المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للحاكم المسلم - أصول الدعوة وطرقها ١ - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 مدخل إلى علم الدعوة

- ‌ التعريف بالدّعوة

- ‌حُكم تبليغ الدّعوة وآراء العلماء في هذا

- ‌ملَكة البيان ووسائلها

- ‌العلوم التي لها ارتباط وثيق بعِلْم الدّعوة

- ‌العلوم التي تتناول أصول الدِّين وفروعَه

- ‌ المَواد العِلْميّة الكَونيّة

- ‌الدرس: 2 الدعوة إلى الله من أشرف الأعمال وأعظمها

- ‌الدَّعوة إلى الله مُهمّة الرُّسُل

- ‌تعدّد أسماء الدّعوة إلى الله ممّا يَدلّ على شَرفها

- ‌الدّعوة إلى الله ماضِية إلى يوم القيامة

- ‌الدرس: 3 أسباب استمرار الدعوة وبقائها

- ‌الصِّراع بين الإنسان وأخيه الإنسان

- ‌لِمَ كانت أمّة الإسلام هي المُكلَّفة شرعاً بالدّعوة إلى الله دون غَيرها من الأمم

- ‌الدرس: 4 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تعريفهما وأهميتهما وصلتهما بالدعوة

- ‌المَعروف والمُنْكر بين اللغة والاصطلاح

- ‌أهمِّيّة الأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر والأدلّة على وجوبه

- ‌صِلة الأمْر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر بالدّعوة إلى الله

- ‌الدرس: 5 تحديد المعنيين بخطاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأسباب المعصية، وشروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌تَحديد المَعْنِيِّين بخِطاب الأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر. أـ تحديد الظالمين لأنفسهم

- ‌ب- تَحديد أسباب المَعصية

- ‌تابع: أسباب المَعْصية

- ‌شُروط الأمْر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر

- ‌تابع: شروط الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر

- ‌الدرس: 6 أنواع البشر الذين يوجه إليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيفية علاجهم، ومراتب إنكار المنكر

- ‌(أنواع البشر الذين يوجه إليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيفية علاجهم

- ‌تابع: أصناف الناس الذين يُوجّه إليهم الأمْر بالمعروف والنّهي عن المنكر

- ‌المأمورات والمنهيّات التي يجب أن يتناولها الآمِر بالمعروف والنّاهي عن المنكَر

- ‌نوعان من الناس يتوجّه إليهما النّهي

- ‌مراتب إنكار المنكر. ما فيه الاحتساب

- ‌الدرس: 7 الصغائر والكبائر، ومراتب إنكار المنكر، وإزالته وضوابطه

- ‌وجوب معرفة الفرْق بين الكبيرة والصغيرة

- ‌أسباب انتقال الصغائر إلى كبائر

- ‌مراتب التّصدّي للمُنكَر وإزالته

- ‌حُكم التغيير بالقلب وبيان مظاهره

- ‌ضوابط الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر للحاكِم المسلم

- ‌الدرس: 8 أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌أولاً: أسلوب التعليم والتّفقيه

- ‌ثانياً: تقوية الإيمان، واستثمار الوازع الدِّيني

- ‌ثالثاً: الموعظة الحسَنة

- ‌رابعاً: التآلف والسِّتْر

- ‌خامساً: استثارة العواطف والمشاعر، وإيقاظ دوافع الحميّة والغيرة

- ‌الدرس: 9 تابع: أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌سادساً: الحثّ على التوبة، وقبولها من المذنبين. سابعاً: الزّجر بالإغلاظ في القول، والضرب

- ‌ثامناً: ردْع العصاة بإقامة الحدود الشرعيّة

- ‌تاسعاً: تغيير البيئة

- ‌عاشراً: إيجاد البدائل

- ‌الدرس: 10 الآثار السيئة الناتجة عن تقاعس المسلمين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحقيقة الدعوة الإسلامية

- ‌ الآثار السيئة التي أدى إليها التخاذل عن تبليغ الإسلام ونشره

- ‌هل الدّعوة إلى الله رسالة أم وظيفة

- ‌القاسم المشترَك بين الأنبياء جميعاً

- ‌الفرْق بين معجزات الإسلام والمعجزات الأخرى

- ‌الدرس: 11 من خصائص الدعوة الإسلامية

- ‌مِن خصائص الدّعوة الإسلامية (أ)

- ‌مِن خصائص الدّعوة الإسلاميّة (ب)

