الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعًا: أن يهتم الداعية بربط الحوادث والوقائع، وخصوصًا في تاريخنا الإسلامي بأسبابها وعللها المعنوية والأخلاقية، وأن يكون محور التاريخ الإسلامي هو الإسلام نفسه دعوة ورسالة، وأثره في تربية الأجيال، وتكوين الأمة المسلمة، وإقامة الدولة الإسلامية، وبناء الحضارة الإسلامية، والثقافة الإسلامية، وهنا يجب أن نُركّز على عدة حقائق تاريخية قد يغفلها مغفلون عمدًا أو سهوًا.
أولًا: يجب إبراز الجاهلية العالمية والعربية التي كان يتردَّى فيها العالم عامة، والعرب خاصة على حقيقتها بلا إفراط ولا تفريط، كما قال رب العالمين:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (الجمعة: 2).
ثانيًا: يجب الاهتمام بحركة الإصلاح والتجديد في تاريخ الإسلام، وبرجال التجديد الذين يبعثهم الله بين حين وآخر في هذه الأمة؛ ليجددوا لها دينها أيًّا كان لون هؤلاء الرجال واتجاههم، كما يجب الالتفات إلى دور الإسلام ورجاله وأثره في حركات المقاومة والتحرير التي ظهرت في العالم الإسلامي على تباعد أطرافه.
الثقافة الأدبية والواقعية
وأخيرًا إذا كانت الثقافة الدينية لازمة للداعية في الدرجة الأولى؛ فإن الثقافة الأدبية واللغوية لازمة له كذلك، ولكن الأولى تلزمه لزوم المقاصد والغايات، والثانية تلزمه لزوم الوسائل والأدوات. واللغة بمفرداتها ونحوها وصرفها لازمة لسلامة اللسان وصحة الأداء، فضلًا عن حسن أثرها في السامع بل صحة الفهم أيضًا؛ فالأخطاء اللغوية إن لم تحرف المعنى وتشوّه المراد؛ يمجها الطبع وينفر منها السمع.
والأدب بشعره ونثره، وأمثاله وحكمه، ووصاياه وخطبه مهم للداعية، يثقف به لسانه، ويجود أسلوبه، ويرهف حسه، ويقفه على أبواب من العبارات الرائقة والأساليب الفائقة، والصور المعبرة، والأمثال السائرة، والحكم البالغة، ويفتح له نافذة على الروائع والشوامخ، ويضع يده على مئات بل ألوف من الشواهد البليغة التي يستخدمها الداعية في محلها فتقع من القلوب أحسن موقع، وأبلغه، وقد جاء في الحديث:((إن من البيان لسحرًا)).
وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شعراء معروفون مثل: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة من الأنصار، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يجود بلسانه وشعره ويرد عنه هجو شعراء قريش، وقال لهم:((اهجوهم وروح القدس معك)).
ومن الجوانب المهمة في الثقافة الأدبية ما تحكيه كتب الأدب من حوار وقصص وأخبار، كثيرًا ما تكون له قيمة أخلاقية، أو دلالة تربوية فيلتقطها الداعية ذو الحس المرهف؛ لينقلها من مجال المتعة بالقراءة إلى مجال الدعوة والتوجيه.
من الثقافة التي ينبغي للداعية أن يهتم بها وبمعرفتها الثقافة الواقعية، وأعني بها الثقافة المستمدة من واقع الحياة الحاضرة، وما يدور في الفلك ودنيا الناس في العالم الإسلامي وفي خارجه، فلا بد للداعية حتى ينجح في دعوته أن يكون واقفًا على معرفة أحوال الناس من حوله، ومن هنا يجب على الداعية في عصرنا هذا أن يدرس واقع العالم الإسلامي، وواقع القوى العالمية المعادية للإسلام، وواقع الأديان المعاصرة، وواقع المذاهب السياسية المعاصرة، وواقع الحركات الإسلامية المعاصرة، وواقع التيارات الفكرية المعارضة للإسلام، وواقع الفرق المنشقة عن الإسلام، وواقع البيئة المحلية.
هذه معالم سريعة لما ينبغي أن تقوم عليه ثقافة الواقع، ولا يخفى أن هذه الثقافة لا تُستمد من الكتب وحدها فهي ثقافة نامية متجددة مستمرة يمكن الداعية أن يجدها في الصحف، والمجلات، والدوريات، والنشرات الرسمية وغير الرسمية، والداعية ذو العقل اليقظ والحس المرهف يستطيع أن يأخذ مددًا جديدًا من كل ما حوله من وقائع الحياة اليومية. فهذه هي ثقافة الداعية التي ينبغي أن يتسلح بها؛ لأن الدعوة إلى الله تبارك وتعالى جهاد، وكل جهاد لا بد له من سلاح، فلا بد للداعية أن يتسلح بأسلحة شتَّى، أولها سلاح الإيمان؛ فبدونه يبطل كل سلاح، وثانيها الأخلاق وهي من لوازم الإيمان الحق وثمراه، وثالثها العلم أو الثقافة فهي العُدّة الفكرية للداعية، والدعوة إلى الله زكاة العلم، ومن لم يملك النصاب كيف يزكي.
ولقد أمر الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسأله المزيد من العلم فقال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه: 114).
وقد استجاب صلى الله عليه وسلم لأمر ربه فكان كل يوم إذ انصرف من صلاة الصبح قال: ((اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، وعملًا متقبلًا، ورزقًا طيبًا)).
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.