الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في أهله وماله ونَفسه وولده وجاره، يُكفِّرها الصيامُ والصلاة والصّدقة، والأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر))، رواه الشيخان.
والأمْر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر ليس قاصراً على الرّجَال فحسب، بل إنّ النساء يَشتركن في الأمر به، ويُكلّفنَّ به كما يُكلّف الرّجال. ويكون ذلك بالتَّناصُح فيما بينهنَّ، قال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:71، 72).
ممّا سبق، تتّضح أهميّة الأمر بالمَعْروف والنهي عن المُنْكر، وأنّ السياق القرآني والأحاديث النبوية يَذْكُرانه ضِمن أركان الإسلام وقَواعد الدِّين.
صِلة الأمْر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر بالدّعوة إلى الله
إنّ العلاقة بين الدّعوة إلى الله، والأمر بالمَعْروف والنهي عن المُنْكر علاقةٌ وثيقةٌ، وإنّ الارتباط بينهما ارتباط قَويّ؛ فكلاهما وجهان لشيء واحد، هو: الإسلام.
فالدّعوة إلى الله هي: حثُّ الناس على الدُّخول في دين الإسلام طَوْعاً، والإيمان بشرائعه، وتَطبيقها اعتقاداً وقولاً وعملاً ظاهراً وباطناً.
ولقد شَرع الإسلام الوسائل والأساليب التي تُحقِّق هَدف الدّعوة إلى الله، وهي: ثُبوت العُبوديّة الخَالِصة للخَالِق سبحانه وتعالى، وتَحقيق كمال الطاعَة لله ولرسوله، والعَمل على تَوثيق العَلاقات الإنسانية بين بني البَشَر.
فمفهوم الدّعوة إلى الله مفهومٌ شامل واسعٌ يقوم على أمريْن:
الأوّل: الإخبار عن ذات الله وصِفاته وكلّ ما يتعلّق بتَوحِيده، والإخبار عن رُسل الله من خِلال قَصص القرآن الكريم، وذِكْر أحوال البَعث والحَشر والنُّشور، ممّا يُطلِق عليه عُلماء البلاغة:"الجُملة الخَبرية" التي تُفيد حُصول الشيء أو عَدم حصوله.
وكلّ ما أخبر الله ورسوله عنه، فهو يَقينيّ وصادق، ولا يَتعلّق به الأمر بالمَعْروف والنهي عن المُنْكر.
الأمْر الثاني: "الإنشاء" الذي يُعبّر عَنه بـ"الجُملة الطَّلبية" التي تَتضمّن الأمْر والنَّهي؛ وهذا هو مَيدان الأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر.
فـ"المَعْروف" في الاصطلاح الإسلامي يُطْلَق على كلّ ما أمَر الشارع بفِعْله إلزامَاً أو تَرغِيباً. فهو: كلّ ما يُستَحسَن فِعْله في الإسلام. ويَدخل فيما هو مُستحسنٌ في الإسلام: كلّ ما هو حَسنٌ في العُقول السَّليمة الصَّحيحة الرَّشيدة، والفِطَر النَّقية.
وأمّا "المُنْكر" في الاصطلاح الإسلامي فهو يُطلق على: كلّ ما نَهى الشارع عن فِعْله نَهياً إلزامياً تَحريمياً. فهو: كل مُستقبَح في الإسلام. ويَدخل فيما هو مُستقبحٌ في الإسلام: ما هو قَبيح في العُقول السَّليمة الصَّحيحة الرَّشيدة.
فالأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر هو من أعظم وسائل الدّعوة إلى الله، وبدونه تَتجمّد الدّعوة وتَنسحِب من ميادين الحَياة، كما حَدث للأديان الأخرى. وهو صمام أمْن المُجتمعات الإسلامية، وبتعْطيله والتَّقاعُس عَنه يَضمحلّ الدِّين ويَضعف في قلوب العباد، وتعمّ الفتنُ، وتموت الفضائل وتنتشر الرذائل، ويستشري الفساد في الأرض. ولأهمِّيّة الأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر وعُمق
ارتباطه وصِلته بالدعوة إلى الله، وضّع القرآن الكريم والسُّنّة النبوية الشريفة الأسُس والقَواعد التي تُنظِّم القيام به. وقام علماء الأمّة -سَلفُها وخَلفُها- بتقنين هذا العمل العَظيم، وضَبطه فيما يُعْرف بـ"نِظام الحِسْبة في الإسلام"، وهي كما عرّفها الماوردي:"أمرٌ بالمَعْروف إذا ظَهر تَرْكُه، ونهيٌ عن منكر إذا ظَهر فِعْله".
والمحتسِب هو: الشخص المعيّن من قِبل الحاكِم للأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر. ويُخوَّل له سُلطَة إيقاع العُقوبة على العُصاة. وقد عدّد الإمام أبو حامد الغزالي دَرجات العُقوبة وتَدرّجَها، وذلك بالوَعظ والنُّصح، ثم بالتَّعنيف، ثم التّغيير باليد، ثم بالتَّهديد بالضَّرب وتَحقّقه، ثم الاستظهار بالأعوان والجُنود.
والحِسبة نِظام عُرِف منذ فَجر الإسلام؛ فلقد تَولاّها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، حيث كانت دعوته صلى الله عليه وسلم تَتضمّن الأمْر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر قَولاً وعَملاً.
((ولقد ولّى الرسول صلى الله عليه وسلم سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية على سوق المدينة)). وولّى عمر بن الخطاب رضي الله عنه السائب بن يزيد مع عبد الله بن عقبة بن مسعود على سوق المدينة.
ولقد تَطوّر أداء الأمر بالمَعْروف والنهي عن المُنْكر من خِلال نظام الحِسبة، ليَشمل جَميع مظاهر الحياة الدِّينية والدُّنيوية. وتَتولاه الآن هيئة الأمْر بالمَعْروف والنهي عن المُنْكر.
ولارتباط الدّعوة إلى الله بالأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر، يقول الله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران:104).
فحمّل الله هذه الأمّة واجبَ الدّعوة إلى الخَير، نَظراً لأنّ الدِّين قد اشتَمل على الخير الذي تُدْركه العُقول السَّليمة، وتَشعر به النُّفوس والوجدانات التي لم تَفسد
فِطَرها التي فَطرها الله عليها. وحمّلها أيضاً واجب الأمْر بالمَعْروف والنهي عن المُنْكر داخل جماعات المسلمين، الذين عَرفوا أوامر الدِّين وعَرفوا حُسنها.
وإنّ خَيريّة هذه الأمّة وعلوّ مَنزلتها وشَرف مكانتها، لم تُحقَّق إلاّ من خِلال القيام بواجب الدّعوة إلى الله للإنسانية جَمعاء، وبسبب الأمْر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر، قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران:110).
وممّا يُؤكد هذا الارتباط بين الدّعوة إلى الله والأمر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر، ويُوثِّقه: ما روي عن ثَوبان رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا تَزال طائفة مِن أمّتي ظاهِريِن على الحقّ لا يَضُرّهم مَن خَذلَهم، حتى يأتيَ أمْرُ الله وهم كذلك))، رواه مسلم.
وروى الشيخان عن معاوية رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا تزال طائفة من أمّتي قائمةً بأمْر الله، لا يضُرّهم مَن خَذَلهم ولا مَن خَالَفَهم، حتى يأتيّ أمْرُ الله وهم ظاهرون على النّاس)).
ممّا سبق، يَتَّضح عُمقُ الصِّلة والعَلاقة بين الدّعوة إلى الله والأمْر بالمَعْروف والنّهي عن المُنْكر، وأنّ الارتباط بينهما مِن أعظم أسباب قُوّة الإسلام في القُلوب، واستقراره في العُقول، وتَطبيق شَرائعه وحُدوده في دنيا المسلمين وواقع حياتهم.
هذا، وبالله التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.