المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من خصائص الدعوة الإسلامية (أ) - أصول الدعوة وطرقها ١ - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 مدخل إلى علم الدعوة

- ‌ التعريف بالدّعوة

- ‌حُكم تبليغ الدّعوة وآراء العلماء في هذا

- ‌ملَكة البيان ووسائلها

- ‌العلوم التي لها ارتباط وثيق بعِلْم الدّعوة

- ‌العلوم التي تتناول أصول الدِّين وفروعَه

- ‌ المَواد العِلْميّة الكَونيّة

- ‌الدرس: 2 الدعوة إلى الله من أشرف الأعمال وأعظمها

- ‌الدَّعوة إلى الله مُهمّة الرُّسُل

- ‌تعدّد أسماء الدّعوة إلى الله ممّا يَدلّ على شَرفها

- ‌الدّعوة إلى الله ماضِية إلى يوم القيامة

- ‌الدرس: 3 أسباب استمرار الدعوة وبقائها

- ‌الصِّراع بين الإنسان وأخيه الإنسان

- ‌لِمَ كانت أمّة الإسلام هي المُكلَّفة شرعاً بالدّعوة إلى الله دون غَيرها من الأمم

- ‌الدرس: 4 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تعريفهما وأهميتهما وصلتهما بالدعوة

- ‌المَعروف والمُنْكر بين اللغة والاصطلاح

- ‌أهمِّيّة الأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر والأدلّة على وجوبه

- ‌صِلة الأمْر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر بالدّعوة إلى الله

- ‌الدرس: 5 تحديد المعنيين بخطاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأسباب المعصية، وشروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌تَحديد المَعْنِيِّين بخِطاب الأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر. أـ تحديد الظالمين لأنفسهم

- ‌ب- تَحديد أسباب المَعصية

- ‌تابع: أسباب المَعْصية

- ‌شُروط الأمْر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر

- ‌تابع: شروط الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر

- ‌الدرس: 6 أنواع البشر الذين يوجه إليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيفية علاجهم، ومراتب إنكار المنكر

- ‌(أنواع البشر الذين يوجه إليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيفية علاجهم

- ‌تابع: أصناف الناس الذين يُوجّه إليهم الأمْر بالمعروف والنّهي عن المنكر

- ‌المأمورات والمنهيّات التي يجب أن يتناولها الآمِر بالمعروف والنّاهي عن المنكَر

- ‌نوعان من الناس يتوجّه إليهما النّهي

- ‌مراتب إنكار المنكر. ما فيه الاحتساب

- ‌الدرس: 7 الصغائر والكبائر، ومراتب إنكار المنكر، وإزالته وضوابطه

- ‌وجوب معرفة الفرْق بين الكبيرة والصغيرة

- ‌أسباب انتقال الصغائر إلى كبائر

- ‌مراتب التّصدّي للمُنكَر وإزالته

- ‌حُكم التغيير بالقلب وبيان مظاهره

- ‌ضوابط الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر للحاكِم المسلم

- ‌الدرس: 8 أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌أولاً: أسلوب التعليم والتّفقيه

- ‌ثانياً: تقوية الإيمان، واستثمار الوازع الدِّيني

- ‌ثالثاً: الموعظة الحسَنة

- ‌رابعاً: التآلف والسِّتْر

- ‌خامساً: استثارة العواطف والمشاعر، وإيقاظ دوافع الحميّة والغيرة

- ‌الدرس: 9 تابع: أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌سادساً: الحثّ على التوبة، وقبولها من المذنبين. سابعاً: الزّجر بالإغلاظ في القول، والضرب

- ‌ثامناً: ردْع العصاة بإقامة الحدود الشرعيّة

- ‌تاسعاً: تغيير البيئة

- ‌عاشراً: إيجاد البدائل

- ‌الدرس: 10 الآثار السيئة الناتجة عن تقاعس المسلمين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحقيقة الدعوة الإسلامية

- ‌ الآثار السيئة التي أدى إليها التخاذل عن تبليغ الإسلام ونشره

- ‌هل الدّعوة إلى الله رسالة أم وظيفة

- ‌القاسم المشترَك بين الأنبياء جميعاً

- ‌الفرْق بين معجزات الإسلام والمعجزات الأخرى

- ‌الدرس: 11 من خصائص الدعوة الإسلامية

- ‌مِن خصائص الدّعوة الإسلامية (أ)

- ‌مِن خصائص الدّعوة الإسلاميّة (ب)

