المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأدلة على وجوبه - أصول الدعوة وطرقها ١ - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 مدخل إلى علم الدعوة

- ‌ التعريف بالدّعوة

- ‌حُكم تبليغ الدّعوة وآراء العلماء في هذا

- ‌ملَكة البيان ووسائلها

- ‌العلوم التي لها ارتباط وثيق بعِلْم الدّعوة

- ‌العلوم التي تتناول أصول الدِّين وفروعَه

- ‌ المَواد العِلْميّة الكَونيّة

- ‌الدرس: 2 الدعوة إلى الله من أشرف الأعمال وأعظمها

- ‌الدَّعوة إلى الله مُهمّة الرُّسُل

- ‌تعدّد أسماء الدّعوة إلى الله ممّا يَدلّ على شَرفها

- ‌الدّعوة إلى الله ماضِية إلى يوم القيامة

- ‌الدرس: 3 أسباب استمرار الدعوة وبقائها

- ‌الصِّراع بين الإنسان وأخيه الإنسان

- ‌لِمَ كانت أمّة الإسلام هي المُكلَّفة شرعاً بالدّعوة إلى الله دون غَيرها من الأمم

- ‌الدرس: 4 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تعريفهما وأهميتهما وصلتهما بالدعوة

- ‌المَعروف والمُنْكر بين اللغة والاصطلاح

- ‌أهمِّيّة الأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر والأدلّة على وجوبه

- ‌صِلة الأمْر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر بالدّعوة إلى الله

- ‌الدرس: 5 تحديد المعنيين بخطاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأسباب المعصية، وشروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌تَحديد المَعْنِيِّين بخِطاب الأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر. أـ تحديد الظالمين لأنفسهم

- ‌ب- تَحديد أسباب المَعصية

- ‌تابع: أسباب المَعْصية

- ‌شُروط الأمْر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر

- ‌تابع: شروط الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر

- ‌الدرس: 6 أنواع البشر الذين يوجه إليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيفية علاجهم، ومراتب إنكار المنكر

- ‌(أنواع البشر الذين يوجه إليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيفية علاجهم

- ‌تابع: أصناف الناس الذين يُوجّه إليهم الأمْر بالمعروف والنّهي عن المنكر

- ‌المأمورات والمنهيّات التي يجب أن يتناولها الآمِر بالمعروف والنّاهي عن المنكَر

- ‌نوعان من الناس يتوجّه إليهما النّهي

- ‌مراتب إنكار المنكر. ما فيه الاحتساب

- ‌الدرس: 7 الصغائر والكبائر، ومراتب إنكار المنكر، وإزالته وضوابطه

- ‌وجوب معرفة الفرْق بين الكبيرة والصغيرة

- ‌أسباب انتقال الصغائر إلى كبائر

- ‌مراتب التّصدّي للمُنكَر وإزالته

- ‌حُكم التغيير بالقلب وبيان مظاهره

- ‌ضوابط الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر للحاكِم المسلم

- ‌الدرس: 8 أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌أولاً: أسلوب التعليم والتّفقيه

- ‌ثانياً: تقوية الإيمان، واستثمار الوازع الدِّيني

- ‌ثالثاً: الموعظة الحسَنة

- ‌رابعاً: التآلف والسِّتْر

- ‌خامساً: استثارة العواطف والمشاعر، وإيقاظ دوافع الحميّة والغيرة

- ‌الدرس: 9 تابع: أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌سادساً: الحثّ على التوبة، وقبولها من المذنبين. سابعاً: الزّجر بالإغلاظ في القول، والضرب

- ‌ثامناً: ردْع العصاة بإقامة الحدود الشرعيّة

- ‌تاسعاً: تغيير البيئة

- ‌عاشراً: إيجاد البدائل

- ‌الدرس: 10 الآثار السيئة الناتجة عن تقاعس المسلمين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحقيقة الدعوة الإسلامية

