الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السابع
(المبادئ العشرة لعلم أصول الدعوة)
معنى أصول الدعوة، وموضوعه، وحكم تعلمه
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
وعلم أصول الدعوة كغيره من العلوم له مبادئ تبصّر الطالب به، وتعرفه بغايته وهدف دراسته، وقد جمع بعضهم هذه المبادئ في قوله:
إن مبادئ أي علمٍ كان
عشرٌ تزيد من درى عرفانا
الحد والواضع ثم الاسم
والنسبة الموضوع ثم الحكم
وغاية وفضله استمداد
مسائل بها الهنا يزداد
وهذه المبادئ العشرة: اسمٌ لمجموعة من المعاني والمعارف يتوقف عليها شروع الطالب والباحث في طلب العلم وتحصيله، وسنحاول بإذن الله عز وجل في هذا الدرس أن نلمّ بهذه المبادئ العشرة لعلم أصول الدعوة.
وحتى نتعرف على معنى أصول الدعوة كلقب أطلق على هذا العلم، يلزمنا أن نعرف أولًا مفردات هذا اللقب، وهي كلمة أصول، وكلمة الدعوة.
فنقول: الأصول في اللغة: جمع أصل وهو ما يُبنى عليه غيره، وضده الفرع: وهو ما يُبنى على غيره.
وأما اصطلاح الفقهاء أو العلماء: فإن الأصل يطلق على عدة معانٍ؛ منها الدليل، تقول: الأصل في وجوب الدعوة الكتاب والسنة؛ يعني: الدليل على وجوب الدعوة الكتاب والسنة، ومن معاني الأصل: الراجح كقولهم: الأصل في الكلام الحقيقة أي: الراجح حمل الكلام في الأصل على الحقيقة، ويطلق الأصل أيضًا على القاعدة المستمرة، كقولهم: إباحة الميتة على خلاف الأصل، على خلاف القاعدة، فالقاعدة في المحرمات: يحرم أكل الميتة، ولكن أبيح أكل
الميت على خلاف الأصل؛ أي: على خلاف القاعدة، والمختار من هذه الاصطلاحات مما يناسب موضوعنا هو المصطلح الأخير وهو القواعد الثابتة.
أما كلمة الدعوة: فإنها تدور مادتها على معنى الطلب والنداء إلى أمرٍ والحثّ والحض عليه، فمن دعا بالشيء فقد طلب إحضاره، ومن دعا إلى الشيء فقد حثّ على قصده وسأل غيره أن يجيبه إليه. وقد تكون الدعوة إلى الخير وتكون إلى الشر، كما تكون إلى الحق وإلى الباطل، وتكون إلى الجنة وإلى النار، قال الله تبارك وتعالى عن الشيطان وأعوانه:{أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} (البقرة: 221)، وقال عن فرعون وملئه:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} (القصص: 41) وقال الله تعالى عن نفسه: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} (يونس: 25)، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((من دعا إلى الهدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا)).
أما الدعوة اصطلاحًا: فإن كلمة الدعوة في اصطلاحها الشرعي وعند أهلها من الدُّعاة والعاملين يُعرف معناها بتقدير مضافٍ إليه محذوف لاشتهاره، فهي دعوة الله أو دعوة الإسلام؛ أي: أنها دعوة إلى الله أو دعوة إلى دين الإسلام، قال الله تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} (يوسف: 108)، وقال:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} (الأحزاب: 45، 46)، وقال:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل: 125)، وقال:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104)، فالدعوة اصطلاحًا: نداء الناس إلى الله تعالى إيمانًا به وتصديقًا، وإلى دين الإسلام إجابة وتحقيقًا، قال
الإمام الطبري: الدعوة هي دعوة الناس إلى الإسلام بالقول والعمل، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله بتصديقهم فيما أخبروا به وطاعتهم فيما أمروا به.
أما أصول الدعوة كلقب أطلق على هذا العلم، فإن العلماء قد تكلموا فيه، فقال بعضهم: المراد بعلم أصول الدعوة الضوابط الكاملة للسلوك الإنساني وتقرير الحقوق والواجبات، والذي نختاره لتعريف علم أصول الدعوة باعتباره اللقبي: أنه علمٌ بقواعد وأحكام وأسباب وآداب يُتوصل بها إلى تمام تبليغ الإسلام للبشر عامة وتعليم وتربية المستجيبن كافة، وتحقيق التمكين لهذا الدين خاصة.
ومما تجدر ملاحظته أن العلم بالقواعد والأحكام والأسباب والآداب لا يُغفل نوازل الدعوة المعاصرة من حيث القضايا والأدوات والإمكانيات والملكات، كما يستوعب تاريخ الدعوات ومنهجية العلماء وطريقة المجددين المصلحين في الدعوة والإصلاح، كما تجدر العناية بأن الدعوة إلى الله تُعنى بأمتي الإجابة والدعوة معًا، والمقصود بأمة الدعوة: كل من أرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم العالمون أجمعون، كما سيجيء في بيان خصائص الإسلام ومنها العالمية، فأمة الدعوة هم جميع العالمين، وأما أمة الإجابة فالمقصود بهم الذين أجابوا دعوة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، فالدعوة تتجه إلى أهل الإسلام وأهل الكتاب، كما أنها تتجه إلى من لا يتدين بدينٍ أصلًا.
والدعوة تعنى بالتربية والإعداد والتكوين وتزكية المقبلين وبناء الكوادر الدعوية والعلمية والعملية، والتربية تقوم على دعائم من الربانية والوسطية والإيجابية، وإذا كان التمكين لهذا الدين من الجوانب العملية في الدعوة فإنه يقتضي بذل كل