الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالاعتقاد القلبيّ اليقينيّ الصادق للعقيدة، والقيام بأداء العبادات، فرْض على كلّ مسلم بالغ عاقل، مع شروط التكليف لكلّ عبادة.
ولقد شرع الله الحدود في الدنيا والعقوبات في الآخرة، صيانةً للعقيدة وحفظاً للشريعة، وأمناً للمجتمع، واستمراراً للإسلام. وجعل من واجب الأمّة -ولا سيما علماؤها ودُعاتها-: الحرص على أداء الشعائر، وذلك بتثبيت المؤمنين الطائعين على إيمانهم، وتبشيرهم بما أعدّه الله لهم في الآخرة، ليزدادوا إيماناً على إيمانهم، ويقيناً صادقاً لا يُخالجه أدنى شكّ أو ريْب في وعْد الله لهم بالجنة.
قال تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً} (مريم:76).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
3 -
مراتب إنكار المُنكَر
نوعان من الناس يتوجّه إليهما النّهي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
فلقد تناولنا الأوامر والنواهي في الشريعة الإسلامية، وانتهينا إلى القول فيما يتعلّق بالواجبات. وفي هذه المحاضرة نتناول: النهي عن المنكر، حيث يتّجه النهي إلى نوعيْن من الناس:
النوع الأول: المقصِّرون في العبادة، المتكاسلون عنها، دون جحود أو إنكار، المتشاغلون في الدنيا عن بعض الفرائض والواجبات؛ فهؤلاء يحتاجون لِمَن يوقظهم من غفلتهم، وأن يجلُوا ما ران على قلوبهم من غشاوة، وأن يزيلوا ما في عقولهم من حُجب النسيان، قال تعالى:{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} (الغاشية:21).
وقال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} (الأعلى:9).
وهؤلاء هم الأوّابون إلى الله، المبادرون بالتّوبة، المتسابقون إلى الطاعة. فبمجرّد سماع التذكرة والنصيحة، تقشعرّ قلوبُهم لأقلّ معصية، وترتعش أبدانهم لأدنى تقصير، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (الأعراف:201).
يقول الإمام ابن كثير: "تذكروا عقاب الله وجزيل ثوابه ووعْده، فتابوا وأنابوا، واستعاذوا بالله، ورجعوا من قريب".
وهؤلاء لا يُقسَى عليهم بالموعظة، ولا يُعنّفون أثناء النصيحة، ولا يُتهدّدون بالعقوبة؛ فالكلمة الحسنة توقظهم من غفلتهم، والتّوجيه الحليم الرفيق يفجّر ينابيع الخير في نفوسهم، فيتخلّصون من ذلّ المعصية، وينتقلون إلى عزّ الطاعة. فهم يَصدُق عليهم قولُ الله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} (الشورى:25، 26).
النوع الثاني: جماعة من المؤمنين غرّتْهم الحياة الدنيا وزينتُها، فاندفعوا في طلَبها، وركضوا في تحصيلها كما يركض الوحش في البرية، وزيِّن لهم الشيطان سوء أعمالهم، فارتكبوا المعاصي وانغمسوا في الشهوات، حتى قستْ قلوبهم، فأصبحوا يعيشون في دائرة المعصية لا يخرجون منها، وتنكّبوا الطريق المستقيم، وصرفتهم رياح الفسوق فوقعت بهم إلى هاوية الذنوب، ومنحدَر الخطيئة، وإثم الفجور والعدوان.
هؤلاء العصاة كالوباء، يجب محاصرتهم وعلاجهم، وتوخّي الحِكمة والحيطة والحذر في نهْيهم عن المنكر. ويكون ذلك بما يلي:
أولاً: دراسة أسباب المعاصي، وقد سبق أن تناولناها في المحاضرة السادسة.
ثانياً: التّعرّف على حقيقة ما يُرتكب من المُنكرَات؛ فقد قسّم الشرع المعاصي إلى كبائر وصغائر، فالكبيرة هي:"كلّ معصية يترتّب عليها حدّ، أو توعّد بالنار، أو اللعنة، أو الغضب".
وهذا التعريف مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما والحسن البصري. قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} (النساء:31).
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} (الشورى:37).
وقال تعالى شأنه: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَاّ اللَّمَمَ} (النجم:32).