- ‌ربّانيّة الدّعوة الإسلاميّة

- ‌عالَميّة الدّعوة الإسلاميّة

- ‌الدرس: 12 تابع: من خصائص الدعوة الإسلامية

- ‌من خصائص دعوة الإسلام: أنها خاتِمة الرّسالات السابقة

- ‌الإسلام نظام شامل لِكلّ شؤون الحياة

- ‌ثبوت مصادر الإسلام وسلامتها من التّحريف

- ‌الدرس: 13 تابع: من خصائص الدعوة الإسلامية

- ‌توافُق الدّعوة مع العقل والفطرة ُ

- ‌وسطيّة الدعوة وملاءمتها للفطرة

- ‌قواعد الاعتدال والتّوسّط

- ‌أمَارات الوسطيّة والاعتدال في الدّعوة

- ‌الدرس: 14 من صفات الدعاة

- ‌من صفات الدعاة: التمهيد

- ‌من صِفات الدّاعي إلى الله

- ‌الاقتداء برسول الله والتّأسّي به صلى الله عليه وسلم

- ‌الإخلاص في القول والعمل

- ‌تابع: الإخلاص في القول والعمل

- ‌نواقض الإخلاص

الفصل: ‌ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للحاكم المسلم

جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبّةُ خردل))، رواه مسلم.

بهذا البيان النبوي المُعجز والمُبهر، يوجِّه الرسول صلى الله عليه وسلم الأمّة إلى مكامن الداء وموضع المرض الذي يكمن في:

1 -

قول بلا عمل.

2 -

فعْل ما لا يؤمرون به.

ثم بيّن صلى الله عليه وسلم أنّ الدواء لِعِلَل المجتمعات وأمراضها، يكون ذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثم وضع ضوابطه ودرجاته ومراتبه ليتمّ ذلك كما أمر الله تعالى في قوله عز وجل:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف:108).

‌ضوابط الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر للحاكِم المسلم

إن قضيّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لِوُلاة الأمر، من الأمور الهامّة التي تشغل عقل وفكر المجتمعات الإسلامية، والتي ينبغي بيانُ حدودها وضوابطها في إطار الأدلّة الدِّينية والأحكام الشرعية.

وإنّ فقدان الموازين الشرعية في هذا الموضوع، يُؤدِّي إلى فتن تُضعف الأمّة، وإلى انقسامات تعصف بأمْنها، ولا سيما في هذا العصر الذي ابتعد فيه بعض الحكام من المسلمين عن توجيهات الإسلام في الحُكم، ووَلَّوْا وجوههم شطر الأنظمة الغربية. وممّا زاد الأمر نفوراً بين الرّاعي والرّعية، وزرع بذور انعدام الثقة بين العلماء والأمراء: التّوجّه العلماني لبعض المفكِّرين والمثقَّفين الذين تَربَّوْا على موائد التبشير والاستشراق والاستعمار، وشربوا من مستنقع الثقافة الغربية الإلحادية المادية حتى ثملوا، فترنّحت عقولهم؛ حيث أخذوا يحادّون الله ورسوله، وينالون من الحضارة والنظم الإسلامية، ولا سيما فيما يخصّ جانب

ص: 178

الحُكم في الإسلام. وقد مكّن لهم النفوذ الأمريكي والأوروبي على العالَم الإسلامي بالاحتلال العسكري لبعض أقطاره، والسيطرة الاقتصادية على مُعظمه، ومحاولة زعزعة الثوابت الإٍسلامية وإحلال الثقافة والأخلاق الغربية محلّها، فأخذ هؤلاء البوم والغربان يُطِلُّون على الأمّة عبْر وسائل الإعلام، يثيرون الفِتن، ويشعلون نار الفرقة بين الأمّة وحُكّامها، مُنكرين في جهل وغباء أن يكون للإسلام دولة ذات نظامٍ مرتبطٍ بوحي السماء ورسالات الأنبياء، تُحقِّق للأمّة صلاح الدِّين وإصلاح الدنيا.

