الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتعالى- قال عن الحج: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (البقرة: 197).
هذا العرض المجمل لبعض العبادات التي اشتهر بها الإسلام، وعرفت على أنها أركانه الأصلية نستميل منها متانة الأواصر التي تربط الدين بالخلق، إنها عبادات متباينة في جوهرها ومظهرها، ولكنها تلتقي عند الغاية التي رسمها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:((إنما بعثتم لأتمم مكارم الأخلاق)).
فالصلاة والصيام والزكاة والحج وما أشبه هذه الطاعات من تعاليم الإسلام هي مدارك الكمال المنشود، وروافد التطهر الذي يصون الحياة ويعلي شأنها، ولهذه السجايا الكريمة التي ترتبط بها أو تنشأ عنها أعطيت منزلة كبيرة في دين الله، فإذا لم يستفد المرء منها ما يزكي قلبه وينقيه لبه، ويهذب بالله وبالناس صلته، فقد هوى قال الله عز وجل:{إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} (طه: 74 - 76).
تعريف الأخلاق وأهميتها
ما هي الأخلاق؟
الجواب: الأخلاق جمع: خلق، والخلق في اللغة: الطبع والسجية. وفي اصطلاح العلماء -كما ذكر ذلك أبو حامد الغزالي، رحمه الله: الخلق هيئة في النفس راسخة، تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية.
وللأخلاق في الإسلام أهمية بالغة؛ وذلك لما لها من تأثير كبير في سلوك الإنسان وما يصدر عنه، بل نستطيع أن نقول: إن سلوك الإنسان موافقٌ لما هو مستقر في
نفسه من معانٍ وصفات، وما أصدق كلمة أبي حامد الغزالي إذ يقول: فإن كل صفة تظهر في القلب يظهر أثرها على الجوارح حتى لا تتحرك إلا على وفقها لا محالة، فأفعال الإنسان إذًا موصولة دائمًا بما في نفسه من معانٍ وصفات صلة فروع الشجرة بأصولها المغيبة في التراب، ومعنى ذلك: أن صلاح أفعال الإنسان إنما هو بصلاح أخلاقه؛ لأن الفرع بأصله، إذا صلح الأصل صلح الفرع وإذا فسد الأصل فسد الفرع، والله تبارك وتعالى يقول:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًاَ} (الأعراف: 58)، ولهذا كان النهج السديد في إصلاح الناس وتقويم سلوكهم وتيسير سبل الحياة الطيبة لهم أن يبدأ المصلحون بإصلاح النفوس وتزكيتها، وغرس معاني الأخلاق الجيدة فيها، ولهذا أكد الإسلام على صلاح النفوس، وبيّن أن تغيير أحوال الناس من سعادة وشقاء، ويسر وعسر ورخاء، وضيق وطمأنينة وقلق، وعز وذل، كل ذلك ونحوه تبعٌ لتغيير ما بأنفسهم من معانٍ وصفات، كما قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد: 11).
وتظهر أهمية الأخلاق أيضًا من ناحية أخرى؛ ذلك أن الإنسان قبل أن يفعل شيئًا أو يتركه يقوم بعملية وزنٍ وتقييم لتركه أو فعله في ضوء معاني الأخلاق المستقرة في نفسه، فإذا ظهر الفعل أو الترك مرضيًّا مقبولًا انبعث في النفس رغبة فيه واتجاهٌ إليه ثم إقدامٌ عليه، وإن كان الأمر خلاف ذلك انكمشت النفس عنه وكرهته وأحجمت عنه تركًا كان أو فعلًا.
إن عملية الوزن هذه قد تكون سريعة جدًّا وغير محسوس بها إلى درجة أن الإنسان قد يفعل الشيء أو يتركه بدون روية أو تفكير، وفي بعض الأحيان لا تتم عملية الوزن والتقييم إلا بعد تأمل ومضيّ وقت طويل، وقد لا تتم هذه العملية فيقع الإنسان في تردّد بين الفعل والترك، ولكن في جميع الأحوال لا بد من عملية الوزن والتقييم لكل فعل أو ترك بلا استثناء.