الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وللمرفوع عن أبي هريرة طرق أخرى، هذا ما وقفت عليه منها:
أخرج أحمد (2/261) : حدثنا يعلى و (2/346، 415) : ثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، وابن ماجه (4046) من طريق محمد بن بشر، وابن حبان (6692 - «الإحسان» ) من طريق الفضل بن موسى السيناني، وهشام بن عمار في «حديثه» (ص 191/رقم 90) : حدثنا سعيد بن يحيى، وأبو عمرو الداني في «الفتن» (رقم 72، 496 - ط. بيت الأفكار) من طريق المثنى بن بكر؛ جميعهم عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يحسُرُ الفرات عن جبل من ذهب، فيقتتل الناسُ عليه، فيُقتل من كل عشرة تسعةٌ» لفظ يعلى.
ولفظ حماد: «يوشك أن يُحسِر الفرات عن جبل من ذهب، يقتتل (1) عليه الناس حتى يُقتَل من كل عشرة تسعة، ويبقى واحد» .
*
حديث أُبيّ بن كعب
رضي الله عنه.
أخرج مسلم في «صحيحه» في كتاب الفتن (باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب)(رقم 2895) بعد (32)، قال:
حدثنا أبو كامل، فضيل بن حسين وأبو معن الرَّقَاشيُّ (واللفظ لأبي معن)، قالا: حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، أخبرني أبي (2) ، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال:
كنت واقفاً مع أبي بن كعب، فقال: لا يزال الناس مختلفة أعناقهم (3) في
(1) في الموطن الثاني من «المسند» : «فيقتتل» .
(2)
هو: جعفر بن عبد الله بن الحكم.
(3)
قال العلماء: المراد بالأعناق هنا: الرؤساء والكبراء، وقيل: الجماعات. قال القاضي عياض: وقد يكون المراد بالأعناق نفسها، وعبر بها عن أصحابها، لا سيما وهي التي بها التطلع =
طلب الدنيا. قلت: أجل. قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب، فإذا سمع به الناس ساروا إليه، فيقول من عنده: لئن تركنا الناسَ يأخذون منه ليُذهَبَنَّ به كلِّه (1) . قال: فيقتتلون عليه، فيُقتل من كل مئة تسعةٌ وتسعون» .
قال أبو كامل في حديثه: قال: وقفت أنا وأُبي بن كعب في ظل أجمِ (2) حسّان.
قال أبو عبيدة: وكذلك قال عفان بن مسلم عن خالد بن الحارث به. فيما رواه عنه أحمد في «المسند» (5/139) ، والهيثم بن كليب الشاشي في «مسنده» (3/361) ، وأبو عوانة في «الفتن» -كما في «إتحاف المهرة» (1/220 رقم 63) -، ولفظه:
وقفتُ أنا وأُبي بن كعب في ظل أُجُم حسّان، فقال لي أُبي: ألا ترى الناس مختلفةً أعناقُهم في طلب الدنيا؟ قال: قلت: بلى. قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وذكره مثله، وفي آخره:«والله لئن ترَكْنَا الناسَ يأخذون فيه ليذهبَنَّ، فيقتتل الناس، حتى يقتل من كل مئة تسعةٌ وتسعون» .
= والتشوّف للأشياء. قاله النووي في «شرح صحيح مسلم» (18/27-28) . وانظر: «إكمال المعلم» (8/433) ، و «الديباج» (6/222) .
(1)
من عجيب شرح أحمد الغماري في كتابه «مطابقة الاختراعات العصرية لما أخبر به سيد البرية» (ص 25) قوله في شرح «لئن تركنا الناس
…
قلت: وهذا مبني على أن جبل الذهب هو البترول، وسيأتي رده من وجوه، وسياق الحديث لا يساعد على المعنى المذكور، ولا المقتلة التي عنده، وهي عند الغماري القنابل الذرية بين أمريكا وروسيا! وسيأتي قريباً كلامه بطوله! وهناك تعقبه، والله الهادي.
(2)
أُجُم -بضمتين-: الحصن، والجمع آجام؛ كأُطُم وآطام. راجع:«النهاية» (1/26) ، و «إكمال المعلم» (8/434)، و «الديباج» (6/222) . وأصبح فيما بعد في دار عاتكة بنت عبد الله ابن يزيد بن معاوية. انظر:«تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة» (ص 79) .
ولفظ الشاشي: «يَحتَقُّون (1) أعناقهم» ، و: «يوشك أن يحسر الفرات
…
فإذا سمع به الناس نادوا، فيقول من عنده
…
يأخذون ليذهبن به، فيقتتل الناس، فيُقتل من كل
…
» .
ورواه عن خالد بن الحارث غير الثلاثة المذكورين، ووقفت على اثنين آخرين؛ هما:
الأول: قيس بن حفص.
أخرج البخاري في «التاريخ الكبير» (1/388 رقم 1241) ، قال لي (2) قيس بن حفص، قال: حدثنا خالد بن الحارث، به. ولم يسق لفظه، واكتفى بقوله:«نحوه» ، وكان قد ساق لفظ إسحاق بن العلاء عن عمرو بن الحارث الآتي ذكره.
والآخر: الصَّلت بن مسعود الجحدري.
أخرجه عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (5/139) ، وأبو عوانة في «مسنده» -كما في «إتحاف المهرة» (1/220) -.
وتابع خالداً -فيما وقفتُ عليه- ثلاثة، فرووه عن عبد الحميد بن جعفر؛ هم:
الأول: أبو محمد بن أبي شيبة.