وضاق بعض الحُكّام بنصيحة العلماء والعقلاء من الأمّة. وغالى بعض الدعاة وقسَوْا في نُصحهم لوُلاة الأمْر، وتطاولوا عليهم، ونالوا منهم؛ فعظم الأمر، وجلّ الخطب، وتأجّجت نيران الفتن بخروج البعض، والنزوع للقتْل والتّخريب وترويع الآمِنين، وإهدار طاقات الأمّة. وما هذه الأحداث الدامية والمفجعة والمحزنة، التي روّعت أقطار العالَم الإسلامي، ومزّقت شعوبَه، وعصفت باستقلاله، وأهدرت قُدراته وثرواته، إلا بسبب الارتجال والتخبّط في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لِحكّام الأمّة، وعدم وضع الضوابط الشرعية لها. وهذا ما يجب علينا توضيحه في هذه المحاضرات، إبراءً للذّمّة ونصحاً للأمة، وفقأً لأعْيُن كلِّ مَن يتطاول على الإسلام وشرائعه ونُظمه. وسوف يتناول هذا العنصر الموضوعات التالية:

أوّلاً: الإسلام دين ودولة:

وهذا أمْر يَفْرضه الدِّين، ويوجبه العقل والمنطق، للأسباب التالية:

1 -

تنظيم العلاقات بين البشَر، ووضْع الأُطُر الشرعية والقانونية للحقوق والواجبات، والمحافظة على قواعد الدِّين، وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، يوجب وجود دولةٍ قويّة على رأسها حاكم مرهوب الجانب، ليِّناً في غير ضعفٍ، قوياً من غير قسوة وغلظة.

ص: 179

2 -

حماية الثغور، والمحافظة على سلامة الوطن وأمنه، وتدبير المسكن والمأكل والمشرب من خلال عملٍ شريف تُدبِّره الدولة لأبنائها، يوجب قيامَ حكومة قويّة على رأسها حاكم أمِين على رعيّته، يحكم بالحق، ويقيم العدل. قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} (النساء:58).

3 -

تنمية موارد الأمّة، والمحافظة على ثرواتها بإقامة المصانع واستصلاح الأراضي، وتعبيد الطّرُق وتوفير الخدمات التعليمية والعلاجية، والقضاء على الثالوث البغيض -الجهل، الفقر، المرض-، يوجب وجودَ دولة موطّدة الأركان، قويّة الدعائم.

4 -

إقامة العدل بين الرعيّة، وإعطاء كلّ ذي حق حقّه، وذلك بإنصاف المظلوم وردْع الظالم كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين تولّى الخلافة:"القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخُذ الحقّ منه، والضعيف فيكم قويّ عندي حتى آخُذ الحقّ له".

5 -

إقامة أركان الإسلام الخمْس والتي حدّدها صلى الله عليه وسلم في حديث ((بُني الإسلام على خَمْس))، وذلك بتوفير أماكن للعبادة، وتأمين المسلمين في أدائها، وردْع المُقصِّرين والمتكاسلين عنها، وجمع الزكاة وتنظيم مواردها ومصارفها، ممّا يوجب جهازاً حكومياً يُديره خبراءُ أمناء ثقات، كما قال يوسف عليه السلام لعزيز مصر:{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (يوسف:55).

ص: 180

وكما وصفت ابنة الرّجل الصالح موسى عليه السلام في قوله تعالى: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} (القصص:26).

6 -

صيانة وحماية ضروريّات الإسلام الخمْس -الدِّين، النّفْس، العقل، النّسل، المال-، ووضْع التشريعات والنّظم التي تكفل ذلك وتحقّقه.

هذه الأمور مجتمعة تستوجب وجودَ حاكم يترأّس جهازاً حكومياً يحقّق ذلك، في إطار المحافظة على ثوابت الأمّة عقيدة وشريعة، مع الأخذ بالأساليب العلّميّة والتقنية التي تساعد على ذلك.

ثانياً: كيفيّة اختيار الحاكِم في الإسلام:

لم يضع الشّرع الإسلامي طريقةً مُعيّنةً ومُحدّدة يتمّ من خلالها اختيار الحاكم، ولكن تُركت لِما يتّفق عليه المسلمون حسب ظروف كلّ عصر وبيئته. فلقد تمّ اختيار أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه من خلال بيْعة عامّة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، بعدما حُسم الأمر في سقيفة بني ساعدة. وعَيّن رضي الله عنه عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، بعد مشورة كبار الصحابة. وقد جعَل عمرُ الخلافة من بعدُ في سِتّة نفَر مِن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن يختاروا أحدَهم، ووضَع لهم ضوابط دقيقة للاختيار. ولقد تمّ اختيارُ عثمان بن عفان رضي الله عنه، وتمّت بيْعة عامّة بعده لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.

