الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا ما أحسّ ببرْد الطاعة في نفسه، وحلاوة الإيمان في قلبه، ووازن بين ما كان عليه من حياة قلِقة، وتردّد بين الطاعة والمعصية، وتجاذب بين الخير والشر، وبين ما هو عليه الآن بعد تثبيت وتقوية ما عنده من ينابيع البِرّ في نفسه، وإشعاره بأنّ التوبة تجُبُّ ما قبلها، وأنّ الله يفرح بتوبة عبده المؤمن، كما قال صلى الله عليه وسلم:((للهُ أفرحُ بتوبة عبْدِه حين يتوب إليه مِن أحدِكم كان على راحلته بأرض فلاةٍ، فانفلتتْ منه وعليها طعامه وشرابه، فأيِس منها. فأتى إلى شجرة فاضطجع في ظلّها، وقد أيس من راحلته. فبينما هو كذلك، إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: "اللهم أنت عبدي، وأنا ربك". أخطأ من شدّة الفرح))، رواه مسلم.
وممّا يقوِّي الإيمان ويُثبِّته في القلوب، ويضعف الشر وينزعه من النّفْس: الأمور التالية:
1 -
الحرص على أداء العبادات، والتوبة والاستغفار على ما فرّط في جنب الله.
2 -
كثرة الدعاء، ولا سيما أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي "كتاب الأذكار" للإمام النووي ما يفي بالغرض.
3 -
التّأمّل والنظر والتّفكّر في آيات الله في الأنفس والآفاق، ليشعر بعظمة الله، ويخشى من عقابه فيفرّ من المعاصي ويلجأ إلى الله. قال تعالى:{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} (الذاريات:50).
ثالثاً: الموعظة الحسَنة
الوعظ هو أحَد أساليب الدّعوة إلى الله الرئيسة، قال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل:125).
فهذه الآية الكريمة أصْل عظيم من أصول الدّعوة إلى الله؛ فهي تدْعوه إلى الحِكمة في القول، واللِّين في الخطاب، وأدب المجادلة، وسعة الصدر، والإنصات إلى آراء الآخَرين من غير ذمّ وتقريع وتوبيخ، والتوجيه والإرشاد والتذكرة، مستعيناً بالله، وبأساليب خير الكلام من القرآن الكريم وهدْي الرسول صلى الله عليه وسلم. ويتخلّله قصص الأمم البائدة، وأحوال الشعوب المعاصرة. يتنقّل به من موعظة إلى أخرى، ويسوق له الدليل تلو الدليل، يُرغِّب ويُبشِّر إذا كان يُجدي، ويُنذر ويُحذّر إذا كان ينفع. يصف الجنّة ونعيمها، والنار وأهوالها. ويكون لدى الدّاعي من روعة الحديث، وحسْن البيان، ودقّة التعبير، ما يحمل السامع على الاقتناع بالموعظة، والانتفاع بالتّذكرة.
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم المَثَل الأعلى في استمالة النفوس والتأثير على القلوب، والوصول إلى المشاعر والعواطف، بحُسْن الحديث وأدب الموعظة.
وعلّم أصحابه كيف تكون الدّعوة إلى الله.
روى ابن الجوزي رحمه الله قال: "مرّ أبو الدرداء رضي الله عنه على رجل قد أصاب ذنباً، فكانوا يسبّونه، فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب، ألم تكونوا مُستخرجيه؟
قالوا: بلى، قال: فلا تسُبّوا أخاكم، واحمدوا الله عز وجل الذي عافاكم.
قالوا: أفلا تُبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي".
وعلى الدّاعية أن لا يُثقل بالموعظة، حتى لا يَسأم الناس مِن كلامه، ويَثقل عليهم حديثُه. وهذا من أدب الرسول صلى الله عليه وسلم، كما جاء في قول أصحابه:((كان صلى الله عليه وسلم يتخوّلنا بالموعظة، مخافة السآمة علينا)، -أي يُخفّف فيها-.