الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والقضية التي يعرضها والحجج التي يقدمها تختلف كل الاختلاف عن جماعة المؤمنين المطبّقين وطبقة المسلمين الفاسقين المنحرفين.
العلم
ومن الصفات التي ينبغي على الداعية أن يحرص عليها ويتحلّى بها: صفة العلم: فالعلم قبل القول والعمل كما ترجم بذلك الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، ومستندًا ومستدلًّا بقول رب العالمين:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} (محمد: 19) فقدم العلم على العمل، والواقع أن تقديم العمل على أي عمل ضروريٌّ للعامل حتى يعلم ما يريد ليقصده ويعمل للوصول إليه، وإذا كان سبق العلم لأي عمل ضروريًّا فإنه أشد ضرورة للداعي إلى الله؛ لأن ما يقوم به من الدين منسوب إلى رب العالمين، فيجب أن يكون الداعي على بصيرة وعلم بما يدعو إليه وبشرعية ما يقوله ويفعله ويتركه، فإذا فقد الداعية العلم المطلوب واللازم له كان جاهلًا بما يريده، ووقع في الخبط والخلط والقول على الله ورسوله بغير علم؛ فيكون ضرره أكثر من نفعه وإفساده أكثر من إصلاحه، وقد يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف لجهله بما أحل الشرع وأوجبه وبما منعه وحرمه، فيجب إذًا لكل داعٍ إلى الله تعالى أن يتحلَّى بالعلم بشرع الله وبالحلال والحرام وبما يجوز وما لا يجوز، وبما يسوغ فيه الاجتهاد وما لا يسوغ وما يحتمل وجهين أو أكثر وما لا يحتمل، وإنما العلم كما قال ابن القيم رحمه الله:
العلم قال الله قال رسوله
…
قال الصحابة ليس بالتمويه
فالعلم الذي هو ضروري للداعية: هو العلم الشرعي الذي تقوم عليه الأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله وأقوال الصحابة، وفضل هذا العلم وأهله معروفٌ غير منكور، نطق به القرآن الكريم ورفع شأنه، وأكدته السنة النبوية، وأمر الله بالتزوّد منه وطلب المزيد منه، فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه: 114) وقال في بيان رفعة درجة العلماء: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11)، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من يرد به خيرًا يفقهه في الدين)) ولقد استشهد الله تبارك وتعالى بأهل العلم -وهو من هو في العلوّ والعظمة- على أجلّ مشهود عليه وهو توحيد الله عز وجل، وقرن شهادتهم بشهادته سبحانه وتعالى وشهادة الملائكة المقربين، وفي هذا تزكية لهم وتعديل وتوثيق؛ لأن الله تعالى لا يستشهد بمجروح، قال تعالى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران: 18).
وأهل العلم لا ينفعون أنفسهم فقط، وإنما ينفعون غيرهم بما يرشدونهم إليه ويدلونهم عليه ويوصلونهم به إلى ربهم، فالناس كما قال الإمام أحمد رضي الله عنه:"إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب"؛ لأنهم يحتاجون إليهما في اليوم مرة أو مرتين، وحاجتهم إلى العلم بعدد أنفاسهم.
ومن أجل هذا اتفقت كلمة الأئمة الأعلام على أن الانشغال بطلب العلم، أفضل من الانشغال بنوافل العبادات، بهذا قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وغيرهم من أئمة المسلمين، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((إن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، وإن الله تعالى وملائكته يصلون على معلمي الناسِ الخير)).
فعلى الداعية المسلم أن يحرص أن يكون دائمًا من المتفقهين في الدين، العلماء بأحكامه، المعلمين للناس الخير؛ حتى يصيبه ما نطقت به هذه الآيات والأحاديث، وليحذر كل الحذر من الكلام بغير علم؛ فإن الله تعالى قال:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء: 36) قال بعض السلف: "لا تقل سمعت وأنت لم تسمع، ولا تقل علمت وأنت لم تعلم، ولا تقل رأيت وأنت لم ترَ"، وليحذر الداعية أن يقول للشيء: هذا حلال، فيقول الله تعالى له: كذبت ما حللته، وأن يقول للشيء: حرام، فيقول الله تعالى له: كذبت، ما حرمته، قال تعالى:{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النحل: 116، 117).
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد على آله وصحبه أجمعين.