ثم حدث ما حدث مِن تحوّل الحُكم بعده مُلكاً يُتوارث خلال الدولة الأموية والعباسية. ثم انقلب الأمْر أحياناً، فوثب على سدّة الحُكم بالقوة كما كان يحدث خلال حُكم المماليك قديماً والانقلابات العسكرية حديثاً. ولقد رضيت الأمة إن طوعاً أو كرهاً بهذه الأنواع، إذ إن المقصد والهدف والغاية: أن يتحقّق العدل،

ص: 181

كما قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَاّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} (الرحمن:7 - 9).

ولقد وضع الإسلام الشروط التي يجب توافرها في وليّ الأمر، وعلى أساسها يكون تعيِينه واختياره. ومن هذه الشروط:

1 -

الإسلام.

2 -

العلْم.

3 -

الخبرة السياسية.

4 -

العدالة.

5 -

الشجاعة.

6 -

سلامة الحواس والأعضاء.

7 -

الذّكورة.

8 -

أن يتعهّد بمشورة أولي الرأي، أو ما يُطلق عليهم:"أهل الحَلّ والعقْد". ولم يُحدِّد الإسلام طُرق اختيارهم، فقد ترَكها حسب ظروف الزمان والمكان، ولكن وضع شروط اختيارهم وهي:

أن يكونوا من أهل العلْم والخبرة، ومشهود لهم بالاستقامة وحسْن الرأي.

فإذا ما تمّ الاختيار والبيْعة، أصبح للراعي والرعية حقوق وواجبات.

ثالثاً: حقوق وليّ الأمْر في الإٍسلام:

وضَع الإسلام لولِيّ الأمر حقوقاً يجب على الأمّة الالتزام بها، وعدم الخروج عليه، إلاّ في حالة قيامه بأمْر يُنافي العقيدة، أو يضرّ بمصالح الأمّة. ومن هذه الحقوق ما يلي:

ص: 182

1 -

وجوب طاعته فيما ليس بمعصية، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} (النساء:59).

وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((على المرء المسلمِ السّمْعُ والطّاعة فيما أحبّ وكَرِهَ، إلاّ أن يُؤمر بمعصية، فإذا أمِرَ بمعصية فلا سمْعَ ولا طاعة))، متفق عليه.

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اسمَعُوا وأطيعوا، وإن استُعمِل عليكم عبْدٌ حبشيّ كأنّ رأسَه زبيبة))، رواه البخاري.

2 -

حرمة نقض بيْعته أو العمل على خلْعه.

فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن خلع يداً من طاعة، لقِي الله يوم القيامة ولا حجّة له. ومن مات وليس في عُنقه بيْعة، مات ميتة جاهلية. ومن مات وهو مفارق للجماعة، مات ميتة جاهلية))، رواه مسلم.

3 -

عدَم إهانته بالقول أو الفعل.

فعن أبي بكرة -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن أهان السلطان، أهانَه الله))، رواه الترمذي وقال:"حديث حسن".

4 -

أن يختار الوزراء الصالحين من أهل الخير، كما ينبغي أن يحوط نفسَه بالرِّجال المخلصين ذوي الحكمة، والرأي السديد، والخبرة الفائقة.

فعن أبي سعيد وأبي هريرة -رضي الله تعالى عنهما-، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ما بعث الله من نبيّ ولا خليفة، إلاّ كانت له بطانتان: بطانة تأمُره بالمعروف وتحضّه عليه، وبطانة تأمُره بالشر وتحضّه عليه؛ والمعصوم من عصمه الله))، رواه البخاري.

إلى غير ذلك من الحقوق التي بسطتْها كتبُ الفقه.

ص: 183

رابعاً: ما يجب على وليّ الأمر نحو رعيّته:

1 -

الحُكم بالعدل قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (النساء:58).

2 -

الرِّفق بالرّعيّة وبذل غاية الجهد لتحقيق ضروريات الحياة لها؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: ((اللهم من ولِيَ مِن أمْر أمّتي شيئاً فشقّ عليهم فاشقُقْ عليه، ومَن وَلِيَ مِن أمْر أمّتي شيئاً فرَفق بهم فارفُق به))، رواه مسلم.

3 -

عدم التّعالي والاستبداد والاحتجاب عن الرعية، قال صلى الله عليه وسلم:((من ولاّه الله شيئاً من أمور المسلمين، فاحتجب دون حاجتهم وخلّتهم وفقرهم، احتجب الله عنه دون حاجته وخلّته وفقره يوم القيامة))، رواه أبو داود والترمذي.

