الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وادياً إلاّ كانوا معكم، حبَسهم المرض))، وفي رواية:((إلاّ شارَكوكم في الأجْر))، رواه الإمام مسلم.
والإخلاص يتحقّق إذا شعر المسلم أنه مراقَب مِن قِبَل الله تعالى في سِرِّه وعلانيته، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} (آل عمران:5).
وقال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (غافر:19).
فإذا استشعر المسلم -ولا سيما الدّاعي إلى الله- أنه تحت سمْع الله وبصَره، فإنّ هذا يتولّد منه ملَكة المراقبة التي تؤدّي إلى درجة الإحسان، وهي أعلى درجات الإيمان؛ ففي حديث جبريل عليه السلام حينما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم:((ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
نواقض الإخلاص
ومن نواقض الإخلاص ونقائصه: أن يكون الدّاعي في دعوته كالحرباء، فيجعل من الدّعوة إلى الله تزلّفاً لذي سلطان، أو رياءً ليشتهر أمْرُه ويرتفع شأنُه؛ وهذا هو الرِّياء المُحبِط للعمل، المُذْهِب لثوابه؛ قال صلى الله عليه وسلم:((إنّ أخْوفَ ما أخافُ عليكم: الشِّرك الأصغر. قالوا: وما الشِّركُ الأصغر، يا رسول الله؟ قال: الرِّياء. يقول الله يوم القيامة إذا جزى النّاسَ بأعمالهم: "اذهبوا إلى الذين كنتم تُراؤون في الدّنيا، فانظروا هل تَجِدون عندهم جزاءً))، رواه الإمام أحمد.
وقد جاء رجل إلى عُبادة بن الصّامت رضي الله عنه فقال: "أنْبئْني عمّا أسالك عنه. أرأيتَ رجلاً يُصلّي يبتغي وجْه الله ويحب أن يُحمَد، ويصوم يَبْتغي وجْه الله ويُحبّ أن يُحمَد، ويتصدّق ويبتغي وجْه الله، ويُحبّ أن يُحمَد، ويحجّ يبتغي وجْه الله،
ويُحبّ أن يُحمَد؟ فقال عُبادة: ليس له شيء. إن الله تعالى يقول: "أنا خير شريك؛ فمَن كان له معي شريك فهو له؛ ولا حاجة لي فيه"، تفسير ابن كثير.
وقد ذكر الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه "الإحياء": الأمور التي تنقض إخلاص الدّعاة إلى الله، وتُبطل أعمالهم فقال:
"الرياء بالقول، وهو: رياء أهل الدِّين بالوعظ والتّذكير، والنّطق بالحِكمة، وحفْظ الأخبار والآثار لأجْل الاستعمال في المحاورة وإظهاراً لغزارة العلْم، ودلالةً على شدّة العناية بأحوال السّلَف والصالحين، وتحريك الشّفَتيْن بالذِّكر في محضر النّاس، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بمشهد الخلْق، وإظهار الغضَب للمنكَرات، وإظهار الأسف على مقارفة الناس للمعاصي، وتضعيف الصّوت في الكلام، وترقيق الصّوت بقراءة القرآن لِيدلّ بذلك على الخوف والحزن، وادّعاء حفْظ الحديث ولقاء الشيوخ، والمجادلة على قصْد إفحام الخصم ليُظهر للناس قوّته في علْم الدين".
وهكذا كلّ عمل لا يُقصد به وجْهُ الله، وينتفي منه الإخلاصُ وصدْقُ النِّية، فإنّه يكون هباءً منثوراً؛ قال تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} (الفرقان:23)، لأن هذه الأعمال فقدَتْ الشرط الشرعي وهو: الإخلاص، وسلامة النّية، وصحة قصْد وجه الله بتلك الأعمال.
ممّا سبق، يتّضح: أن الإخلاص هو: روح الدِّين، وجوهر العبادة، وأساس قبول الأعمال، وأن الدّعاة إلى الله يجب عليهم أن يتجمّلوا بخُلُق الإخلاص في القول والعمل، وأن يتّجهوا بوعْظهم وإرشادهم في الإخلاص لله تبارك وتعالى، وأن يبتعدوا عن كلّ مظاهر الشّرك والرياء والنفاق، وأن يجعلوا الإخلاص يتحقّق على النحو التالي:
أولاً: توجيه النشْء منذ نعومة أظفارهم على مفهوم الإخلاص وثمراته المرجوّة وفوائده من الدنيا والآخرة.
ثانياً: أن يجد الأبناء صُوَر الإخلاص واقعاً ملموساً أمامهم، يرَوْنه في الأب الذي يُخلص لزوجته. ويشعرون بهذا الإخلاص ويرَوْنه ماثلاً أمام أعْينهم في الأمّ التي تتفانى في خدمة زوجها وأولادها، وتتفانى في الإخلاص لهم. يشاهدون الإخلاص حياً يتحرك أمام أعينهم في المُدرِّس الذي يبذل قصارى جهده لأبنائه الطلاب، حيث يُتقن عمَله ويُخلص في درْسه، وكذلك في سائر الأعمال. يُرى في الأمّة فيما بينها، حيث يؤدِّي كل فرد فيها عمله بإتقان وإخلاص، ممّا يعود عليها بالخير، حيث الجميع يقصدون بعملهم وجه الله تعالى.
والدعاة كلما أخلصوا لله في أفعالهم وأقوالهم، تفتّحت لهم القلوب، وأصغت لمواعظهم النفوس والعقول، واستبصرت بقدومهم الأندية والمجالس، وانعكس ذلك على رُقيّ المجتمع وازدهاره؛ وهذا من أعلى فوائد الإخلاص وثمراته.
هذا، وبالله التوفيق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.