المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌معرفة علوم القرآن - أصول الدعوة - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 بعض الآفات التي تصيب بعض الدعاة

- ‌العجلة

- ‌ضعف اليقين

- ‌التقصير في عمل اليوم والليلة

- ‌الدرس: 2 أصول العقيدة (1)

- ‌علاقة الدعوة بأصول الإسلام

- ‌تعريف العقيدة وأصولها الستة

- ‌الركن الأول: الإيمان بالله

- ‌الركن الثاني: الإيمان بالملائكة

- ‌الركن الثالث: الإيمان بالنبيين والكتب المنزلة على المرسلين

- ‌الدرس: 3 أصول العقيدة (2)

- ‌الركن الرابع: الإيمان بالكتب

- ‌الركن الخامس: الإيمان باليوم الآخر

- ‌الركن السادس: الإيمان بالقدر

- ‌الدرس: 4 العبادة

- ‌الركن الأعظم بعد الشهادتين: الصلاة

- ‌الركن الثاني بعد الصلاة: الزكاة

- ‌الركن الثالث بعد الصلاة: الصيام

- ‌الركن الرابع بعد الصلاة: الحج

- ‌الدرس: 5 الأخلاق

- ‌علاقة الأخلاق بالعقيدة

- ‌علاقة الأخلاق بالعبادة

- ‌تعريف الأخلاق وأهميتها

- ‌مكانة الأخلاق في الإسلام

- ‌خصائص الأخلاق في الإسلام

- ‌الدرس: 6 خصائص الإسلام

- ‌خاصية العالمية

- ‌خاصية الإنسانية

- ‌الدرس: 7 المبادئ العشرة لعلم أصول الدعوة

- ‌معنى أصول الدعوة، وموضوعه، وحكم تعلمه

- ‌موضوع علم أصول الدعوة

- ‌فضائل علم أصول الدعوة

- ‌نشأة علم أصول الدعوة، والمراحل التي مر بها

- ‌روافد علم أصول الدعوة، ونسبته، وثمرته، ومسائله، ومصادره

- ‌الدرس: 8 التصور الإسلامي للمعرفة بأنواعها المختلفة

- ‌الفرق بين العلم والمعرفة

- ‌الحس في الفكر الإسلامي

- ‌العلاقة بين العقل والنقل

- ‌الدرس: 9 دعوة المسلمين

- ‌أصناف المدعوِّين

- ‌الأصول الشرعية في دعوة الكفار والمنافقين

- ‌الأصول الشرعية في دعوة المسلمين

- ‌الدرس: 10 أهم الصفات التي يجب علي الداعية أن يتصف بها

- ‌الإيمان

- ‌الاجتهاد في الطاعات والتقرب بها إلى الله

- ‌التجرد والزهد

- ‌أن يكون في نفسه قدوة حسنة

- ‌أن يكون قوي الحجة مستظهرًا للأدلة

- ‌العلم

- ‌الدرس: 11 المدعوون

- ‌من هو المدعو

- ‌دعوة القرآن المشركين للإيمان

- ‌دعوة القرآن اليهودَ للإيمان

- ‌دعوة القرآن النصارى للإيمان

- ‌دعوة القرآن المنافقين للإيمان

- ‌الدرس: 12 المصادر التي يعتمد عليها الداعية في دعوته المصدر الأول: القرآن الكريم

- ‌التعريف بالمصدر الأول: القرآن الكريم

- ‌بيان القرآن الكريم للأحكام الشرعية

- ‌أهمية القرآن الكريم في حياة الداعية والمجتمع

- ‌الدرس: 13 المصدر الثاني: السنة

- ‌التعريف بالسنة وأهميتها في التشريع

- ‌أقسام السنة من حيث ورودها إلينا

- ‌الدرس: 14 الثقافة التي يحتاج إليها الداعية

- ‌الثقافة الدينية

- ‌معرفة علوم القرآن

- ‌الثقافة التاريخية

- ‌الثقافة الأدبية والواقعية

- ‌الدرس: 15 ركائز الدعوة في الإسلام

- ‌التصور الإسلامي للكون والحياة

- ‌التصور الإسلامي للإنسان والمجتمع

- ‌الدرس: 16 علاقة الإسلام بالدعوات السابقة

- ‌الإسلام هو الدين القيم الذي فطر الله الناس عليه

- ‌حكمة اختلاف الشرائع من أمة لأمة

- ‌الدرس: 17 الأخلاق ومكانتها في الإسلام - أهم الأخلاق التي يجب على الداعية أن يتخلق بها (1)

- ‌الأخلاق ومكانتها في الإسلام

- ‌من الأخلاق التي يجب أن يتخلق بها الداعية: الإخلاص

- ‌من أهم الأخلاق التي تلزم الداعية: الشجاعة

- ‌الدرس: 18 أهم الأخلاق التي يجب على الداعية أن يتخلق بها (2)

- ‌من أهم الأخلاق التي يجب على الداعية أن يتخلق بها: الإيجابية

- ‌من الأخلاق التي يجب على الداعية أن يتخلق بها التضحية

- ‌الدرس: 19 أهم الأخلاق التي يجب على الداعية أن يتخلق بها (3)

- ‌من الأخلاق التي يجب أن يتخلق بها الداعية: الصبر

- ‌من الأخلاق التي يجب أن يتخلق بها الداعية: الرفق

- ‌الدرس: 20 أهم الأخلاق التي يجب على الداعية أن يتخلق بها (4)

- ‌من الأخلاق التي يجب أن يتخلق بها الداعية: العدل

- ‌من الأخلاق التي يجب أن يتخلق بها الداعية: العفو

- ‌الدرس: 21 من خصائص الإسلام: الربانية والوسطية والوضوح

- ‌(من خصائص الإسلام: الربانية

- ‌من خصائص الإسلام: الوسطية

- ‌من خصائص الإسلام: الوضوح

الفصل: ‌معرفة علوم القرآن

الانحراف والتحريف، وسوء التأويل لآيات الكتاب، وحملها على معان تُخرجها عما أرادها الله بها، وهذا نوع من التحريف الذي ذمَّ الله عليه أهل الكتاب، فقد حرفوا كتبهم لفظيًّا بالزيادة والنقصان، ومعنويًّا بسوء التأويل.

أما القرآن؛ فهو محفوظ بفضل الله في الصدور والمصاحف لا سبيل إلى تحريفه تحريفًا لفظيًّا، ولكن قد يدخل في تفسيره سوء التأويل وهو التحريف المعنوي، فليكن الداعية من ذلك على حذر، كما أن على الداعية أن يبتعد عن اتباع المتشابهات، وعليه بالمحكمات، فإن الله سبحانه ذمَّ الذين تركوا المحكمات واتبعوا المتشابهات قال سبحانه:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (آل عمران: 7).

‌معرفة علوم القرآن

ومما يلزم الداعية معرفته: علوم القرآن وهي بمثابة مدخل لا بد منه لدراسة القرآن ذاته، وقد أُلفت في علوم القرآن كتب جامعة قديمًا وحديثًا، فمن كتب القدماء (البرهان في علوم القرآن) للزركشي، و (الإتقان في علوم القرآن) للسيوطي، ومن الكتب الحديثة (مناهل العرفان في علوم القرآن) للزرقاني، و (مباحث في علوم القرآن) للدكتور صبحي الصالح، والشيخ مناع القطان، وكثير غيرها مما أُلّف لطلاب الكليات الإسلامية، كما أُلفت كتب قديمة وحديثة في بعض أنواع من علوم القرآن مثل الكتب التي تبحث في إعجاز القرآن وما يتعلق بالتفسير، مثل رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية في أصول التفسير، ونحو ذلك.