- ‌ الآثار السيئة التي أدى إليها التخاذل عن تبليغ الإسلام ونشره

- ‌هل الدّعوة إلى الله رسالة أم وظيفة

- ‌القاسم المشترَك بين الأنبياء جميعاً

- ‌الفرْق بين معجزات الإسلام والمعجزات الأخرى

- ‌الدرس: 11 من خصائص الدعوة الإسلامية

- ‌مِن خصائص الدّعوة الإسلامية (أ)

- ‌مِن خصائص الدّعوة الإسلاميّة (ب)

- ‌ربّانيّة الدّعوة الإسلاميّة

- ‌عالَميّة الدّعوة الإسلاميّة

- ‌الدرس: 12 تابع: من خصائص الدعوة الإسلامية

- ‌من خصائص دعوة الإسلام: أنها خاتِمة الرّسالات السابقة

- ‌الإسلام نظام شامل لِكلّ شؤون الحياة

- ‌ثبوت مصادر الإسلام وسلامتها من التّحريف

- ‌الدرس: 13 تابع: من خصائص الدعوة الإسلامية

- ‌توافُق الدّعوة مع العقل والفطرة ُ

- ‌وسطيّة الدعوة وملاءمتها للفطرة

- ‌قواعد الاعتدال والتّوسّط

- ‌أمَارات الوسطيّة والاعتدال في الدّعوة

- ‌الدرس: 14 من صفات الدعاة

- ‌من صفات الدعاة: التمهيد

- ‌من صِفات الدّاعي إلى الله

- ‌الاقتداء برسول الله والتّأسّي به صلى الله عليه وسلم

- ‌الإخلاص في القول والعمل

- ‌تابع: الإخلاص في القول والعمل

- ‌نواقض الإخلاص

الفصل: ‌أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأدلة على وجوبه

وقال الطبري: "المُنْكر: ما أنكره الله، ورآه أهل الإيمان قَبيحاً فعْله؛ ولذلك سُمِّيتِ مَعصية الله مُنكراً، لأن أهل الإيمان بالله يَستنكرون فِعلها، ويَستعظمون رُكوبها".

وقيل: "المُنْكر" هو: كل ما يُنْكره الشَّرع ويَنْفِر منه الطَّبع، صَغيرة كانت أو كبيرة. والمعاصي كلّها مُنكَرات، لأن العُقول السَّليمة تُنكِرها.

وقال ابن الأثير: "المُنْكر: ضد المَعروف، وهو: كلّ ما قبّحه الشَّرع وحرّمه وكَرِهَه، فهو مُنْكر".

‌أهمِّيّة الأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر والأدلّة على وجوبه

الأمر بالمَعْروف والنهي عن المُنْكر أصْل عظيم من أصول الإسلام، وتَرجع أهمِّيّتُه للأسباب التالية:

أولاً: إنّ صلاح العباد في الدنيا والآخِرة متوقف على الإيمان بوجود الله ووحدانيّته وطاعته، والتصديق بكلّ ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمام الطاعة مُتوقّف على الأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر، وبه يتمّ معرفة كلّ منهما، قال تعالى:{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} (النساء:114).

ثانياً: إنّ خَيرية هذه الأمّة وفضْلَها، وتَحقيق النَّصر والفَلاح لها، يتوقّف على الأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر، قال تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران:104).

ص: 83

يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: "ففي الآية بيان بالإيجاب؛ فإنّ في قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ} أمرٌ، وظاهر الأمْر الإيجاب. وفيها: بيان أنّ الفَلاح مَنوط به، إذ حصر وقال: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. وفيها: أنه فرْض كِفاية لا فرْض عيْن: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ}؛ فإذا ما قام به واحد أو جماعة، سَقط الفرْض عن الآخَرين".

ويُبيِّن القرآن الكريم: أنه لا يَخلو الزمان من أمّة مُؤمنة عابِدة تَقوم بالدَّعوة إلى الله، وتأمر بالمَعْروف وتنهى عن المُنْكر، وتُسارع إلى فِعل الخَيرات؛ قال تعالى:{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} (آل عمران:113، 114).