أخرج عبد بن حميد في «المنتخب» (ص 92/رقم 180) -ومن طريقه ابن العديم في «بغية الطلب» (1/513) -: أخبرني ابن أبي شيبة، قال: وجدتُ في كتاب أبي محمد بن أبي شيبة عن عبد الحميد بن جعفر، قال: أُخبرتُ عن سليمان بن يسار، فأرسله ولم يذكر ابن جعفر أباه! ولفظه مثل لفظ الجماعة
(1) الاحتقاق: الاختصام، وقول كل واحد: الحق بيدي. انظر: «النهاية» (1/514) .
(2)
هذه الصيغة محمولة على الوصل، كما سبق وأن قررناه فيما مضى (ص 266 وما بعد) .
عن خالد؛ إلا أن فيه: «فيقول الذين عنده» ، وفيه:«يأخذون منه؛ ليذهبون به» . ولم يذكر أجم حسّان، ولا قولة أُبيٍّ أوله.
الثاني: بكر بن بكار.
أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (1/255) -ومن طريقه الذهبي في «السير» (1/393) - وفيه زيادة بعد قوله: «أطم حسان» : «والسوق سوق الفاكهة اليوم» ، وذكر لفظ الجماعة؛ إلا أن فيه: «يأخذون منه، لا يدعون منه شيئاً، فيقتتل الناس [فيقتل](1) من كل مئة
…
» .
وقال أبو نعيم على إثره: «ورواه الزُّبيدي عن الزهري، عن إسحاق مولى المغيرة، عن أُبي» (2) .
وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (8/111) من طريق آخر عن بكر بن بكار مقتصراً على المرفوع، ولفظه:«يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فيقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مئة تسعة وتسعون ويبقى واحد» .
والثالث: عبد الله بن حمران، وهو صدوق يخطئ قليلاً، واضطرب فيه؛ فرواه على الجادة تارة، وجعله تارة أخرى عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: قال الحارث بن نوفل: سمعتُ أُبيّاً، فزاد (الحارث) ! وهذا من أوهامه.
أخرجه عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (5/139-140) : حدثنا شجاع بن مخلد وأبو خيثمة زهير بن حرب، والشاشي في «مسنده» (3/366-367 رقم 1488) : حدثنا أبو قلابة الرقاشي؛ جميعهم عن عبد الله ابن حمران، به على الجادة بألفاظ متقاربة.
(1) سقطت من مطبوع «السير» ، وهي في «الحلية» .
(2)
كذا في مطبوع «الحلية» و «السير» ، والذي وقفت عليه: أن بين إسحاق مولى المغيرة وأُبي: (المغيرة بن نوفل) ، وستأتي هذه الطريق قريباً.
وأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (1/388-389)، قال: قال لي محمد بن بشار: حدثنا عبد الله بن حمران، به. بزيادة الحارث بن نوفل، قال: سمعت أبيّ (1) .
ثم وجدت ابن حمران رواه على لون آخر، وهذا من اضطرابه -أيضاً-؛ وهو:
ما أخرجه ابن عساكر (7/332-333) من طريق محمد بن بشار وابن معمر، قالا: نا عبد الله بن حمران، نا عبد الحميد بن جعفر، عن عبد الله بن الحكم بن رافع بن سنان، عن أبيه، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن الحارث، قال: قال الحارث بن نوفل: وقفتُ أنا وأبيّ بن كعب في ظل أُطُم حسان، وسوق الناس يومئذ في موضع سوق الفاكهة اليوم
…
وذكره بنحوه.
ولحديث أُبيّ بن كعب طريق أخرى فيها مقال، جاء فيها:«فيقتل تسعة أعشارهم» ، وهذا التفصيل، والله المستعان:
أخرج البخاري في «التاريخ الكبير» (1/388) ، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/315، 416) -ومن طريقه الخطيب في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (1/56) -، وابن حبان (6696 - «الإحسان» ) -ومن طريقه ابن العديم في «بغية الطلب» (1/515) -، والطبراني في «المعجم الكبير» (رقم 537) و «مسند الشاميين» (رقم 1789) من طريق إسحاق بن إبراهيم بن العلاء: حدثنا عمرو بن الحارث، حدثنا عبد الله بن سالم، عن محمد بن الوليد الزُّبيدي، قال: أخبرني الزهري، قال: أخبرني إسحاق مولى المغيرة بن نوفل، أن المغيرة بن نوفل أخبره، عن أُبيّ بن كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن تلّ من ذهب، فيقتتل عليه الناس، فيُقتل تسعة
(1) كذا في الأصلين، وكأن هذا من تسامح النساخ في الإعراب، والصواب:«أبيّاً» . أفاده المعلّمي اليماني في تعليقه على «التاريخ الكبير» .
أعشارهم» .
وإسناده ضعيف بهذا اللفظ، وله علتان:
الأولى: إسحاق (1) مولى المغيرة مجهول، وثقه ابن حبان (6/46) ، وتبعه ابن قطلوبغا، فترجمه في كتابه «الثقات» (ق78/أ)، قال الخطيب في «الموضح» (1/55) :«لا أعلم حدث عنه غير الزهري» . وذكره مسلم في «المنفردات والوحدان» (ص 123/رقم 261) تحت عنوان (ومن روى عنه الزهري ممن لم يرو عنه أحد سواه فيما علمنا) .
والثانية: إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن الضحاك الزُّبيدي.
قال النسائي: «ليس بثقة عن عمرو بن الحارث (2) » كذا في «تاريخ دمشق» (8/109)، وقال الآجري في «سؤالاته» (رقم 1682) :«سئل أبو داود عنه، فقال: ليس هو بشيء. قال أبو داود: قال لي ابن عوف (3) : ما أشك أن إسحاق بن إبراهيم بن زُريق يكذب» .