ففي هذه الآيات توضيح على أنّ الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر. ولقد جاءت سورة (الإسراء) تفصل هذه الكبائر قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً * وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً * وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَاّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً * وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً * وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً * وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً * وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوها} (الإسراء:31 - 38).
ولقد جاءت السُّنّة النبوية الشريفة تُحدِّد الكبائر وتُحذِّر منها، فعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((اجتنِبوا السَّبْع الموبقات!)). قيل: يا رسول الله. وما هن؟ قال: ((الشِّركُ بالله، وقتْلُ النّفْس التي حرَّم الله إلاّ بالحق، والسّحر، وأكْل الرِّبا، وأكْل مال اليتيم، والتّولِّي يوم الزّحْف، وقذْف المحصنات الغافلات المؤمنات))، رواه الشيخان.
وهناك أحاديث أخرى تُضيف إلى تلك الكبائر السّبْع كبائرَ أخرى، كعقوق الوالديْن، واستحلال البيت الحرام، والإلحاد فيه بظلم، قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ
فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (الحج:25)، كذلك شهادة الزور، قال تعالى:{وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (الحج:30).
وعن أبي بكرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى، يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالديْن. وكان مُتّكئاً فجلس فقال: ألَا وقوْل الزُّور! فما زال يُكرِّرها حتى قلنا: لَيْتَه سكت!)). متفق عليه.
وقد أورد ابن كثير الكثير من الأحاديث التي تُحدِّد الكبائر، فلْيرجع إليها في تفسير قوله تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} (النساء:31)، لمن يريد أن يستزيد في هذا الموضوع.
ولقد ذكَر الكبائر وحصَرها ابن حجر الهيثمي في كتابه القيِّم: "الزّواجر في اقتراف الكبائر"، فلْيراجَع.
وفي التمييز بين الصغائر والكبائر، يقول شيخ الإسلام العزّ بن عبد السلام رحمه الله في كتابه "القواعد":
"إذا أردتَ معرفة الفرْق بين الصغائر والكبائر، فاعْرضْ مفسدةَ الذّنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فإن نقصت عن أقلّ مفاسد الكبائر -أي: المنصوص عليها-، فهي من الصغائر، وإن ساوت أدنى مفاسد الكبائر أو أربَتْ عليها، فهي من الكبائر".
وقد ذكَر الإمام أبو حامد الغزالي حالات وقوع المعاصي:
الحالة الأولى: أن تكون مُنصرِمة، أي: ارتُكِبتْ وانتهى أمْرها.
فالعقوبة على ما تصرّم منها: حدٌّ أو تعزير؛ وهو إلى الوُلاة لا إلى الآحاد. أي: أن إقامة الحد الشرعي أو التعزير فيما ليس فيه حد أمْر يخصّ وليّ الأمر أو من
ينوب عنه بنفسه، ولا يجوز لأحد من الأفراد عالِم أو غير عالِم أن يوقع العقوبة بنفسه، وإلا تنقلب الأمور إلى فوضى.
الحالة الثانية: أن تكون المعصية راهنة، وصاحبها مباشِر لها، كلبسه الحرير، أو إمساكه العود، أو تختّمه بالذهب؛ فإبطال هذه المعصية واجب بكلّ ما يمكن، ما لم تُؤدِّ إلى معصية أفحش منها أو مثلها. وذلك يثبت للآحاد من الرّعيّة. أي: أن الأفراد والمجتمع ووليّ الأمر مطالبون شرعاً بالحيلولة دون وقوع المُنكر، بشرط ألاّ يؤدِّيَ النهي والمنع إلى معصية مثلها أو أشدّ منها.
الحالة الثالثة: أن يكون المُنكَر متوقَّعاً، كالذي يستعدّ بكنس المجلس وتزيينه وجمع الرياحين، لِشُرب الخمر؛ فهو مؤهَّل لارتكاب المعصية، ولم يرتكبها بَعْد. فهذا مشكوك فيه؛ إذ ربما يعوقه عائق. فلا يثبت للآحاد سلطةٌ على العازم على الشرب إلاّ بطريق الوعظ أو النصح، فأمّا التعنيف والضرب فلا يجوز للآحاد ولا للسلطان، إلاّ إذا كانت تلك المعصية عُلمت منه بالعادة المستمرّة، وقد أقدم على السبب المؤدِّي إليها، ولم يبق لحصول المعصية إلاّ ما ليس له فيه إلاّ الانتظار.