ص: 278

ولا ريب أن أهم علوم القرآن هو التفسير الذي يُعين على فهم المراد من كلام الله تعالى بقدر الطاقة البشرية، وقد دُوّن في تفسير القرآن مئات ومئات من الكتب منها ما فُقد ومنها ما لم يُفقد، وهذا الذي بقي منه ما طُبع ومنه ما يزال مخطوطًا، ولا يحسن للداعية أن يكتفي بكتاب واحد منها، ويهمل سائرها؛ فإن لكل منها مزية لا توجد غالبًا عند غيره، فالأولى أن ينهل الداعية منها كلها ما استطاع، وأن يقتبس من كل كتاب خير ما فيه، ولُبّ ما يتميز به، وأن يحترز مما فيه من أهواء أو شطحات.

وهذه وصايا للداعية وهو يطالع كتب التفسير:

الوصية الأولى: ضرورة الإعراض عن الحشو والفضول والاستطراد الذي انتفخت به بطون كتب التفسير من الاستغراق في المباحث اللفظية، أو المسائل النحوية، والنكات البلاغية، والتطويل في المجادلات الكلامية، والمخالفات الفقهية، وغير ذلك من ألوان الثقافات التي شغلت حيزًا ضخمًا من كتب التفسير، حتى حجبت قارئها عن إدراك أسرار كلام الله تعالى، وهو الذي أُلفت كتب التفسير من أجله مما جعل بعضهم يقول عن (التفسير الكبير) للرازي جمع في كتابه في التفسير أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير، ولذلك حُكي عن بعض المتطرفين أنه قال: فيه كل شيء إلا التفسير، ولا ريب أن هذه الكلمة غلو من قائلها، ففي الكتاب لفتات تفسيرية رائعة لا تجدها في غيره، ولكن استطراداته الطويلة المجيدة في شتى العلوم ومجالاته الواسعة مع أرباب المذاهب الكلامية والفقهية قللت من الإفادة بالكتاب.

كذلك على الداعية أن يَحذر من الإسرائيليات، وأن يبتعد عنها قدر استطاعته، وعليه أيضًا أن يحذر من الروايات الضعيفة فضلًا عن الموضوعة، فهناك كتب

ص: 279

كثيرة امتلأت بالأحاديث الضعيفة، بل والموضوعة التي قد تطعن في القرآن وفي النبي عليه الصلاة والسلام ومن سبقه من الأنبياء، فليكن الداعية وهو يطالع كتب التفسير على حذر من هذه الروايات الضعيفة والموضوعة. كما أن عليه أن يحذر الأقوال الضعيفة بل الفاسدة في بعض الأحيان، وهي أقوال صحيحة النسبة إلى قائليها من جهة الرواية، ولكنها سقيمة أو مردودة من جهة الدراية، هذا هو المصدر الأول لثقافة الداعية وهو القرآن الكريم، وما ينبغي للداعية تجاه القرآن الكريم وعلومه.

أما المصدر الثاني لثقافة الداعية فهو السنة: فالسنة هي شارحة القرآن والمبينة له، والمفصلة لما أُجمل فيه، وفيها يتمثل التفسير النظري والتطبيق العملي لكتاب الله عز وجل فقد قال الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم} (النحل: 44)، وقال سبحانه:{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (النحل: 64).

ولقد سئلت أمنا عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان خُلُقه القرآن". والسنة المصدر الثاني للثقافة الدينية للداعية المراد بها: أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وأوصافه وسيرته، فهذه السنة بهذا الشمول هي سجل حافل لحياة النبي صلى الله عليه وسلم وجهاده في سبيل دعوته، حوت من جوامع الكلم وجواهر الحكم وكنوز المعرفة وأسرار الدين، وحقائق الوجود، ومكارم الأخلاق وروائع التشريع، وخوالد التوجيه، ودقائق التربية، وشوامخ المواقف، وآيات البلاغة ثروة طائلة هائلة لا تنفد على كثرة الإنفاق، ولا تبلى جدتها بكرّ الغداة ومرّ العشية.