- ‌ربّانيّة الدّعوة الإسلاميّة

- ‌عالَميّة الدّعوة الإسلاميّة

- ‌الدرس: 12 تابع: من خصائص الدعوة الإسلامية

- ‌من خصائص دعوة الإسلام: أنها خاتِمة الرّسالات السابقة

- ‌الإسلام نظام شامل لِكلّ شؤون الحياة

- ‌ثبوت مصادر الإسلام وسلامتها من التّحريف

- ‌الدرس: 13 تابع: من خصائص الدعوة الإسلامية

- ‌توافُق الدّعوة مع العقل والفطرة ُ

- ‌وسطيّة الدعوة وملاءمتها للفطرة

- ‌قواعد الاعتدال والتّوسّط

- ‌أمَارات الوسطيّة والاعتدال في الدّعوة

- ‌الدرس: 14 من صفات الدعاة

- ‌من صفات الدعاة: التمهيد

- ‌من صِفات الدّاعي إلى الله

- ‌الاقتداء برسول الله والتّأسّي به صلى الله عليه وسلم

- ‌الإخلاص في القول والعمل

- ‌تابع: الإخلاص في القول والعمل

- ‌نواقض الإخلاص

الفصل: ‌من خصائص الدعوة الإسلامية (أ)

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الحادي عشر

(من خصائص الدعوة الإسلامية)

1 -

الآثار السيِّئة التي تلحق بالمسلمين من جرّاء التقاعس عن تبليغ الإٍسلام ونشْره

‌مِن خصائص الدّعوة الإسلامية (أ)

فقد تناولنا في المحاضرة السابقة: تعريف الدّعوة إلى الله، وبيّنّا مدى حاجة البشَر إليها، وأنه لا بديل عنها لسعادة الخلْق، ثم حُكْم تبليغ الدّعوة، ومتى تكون فرْض عيْن أو فرْض كفاية؟ وبعد أن وضّحنا الآثار السيئة التي تعود على المسلمين والعالَم بأسره، حينما تقاعسنا وتخاذلنا عن الدعوة إلى الإسلام، نستكمل هذه المحاضرة ببيان خصائص الدّعوة إلى الله التي ينفرد بها وحْي السماء ورسالات الأنبياء. والإسلام بهذه الخصائص يتقدّم مسيرة الحياة بفكر واضح، وعقيدة ثابتة، ومنهج متميِّز فريد، يرفض التقليد ويأبى التّبعية.

وإنّ اختيار مكّة المكرّمة مهداً ونشأةً وبعثةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي كما وصفها إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} (إبراهيم:37).

فقد كانت مكة المكرمة بعيدة عن الحضارتيْن المؤثِّرتيْن في العالَم حينذاك، وهي: الحضارة الفارسية والرومانية، ممّا يوحي بخصوصيّتها واستقلالها، وعدم تأثّر الدعوة بما يدور في جوانب العالَم الأخرى. وهذه الخصوصية والاستقلالية اتّسمت بها الدّعوة إلى الإسلام، واتّصف بها المسلمون في كلّ زمان ومكان.

وهذا ممّا يُقلق الأعداء ويثير غيظهم وحقْدهم: أنّ المسلم ثابت المعالم، مميّز الشخصية، متفردٌ في عقيدته، وحيدٌ في سلوكه، لا نظير له في العبادة والأخلاق والمعاملة، يحتمي بدينه ويعتصم بمعتقداته، ويعتز بتاريخه، ويسابق الموت طلباً للشهادة دفاعاً عن إسلامه. ومن ثَم عمَد أعداء الإسلام للنّيل من هذه الخصائص الإسلامية، بالاستعمار العسكري أحياناً، وبالغزو الفكري أحياناً أخرى، وبعملائهم من بعض أبناء المسلمين الذين تربّوْا على موائد الاستشراق والتبشير والاحتلال.

وإنّنا إذْ نضَع بين أيدي الطّلاب والدّعاة خصائص الدعوة إلى الله، ليزداد إيمانهم بالإسلام، ويعظم حفظهم له ودفاعهم عنه. ولقد تحدّث القرآن الكريم عن

ص: 227

بعض هذه الخصائص في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} (البقرة:143).

وقد فسّرت سورة (الحج) هذه الخصائص في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير} (الحج:77، 78).

فهل توجد أمّة من بين أمم الدنيا أو شعبٌ من شعوب الأرض، له خصائص الأمّة الإسلامية؟

ولقد أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم في وثيقة الموادعة بين المسلمين واليهود، بعد الهجرة إلى المدينة، عن خصائص أمّته الإسلامية حيث نصّت هذه الوثيقة على أنّ المسلمين أمّةٌ من دون الناس.

والمسلمون بهذه الخصوصية لا يستعلون على الآخَرين، ولا يستعبدون الشعوب، ولا يتميّزون على الأمم؛ وإنما هم بتلك الخصوصية يحملون على عاتقهم إخراج الناس من ظلمات الكفر إلى أنوار الإيمان، وهم مسؤولون أمام الله -كأمّة دعوة- عن هداية العالَم. قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران:110).

