الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السابع عشر
(الأخلاق ومكانتها في الإسل ام - أهم الأخلاق التي يجب على الداعية أن يتخلق بها (1))
الأخلاق ومكانتها في الإسلام
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله؛ أما بعد:
إن ديننا الحنيف لا ينظم علاقة الإنسان بخالقه فقط وإنما ينظم بخالقه والناس أجمعين مؤمنين وكافرين، ويدعو الدين إلى أن يكون الإحسان هو أصل علاقة الإنسان بربه والناس أجمعين، يقول الله تبارك وتعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (النساء: 36)، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتق ِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحوها، وخالق الناس بخلق حسن))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: تقوى الله وحسن الخلق)).
قال ابن القيم - رحمة الله عليه -: "جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق؛ لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وربه، وحسن الخلق يصلح ما بين العبد وبين خلقه، فتقوى الله توجب للعبد محبة الله، وحسن الخلق يدعو الناس إل ى محبته، وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن خير الناس فقال:((أحسنهم أخلاقًا)). فبي َّ ن صلى الله عليه وسلم أن خيار المسلمين من حسنت أخلاقهم وكرمت صفاتهم، أما من ساءت منهم الأخلاق وقبحت الصفات فأولئك مع الأشرار، وإن كانوا يصلون ويصومون ويحجون، فإن صلاتهم ليست بصلاة الخاشعين، وصيامهم مجاراة، وحجهم ر ياءً، ولو كان ذلك منهم بإخلاص لأثمر بلا مراء كرام الأخلاق.
فإن الصلاة الحق ة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصيام الخالص داعية الصبر والكرم، والحج المبرور ي ُ ثمر خلق الصبر، وحسن العشرة والمعونة، فبرهان
الصدق في العبادات والإخلاص فيها كرم الأخلاق وآية التقصير فيها سو ؤ ها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:((قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة تُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال صلى الله عليه وسلم: هي في النار. قال: يا رسول الله، فإن فلانة تذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تص َّ د َّ ق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها قال: هي في الجنة))، فسوء الخلق أفسد الأعمال الصالحة وأحبطها فلم تغن ِ عن صاحبها شي ئًا، وحسن الخلق أدخل صاحبه الجنة مع قلة العمل. ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وس لم-:((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)).
وقد اختلفت عبارات العُلماء في ضابط الخلق الحسن؛ فقال علي: " حسن الخلق في ثلاث خصال؛ اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسعة على العيال ". وعن الحسن قال: " حسن الخلق الكرم، والبذلة، والاحتمال "، وعنه قال:" حسن الخلق بسط الوجه، وبذل الند ا، وكف ّ الأذى ". وعن عبد الله بن المبارك قال: " حسن الخلق طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى ". وعنه قال: " حسن الخلق أن يحتمل ما يكون من الناس ". وقال الإمام أحمد: " حسن الخلق ألا تغضب ولا تحقد ". وقال محمد بن نصر: قال بعض أهل العلم: " حسن الخلق ك ظ م الغيظ لله، وإظهار الطلاقة والبشر، والعفو عن الزال ّ ين، وكف الأذى ". قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: وكل هذه الأقوال إنما هي في ثمرة حسن الخلق، ولم تتعرض لحقيقته. ونحن نقول: الخ ُ ل ُ ق والخ َ ل ْ ق عبارتان مستعملتان مع ً ا، يقال: فلان حسن الخ ُ لق والخ َ لق أي: حسن الباطن والظاهر، في ُ راد بالخ َ ل ْ ق الصورة الظاهرة، وي ُ راد بالخ ُ ل ُ ق الصورة الباطنة، ولكل واحد منهما هيئة وصورة إما قبيحة وإما جميلة.