ثالثاً: بالأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر تَتحقّق الولاية والمُناصَحة بين المؤمنين، قال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة:71).

رابعاً: إنّ الأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر سَببٌ من أسباب النَّصر، وثَمرة من ثِمار التَّمكين في الأرض، قال تعالى:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (الحج:40، 41).

ولقد ذكَر القرآن الكريم في صفة الشهادة والقِتال في سبيل الله في سورة (التوبة) شروط مَن يَستحقّ نَصر الله، في قوله:{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} (التوبة:112).

ص: 84

خامساً: في الأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر النّجاة من الهَلاك، والمُحافظة على سلامة المُجتمع وأمْنه؛ فعَن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((مَثَل القائم على حدود الله والواقع فيها كمَثَل قومٍ استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبَعضهم أسفلها. فكان الذين في أسفلها إذا استقَوْا من الماء مَرّوا على مَن فَوقهم، فقالوا: لو أنّا خَرقْنا في نَصيبنا خَرقاً ولم نُؤذ مَن فَوْقنا. فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجَوْا، ونجَوْا جميعاً)).

ولقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ الدَّعوة للحق ومُواجَهة الباطل من أفضل الجِهاد مَنزلةً عِند الله، لا سيما حينما يُصْدعُ بها أمام الحُكَّام الجَبابِرة، والرُّؤساء الظَّالمين المُّستبِدِّين؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((أفضل الجِهاد: كلمةُ عَدلٍ عند سُلطان جائِر))، رواه النسائي بإسناد حسَن.

فالنصيحة للمسلمين، وتعاونهم على البر والتقوى، وعَدم التعاون على الإثم والعدوان، فَرْض دينيّ وواجب شرعيّ يحافظ على ثوابت المجتمع، ويُحْكِمُ التَّرابط بين أفراده.

قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة:2).

يقول الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يأمر الله عِباده المُؤمنين بالمُعاونة على فِعل الخَيرات وهو البِرّ، وتَرْك المُنْكرات وهو التَّقوى، وينهاهم عن التَّناصُر على الباطل والتَّعاون على المآثِم والمَحارم".

وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ من الأمر بالمَعْروف والنهي عن المُنْكر: مَنع الظالِم وردْعه عن ظُلمه وعُدوانه، والوقوف بجانب المَظلوم وحمايته؛ فعَن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اُنْصُرْ أخاك ظالِماً أو مَظلوماً)). قيل: يا

ص: 85

رسول الله. هذا نصرته مَظلوماً، فكيف أنصره إذا كان ظالِماً؟ قال:((تَحجُزه وتَمْنعه من الظُّلم، فذاك نَصْره))، رواه البخاري.

وعن أبي رُقيّة تَميم بن أوس الداري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((الدِّينُ النصيحة)). قُلنا: لِمَن؟ قال: ((للهِ، ولِكتابه، ولِرسوله، ولأئمّة المسلمين وعامّتهم))، رواه مسلم.

ولقد كان صلى الله عليه وسلم يُبايع أصحابه على النَّصيحة، ويَذْكرها في سياق أركان الإسلام؛ فعَن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، قال:((بايَعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصّلاة، وإيتاء الزكاة، والنُّصحِ لِكلِّ مسلم))، رواه مسلم.

وعن عُبادة بن الصامت -رضي الله تعالى عنه-، قال:((بايَعْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على السَّمْع والطاعَة، في العُسر واليُسر، والمَنْشَط والمَكْره -أي: في السَّهل والصَّعب- وعلى أثَرَة عَلينا -الأثَرة: الاختصاص بالأمْر المُشترك-، وعلى ألاّ نُنازع الأمْرَ أهلَه، إلاّ أنْ تَروْا كُفراً بواحاً عِندكم من الله تعالى فيه بُرهان -أي: ظاهِر لا يَحتمل تأويلاً-، وعلى أن نقول بالحق أينما كُنَّا، لا نخاف في الله لومةَ لائم))، متفق عليه.