ولا يستغني داعية يريد أن يحدث أو يدرس أو يحاضر أو يخطب أو يكتب عن الرجوع عن هذا المصدر الغني، والمنهل العذب؛ ليستقي منه بقدر ما يتسع

ص: 280

واديه، فيرتوي ويروي. وقد صور النبي صلى الله عليه وسلم ما بعثه الله به من الهدى والعلم وموقف الناس من الاستفادة منه والإفادة به تصويرًا بليغًا معبرًا؛ فيما رواه الشيخان عن أبي موسى مرفوعًا قال:((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصابوا طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تُمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل ما فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل ما لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)).

وكتب السنة -والحمد لله- كثيرة جدًّا، ولكن ينبغي للداعية أن يقدم منها ما هو الأهم منها: كالكتب الستة، ومسند الدارمي، وموطأ مالك، ومسند أحمد رضي الله عنهم أجمعين- وثمَّت كتب أخرى متخصصة هدفها تجميع نوع معين من الأحاديث كأحاديث الأدعية، والأذكار وما يتعلق بها كـ (الأذكار للنووي) و (الكلم الطيب) لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهناك أحاديث الآداب والفضائل وما يتعلق بها كـ (الأدب المفرد) للبخاري، و (شعب الإيمان) للبيهقي، و (رياض الصالحين) للنووي، وهناك كتب جمعت الأحاديث التي تضمن الترغيب والترهيب، وكتاب الحافظ المنذري، وهناك كتب جمعت أحاديث الأحكام الفقهية كـ (عمدة الأحكام) للمقدسي، و (الإلمام) لابن دقيق العيد، وغير ذلك.

وإلى جانب هذه الأنواع من الكتب توجد الشروح وهي كتب جد نافعة، ولا يستغني عنها داعية ففيها من الفوائد الحديثية والفقهية والأصولية واللغوية والأدبية والتاريخية والأخلاقية ما لا يزهد فيه ذو عقل، فهي مفاتيح لمن أراد أن يفتح مغاليق ما أُشكل من الأحاديث أو بدا تعارضه في الظاهر، وهي مصابيح تنير الطريق لمن يريد معرفة ما تضمنه الأحاديث من أحكام وآداب وتشريع

ص: 281

وتوجيه. ولا يسع عالمًا أن يُعرض عن هذه الثروة، ويبدأ وحده من جديد، فهذا منافٍ لمنطق العلم ومنطق العقل ومنطق التاريخ.

من هذه الكتب كتب الشروح شروح البخاري لابن حجر وللعيني والقسطلاني، وشروح مسلم وأبرزها النووي، وشروح أبي داود كـ (معالم السنن)، و (تهذيب السنن)، و (عون المعبود)، وشروح الترمذي كـ (العارضة)، و (التحفة)، وشروح الموطأ كـ (المنتقى)، و (تنوير الحوالك)، وشرح المسند في (الفتح الرباني)، وشرح (المشكاة المصابيح) المسمى (مرقات المفاتيح)، وشرح (الجامع الصغير)، وشرح (رياض الصالحين)، وشرح (الأربعين النووية)، وغير ذلك من كتب الشروح.

كما ينبغي للداعية أن يهتم بكتب الغريب، وهي التي تُعنى بشرح المفردات والجمل الغريبة في الحديث مثل:(غريب الحديث) لأبي عبيد، و (الفائق في غريب الحديث) للزمخشري، و (النهاية في غريب الحديث والأثر) لابن الأثير، وهو موسوعة جليلة، و (مشارق الأنوار) للقاضي عياض، لكن أيضًا كما وجهنا التوصيات للداعية، وهو يقبل على التفسير كذلك ونوجه النصائح والتوصيات للداعية، وهو يهتم بالسنة وكتبها، فنقول:

مما ينبغي للداعية أن يُعنى به في مجال السنة أن يهتم بالسيرة النبوية، فإن السيرة النبوية هي الناحية العملية من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهي المفسرة لكل ما كان في القرآن من العبادات العملية، والأخلاق الحميدة التي دعا إليها الإسلام، فلقد تمثَّل النبي صلى الله عليه وسلم بكل خلق حميد، وبكل طاعة وعبادة أمر الله تبارك وتعالى بها في القرآن؛ فعلى الداعية أن يظهر شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم لتكون المثل الأعلى في العبادة لله، وفي حسن المعاملة مع عباد الله، والحمد لله أُلفت كتب في السيرة كثيرة ومن أشهرها (سيرة ابن هشام)، و (الروض الأنف)، و (إمتاع الأسماع)، و (السيرة الحلبية)، ونحو ذلك.

