الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُكم تبليغ الدّعوة وآراء العلماء في هذا
الدّعوة إلى الإسلام من خَصائص هذه الأمّة، مِن أجْلها خُلقت، وبالانتساب إليها شَرُفت، وبتَبليغها وتَعريف البَشر بالإسلام بلَغَت ذُرى المَجْد، وارتَقت مراقيَ الكمال.
والدّعوة إلى الله إحدى المَهام الرئيسيّة للمسلمين، ومَعلم بارزٌ يَنفردون به بين الأُمم. وهم مسؤولون أمام الله يوم القيامة عن قيامهم بالتَّبليغ، أو تَقاعسهم عنهم. قال تعالى:{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} (الزُّخرُف:43، 44).
والأمّة الإسلامية في مَجموعها أمّةُ الدّعوة إلى الله، يَجب أن تتوافر جهودُها، وتتكاتَف كلمتُها، ويُرصد جزءٌ من مواردها لتبليغ الإسلام ونشْره، ودَفْع الشبهات عنه، وردّ كيْد كلّ مَن يَعتدي عليه.
ولقد أوضح القرآن الكريم، وبيَّنت السُّنّة النبوية الشريفة، حُكمَ تَبليغ الدّعوة إلى الله؛ ومِن خِلال نُصوص الكتاب والسُّنة، قسَّم العلماء هذا الحُكم إلى قسميْن:
القسم الأول: إنّ الدّعوة إلى الله فَرْض عَيْن على الأنبياء والمرسَلين، ثم العلماء الذين فقِهوا دين الله، ووقفوا على أحكامه، وتَعرَّفوا على شَرائعه.
- ومن أدلّة الوجوب من القرآن الكريم: ما يلي:
ما أمَر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم في أوائل ما نَزل من الوحي، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} (المدَّثر:1 - 3).
وقال تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الحِجر:94).
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (المائدة:67).
وقال تعالى: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدىً مُسْتَقِيمٍ} (الحج:67).
وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل:125).
ولقد أمَر الله المسلمين أن تَكون مِن بينهم جماعةٌ تَتَفرّغ للدّعوة والقيام بأمْرها. قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران:104).
يقول الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: "ولتكُن منكم أمة منتصِبة للقيام بأمْر الله في الدّعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر؛ وأولئك هم المفلحون".
هذه الجماعة التي يُناط بها أمرُ الدّعوة إلى الله، يجب أن يَحْسُنَ اختيارها، وأن تُعدَّ إعداداً خاصاً يؤهِّلُها لهذا العمل الشريف، وأن تُنتَقَى من بين المَواهب المُتفرِّدة والقُدرات المُتميِّزة. قال تعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة:122).
- والأدلّة من السنة النبوية الشريفة على وجوب تَبليغ الدعوة، وأنها فَرْض عَين على العُلماء، يشاركُهم في المَسؤولية ولاةُ الأمر من حُكَّام المسلمين وزُعمائهم، كَثيرة:
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن رأى منكم مُنكراً فليُغيِّرْه بيَده، فإن لم يَستطع فبِلسانه، فإن لم يَستطع فبقَلبه؛ وذلك أضعفُ الإيمان))، رواه مسلم.
وعن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((والذي نفسي بيده! لتأمُرُنّ بالمَعروف ولتَنهوُنّ عن المُنكر، أو ليوشكنّ اللهُ أن يَبعث عَليكم عِقاباً منه، ثم تَدْعونه، فلا يُستجاب لكم))، رواه الترمذي بإسناد حسَن.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بلِّغوا عَنِّي ولو آية))، رواه البخاري.
ومن فوق جبل عرفات، في حجّة الوداع، قال صلى الله عليه وسلم قوْلته الآمرة الخالدة:((ألَا فلْيُبلِّغ الشّاهدُ منكم الغَائب)).
من خِلال هذه النصوص، انعَقد إجماع المسلمين على: وجوب تَبليغ الدّعوة إلى الله، وأنها فَرْض عَين على العُلماء والدُّعاة، وأنه يَجب على ولاة الأمر مؤازرتهم ومساندتهم، لتحقيق هذا الغَرض الدِّينيّ.
القسم الثاني: تعاون جَميع أفراد الأمّة فيما بَينهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو حقّ لدَى جَميع المسلمين، وفَرْض كِفاية إذا قام به البَعض سَقط الإثم عن الجَميع. أمّا إن تقاعست الأمّة عن التَّناصُح فيما بينها، فإنّ الجَميعَ مسؤولون ويأثمون عن هذا التقاعس.
- والأدلّة من القرآن الكريم على: أنّ الأمّة الإسلامية مُتضامنة فيما بينها على الأمر بالمَعروف والنَّهي عن المُنكر، ومن ذلك:
قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران:110).
قال ابن كثير: "هذه الآية عامّة في جَميع الأمّة كلّ قَرن بحَسَبه".
وقال تعالى آمراً المسلمين جميعاً بالتعاون فيما بينهم على البِرِّ والتقوى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة:2).
وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر:1 - 3).
يقول الإمام الشافعي: "لو لمْ يَنزل من القرآن غير هذه السورة، لكَفَتِ المسلمين". ويقول أيضاً: "إنّ الناس أو أكثرهم في غَفلة عن تَدبّر هذه السورة".
- ومِن السُّنّة:
عن أبي رُقيَّة تَميم بن أوس الدَّاري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الدِّين النَّصيحة))، قلنا: لِمَن يا رسول الله؟ قال: ((للهِ، ولِكتابه، ولِرسوله، ولأئمّة المسلمين وعامّتهم))، رواه مسلم.
وعن جَرير بن عبد الله، قال:((بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنُّصحِ لكلِّ مسلم))، متفق عليه.
ولقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم مَسؤولية المُجتمع المسلم، ووجوب التَّناصح فيما بَينهم، وأثَرَ ذلك في نَجاة المُسلمين من الفِتن والأحداث؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَثل القائمِ على حُدود الله والواقع فيها كمثَلِ قومٍ استهموا على سفينة، فأصاب بعضُهم أعلاها وبعضُهم أسفلَها. فكان الذين في أسفلها إذا