فدرء هذه المفاسد والمُنكَرات لا يتمّ بالانفعال الموقوت، والعاطفة الجيّاشة، والحماس الأرعن، الذي قد يُفسد أكثر ممّا يصلح، ويضرّ أكثر من أن ينفع.
وإنّما الأمر يتطلب الرّوية وعدمَ الاندفاع. وينبغي دراسة ما يترتّب على الأمْر والنّهي، ومدى ردّ فعل العاصي: هل سيتسجيب من فوْره ويكفّ عن ارتكاب المعصية، ويُبدي أسفه وندمَه، أم سيُعاند ويُكابر وينتقل إلى فاحشة أشدّ؟ أم سيقاوم وسيعتدي على مَن يريد منْعَه، وقد يُلحق به الأذى.
وقد ساق القرآن الكريم قصة بني إسرائيل مع هارون عليه السلام، حينما ذهب موسى عليه السلام لمناجاة ربّه واستخلف أخاه هارون على بني إسرائيل، فاتّخذوا العجل بحيلة صنَعها السّامريّ. فلمّا رجع موسى عليه السلام ووجَد تغيّر قومه وانحرافهم، عَتب على أخيه وعنّفه لِعدم التّصدّي لِهذا المُنكر، فكان جواب هارون عليه السلام هو خشيته أن يؤدِّي الإنكار إلى ضرر أشدّ، وهو: وقوع الفرقة والانقسام وإحداث الفتنة بين قومه. قال تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (الأعراف:150، 151).
ولقد جاءت سورة (طه) لتُكمل مشهد موسى عليه السلام مع أخيه، وتعنيفه لِعدم مقاومة المُنكَر، وكيف أبدى هارون عليه السلام وجهة نظَره في السّكوت. قال تعالى:{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى * قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَاّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} (طه:90 - 94).
ففي هذه الآيات من سورة (الأعراف) و (طه) قواعد هامّة في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. ومن هذه القواعد والتوجيهات ما يلي:
أولاً: للدّاعية أن يُبدي غيرته وغضبه وأسَفه على ما يُرتكَب من المُنكَرات؛ وهذا ما فعَله موسى عليه السلام.
ثانياً: عدم التّصدّي للمُنكَر إذا كان سيؤدِّي إلى ما هو أشدّ منه مُنكراً؛ وقد برّر هارون عليه السلام ذلك لسببيْن:
السبب الأول: أنّ القوم استضعفوه وكادوا يقتلونه.
السبب الثاني: خشيته تفرّق بني إسرائيل، وحدوث شقاق وفتنة بينهم.
ثالثاً: أنه لا ينبغي للدّاعية أن يغمض عينه عمّا يدور حوله من المنكَرات، بل يجب عليه أن يكشف عن أضرارها وأخطارها؛ وهذا ما فعَله هارون عليه السلام بالموعظة. قال تعالى:{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} (طه:90).
رابعاً: أنه في حالة خروج إزالة المُنكَرات عن قدرات الدّاعي وسلطاته، فلينتظرْ حتّى يأتي مَن هو أقدر منه ليتولّى الأمْر من واقع إمكاناته؛ وهذا ما فعَله هارون عليه السلام حينما وجَد أنّ قدراته لا تمكِّنه من إزالة العِجل الذي اتّخذوه إلهاً، فانتظر حتى رجع موسى عليه السلام من مناجاة ربه.
خامساً: عدم التّسرّع في إلقاء اللّوم على الدعاة لتقصيرهم، دون الوقوف على أسباب هذا التقصير؛ فحينما استمع موسى عليه السلام لأخيه هارون، وتبيّن له وجهة نظره، دعا الله له ولأخيه أن يغفر لهما قال تعالى:{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (الأعراف:151).
سادساً: ينبغي أن يُحافَظ على هيبة الدّعاة وعدم النيْل منهم أمام الناس أو عبر وسائل الإعلام، حتى لا تسقط مكانتهم في المجتمع؛ وهذا ما أشار إليه هارون عليه السلام بقوله لموسى عليه السلام {فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (الأعراف:150).
سابعاً: عدم القيام بالدعوة في حالة الانفعال والغضب والثورة؛ وهذا ما فعَله موسى عليه السلام. قال تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} (الأعراف:154).