ص: 282

لكن لا بد من التذكير بأن للسيرة مصادر أخرى فأعظمها هو القرآن الكريم، وتفاسيره، وثانيها كتب الحديث وكتب الشمائل والهدي النبوي، وكتب التاريخ العام، وكتب دلائل النبوة، وما نبهنا عليه في شأن القرآن من العناية بجمع الآيات في الموضوع الواحد ومحاولة تصنيفها وتقسيمها على أجزاءه، وعناصره ننبه عليه هنا أيضًا فيما يتعلق بالأحاديث، وعلى الداعية وهو يبلغ السنة أن يحذر من سوء الفهم للأحاديث، وأن يحذر من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وأن يحذر من القصص الباطلة، وأن يحذر من حملة التشكيك التي تتطعن في السنة وتزهد فيها، التي قام بها المستشرقون وأذنابهم. على الداعية أن يكون على حذر من هذه الحملة، وأن يقف كالجبل الشامخ يذبّ عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وينافح عنها، ويبين منزلتها في الدين.

وعلى الداعية أيضًا أن يتجنب الأحاديث التي تُشكّل على جمهور الناس، ولا تسيغها عقولهم وثقافاتهم؛ لأن لها تفسيرات وتأويلات قد لا يفهمونها، وربما كانت أعلى من مستواهم، فليس من فقه الداعية أن يتلو على مسامع الناس هذه الأحاديث بغير ضرورة تقتضيها، ولا مناسبة توجبها، بل الداعية الفقيه هو الذي يُعنى بالأحاديث التي لا صلة بواقع الناس ويتحرى البعد عن المتشابهات والمشكلات، وما لا تبلغه عقول الناس، وعليه أيضًا أن يحذر من التفسيرات الباطلة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأن يهتم بمعرفة فقه الحديث وأحكامه، كما فهمها السلف الصالح ودوّنها لنا في شروح السنة التي أشرنا إليها سابقًا.

ومن المهم للداعية بعد الاهتمام بالقرآن والسنة أن يهتم بعلم الفقه بحيث يعرف أهم الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات والآداب، وذلك مهم للداعية من نواحي عدة:

ص: 283

أولًا: ليستطيع أن يجيب السائلين عن الحلال والحرام، وشئون العبادة، والأسرة، ونحوها فإنما يسألونه عما يحتاجون إليه في عبادتهم لربهم، وفي معاملة بعضهم بعضًا؛ فلا بد من معرفة الفقه، ولتمكنه هذه المعرفة من تصحيح ما يقابله من أخطاء، وتقويم ما يواجههم من انحرافات في ضوء الأحكام الشرعية، فإذا رأى بعض البدع الفاشية أو المنكرات السائدة أو الأخطاء الدينية الشائعة؛ واجهها بعلم وفقه لا بمجرد غضب وعاطفة.

كما أننا نوصي الداعية في هذا المجال أن يحرص على ربط الأحكام بأدلتها من الكتاب والسنة، وما أرشد إليها من اعتبارات أخرى كالإجماع والقياس والاستصلاح والاستحسان، وغيرها من أدلة ما لا نص فيه، والفقهاء قد عرفوا الفقه بأنه معرفة الأحكام الشرعية المأخوذة من أدلتها التفصيلية؛ فلا فقه إلا بدليل على أن الدليل يكسو الحكم أو الفتوى نورًا وجمالًا، ويمكنُ للداعية أن ينتفع بكتب فقه الحديث مثل (الإحكام) لابن دقيق العيد و (نيل الأوطار) للشوكاني، و (سبل السلام) للصنعاني، و (الروضة الندية) لصديق حسن خان، وأن ينتفع بالكتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم وغيرهما. ومثل ذلك كتب الفقه التي تعنى بالدليل والترجيح ومناقشة الآخرين كـ (المغني) لابن قدامة، و (المجموع) للنووي، و (الاستذكار) لابن عبد البر، و (المحلى) ابن حزم، وغير ذلك.