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/209) : «كتب عنه أبي، سمعتُ أبي يقول: سمعت يحيى بن معين وأثنى على إسحاق بن الزِّبْرِيق (4)
(1) جعله البخاري في «التاريخ الكبير» (1/388) : «إسحاق بن سالم مولى بني نوفل» وهو غيره، فرقهما ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/222) ، وابن حبان في «الثقات» (6/46، 47)، ووضحه بما لا مزيد عليه: الخطيب في «الموضح» (1/60-61)، وعبد الغني بن سعيد. وانظر:«تهذيب الكمال» (2/426) ، و «زوائد رجال صحيح ابن حبان على الكتب الستة» (2/563-566) .
(2)
نقلها المزي في «تهذيبه» (2/370)، والذهبي في «ميزانه» (1/181) هكذا:«قال النسائي: ليس بثقة» . وتعقبهما الدكتور بشار بما هو متعقَّب. انظر: «زوائد رجال صحيح ابن حبان» (2/529-530) .
(3)
هو محمد بن عوف بن سفيان الحمصي.
(4)
هو لقب جد إسحاق. انظر: «نزهة الألباب» (رقم 1346) .
خيراً، وقال: الفتى لا بأس به، ولكنهم يحسدونه» . قال: وسئل أبي عن إسحاق ابن إبراهيم بن العلاء؟ فقال: شيخ» (1) .
فقوله: «شيخ» ليس تعديلاً له، وإنما يعتبر حاله، قال الذهبي في ترجمة (العباس بن الفضل العدني) من «الميزان» (2/385) :«قوله -أي: أبو حاتم-: هو شيخ، ليس هو بعبارة جرح، لهذا لم أذكر في كتابنا أحداً ممن قال فيه ذلك، ولكنها -أيضاً- ما هي عبارة توثيق، وبالاستقراء يلوح لك أنه ليس بحجة» .
أما ألفاظ الأحاديث السابقة فهي محفوظة؛ عدا قوله: «من كل عشرة تسعة» أو «تسعة أعشارهم» ؛ فهي رواية شاذة، والمحفوظ:«من كل مئة تسعة وتسعون» . ويمكن الجمع باختلاف تقسيم الناس إلى قسمين (2) ، «ولو صحت حملت على التقريب وإلغاء الكسر في نسبة المقتولين إلى العشرة؛ لأن تسعة وتسعين في مئة، حينما تذكر بالنسبة إلى العشرة، تكون تسعة وكسراً، والعرب من عادتهم إلغاء الكسر» (3) .
وأخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» (1/335-336) من طرق أخرى ضعيفة عن أبي هريرة مرفوعاً -أيضاً-، بألفاظ فيها زيادة، وفي بعضها نُكْرة، وبوب عليها (باب آخر من علامات المهدي في خروجه)، وهذا التفصيل:
أخرج برقم (969)، قال: حدثني غير واحد عن ابن عياش، عن يحيى ابن أبي عمرو، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(1) جاءت العبارة في «تهذيب الكمال» (2/370) هكذا: «قال أبو حاتم: شيخ لا بأس به، ولكنهم يحسدونه، سمعت يحيى بن معين أثنى عليه خيراً» !!
(2)
كذا في «فتح الباري» (13/81) ، و «عمدة القاري» (24/213) ، وحكم بشذوذ اللفظة المذكورة شيخنا الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (رقم 3270) .
(3)
«تكملة فتح الملهم» (6/289) .
«يحسر الفرات عن جبل من ذهب وفضة، فيُقتل عليه من كل تسعةٍ سبعةٌ، فإن أدركتموه فلا تقربوه» .
وإسناده ضعيف؛ لجهالة شيوخه، ويحيى بن أبي عمرو، أبو زرعة السَّيباني الشامي الحمصي، ابن عم الأوزاعي، ثقة، ولكن لم يدرك أبا هريرة. ذكره ابن سعد في «طبقاته» (7/458) في (الطبقة الثانية) من أهل الشام، وذكره خليفة في «طبقاته» (315) في (الطبقة الرابعة) ، ومات سنة ثمان وأربعين ومئة (1) ، وهو ابن خمس وثمانين سنة (2) ، فروايته عن الصحابة مرسلة، قال ابن عساكر (3) :«قيل: إنه أدرك أبا الدرداء، وليس بصحيح» .
وقوله: «فضة» شاذة، وكذا:«من كل تسعة سبعة» .
وأخرج برقم (972) : حدثنا يحيى بن سعيد، عن ضرار بن عمرو، عن إسحاق بن أبي فروة، عن أبي هريرة رفعه بلفظ:
(1)«تاريخ ابن عساكر» (64/166) ، «تهذيب الكمال» (31/482) .
(2)
«تاريخ ابن عساكر» (64/166)، «تهذيب الكمال» (31/483) . وانظر:«الميزان» (4/399 رقم 9596) .
(3)
في «تاريخ دمشق» (64/159) .
(4)
سيأتي بيانها في الحديث الآتي، وكن على تذكُّر لما سيأتي في التعليق على (ص 539-540) .
(5)
أخرج نعيم بن حماد في «الفتن» (1/335-336 رقم 970) بسند ضعيف ومنقطع عن أبي هريرة قوله: «تدوم الفتنة الرابعة اثنا عشر عاماً،
…
» وذكر نحوه، وفي هذا مخالفة لما ورد في الحديث:«ثمانية عشر عاماً» .
(6)
مثله: ما أخرجه عبد الملك بن حبيب في «أشراط الساعة وذهاب الأخبار وبقاء الأشرار» (ق2/ب)، قال: «بلغني عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه قال: لا تقوم الساعة حتى =
وإسناده واهٍ جدّاً، إسحاق؛ هو: ابن عبد الله بن أبي فروة، متروك، ولم يدرك أبا هريرة، بينهما واسطة، يظهر ذلك مما:
أخرجه نعيم نفسه في «الفتن» (1/55-56 رقم 89) -أيضاً- بالسند نفسه؛ إلا أنه جعله عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عمن حدثه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تأتيكم بعدي أربع فتن؛ الأولى: يُستحل فيها الدماء. والثانية: يُستحل فيها الدماء والأموال. والثالثة: يُستحل فيها الدماء والأموال والفروج. والرابعة: صمّاء، عمياء، مطبقة، تمور مور الموج في البحر، حتى لا يجد أحدٌ من الناس منها ملجأً، تطيف بالشام، وتغشى العراق، وتخبط الجزيرة بيدها ورجلها، وتعرك الأمة فيها بالبلاء عركَ الأديم، ثم لا يستطيع أحدٌ من الناس يقول فيها: مه مه. ثم لا يرفعونها (1) من ناحية إلا انفتقت من ناحية أخرى» .
وشيخ نعيم في الحديثين ضعيف -أيضاً-، وهو يحيى بن سعيد العطار.
وأخرجه نعيم في «الفتن» (1/55 رقم 88) بسند رجاله ثقات؛ إلا أنه منقطع، قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن يحيى بن أبي عمرو السَّيباني، قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع فتن تكون بعدي؛ الأولى: يُستحل فيها الدماء. والثانية: يُستحل فيها الدماءُ والأموال. والثالثة:
= يمشي الناس عرايا في السِّكك؛ من قلّة الحياء، لا يلبسون ثوباً، ويركب بعضهم بعضاً
…
» ، وفيه:
«وحتى يحسر الفرات بالكوفة عن جبل من ذهب، فيقتتلون عليه، فيقتل من كل عشرة تسعة» . وهو بلاغ، يحتاج إلى معرفة من وصله، وفيه التصريح بأن انحسار الفرات يكون في الكوفة، وإذا كان القتال المذكور في حديث عبد الله بن عمرو الآتي (ص 573) عند أسطوانة يكال الذهب عندها بالتراس، هو عين القتال المذكور في هذا الحديث، فإنه يدل على (انحسار الفرات) في سوريا، ويحتمل أن يتكرر الانحسار، والذي سيظهر معك هناك أن الأسطوانة هناك غير الذهب الذي سيحسر عنه الفرات، والله أعلم.
(1)
نقله في «كنز العمال» (11/163 رقم 31047) : «يدفعونها» ، ولم يعزه إلا له.
يُستحل فيها الدماءُ والأموالُ والفروجُ. والرابعة: عمياء صمّاء تُعرك فيها أمتي عركَ الأديم» (1) .
وورد موصولاً بسند فيه لين، بل كذاب.
أخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» (1/56 رقم 90)، قال: حدثنا عثمان ابن كثير بن دينار، عن محمد بن مُهاجر أخي عمرو بن مهاجر، قال: حدثني جُنيد بن ميمون، عن ضرار بن عمرو، قال: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله -تعالى-: {أو يُلبسكم شيعاً} ، قال:«أربع فتن، تأتي الفتنة الأولى فيُستحل فيها الدماء. والثانية: يُستحل فيها الدماءُ والأموال. والثالثة: يُستحل فيها الدماءُ والأموالُ والفروجُ. والرابعة: عمياء مظلمة، تمور مور البحر، تنتشر حتى لا يبقى بيتٌ من العرب إلا دخلته» .
ومحمد بن مهاجر القرشي الكوفي، لين الحديث، كما في «التقريب» (ص 509/رقم 6332) ، وضرار بن عمرو، متهم، وله مناكير كثيرة (2) ، ولا يعرف له سماع من أبي هريرة.
وجعله السيوطي في «الدر المنثور» (3/288) عن ضرار بن عمرو مرفوعاً! وعزاه فقط لنعيم في «الفتن» !
وهناك أحاديث عامة تدلل على اشتداد الفتن مع مرور الزّمن، وقد أورد نعيم بن حماد واحداً منها يلي ما سبق مباشرة، فيه تنصيص على أن «فتناً أربعاً تكون آخر الزمان» ، وورد في «الصحيح» ما يشهد لعمومه، وإن لم يكن فيها ذكر حسر الفرات، كما في الأحاديث التي سقناها، وهذا البيان:
(1) تغشى العراق، وتطيفُ بالشام، وتخبطُ الجزيرة، كما في الأثر السابق. وورد ذلك من مقولة كعب عند نعيم في «الفتن» (1/213 رقم 585)، ولفظه:«ليوشكنّ العراقُ يعركُ عركَ الأديم، ويشقُّ الشامُ شقَّ الشعر، وتفتُّ مصرُ فَتَّ البعرة، فعندها ينزلُ الأمر» .
(2)
انظر: «الميزان» (2/328) .
أخرج نعيم بن حماد في «الفتن» (1/56-57 رقم 91)، قال: حدثنا الحكم بن نافع، عن أرطاة بن المنذر، قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تكون في أمتي أربع فتن، يصيب أمتي في آخرها فتن مترادفة، فالأولى تصيبهم فيها بلاء، حتى يقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف. والثانية حتى يقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف. والثالثة: كلما قيل: انقضت. تمادت. والفتنة الرابعة: تصيرون فيها إلى الكفر، إذا كانت الإمّعةُ مع هذا مرة، ومع هذا مرة بلا إمام ولا جماعة، ثم المسيح، ثم طلوع الشمس من مغربها، ودون الساعة اثنان وسبعون دجالاً، منهم من لا يتّبعه إلا رجل واحد» .
وهذا معضل، أرطاة بن المنذر رواه بلاغاً، ولا نعرف الواسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، وأرطاة هذا غير التابعي الحمصي، الذي أدرك ثوبان، وسمع من مجاهد والكبار، وإنما هذا آخر، بصري، يكنى أبا حاتم، ترجمه ابن عدي في «الكامل» (1/421-422) ، وأورد له حديثين منكرين، وقال:«ولأرطاة أحاديث كثيرة، غير ما ذكرته في بعضها خطأ وغلط» (1) .
ويشهد لبعض ما فيه: ما أخرجه مسلم في «صحيحه» (2) بسنده إلى عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة، قال: دخلت المسجد، فإذا عبد الله بن عمرو ابن العاص جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه، فأتيتهم، فجلستُ إليه، فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل (3)، ومنا من هو في جشره (4) ؛ إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) فرق بينهما جمعٌ. انظر: «الميزان» (1/170-171 رقم 689) ، و «لسان الميزان»
…
(1/373-374) .
(2)
كتاب الإمارة (باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء، الأول فالأول)(رقم 1842) بعد (44) .
(3)
هو من المناضلة؛ وهي: المراماة بالنشاب.
(4)
هو بفتح الجيم والشين؛ وهي: الدواب التي ترعى وتبيت مكانها.
الصلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقّاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتُها في أولها، وسيصيب آخرَها بلاءٌ وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مُهلكتي، ثم تنكشف وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر.
فدنا عبد الرحمن من عبد الله بن عمرو بن العاص، وقال: أنشدك الله: آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأهوى عبد الله رضي الله عنه إلى أذنيه وقلبه بيديه، وقال: سمعته أُذُناي ووعاه قلبي.
نستفيد من هذا الحديث أموراً، الذي يخصنا منها هنا ما يلي:
الأول: اشتداد الفتن كلما مر الزمن، وهو مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم:«وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضاً» ؛ أي: يُصيِّرُ بعضُها بعضاً رقيقاً؛ أي: خفيفاً؛ لعظم ما بعده. فالثاني يجعل الأول رقيقاً، وهكذا.
الثاني: في هذا الحديث رد صريح على من قال: إن النبي من أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ.
الثالث: ونستفيد من استحلاف عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ما يلي:
أولاً: عدم أنفة الصحابة رضي الله عنهم على من شدد عليهم في التثبت فيما يخبرون به عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: تثبت المسلمين الأولين في تلقي الأخبار، مع ثقتهم بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبأمانتهم في نقل الدين، ولا سيما فيما يخص المغيبات وأحاديث
الفتن.
فاحرص يا أخي على الاقتداء بسلفك الصالح وتثبت في دينك؛ لأن مُدّعِي العلم قد كثروا اليوم.
رابعاً: أن الفتنة تصيب هذه الأمة على هيئة أمواج، تظهر وتختفي بين الفَيْنَة والفينة (1) .
(1) الأدلة على ذلك كثيرة جدّاً؛ منها:
- الآثار التي فيها أن الفتن أربع، أو خمس، أو ما شابه ذلك، فلازم هذا أنها أمواج، وهي الكبار، وما عداها الصغار، وثبت ذلك عن حذيفة في «صحيح مسلم» (2891) وغيره، وسبق لفظه.
ومن هذه الآثار، ما سيأتي قريباً عن علي.
وما أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (15/54) ، والسرقسطي في «الدلائل» (2/924) بسند حسن عن حذيفة، قال:
«تكون فتنة، فيقوم لها رجال، فيضربون خيشومها، حتى تذهب» ، ثم ذكر مثل ذلك الثانية والثالثة والرابعة، قال:
«ثم تكون الخامسة دَهْماء، مجلّلة تنبثق كما ينبثق الماء» .
قال السرقسطي: «تقول: انبثق عليهم الماء: إذا أقبل عليهم، ولم يظنوا به، والبثق: كَسُرْك شطّ النهر؛ لينبثق الماء» .
ويشهد له: ما أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (11/356 رقم 20733) -ومن طريقه: نعيم بن حماد في «الفتن» (1/52 رقم 78) ، والحاكم في «المستدرك» (4/437) -من طريق طارق بن شهاب-، وابن أبي شيبة في «المصنف» (15/24 رقم 19004) ، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» -كما في «المطالب العالية» (17/622 رقم 4361 - ط. العاصمة) ، و «إتحاف الخيرة المهرة» (10/252 رقم 9916)، وقال البوصيري:«ورواته ثقات» -، ونعيم بن حماد في «الفتن» (1/52 رقم 77) ، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (3/219، 220) ، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (2/817-818 رقم 2210) ، والحاكم في «المستدرك» (4/504) من طريق الأعمش، عن منذر الثوري، عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه، قال: «جعل الله عز وجل في هذه الأمة خمس فتن: فتنة خاصة، ثم فتنة عامة، ثم فتنة عامة، ثم فتنة خاصة، =
والشاهد أن في بلاغ أرطاة بن المنذر تفصيلاً يُستأنسُ به في الإجمال المذكور في هذا الحديث، ولا سيما أن معناه العامَّ واردٌ في أحاديثَ كثيرةٍ شهيرةٍ، بل ورد عن علي قولُه ما يشهد لهذا المعنى.
أخرج نعيم بن حماد في «الفتن» (1/57 رقم 94)، قال: حدثنا ابنُ وهب، عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، قال: سمعت عبد الله بن زُرَير الغافقي، يقول:
سمعت عليّاً رضي الله عنه يقول: «الفتن أربعٌ: فتنة السراء، وفتنة الضراء، وفتنة كذا، فذكر معدنَ الذهب، ثم يخرج رجل من عترة النبي صلى الله عليه وسلم، يُصلح الله على يديه أمرَهم» .
وهذا إسناد جيد، الراوي عن ابن لهيعة عبد الله بن وهب، والحارث بن يزيد هو الحضرمي أبو عبد الكريم المصري، ثقة من الثقات. قاله أحمد، ووثقه أبو حاتم والنسائي والعجلي (1) .
وعبد الله بن زُرير الغافقي، ثقة -أيضاً-، وثقه ابن سعد في «طبقاته» (7/510) ، والعجلي في «ثقاته» (ص 257/رقم 811) ، وابن حبان في «ثقاته» (5/24) ، وابن خلفون في «ثقاته» ، كما في «إكمال تهذيب الكمال» (7/356-357) لمغلطاي، ولم يجرحه أحد (2) .
= ثم فتنة عامة -كذا لفظ إسحاق، ولفظ سائرهم:«فتنة عامة، ثم فتنة خاصة» -، ثم تجيء فتنة سوداء مظلمة -وفي رواية: الفتنة العمياء الصماء المطبقة-، فيصير الناس فيها كالبهائم» .
وإسناده حسن؛ من أجل عاصم بن ضمرة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وله حكم الرفع، إذ لا مجال للاجتهاد فيه.
وانظر في معنى هذه الفتن: ما سيأتي قريباً في أثر علي رضي الله عنه، وما سبق في حديث أبي هريرة (ص 534) .
(1)
انظر: «تهذيب الكمال» (5/308) والتعليق عليه.
(2)
انظر: «تهذيب الكمال» (14/517-518) والتعليق عليه.
ونستفيد من هذا الأثر أموراً؛ هي:
أولاً: حسرُ الفرات عن جبلٍ من ذهب فتنةٌ.
ثانياً: أنّ المراد بالذهب المعدن، ففيه:«فذكر معدن الذهب» ، وجَعْلُه كنايةً عن النفط أو غيره -كما يقول العقلانيون- فهذا إخراجٌ للفظ عن معناه، وحصرُه في وقت معين لم يقم عليه دليل، وفيه عدم مراعاةٍ لفهم المخاطَبِين عند سماعهم له (1) .
ثالثاً: أن فتنةَ حسر الفرات تدخل في عموم الهرج الوارد في الأحاديث الكثيرة في «الصحيحين» (2) ، وغيرهما.
خامساً: إن هذه الفتنة من إرهاصات خروج المهدي آخر الزمان، وصرح بذلك علي رضي الله عنه لما قال:«ثم يخرج رجل من عترة النبي صلى الله عليه وسلم يُصلح الله على يديه أمرهم» .
قال البرزنجي في «الإشاعة» (ص 91) عند كلامه على (العلامات التي يعرف بها المهدي) : «وأما الأمارات الدالة على خروجه؛ فمنها: أنه ينشقّ الفراتُ فينحسر عن جبل من ذهب» ، وكرره بعده بورقة، وزاد: «فإذا سمع به الناس ساروا إليه، واجتمع ثلاثةٌ كلُّهم ابنُ خليفة، يقتتلون عنده، ثم لا يصير إلى واحدٍ منهم
…
» .
قلت: يدلّ على ذلك حديث ثوبان رضي الله عنه مرفوعاً؛ وهو:
ما أخرجه ابن ماجه في «السنن» (4084) ، والبيهقي في «الدلائل» (6/ 515) ، وأبو عمرو الداني في «الفتن» (5/1032 رقم 548) من طريق عبد الرزاق، والحاكم في «المستدرك» (4/463-464) من طريق الحسين بن
(1) سيأتي مزيد بيان وبحث لهذا الموضوع.
(2)
انظر: «صحيح البخاري» (الأرقام 85، 1036، 1412، 3608، 3609، 4635، 4636، 6037، 6506، 6935، 7061، 7115، 7121) ، و «صحيح مسلم» (رقم 157) .
حفص؛ كلاهما عن سفيان الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان رفعه:«يقتتل عند كنزكم ثلاثة، كلُّهم ابنُ خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قومٌ» ثم ذكر شيئاً لا أحفظه، فقال:«فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفةُ الله المهديُّ» . ورجاله ثقات رجال الصحيح، لكن خالف الثوريَّ في إسناده عبدُالوهاب بن عطاء، فأخرجه الحاكم (4/502) ، وعنه البيهقي (1) في «الدلائل» (6/516) من طريق يحيى بن أبي طالب، عن عبد الوهاب بن عطاء، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسامة، عن ثوبان موقوفاً (2) .
وأعلّه شيخنا الألباني -رحمه الله تعالى- في «السلسلة الضعيفة» (رقم 85) بعنعنة أبي قلابة، قال بعد أن نقل أنّ الذهبي قال عن الحديث:«أراه منكراً» :
«وهذا هو الصواب، وقد ذهل من صححه عن علته، وهي عنعنة أبي قلابة، فإنه من المدلسين؛ كما تقدم نقله عن الذهبي وغيره في الحديث
(1) ذكره في (باب ما جاء في الأخبار عن ملك بني عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه) فحمله على المهدي العباسي!! خلافاً لغيره من أهل العلم.
(2)
وأخرجه مرفوعاً دون موطن الشاهد منه: أحمد (5/277) -ومن طريقه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (رقم 1445) -، والبيهقي في «الدلائل» (6/516) ، وابن حجر في «القول المسدد في الذّب عن المسند» (ص 45) بسند ضعيف، فيه شريك النخعي، سيئ الحفظ، وعلي بن زيد بن جُدْعان، ضعيف، كان يغلو في التشيع، وهو من طريق أبي قلابة عن ثوبان، دون واسطة أبي أسماء -واسمه: عمرو بن مرثد-، وأبو قلابة لم يسمع من ثوبان.
