الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن الثقة بوعد الله، والتفاؤل بانتصار دين الله هو مقدمة الفوز والنصر، وإن القوة المعنوية في كل أمة هي التي تدفع شبابها ورجالها إلى تحقيق المزيد من الانتصارات الخالدة في كل زمان ومكان، والله سبحانه وتعالى مع المتقين المخلصين المجاهدين، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والحافظين لحدود الله {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (القصص: 5)، ووعد الله حق لن يتخلف {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 139)، فلا يضعف يقينك، ولا تيأس أخي الداعية مهما أحاطت بك الخطوب، وعظمت بك وبالمسلمين الكروب، واعلم أن الله تعالى منجز وعده.
التقصير في عمل اليوم والليلة
ومن الآفات التي تصيب الداعية فتوهن قوته وتضعفه: تقصيره في عمل اليوم والليلة:
أعني: تقصير الداعية في القيام بوظيفة اليوم والليلة من العبادات النوافل المستحبة كالصلاة، والصيام، والأذكار، ونحوها مما هو مندوب من العبادات؛ فلا يعقل أن يقصر الداعية في الواجبات، ولكن التقصير قد يكون في نوافل العبادات، ومن الصلاة النوافل وقراءة القرآن والأذكار، مع أن ذكر الله عز وجل من أعظم أسباب قوة الداعية المعنوية والحسية، قال الله تبارك وتعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28).
ولما ذهب علي رضي الله عنه مع زوجه فاطمة رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكوان إليه ما لاقته فاطمة من التعب والنصب والعناء، من حملها ما تحتاج على رأسها، وطحنها
بيدها، وغير ذلك من وظيفة المرأة في بيتها جاءت إلى رسول الله تشكو ما أصابها من التعب والنصب، وتسأله خادمًا يعينها على واجباتها المنزلية، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن قال لعلي وفاطمة:((ألا أدلّكما على خير لكما من خادم، إذا أويتما إلى فراشكما عند النوم تسبحان الله ثلاثًا وثلاثين، وتحمدان ثلاثًا وثلاثين، وتكبران أربع وثلاثين؛ فذلكما خير لكما من خادم)).
قال العلماء: في إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا وفاطمة إلى ذكر الله عز وجل بدلًا من الخادم إشارة إلى أن ذكر الله عز وجل يُعين البدن كما يعين القلب، ولقد كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر يقول:((أرحنا بالصلاة يا بلال، أرحنا بالصلاة يا بلال))، والله تعالى قال:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (طه: 14)، ولقد أمر الله سبحانه وتعالى الدعاة بكثرة ذكره عند المواجهة، فقال لموسى عليه السلام وقد كلفه بالذهاب إلى فرعون:{اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} (طه: 42)، وقال الله تعالى للمؤمنين عند القتال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الأنفال: 45).
وإذا كان الداعية يدعو الناس إلى التقرب إلى الله عز وجل بما يُحب من نوافل العبادات؛ فإن الداعية أولى وأحق بذلك أن يكون هو أكثر الناس لله ذكرًا؛ فعلى الداعية أن يُحافظ على الصلوات الخمس في الجماعة، وإن لم يرَ الجماعة واجبة؛ فليحافظ عليها لفضلها، وما يترتب عليها من الأجر والثواب، فصلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته سبعًا وعشرين ضعفًا، ثم إن تواجد الداعية في المسجد خمس مرات في اليوم والليلة فرصة عظيمة للالتقاء بالناس ودعوتهم وتذكيرهم، واقتراب الداعية من الناس سببٌ لقربهم منه
ومحبتهم له، ولا سيما إن أجاب دعوتهم وقضى حاجتهم وأعطاهم من جاهه ووقته وماله.
وعلى الداعية أن يكون أحرص الناس على التبكير بالرواح إلى المسجد، والمحافظة على السنن الرواتب القبلية والبعدية، ولا سيما التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم:((من صلى لله تعالى ثنتي عشرة ركعة كل يوم بنى الله له بيتًا في الجنة))، وهي ركعتان قبل الصبح، وأربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وعلى الداعية أن يحافظ على الأذكار المشروعة دُبر كل صلاة، وعليه أن يحافظ على أذكار الصباح، وأذكار المساء، وأذكار النوم، وأن يحافظ على الأذكار المطلقة والمقيدة، وأن يكون كما تعلّم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال له رجل:((يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فمرني بشيء أتشبّث به، فقال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله)).
وعلى الداعية أن يأخذ حظه من صلاة الضحى، تلك الصلاة التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم "صلاة الأوَّابين" فقد خرج على أهل قباء وهم يصلون الضحى فقال عليه الصلاة والسلام:((صلاة الأوَّابين حين ترمض الفصال من الضحى)).
وعلى الداعية أن يأخذ حظه من قيام الليل، تلك الصلاة التي جعلها الله تعالى دليل الإيمان، وعنوان الإحسان فقال عز وجل:{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السجدة: 15 - 17) وقال
تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الذاريات: 15 - 18)، ولقد فرّق الله تبارك وتعالى بين القائمين والنائمين فقال:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (الزمر: 9).
وعلى الداعية أن يكون شديد الصلة بمصدر دعوته الأول وهو القرآن الكريم فيُعنى به تلاوة وتدبرًا وفهمًا، وعلى الداعية أن يكون له ورد من القرآن كل يوم بحيث يختم كل ثلاثة أو كل أسبوع، ولا يزيد على ذلك ولا يتأخر عن ختم القرآن أكثر من أسبوع؛ فلأن جاز ذلك لعامة المسلمين فلا يجوز للدعاة خاصة، فإن القرآن الكريم هو حبل الله المتين، وهو النور المبين، والصراط المستقيم، عصمة لمن تمسّك به، ونجاة لمن اتبعه، {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (هود: 1)، {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت: 41، 42)، تلاوته قربة يُتقرَّب بها إلى الله سبحانه وتعالى وتجارة رابحة وصفها الله تبارك وتعالى بعدم البوار والكساد، فقال عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} (فاطر: 29، 30).
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قرأ حرف من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا "الم" حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))، وقال عليه الصلاة والسلام:((اقرءوا القرآن؛ فإنه يأتي القرآن شفيعًا لصاحبه)).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشراب بالنهار فشفّعني فيه، ويقول القرآن: أي رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيُشّفَعَان))، وقد قال عليه الصلاة والسلام:((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين)).
فهذه بعض وظائف اليوم والليلة التي قد يقع فيها تقصير من بعض الدعاة، والتقصير في هذه الوظائف يؤثّر على الداعية معنويًّا، وروحانيًّا، وإنما الداعية بقلبه وروحه لا ببدنه ولسانه، ولذلك كانت هذه الوظائف من أهم الوظائف التي أمر الله تبارك وتعالى بها رسوله صلى الله عليه وسلم في أول ما كلّفه بالدعوة، اقرءوا إن شئتم سورة المزمل بسم الله الرحمن الرحيم:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} (المزمل: 1 - 9).
نسأل الله تبارك وتعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعلنا من الدعاة إليه بسلوكنا وعملنا قبل أن نكون دعاة بأقوالنا، فإن عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل، وحسبنا قول شعيب عليه السلام:{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود: 88).
فهذه أيها الداعية بعض الآفات التي قد تعترضك في طريقك، فتقعدك عن دعوتك، وتجعلك تترك السير في ركاب الدعوة إلى الله عز وجل فكن منها على حذر، والله يحفظك ويعصمك من الزلل هو ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.