4 -

أن يعمل بالشّورى، ويأخذ برأي أهل الحلّ والعقد، قال تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (آل عمران:159)، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (الشورى:38).

فقد ذكر الله سبحانه وتعالى الشورى في سياق الآية بين ركنيْن من أركان الإسلام: الصلاة والزكاة، ممّا يدل على أهميّتها ووجوب الالتزام بها.

5 -

أن يتقبّل النصيحة، وأن يعمل بها إذا كانت لصالح الدِّين والدنيا، قال صلى الله عليه وسلم:((الدِّين النّصيحة))، فقال أصحابه: لِمَن يا رسول الله؟ قال: ((للهِ، ولِكتابه، ولِرسوله، ولأئمّة المسلمين وعامّتهم))، رواه مسلم.

وهذا ما وضعه أبو بكر رضي الله عنه في أوّل خطبة له حيث قال:

"أيها الناس. إني قد وُليتُ عليكم ولستُ بخيركم؛ فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأت فقَوِّموني

" إلى آخر الخطبة.

ص: 184

حتى قال: "أطيعوني ما أطعتُ اللهَ ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".

وبهذه الخطبة الرائعة العظيمة، وضع أبو بكر الصديق رضي الله عنه المعالم الواضحة للحُكم في الإسلام.

6 -

على الرعية -ولا سيما العلماء-: أن يقوموا بالنّصح بالقول أو بالكتابة لوليّ الأمْر، حسبما أمر به الله في قوله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل:125).

ولقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم الحدود والإطار التي ينبغي أن يتحرّك فيها العلماء والدّعاة للتعامل مع أُولي الأمر؛ فعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إنه يُستعمَل عليكم أمراء، فتعرفون وتُنكرون. فمَن كره فقد برئ، ومَن أنكر فقد سَلِمَ، ولكن مَن رضي وتابع)). قالوا: أنقاتلهم، يا رسول الله؟ قال:((لا، ما أقاموا فيكم الصلاة))، رواه مسلم.

ومعنى الحديث الشريف:

مَن كَرِه بقلبه ولم يستطع إنكاراً بيدٍ ولا لسان، فقد برئ من الإثم. ومَن أنكر بحسب طاقته، فقد سلِم من المعصية. ومن رضي بفعلهم وتابعهم فهو العاصي.

ولقد نهى صلى الله عليه وسلم عن منازعة الحاكم، والخروج عليه، فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبادة بن الصامت:((بايعَنا رسولُ الله على السمع والطاعة، في العُسر واليُسر، والمنشط والمكره، وعلى أثَرة علينا، وعلى ألاّ نُنازع الأمْرَ أهلَه، إلاّ أن ترَوْا كُفراً بواحاً عندكم من الله تعالى فيه برهان، وعلى أن نقول بالحق أينما كنّا، لا نخاف في الله لومةَ لائم))، متفق عليه.

ص: 185

7 -

يجب على الحاكم أن لا يضيق ذرعاً بحرية الرأي ما دامت في إطار الشّرع وحدوده، وطالما كان المقصد منها الصالح العامّ، وأن يتّسع صدرُه للنّقد البنّاء والتوجيه السديد والرأي الرشيد.

بهذا التوافق والتعاون، والاحترام المتبادل بين الرّاعي والرّعيّة، وسعة الصدر والحِلم في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، تستقيم سفينة المجتمع المسلم، وتنجو من العواصف والأنواء والأحداث التي تكاد تفرّقها.

ويتمّ التلاحم والترابط والرضى بين الحاكم والمحكومين؛ فعن عوف بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خيار أئمّتِكم الذين تُحبّونهم ويُحبّونكم، وتُصلّون عليهم ويُصلّون عليكم. وشرار أئمَّتِكم الذين تُبغضونهم ويُبغضونكم، وتلعَنونهم ويلْعَنونكم)). قال: قلنا: يا رسول الله. أفلا نُنابِذهم بالسيف؟ قال: ((لا، ما أقاموا فيكم الصلاة. لا، ما أقاموا فيكم الصلاة. وإذا رأيتم مِن وُلاتكم شيئاً تكرهونه، فاكرهوا عملَه ولا تنزعوا يداً من طاعة))، رواه مسلم.

بهذه، نُنهي القول في أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد فصّلنا ضوابطه وحدوده ومحظوراته.

هذا، وبالله التوفيق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 186