أما عن خصائص الدّعوة الإسلامية، فهي على النحو التالي:

أولاً: إنّ دعوة الإسلام وثيقة الصّلة بدعوات الأنبياء والمرسلين، من لدُن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم.

ص: 228

فـ"الإسلام" هو الاسم الذي اختاره الله ليكون عنواناً لجميع الرسالات. والمتتبِّع لقصص الأنبياء في القرآن الكريم، يجد أنّ الإسلام هو أساس كلّ رسالة، وجوهر كل شريعة، ومعالم كلّ ملّة يُرى ذلك واضحاً في الأدلّة القرآنية التالية:

أ- نوح عليه السلام يُعلن أنه من المسلمين، ويُحذِّر قومه من عاقبة الإعراض عن دعوة الإسلام. قال تعالى:{فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَاّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (يونس:72).

ب- إبراهيم عليه السلام يُعلن في جلاء تام أنه مسلم، وتبِعه في الإسلام حفيده يعقوب حينما حضرتْه الوفاة فوصّى أبناءه بالإسلام. قال تعالى:{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة:130 - 133).

ج- ويوسف عليه السلام تمنّى أن يلْقى الله مسلماً. قال تعالى: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (يوسف:101).

د- وموسى عليه السلام يدعو قومه إلى الإسلام، ويُحرِّك مشاعرهم نحوه. قال تعالى:{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} (يونس:84).

هـ- وحواريّو عيسى عليه السلام شهدوا بالإسلام. قال تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} (المائدة:111).

ص: 229

وقد توثّقت هذه الصِّلة وقويت تلك الرابطة بالعهد والميثاق الذي أخذه الحقّ سبحانه وتعالى على جميع الأنبياء والمرسلين وأتباعهم، إن أدركوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به، وينصرونه ولا ينابذونه العداء قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} (آل عمران:81).

وقد وُثِّق هذا العهد باللقاء المباشر بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين الأنبياء والمرسلين ليلة الإسراء والمعراج، حيث استقبلوه بالحفاوة والتّرحاب قائلين له:((مرحباً بالأخ الصالح، والنّبيّ الصالح. نِعْم المَجئ جئتَ)). وقد صلّى بهم إماماً.

ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي حينما قال:

أسرى بك اللهُ ليلاً إذ ملائكُهُ

والرّسْل في المسجد الأقصى على قَدمِ

لما خطرتَ بهم التفّوا بسيِّدهم

كالشّهْب بالبدر أو كالجند بالعلَمِ

صلّى وراءك منهم كلُّ ذي خطر

ومن يفز بحبيب الله يأتمِمِ

ولقد هيمن الإسلام على الرسالات السابقة، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} (المائدة:48).

فالهيمنة على الكتب السابقة كما قال ابن عباس رضي الله عنه: "أي: مؤتمن عليهم".

وهيمنة الإسلام على الشرائع السابقة تكون بما يلي:

أولاً: نسخ الإسلام لبعض التشريعات التي جاءت بها الأديان السابقة.

ص: 230

ثانياً: تصحيح ما انحرف منها، ولا سيما ما يتعلّق بمسائل العقيدة. قال تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (التوبة:30).

ثالثاً: تطهير سيرة الأنبياء والمرسلين ممّا لحِق بهم من أكاذيب وافتراءات تتنافى وعصمة الأنبياء وقُدسيّتهم وطهارتهم، ولقد ذُكرت هذه الافتراءات في العهد القديم والأناجيل المحرّفة.

رابعاً: إن القرآن الكريم والسُّنّة النبوية الشريفة قد عملا على تعديل مسار تلك الأديان التي انحرفت، والاتجاه بها نحو الإسلام. قال تعالى:{وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (البقرة:135).

ونفى القرآن الكريم ما أُطلِق على أبِ الأنبياء إبراهيم عليه السلام من كونه يهودياً أو نصرانياً. قال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلَا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (آل عمران:67).

ولقد تحدث القرآن الكريم في أكثر من موضع عن تلك العلاقة الوثيقة بين رسُل الله أجمعين. قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة:285).

ولقد عبّر الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا التواصل والترابط أصدق تعبير في قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلي ومَثَل الأنبياء قبلي كمَثَل رجُل بنَى بيتاً فأتمّه وأحسنه، إلاّ موضع لَبِنة. فكان الناس يمُرّون بالبناء يقولون ما أتمّه! ما أحسَنَه! لولا هذه اللّبِنة! فأنا هذه اللبنة. وأنا خاتم الأنبياء والمرسلين)).

ص: 231