وعزاه السيوطي في «الحاوي» (2/127، 133) إلى أبي نعيم في «المهدي» باللفظين، المختصر والمطول.
وانظر: «الموسوعة في أحاديث المهدي» (164-165 - الضعيفة والموضوعة) ، و «المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة» (ص 184-194) .
السابق، ولعله لذلك ضعف حديث ابن علية من طريق خالد، كما حكاه عنه أحمد في «العلل» (1/356) ، وأقره.
لكن الحديث صحيح المعنى؛ دون قوله: «فإن فيها خليفة الله المهدي» .
فقد أخرجه ابن ماجه (2/517-518) من طريق علقمة عن ابن مسعود مرفوعاً نحو رواية ثوبان الثانية.
وإسناده حسن بما قبله، فإن فيه يزيد بن أبي زياد، وهو مختلف فيه، فيصلح للاستشهاد به، وليس فيه -أيضاً- ذكر «خليفة الله» ، ولا «خراسان» .
وهذه الزيادة: «خليفة الله» ؛ ليس لها طريق ثابت، ولا ما يصلح أن يكون شاهداً لها، فهي منكرة؛ كما يفيد كلام الذهبي السابق، ومن نكارتها أنه لا يجوز في الشرع أن يُقال: فلان خليفة الله. لما فيه من إيهام ما لا يليق بالله -تعالى- من النقص والعجز، وقد بيّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، فقال في «الفتاوى» (2/461) :
«وقد ظن بعض القائلين الغالطين كابن عربي، أن الخليفة هو الخليفة عن الله، مثل نائب الله، والله -تعالى- لا يجوز له خليفة، ولهذا «قالوا لأبي بكر: يا خليفة الله! فقال: لست بخليفة الله، ولكن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسبي ذلك» (1) ، بل هو -سبحانه يكون خليفة لغيره، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا» (2) .
(1) رواه أحمد في «المسند» (1/10-11) نحوه. ولذلك كان الصحابة لا ينادونه إلا بـ: «يا خليفة رسول الله!» ؛ كما رواه الحاكم (3/79-80) من طرق، وصحح بعضها، ووافقه الذهبي. (منه) .
(2)
قلت: أخرجه بهذا اللفظ الدارمي (2/287) من حديث ابن عمر، وأحمد (5/83) ، =
وذلك لأن الله حي شهيد مهيمن قيوم رقيب حفيظ غني عن العالمين، ليس له شريك ولا ظهير، ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، والخليفة إنما يكون عند عدم المستخلف؛ بموت، أو غيبة، ويكون لحاجة المستخلف، سمي خليفة؛ لأنه خلف عن الغزو وهو قائم خلفه، وكل هذه المعاني منتفية في حق الله -تعالى-، وهو منزه عنها، فإنه حي قيوم، شهيد، لا يموت ولا يغيب
…
ولا يجوز أن يكون أحد خلفاً منه، ولا يقوم مقامه، إنه لا سَمِيَّ له، ولا كفء، فمن جعل له خليفة فهو مشرك به» .
ومما يدل على ذلك: ما أخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» (1/333 رقم 958) بسندٍ حسن عن ابن سيرين، قال:«لا يخرج المهدي حتى يُقتل من كلِّ تسعةٍ سبعةٌ» . والقتل هذا هو المذكور في الأحاديث السابقة.
قال ابن حجر في «الفتح» (13/81) عند شرحه لهذا الحديث: «يوشك أن يحسر الفرات
…
» وأورد حديث ابن ماجه، وسكت عليه، وقال عقبه:
وأقره عليه صديق حسن خان في «عون الباري» (6/422) ، وصاحب «تكملة فتح الملهم» (6/288)، وأغرب بعضهم لما قال:«المراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة» !! فالذي يستخرج كنز الكعبة ذو السُّويقتين من الحبشة، والدليل عليه:
ما أخرجه أحمد (5/271) بسندٍ حسن في الشواهد من طريق أبي أمامة ابن سهل بن حُنيف، قال: سمعتُ رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اتركوا
= وابن خزيمة (2533) من حديث عبد الله بن سرجس، وسندهما صحيح.
وأصلهما في «مسلم» ، وهما مخرَّجان في «صحيح أبي داود» (2339) . (منه) .
الحبشة ما تركوكم؛ فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السُّويقتين من الحبشة» (1) .
والحديث صحيح، أخرجه أبو داود (4309) ، والحاكم (4/453) ، والبيهقي (9/176) ، وغيرهم من طريق أبي أمامة بن سهل عن عبد الله بن عمرو.
وورد من حديثه من طريق مجاهد عنه بلفظ: «يخرِّب الكعبة ذو السُّويقتين من الحبشة، ويسلُبُها حليَتَها، ويجرِّدها من كسوتها» .
أخرجه أحمد (2/220) ، والفاكهي في «أخبار مكة» (743، 744) : «والأقرب في الكنز المذكور في حديث ثوبان رضي الله عنه أنه الكنز الذي يحسر عنه الفرات، وقد يكون غيره، والله أعلم» (2)، ويؤكده:
ما أخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» (1/336) : حدثنا عبد الله بن مروان، عن أرطاة، عن تبيع، عن كعب، قال: تكون ناحيةُ الفرات في ناحية الشام، أو بعدها بقليل مجتَمعٌ عظيمٌ، فيقتتلون على الأموال، فيُقتلُ من كلِّ تسعة سبعةٌ، وذاك بعد الهدَّةِ والواهيةِ، في شهر رمضان، وبعد الافتراق ثلاث رايات، يطلب كلُّ واحد منهم المُلك لنفسه، فيهم رجل اسمه: عبدُالله.
