الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني عشر
(تابع: من خصائص الدعوة الإسلامية)
1 -
من خصائص الدعوة الإسلامية
من خصائص دعوة الإسلام: أنها خاتِمة الرّسالات السابقة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين. أما بعد:
فما زالت هذه المحاضرات تتواصل حول خصائص الدّعوة إلى الله.
لقد انتهت روافد الأنبياء والمرسلين الذين بعثهم الله إلى الخلْق عبْر مسيرة الجنس البشري، إلى محمد صلى الله عليه وسلم، الذي خُتمت به النبوات والرسالات، وانقطع الوحي من بعده فلم يَعُد يتنزّل على أحد من البشَر غيره صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} (الأحزاب:40).
فهذه الآية نصّ صريح: أنه لا نبيّ بَعده صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان لا نبيّ بَعده، فأيضاً لا دِين غير دِين الإسلام يقترن به أو يتساوى معه، قال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} (آل عمران:19).
وقال تعالى في نصّ صريح واضح: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران:85).
فالأديان السماوية المتواجدة الآن -وهي: اليهودية والنصرانية- أشبهُ بعملة تذكارية انتهى التّداول بها لِما حلّ بهذه العملة من تزييف وتغيير، والأوْلى بها أن تُحفظ في متاحف التاريخ، لوجود عُملة جديدة يصعب تزييفها، ولا يستغني الناس عنها. وإنه من الخطإ العلمي، والانحراف الفكري، والتضليل العقائدي: الزعم بوضع الأديان الثلاثة على قَدَم المساواة.
فكيف بدينٍ انقطعت معجزاتُه، وتبدّلت معتقَداتُه، وحُرِّفت مصادرُه، وتنكّر له أهله، وقطعوا صلته بالحياة إلاّ من طقوس مبهَمة وترانيم غامضة، يتساوى
بدين معجزته قائمة ومحفوظة، وهي: القرآن الكريم، دِين كلّ عبادة فيه تنبض بالحركة وتُدير سفينة الحياة على الوجه الأمثل والأكمل.
إنه منذ أشرقت شمس الإسلام على الدنيا، وبسط جناحيْه بالقرآن والسُّنّة على العالَم، والأديان السابقة تعيش في كنفه، وتحظى برعايته، ما دامت تحفظ العهد وتصون الودّ، ولا تفكّر في العدوان عليه. وما كان غير المسلمين يحلمون يوماً أن تكون لهم هامة تقترب من هامة الإسلام، وما فكّروا يوماً أن يقفوا منه موقف النِّدّ للنِّدّ، لأنهم يعرفون حقيقة ما بين أيديهم من دِين انقطعت صلته بوحي السماء، ولا يُعلم عن مصادره شيء، ويعلمون حق العلْم ما لدى المسلمين من دين موصولٍ بالسماء في كل لحظة. قال تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (الأنعام:20).
ولكن للأسف تطوّع بعض العلماء من المسلمين -إمّا جهلاً، أو نفاقاً، أو طمعاً في منصب، أو عَرَض من أعراض الدنيا-، فأنزلوا الإسلام الشامخ من عليائه، ليضعوه في مصافّ أديان فقَدت أصولَها، وضعفت فروعها، حتى وجدنا بعضَهم يتأوّل في تفسير النصوص، ويلوي عنق الأدلة، ليوافق أهواء الآخَرين في وضْع أديانهم على قدَم المساواة بالإسلام. وهم بهذا يُنكرون أمراً معلوماً من الدِّين بالضرورة، وهو: نسْخ الإسلام لكلّ الديانات السابقة، وختْم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لكلّ النبوات والرسالات.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الرسالة والنبوّة قد انقطعت، فلا رسول بعدي ولا نبيّ)). قال: فشق ذلك على الناس. فقال: ((ولكن المبشّرات)). قالوا: يا رسول الله. وما المبشِّرات؟ قال: ((رؤيا الرّجل المسلم، وهي جزءٌ من أجزاء النبوة))، رواه الترمذي وقال:"صحيح غريب".
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني عند الله لخاتم النبيِّين، وإن آدم لمجندل في طينته))، رواه أحمد. وعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله تعالى بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي))، أخرجه الشيخان.
ونسوق لأولئك القوم الذين انساقوا طوعاً أو كرهاً لرغبات الغرب، ووقعوا في شباكه تحت مسمَّى:"حوار الحضارات" و"لقاء الأديان"، فتخلَّوْا عن ثوابت الإسلام: نصوصاً من الأناجيل التي بين أيدي النصارى الآن، تشير بوضوح وصراحة إلى أنّ الإسلام هو خاتم الرسالات. كما أشار إلى ختم النبوة والرسالة بعض نصوص العهد القديم.
فممّا جاء في العهد القديم: "جاء الرّبّ من سيناء، وأشرق لنا من ساعير، وتلألأ من جبال فاران". ويذكر العلماء أنّ هذه العبارة تشير إلى أماكن نزول الوحي:
فالمجيء من سيناء: إشارة إلى رسالة موسى عليه السلام.
والإشراق من ساعير: دلالة على رسالة -عيسى عليه السلام.
والتلألأ من جبال فاران: تنبيه على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن جبل فاران هو أحد جبال مكة.
وهذا ما تشير إليه سورة (التين)، قال تعالى:{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} (التين:1 - 3).
فلقد أقسم الله تعالى بهذه المواطن الثلاثة التي شهدت وحي السماء لأنبياء الله تعالى الثلاثة: عيسى، وموسى، ومحمد -عليهم جميعاً الصلاة والسلام-.
وإن قصْر اسم الإشارة على هذا البلد الأمين في قوله: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} دلالة على وجود الإسلام واستمراره، وأنّ مكة المكرمة والكعبة المشرّفة سيَظلاّن محطّ أنظار المسلمين وقِبلتهم، لأن اسم الإشارة لا يشار به إلاّ إلى شيء واقعٍ وموجود ومُحَسّ ومُشاهَد.
ولقد جاء في "إنجيل متّى"، (الإصحاح: 21)، قول عيسى عليه السلام لقومه:
"ما قرأتم قطّ في الكتب الحجَر الذي رفضه البنّاؤون، قد صار رأس الزاوية من قِبل الرّبّ. كان هذا عجيباً في أعيننا؛ لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله يُنزع منكم ويُعطي لأمة تعمل أثماره".
وهذا ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم: فقد روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلي ومَثَل الأنبياء كمَثَل رجُل بنى داراً فأكملها وأحسنها، إلاّ موضع لَبِنة. فكان مَن دخَلها فنظر إليها قال: ما أحسنها! إلاّ موضع هذه اللّبنة! فأنا موضع اللّبنة؛ خُتم بي الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-))، رواه البخاري ومسلم.
وجاء أيضاً في "إنجيل يوحنا"(الإصحاح: 20 - 24):
قول عيسى عليه السلام للمرأة السّامريّة عن تحويل القِبلة التي يصلي إليها بنو إسرائيل إلى قِبلة أخرى، ولم تتغيّر القبلة إلاّ على يد محمد صلى الله عليه وسلم. يقول الإنجيل:"إن المرأة السّامريّة قالت ليسوع: آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون: إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجدوا فيه. قال لها يسوع -أي: عيسى عليه السلام: "يا امرأة. صدقيني. إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون لله. الله روح، والذي يسجدون له؛ فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا".