الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثبوت مصادر الإسلام وسلامتها من التّحريف
من الثوابت العلْمية والحقائق التاريخية: أنّ الرسالات السماوية السابقة عن الإسلام قد انقطعت أخبارُها، واندثرت معالمُها، وانتهت مصادرُها إلى مجاهل التاريخ وزوايا النسيان. ولم يعُدْ من تلك الأديان ما يتردّد فيه نبض الحياة، سوى الديانتيْن: اليهودية والنصرانية. حتى أن نبض هاتيْن الديانتيْن أصبح نبضاً ضعيفاً، بل كاد يتوقّف لِما حلّ بهما من تغيير وتبديل؛ فلقد امتدّت إليهما أيدي أحبار اليهود ورهبان النصارى بالتحريف زيادةً ونقصاً ثم احتدم الخلاف واشتدّ الجدال حول مسائل العقيدة في الديانتيْن، فضاق بهما أصحابهما، ودفعوا بهما خلْف جدران البِيَع والكنائس والأدْيِرة. وقامت الثورات في أوروبا تُنحِّي الدين عنها وتُبعده عن الحياة. وكان من شعار الثورة الفرنسية:"اقضوا على آخِر ملِك بأمعاء آخِر قسّيس".
فتعاظم شأن الإلحاد، وتم فصْل الدِّين عن الدولة، واستعاضت أوروبا عن الدِّين بالقوانين الوضعية التي لا تمتّ بصلة لوحي السماء ورسالات الأنبياء، وإنما هي مزيج من الحضارتيْن اليونانية والرومانية، مع صبغهما بصباغ المسيحية التي وضع أصولها بولس الرسول الذي غيّر معالمها الحقة؛ ومن ثم لم يَعُد الدِّين هو المُوجِّه للحضارة الغربية المعاصرة.
أمّا الإسلام العظيم فإن ممّا اختص به وتميّز عن سائر الدّعوات السابقة عليه: ثبوت مصادره، وقدسية نصوصه، وبقاء ونقاء ثوابته الشرعية وأصوله التشريعية، لأن الله تعالى قد تكفّل بحفظه، فقال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحِجر:9).
ولقد بدا هذا الحفظ الإلهي واضحاً جلياً، لم ينل منه تتابع القرون، ولم تضعفه الأحداث الجسام التي واكبت تاريخ الإسلام. ولم تتغيّر قواعد حجّيّته وقوة أدلّته أمام الحقد الأسود والغلّ الدفين الذي يُضمره له أعداؤه منذ محاولات المشركين في مكة حينما أرادوا صرف الناس عن القرآن بأي صورة. قال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (فُصِّلَت:26)، إلى الادعاء الكاذب أنه ليس من عند الله، وإنما تلقاه صلى الله عليه وسلم من رجُل أعجمي في مكة، قال تعالى مفنِّداً مزاعمَهم:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} (النحل:103).
ولقد زاد الإمعان والإصرار عبر مراحل التاريخ للنّيْل من مصادر الإسلام، واتّخذ صوراً عِدةً منها:
أ- إنكار أنّ القرآن من عند الله.
ب- التشكيك في القصص التاريخيّ للقرآن الكريم.
ج- وضع الإسرائيليات في كتب التفسير، تشويهاً لمعاني القرآن الكريم.
د- إنكار حجّيّة السُّنّة والنّيْل من رواتها وتجريحهم.
هـ- محاولات التحريف المستمرة من أعداء الإسلام للقرآن الكريم، وذلك بطبع المصحف الشريف وبه تغيير لبعض الكلمات التي تُخِلّ بالمعنى. وآخر هذه المحاولات الخبيثة: ما قامت به الصهيونية العالمية التي تساندها قوى الشر والبغي التي تخشى الإسلام وحضارته، بطبع ما يسمى بـ"الفرقان الحق" بديلاً عن القرآن الكريم، وُضعت فيه سورً وآيات تتّفق وأغراضهم الخبيثة، ألا ساء ما يمكرون. قال تعالى:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (آل عمران:54).
فعلى الرغم من هذه المحاولات وغيرها، فإنّ مصادر الإسلام وبراهين أدلّته ودعائم شريعته نقيّة بيضاء، قيّض الله لها كلّ عوامل الحفظ، وضمن لها كلّ دوافع البقاء والاستمرار، وصانها من كل جوانب التحريف والتغيير. ولم يُرد الحق سبحانه وتعالى لأيّ دِين أو مذهب أو حضارة هيمنةً عليها أو احتواءً لها.
هذا الكلام لا تُمليه العواطف، وإنما يُثبته البحث العلمي المنصف. وقد أقرّ بثبات مصادر الإسلام وسلامتها من التحريف والتغيير إجماعُ علماء المسلمين في كلّ العصور، وكذلك العلماء المُنصفون من غير المسلمين، الذين اعترفوا بتلك الحقيقة، وتبيّن لهم الفرْق الكبير والبوْن الشاسع بين ما عليه الإسلام من قواعد وأسُس سليمة ومحفوظة ومصونةٍ بقدرة الله، ثم بجهود العلماء من سلَف الأمّة وخلَفها، وبين أديان تهاوتْ قواعدُها، واضطربت مصادرُها، وأهملها أصحابُها، وعفا عليها الزمن، وطوتْها سحائب النسيان، وغدتْ في هامش الشعور لأتباعها.
أمّا الإسلام، فهو -ولله الحمد- ما يزال في بؤرة شعور الأمّة وهو محطّ اهتمامها، وإنّ مصادره من القرآن الكريم والسّنة النبوية الشريفة، وسائر المصادر الأخرى، هي في عقلها وقلبها، ومحلّ عناية العلماء والمجتهدين في كل عصر ومصر. وإن بدتْ في هذه الأيام بعض أمارات ضعف المسلمين، وهوانهم على أعدائهم، وتخاذلهم في الدّفاع عن دينهم ومقدّساتهم، وإن ظهرت بعض الأصوات النشاز من بعض أبناء المسلمين عرب اللسان أعاجم العقل والفكر، ينالون من هذه المصادر، ويتهجّمون عليها، ويجعلون من أنفسهم أبواقاً مضلّلة للحضارة الغربية وثقافتها، فإن هذه الأمور عرض زائل، وظلمة ليل ستنقشع،
ومرحلة موقوتة وعابرة لن يكتب لها استمرار الحياة. قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} (الرعد:17).
فعوامل بقاء الإسلام ومصادره وثوابته، ستظل باقية ومصونة ومحفوظة، لأنّها محاطة بتحصين الله لها، وبما يقيّضه الله سبحانه وتعالى لهذا الدِّين في كلّ زمان ومكان من بعض أبنائه من العلماء والدّعاة، مَن يُجدِّد أموره، ويحمي مصادره، ويصون ثوابته، ويَنفي شوائبه، ويدافع عنه.
قال صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله يَبعث على رأس كلِّ مائة سَنة مَن يُجدِّد لهذه الأمّة أمْرَ دينها)).