الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
الأمور التي تتحوّل بها الصغائر إلى كبائر
أسباب انتقال الصغائر إلى كبائر
كيف أن الصغائر قد تأخذ حُكم الكبائر إذا توفّرت فيها الأسباب التالية:
أولاً: الإصرار والمواظبة على ارتكابها ولذلك قيل: "لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران:135).
ثانياً: استصغار الذّنب، فإنّ الذنب كلّما استعظمه العبد من نفسه صغُر عند الله، لأن استعظامه يَصدر عن نفور القلب عنه وكراهيته له. وذلك النفور يمنع من شدّة تأثّره به، واستصغاره يصدر عن الأُلْف به؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((إنّ المؤمن يرى ذُنوبَه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه. وإنّ الفاجر يرى ذنوبَه كذباب مرّ على أنفه، فقال به هكذا))، رواه البخاري.
ثالثاً: السّرور والفرح بالصغيرة، والتظاهر بها، والتّبجّح في اقترافها؛ فكلّما سُرّ العبدُ بالصغيرة، كبُرت وعظُم أثرُها في تسويد القلب. قال تعالى:{كَلَاّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (المطفِّفين:14).
وإنّ بعض العصاة يتبجّح بذنْبه ويفتخر به، كما يُسمَع ويُرى ويُقرأ في وسائل الإعلام عن عدم استحياء الفجَرة والفسَقة من الإعلان عن معاصيهم تحت شعارات كاذبة، كحُرّيّة الرأي أو الحُرِّيّة الشخصية.
رابعاً: أن يتهاون المُذنب بستر الله عليه، وحِلمه عنه، وإمهاله إيّاه، وهو لا يدري أنه إنما يُمهَل مَقتاً لِيزداد بالإمهال إثماً، فيظنّ أنّ تمكّنه من المعاصي عناية
من الله تعالى، فيكون ذلك إثماً لأمْنه مكْر الله وجهْله بمكامن الغرور بالله. قال تعالى:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال:30).
قال تعالى موضحاً حال المتهاونين الذين انتابهم الغرور: {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} (الحديد:14).
وقد حذّر القرآن الكريم من تغرير الشيطان للإنسان وإغوائه، قال تعالى:{يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَاّ غُرُوراً} (النساء:120).
خامساً: أن يأتي الإنسان الذّنب ويستره الله، فيُظهره بأن يَذْكُره بعد إتيانه، أو يكرّر الذنب في موقع آخَر؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما معناه:"كلّ أمّتي معافىً إلاّ المجاهِرين، يبيت أحدُهم على ذنب قد ستره الله، فيصبح فيكشف ستْر الله، ويتحدث عن ذنبه"، متفق عليه.
سادساً: أن يكون المذنب عالِماً يُقتدى به؛ فإذا فعَله بحيث يُرى، كبُر ذنبُه وعظُمت معصيتُه، كمن يشترك من العلماء والدّعاة في بعض البدع والمنكرات، كموالد الأولياء، والطواف حول الأضرحة والقبور، وتقديم النذور لغير الله، فإذا كان حدوث ذلك من العوام والجهال يُتسامح فيه لسذاجتهم وجهلهم، فإنه لا يُتسامح في حقّ العلماء. قال تعالى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (البقرة:44).
بهذا التّحديد الدقيق لكلٍّ من الكبيرة والصغيرة، وبالوقوف على الأسباب والدوافع، تأتي المرحلة التالية وهي: إقدام الدعاة والمحتسبين على الجانب القولي والفعلي للتّصدّي للمنكرات وإزالتها.