وإذا كان الداعية ملتزمًا بمذهب من المذاهب الفقهية المتبوعة فلا يمنعه هذا من التعرّف على أدلة مذهبه؛ ليطمئن قلبه، ولا مانع من ترك مذهبه في بعض المسائل التي لا يجد عليها دليلًا، أو يجد عليها دليلًا ضعيفًا لا ينتهض للاحتجاج به، ولا يجوز للداعية أن يدع السنة الصحيحة الصريحة بحجة تقيده بمذهبه كما

ص: 284

يفعله بعض الناس، كما يحسن للداعية أن يتعرف على المذاهب الأخرى وبخاصة التي يتبعها بعض من يدعوهم، فإن كان مالكيًّا وهو في بيئة حنبلية، أو حنبليًّا وهو في بيئة حنفية ومثل ذلك؛ فعليه أن يهتم بمعرف مذاهب الذين يدعوهم، وعليه أن يذكرهم بأن كل إمام من أئمة المذاهب قال:"إذا صح الحديث فهو مذهبي".

فلا يجوز للمسلم أن يتقلد مذهب ما فيجعله كالقرآن لا يخرج عنه قيد أُنملة، هذا لا يجوز أبدًا؛ بل على الداعية أن يدور مع الدليل حيث دار، وعلى العامي أن يتبع مفتيه فيما يفتيه به، كما ينبغي للداعية أن يقتضي بالقرآن والسنة في تعليل الأحكام، وبيان حكمها وثمراتها في الأنفس والحياة، وربطها بالفلسفة العامة للإسلام حتى تقع من الناس موقع القبول.

وعلى الداعية أن يحذر من المبالغة في تعليل العبادات بأمور دنيوية وربطها بها ربط العلة بالمعلول مع الغفلة عن حقيقة كبيرة يجب التنبيه عليها، وهي أن العبادات مطلوبة طلب الغايات والمقاصد لا طلب الأدوات والوسائل؛ فهي مرادة لذاتها بغض النظر عما وراءها من منافع وثمرات، بل هي الغاية من خلق المكلفين، كما قال رب العالمين:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56).

وعلى الداعية أيضًا أن يحذر الاقتصار على التعليل بالأمور المادية الحسية، وخصوصًا فيما يتعلق بالعبادات الشعائرية كالوضوء والصلاة والصيام والحج؛ فالوضوء في نظر بعض الذين يتحدثون عن الإسلام أو يكتبون عنه حكمته النظافة، والصلاة في نظرهم حكمتها الرياضة، والحج في نظرهم رحلة استكشافية كل هذا جهل وخلط ولبس ما ينبغي للداعية أن يسير وراء هؤلاء، فالله تبارك وتعالى قد ذكر في كتابه الكريم الحكم والتعليلات الروحانية القلبية لما فرضه من العبادات.

ص: 285

وإذا كان على الداعية أن يتعلم علم الفقه؛ فإنه من باب أولى عليه أيضًا أن يلُمَّ بعلم أصول الفقه حتى يعرف الأدلة المتفق عليها بين فقهاء الأمة وهي الكتاب والسنة، والأدلة التي اختلف فيها فذهب الجمهور إليها وهي الإجماع والقياس، والأدلة الأخرى التي هي محل خلاف عند الأصوليون منها الاستحسان والاستصحاب، وشرع ما قبلنا وقول الصحابي إلى غير ذلك، وإذا كان الكتاب والسنة هما الأصلين والمصدرين الأساسيين؛ فكيف تستنبط منهما الأحكام، ومن يجوز له الاستنباط ويجب عليه، ومن يحل له التقليد أو يحرُم عليه، كل هذا ونحوه إنما يُعرف من كتب أصول الفقه مثل:(جنة الناظر) لابن قدامة، و (إرشاد الفحول) للشوكاني، و (أصول الفقه) للخضري، و (علم أصول الفقه) لخلَّاف.

