الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو من أجزائه وصلب كيانه، أو يؤخذ بعضه دون بعض كما فعلت بنوا إسرائيل، وأن يحذر أن تشوَّه تعاليمه في العقيدة أو العبادة، والأخلاق، أو التشريع، فتعرض على غير حقيقتها ممسوخة محرفة بفعل الجهل أو الهوى.
كما شوّهت فكرة القضاء والقدر في العقيدة، أو فكرة الحج في العبادة، أو فكرة الزهد في الأخلاق، أو فكرة الطلاق وتعدد الزوجات، وغير ذلك، وأن يحذر أن يختل التوازن بين قيمه وتعاليمه فيُعطى بعضها دون حقه، ويأخذ بعضها الآخر أكثر من حقه، ويقدم ما يستحق التأخير، ويؤخر ما يستحق التقديم، مع أن الإسلام قد أعطى كل عمل من الأعمال، وكل واحد من تعاليمه قيمة، وسعرًا خاصًّا؛ فلا توضع الفروع موضع الأصول، ولا تحتل النوافل مكان الفرائض، ولا تقدم أعمال الجوارح على أعمال القلوب، ولا تؤثر قُربات الفردية القاصرة على العبادات الاجتماعية المتعدية، بل يوضع كل شيء في مرتبته الشرعية دون غلوّ ولا تقصير، وإلا اضطربت المعاير وقُدّم ما حقه التأخير. ومن هنا ينبغي عند دراسة النظام الإسلامي أو الكتابة تفادي هذه الأخطار الأربعة من الزيادة فيه، أو النقص منه، أو التشويه له، أو الاختلال بتوازنه.
الثقافة التاريخية
كما أن من الثقافة اللازمة للداعية الثقافة التاريخية، فالتاريخ هو ذاكرة البشرية وسجل أحداثها، وديوان عبرها، والشاهد العدل لها أو عليها. ويهمنا في ذلك تاريخ الإسلام والأمة الإسلامية خاصة، وتاريخ الإنسانية بصفة عامة أعني: المواقف الحاسمة منه، والملامح الرئيسية فيه؛ لأنه لا يُتصوّر أن يدرس الإنسان تاريخ البشرية كافة ولو كان متخصصًا، فكيف بغير المتخصص، وإنما يحتاج الداعية إلى التاريخ لأمور منها:
أن يوسع آفاقه، ويطلعه على أحوال الأمم وتاريخ الرجال، وتقلبات الأيام، فإن الله تعالى قال:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (الحج: 46)، ومنها: أن التاريخ أصدق شاهد على ما يدعو إليه الدين من قيم ومفاهيم، فهو مرآة مثقولة تتجلى فيها عاقبة الإيمان والتقوى، ونهاية الكفر والفجور، وجزاء الشاكرين وعقوبة الكافرين؛ لهذا اهتمّ القرآن بقصص السابقين وتواريخ الغابرين لما فيها من عبر بليغة، وعظات حية، كما قال تعالى:{كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (ق: 36، 37).
وأود أن ينتبه الداعية الذي يطالع التاريخ ويقتبس منه إلى الأمور الآتية:
أولًا: ألا يجعل أكبر همه وعي جزئيات التاريخ وتفصيلاته، فهذه لا يمكن أن تُحصر، ولو أمكن أن تُحصر؛ لكانت فائدة الداعية جدّ قليلة؛ إنما المهم رءوس العبر ومواقع العظمة في التاريخ.
ثانيًا: أن يكون ذا وعي يقظ للوقائع التاريخية التي تخدم موضوعه، وتعمق فكرته، وتقدم له الشواهد الحية.
ثالثًا: أن يُعنى بسير الرجال، ومواقف الأبطال، وبخاصة علماء والدعاة والصالحين، وفي تاريخنا بفضل الله عز وجل ثروة من السير تتمثل فيها الأسوة الحسنة، والقدوة الصالحة، وتبرز الشخصية المسلمة مجسدة في مواقف وأعمال، كما نلمس ذلك في كتب الطبقات والتراجم كـ (وفيات الأعيان)، و (طبقات ابن سعد)، و (تهذيب التهذيب)، و (حلية الأولياء)، و (صفة الصفوة)، وغيرها.