الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلدون. كذلك وضَع العلماء أسُس التربية السَّليمة. وقد أصبح لهذه العُلوم مَوقعاً بين العلوم الإنسانية الأخرى، وبها يُضبط سلوك المُجتمع، وتُوزَن تصرّفاته. وبعض ما توصّلوا إليه لا يتعارض ولا يتنافى مع تعاليم الإسلام، ومعرفة هذه الأمور تُفيد الداعية، حيث تَجعله على وعْيٍ تامّ بقضايا الأمّة، كما تُمكِّنه أن يتصدّى لعلماء الغَرب الذي يَجنحون بهذه العلوم عن سُنن الفِطرة وهدى الوحي السماوي.
العلوم التي تتناول أصول الدِّين وفروعَه
أولاً: علْم العقيدة الإسلاميّة:
وهو علْم يبحث في أسماء الله وصفاته، ويُقيم الأدلّة على وجوده ووحدانيته سبحانه وتعالى، وذلك من خلال الأدلّة الشرعية مِن القرآن والسُّنّة، والبراهين المنطقيّة العقلية. كما يوضِّح أركان الإيمان ودعائمه، ويقوم بدراسة الفِرَق الإسلامية دراسة مقارنة: يُبيِّن ما هو منها على نهج سلَف الأمّة، وما انحرف عن الجادّة.
وقد اهتمّ علماء المسلمين على مدى التاريخ بهذا العلْم، وأطلقوا عليه اسم:"علم التوحيد" أو "الإلهيات". ويندرج تحته علْم "مقارنة الأديان". وموضوعات هذا العلْم لها وثيق الصلة بعلْم الدّعوة؛ فلا يُتصوّر أن ينزل الداعية إلى ساحة الدّعوة وهو مجرّد من أهمّ مكوّنات عقيدته ومقوّمات فِكْره وأصل دعوته.
ثانياً: علْم الفقه:
وهو في اللغة: العلْم بالشيء، والفهم له، قال تعالى:{فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} (النساء:78).
وقوله تعالى على لسان قوم شعيب عليه السلام: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ} (هود:91).
وفي الاصطلاح:
العلْم بالأحكام الشرعية العمليّة المستمَدّة من أدلّتها التفصيليّة. وقد أطلق العلماء لفظ "الفقه" على جميع الأحكام الدِّينيّة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، سواء كانت هذه الأحكام متعلّقة بأمور العقيدة، أو العبادات، أو الأخلاق، أو المعاملات.
وعلْم الفقه من ألزم ما يحتاج إليه الدّعاة، وهو جوهر دعْوتهم وصُلْب رسالتهم، لا غنىً لهم عن التفقه فيه والوقوف على أحكامه. وهو فرْض عيْن عليهم، قال تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة:122).
ويقول صلى الله عليه وسلم: ((مَن يُرِدِ اللهُ به خيراً يُفقِّهْهُ في الدِّين)).
فعلْم الفقه ذو علاقة وثيقة بعلْم الدّعوة وبعمل الدّعاة، إذ إنّ رسالتهم لا تتوقف على مجرّد الوعظ والإرشاد، وإنّما مِن أسُس دعْوتِهم إلى الله: أن يُبصِّروا المسلمين بالأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات.
ثالثاً: القرآن الكريم وعلومه:
من أهم مقوِّمات الدّعوة إلى الله: حفْظ القرآن الكريم، وإتقان تلاوته، وتدبّر آياته، واستيعاب أحكامه. ولا يتصوّر ذو عقل ولبّ أن يُعدّ الدعاة بعيداً عن ساحة القرآن الكريم، ويتأهّلون على غير موائده. وعلى الداعية بجانب وجوب حفْظه للقرآن، أن يكون على صلة دائمة بعلومه وارتباط بتفسيره، وأنْ يكون على دراية بالموضوعات التالية:
1 -
معرفة بعض أحكام التجويد لإتقان القراءة وإحكام التلاوة.
2 -
معرفة أسباب النزول، والتعرف على المحكَم والمتشابِه، والناسخ والمنسوخ.
3 -
الوقوف على أوجه الإعجاز في القرآن الكريم.
4 -
دراسة أساليب الدّعوة من خلال قصص القرآن الكريم.
5 -
دراسة النفس البشرية ورغباتها وطُرق إصلاحها.
6 -
الوقوف على التشريعات والأحكام التي جاء بها.
رابعاً: السُّنّة النّبويّة وعلومها:
"السُّنّة" هي: ما أُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم مِن قوْلٍ، أو فعْل، أو تقرير، أو صفة خَلقية أو خُلقية، أو سيرة، سواء أكان ذلك قبل البعثة أم بعدها.
والسّنة النبوية هي المصدر الثاني للمسائل العقائدية والأحكام الشرعية. وقد جاءت في الجملة موافقة للقرآن الكريم: تُفسِّر مُبهَمَه، وتُفصِّل مُجمَله، وتقيّد مُطلقَه، وتخصِّص عامَّه، وتشرح أحكامه وأهدافه. كما جاءت بأحكام لم ينصّ عليها القرآن الكريم.
ولقد التفّ الصحابة حول رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليهم القرآن، ويُقبِلون على أفعاله وأقواله بتطلّع شديد وحبّ عميق، يتسابقون للجلوس على مقربة منه، ويتشوّقون لسماع حديثه وحفْظه ونقله، يُساعدهم على ذلك تغلغل الإيمان في قلوبهم، وتمكّنه من مشاعرهم وعواطفهم.
هذا بجانب قدرات فطريّة على الحفظ، وملكات ذهنية طبيعية فائقة على الاستيعاب، يصاحب ذلك حسنُ الاقتداء به صلى الله عليه وسلم. وكان ثمار هذا كلّه: السنة النبوية
وعلومها التي تضافرت الأمّة خلال القرن الأوّل والثاني على جمْعها وتدوينها من خلال ضبط المتْن والسّنَد، والنقل عن الرواة العدول الثقات.
وأصبح لدى الأمّة موسوعة ضخمة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأقواله، تمّ تصنيفها وتبويبها، ووُضع لها علْم "مصطلح الحديث" ليُعرف من خلاله درجة صحة الحديث، ومدى قوّة السند وعدالة الرواة، ويتميّز الصحيح من الضعيف والموضوع.
هذا العلْم الشريف عميق الصّلة بعلوم الدعوة وجوهر تكوين عقليّة الدعاة.
ولكي يتمّ عميق الصلة بين علْم الحديث وعلْم الدعوة، فينبغي على الدّعاة أن يلتزموا بالأمور التالية:
1 -
الاطّلاع على أمّهات المصنّفات التي دُوِّنت فيها الأحاديث النبوية ومنها:
"صحيح البخاري"، "صحيح مسلم"، "سنن أبي داود"، "سنن الترمذي"، "سنن النسائي"، "سنن ابن ماجة"، "مسند الإمام أحمد".
2 -
دراسة علوم الحديث مع ما يتعلّق بتدويه، مع بيان شُبهات المستشرقين التي أثاروها ضد السُّنّة.
3 -
أن يتجنّب الدعاة رواية الأحاديث الضعيفة والموضوعات، وأن يتثبّتوا في النقل عنه صلى الله عليه وسلم.
4 -
معالجة قضايا الأمّة ومشاكلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، في ضوء القرآن والسّنة.
هذا، وبالله التوفيق.