ولقد بيّن صلى الله عليه وسلم: أنّ مِن آداب المجالس والطرقات: الأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((إيّاكم والجُلوسَ في الطّرقات!))، فقالوا: يا رسول الله. ما لنا من مجالِسنا بدٌّ، نتحدث فيها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((فإذا أبَيْتُم إلاّ المَجلس، فأعْطوا الطريقَ حَقّه)). قالوا: وما حق الطريق، يا رسول الله؟ قال:((غَضُّ البََصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمَعْروف، والنَّهي عن المُنْكر))، متفق عليه.

سادساً: إنّ تقاعُس الأمّة عن واجب الأمْر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر تَنجُم عَنه الأضرار التالية:

ص: 86

أ- استحقاق غَضب الله وسَخَطه ولعْنَته، كما حَدَثَ لبني إسرائيل، قال تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (المائدة:78، 79).

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((والذي نَفسي بيده! لتأمُرُنَّ بالمَعْروف ولتنهَوُنَّ عن المُنْكر، أو ليوشِكَنّ الله أن يَبعث عَليكم عِقاباً منه، ثم تَدْعونه، فلا يُستجاب لكم))، رواه الترمذي.

وقد ساق القرآن الكريم قصّة قوم لوط، الذين فشا فيهم المُنْكر، وانتشَر بينهم الشُّذوذ، وعمَّت الفاحِشة في أندِيَتهم، فحلّت عليهم اللّعنة، ونزل بهم العذاب؛ قال تعالى:{وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} (العنكبوت:28، 29).

ولقد كان من طَبيعة هؤلاء القَوم: أنَّ الفاحِشة تُرتَكب عَلناً أمام أعينهم، دون إنكار أو اعتِراض، قال تعالى:{وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} (النمل:54).

ولقد عاتَبهم لوط عليه السلام على تقاعُس العُقلاء في عَدم استنكار سلوكهم الفاضِح وأعمالهم القَبيحة، فقال تعالى:{وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} (هود:78).

وكان عاقِبة التَّخاذل والتهاون في الأمر بالمَعْروف والنهي عن المُنْكر: أنْ حلّ بهم عذاب أليم بطَريقة انفردوا بها عن الأمم السابقة واللاحِقة، قال تعالى: {فَلَمَّا

ص: 87

جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} (هود:82، 83).

وإنّ انتشار الفاحِشة والشُّذوذ في الحَضارة الغَربية الحَديثة، والتَّشجيع عليه، وتَقنِينه، وحَمْل المُجتمعات الإسلامية على السَّير في رِكابِها بدعوى لقاء الحَضارات والثَّقافات، لأمْرٌ يُؤذِن بالخَطر. ولقد بَدت بوادِره في الأوبئة الفتَّاكَة والأمراض القاتِلة، كـ"الإيدز" وغيره من الأمراض الخَبيثة. وظَهرت أعراض انهيار تلك الحضارة بما يُشاهَد من الحُروب الدَّامية الدائرة في أرجاء العالَم، والتفكك الاجتماعي، والانهيار الأخلاقي؛ ما ذلك إلاّ بسبب انهيار قاعدة الأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر، قال تعالى:{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (التوبة:67).

وإنّ إصرار بَعض أبناء المُسلمين ممَّن تَربّوْا على مَوائد الثقافة والأخلاق الغَرْبية، لِلعمل على انتشار المُنْكر وحبّ الفاحشة من خلال الفَنّ الساقط والأدب المَاجِن عَبر وسائل الإعلام، لأمْر يُنذر بالعَذاب الأليم في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النور:19).

ولقد حذّر القرآن الكريم المؤمنين من اتّباع خُطوات الشيطان، لأنها تؤدِّي إلى الأمْر بالفَحشاء والمُنْكر، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (النور:21).

سابعاً: القيام بالأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر مِن مُكفِّرات الذنوب والخطايا؛ فعَن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال: سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((فِتنة الرّجُل

ص: 88