثواب لفاعله، ويكون حكم الفعل الحرمة أو الكراهة إذا جاء ذكره بصيغة تدل على طلب الشارع لتركه، والابتعاد عنه، أو إذا ذ ُ كر على وجه الذم له ولفاعله، أو أنه سبب للعذاب أو لسخط الله أو مقته، أو دخول النار، أو لعن فاعله، أو وصف الفعل بأنه رجس أو فسق أو من عمل الشيطان، أو وصف فاعله بالبهيمة أو الشيطان، ونحو ذلك. ويكون حكم الفعل الإباحة إذا جاء بلفظ يدل على ذلك كالإحلال "أُ حِلَّ لَكُمْ""أُ ذِنَ لَكُمْ "، ونفي الحرج "لَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ""لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ "، أو الإنكار على من حرم الشيء ونحو ذلك مما يدل على الإباحة.
ودلالة القرآن على الأحكام قد تكون قطيعة، وقد تكون ظنية، لقد عرفنا أن القرآن قطعي ّ الثبوت؛ لأنه وصل إلينا بطريق التواتر المفيد للعلم اليقيني بصحة المنقول، فأحكام القرآن إذًا قطعية الثبوت إلا أن دلالة القرآن عن الأحكام قد تكون قطعية وقد تكون ظنية، فالقرآن قطعي الثبوت أما من حيث الدلالة على الأحكام؛ فقد تكون دلالته قطعية، وقد تكون ظنية، فإذا كان اللفظ لا يحتمل