كما أن على الداعية أن يهتمّ بدراسة العقيدة، وعليه أن يحذر كل الحذر من أن يأخذ العقيدة من كتب أهل الكلام، بل عليه أن يأخذ العقيدة من كتب أهل السنة الذين ساروا في عقيدتهم على منهج التابعين والصحابة الذين أخذوا العقيدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة الكتاب والسنة الصحيحة؛ لهذا نريد من دارس العقيدة أن يهتمَّ بما يلي: أن يكون كتاب الله تعالى وما يبين من صحيح السنة هو المصدر الفذّ للعقيدة المنشودة بعيدًا عن الشوائب، والزوائد، والفضول التي لحقت بها على مر العصور.

ثانيًا: أن يتبع منهج القرآن في مخاطبة العقل والقلب معًا من أجل تكوين الإيمان الصحيح، فبناء العقيدة على العقل وحده كما هو اتجاه الفلاسفة، أو على القلب وحده كما هو اتجاه الصوفية لا يتفق مع شمول المنهج الإسلامي الذي يقوم الإيمان فيه على اقتناع العقل وانفعال القلب وصدق الإرادة.

ثالثًا: الاهتمام بأدلة القرآن التي ذكرها لإثبات معتقداته وإقناع مدعويه، والرد على خصومه، وتفنيد ما يثيرونه من شبهات ومفتريات.

ص: 286

رابعًا: صرف الهمة إلى مشكلات العقل المعاصر، والاشتغال بقضايا العقيدة الكبرى مثل وجود الله تعالى وتوحيده، والنبوة، والحياة الآخرة، والقدر.

خامسًا: الاستفادة من ثقافة العصر وخصوصًا في ميادين العلوم البحتة كالفلك والطب والفيزياء وغيرها؛ لتأييد قضايا العقيدة وتثبيتها، كما فعل ذلك كثير من المؤلفين في زماننا من الأجانب والمسلمين، كمثل صاحب العلم يدعو إلى الإيمان، وأصحاب الله يتجلى في عصر العلم، وصاحب قصة الإيمان، ومؤلف الله والعلم الحديث، والإسلام يتحدى.

سادسًا: أن يتبنَّى طريقة السلف في وصف الله تعالى بما وصف به نفسه من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، وهي الطريقة التي انتهى إليها أساطين علم الكلام من الأشاعرة وغيرهم، مثل أبي الحسن الأشعري في (الإبانة)، والغزالي في (إلجام العوام عن علم الكلام)، والفخر الرازي في (أقسام اللذات)؛ حيث يقول فيه: لقد تأملت المناهج الفلسفية، والطرق الكلامية فلم أرها تشفي عليلًا، أو تنفع غليلًا، ورأيت خير الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5)، وأقرأ في النفي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى: 11)، ومن جرب مثل تجربتي عرَّف مثل معرفتي.

ومن أهم ما ينبغي للداعية أن يدرسه دراسة وعي وهضم النظام الإسلامي، أو نظام الإسلام، أو المذهبية الإسلامية، أو فلسفة الإسلام، ونُعنى بهذا دراسة الإسلام خالصًا غير مشوب، متكاملًا غير مجزأ، وحتى نفهم الإسلام فهمًا صحيحًا يلزمنا أن نهتم بهذه النقاط، أن نحذر كل الحذر أن يزاد في النظام الإسلامي، ويلصق به ما ليس منه من رواسب الديانات السابقة، وثنيَّة أو محرفة، وشوائب النِّحَل، والمذاهب شرقية وغيرها، وأن يحذر أن ينقص منه ما

ص: 287