وإسناده قوي، وورد في الهدَّةِ والواهِيَةِ في رمضان أحاديثُ مرفوعةٌ أسانيدُها واهيةٌ جدّاً (3) ، وفي هذا الأثر مما يستأنس بأن الكنز في حديث ثوبان
(1) قال الهيثمي في «المجمع» (3/298) : «رواه أحمد والطبراني في «الكبير» ، وفيه ابن إسحاق وهو ثقة، لكنه مدلس» .
(2)
«إتحاف الجماعة» (2/187) .
(3)
انظر بعضاً منها في: «المستدرك» (4/517-518) ، «الضعفاء الكبير» (3/51-52) ، «الموضوعات» (3/190) لابن الجوزي، و «اللآلئ المصنوعة» (2/386) ، و «التعقبات على الموضوعات» (رقم 269 - بتحقيقي) وتعليقي عليه، وقد تكلمت عليها في كتابي «الملاحم» بإسهاب وتطويل.
هو عينه الذي يحسر عنه الفرات، والله أعلم.
ولم تسلم أخبار هذه المقتلة التي تكون عند الفرات من دسّ الكذّابين، ولا سيما الرافضة، فقد اختلقوا أكاذيب حول هذه الملحمة، وهذا مثال منها:
أخرج ابن المنادي -كما في «كنز العمال» (14/592 رقم 39679) - من طريق سعد الإسكافي، عن الأصبغ بن نباتة، قال: خطب علي بن أبي طالب، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:
…
وذكر خبراً طويلاً، فيه بعد كلام:
«ثم تكون بعده هنات (1) وأمور مشتبهات إلا من شط الفرات إلى النجفات باباً إلى القطفطانيات (2) في آيات وآفات متواليات يحدثن شكّاً بعد يقين، يقوم بعد حينٍ يبني المدائنَ ويفتحُ الخزائن ويجمع الأمم ينفذها شخصُ البصر، وطمح النظر، وعنت الوجوه، وكشفت البال حتى يرى مقبلاً مدبراً، فيا لهفي على ما أعلم. رجبٌ شهر ذكر، رمضان تمام السنين، شوال يشأل فيه أمر القوم، ذو القعدة يقتعِدون فيه، ذو الحجة الفتح من أول العشر، ألا إن العجب كل العجب بعد جمادى ورجب جمع أشتات وبعث أموات وحديثات هوناتِ هوناتِ، بينهنّ موتات رافعة ذيلها، داعية عولها معلنة قولها بدجلة أو حولها.
ألا إن منا قائماً عفيفةٌ أحسابه، سادةٌ أصحابه، ينادى عند اصطلام أعداءِ الله باسمه واسم أبيه في شهر رمضان ثلاثاً، بعد هرج وقتال وضنك وخُبال وقيامٍ من البلاء، على ساق وإني لأعلم إلى من تُخرِج الأرض ودائعها وتسلِّم إليه خزائنها، ولو شئتُ أن أضرب برجلي فأقول: أخرجي من ههنا بيضاً ودروعاً.
كيف أنتم يا ابن هناتٍ؟ إذا كانت سيوفكم بأيمانكم مصلتات، ثم رملتم رملات ليلة البيات، ليسختلفنّ الله خليفة يثبت على الهدى، ولا يأخذ على
(1) أي: شرور وفساد. انظر: «النهاية» (5/279) .
(2)
في مطبوع «الكنز» بالقاف بين الطائين!
حكمه الرَّشاء، إذا دعا دعوات بعيدات المدى، دامغات للمنافقين، فارجات عن المؤمنين، ألا إن ذلك كائن على رغم الراغمين. والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله وأصحابه أجمعين» .
قال السيوطي عقبه: «وسعد والأصبغ متروكان» .
قال أبو عبيدة: علامات الوضع ظاهرة على الحديث، أما سعد؛ فهو ابن طريف الإسكافي، متروك الحديث، واتهم، إذ رماه بعضهم بالوضع، وهذا تفصيل كلام النُّقاد عليه:
قال ابن معين في «تاريخ الدوري» (2/191) : «لا يحل لأحد أن يروي عنه» ، وقال مرة (2/191) :«ليس بشيء» ، وقال النسائي في «ضعفائه» (رقم 281) :«متروك الحديث» ، وقال الدارقطني في «سؤالات البرقاني» (رقم 190) :«كذاب» ، وقال الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (3/64) :«لا يذكر ولا يكتب حديثه إلا للمعرفة» ، وقال ابن عدي في «الكامل» (3/1188) :«ضعيف جدّاً» ، وقال ابن حبان في «المجروحين» (1/357) :«كان يضع الحديث على الفور» ، وقال أبو حاتم في «الجرح والتعديل» (4/87 رقم 379) :«منكر الحديث، ضعيف الحديث» ، وقال الجوزجاني في «أحوال الرجال» (ص 58/ رقم 51) :«مذموم» ، وقد ضعفه -أيضاً-: أحمد، وعمرو ابن علي الفلاس، وأبو زرعة، والبخاري، وأبو داود، والترمذي، والبزار، والعقيلي، والأزدي، والعجلي، والساجي (1) .
وأما الأصبغ؛ فهو ابن نُباتة: التميمي الحنظلي المجاشعي الكوفي، يكنى أبا القاسم متروك رمي بالرفض.
(1) انظر له -غير ما تقدم-: «سؤالات الآجري» (3/رقم 119) ، «بحر الدم» (ص 169/ رقم 347) ، و «الضعفاء الصغير» (رقم 148) و «التاريخ الصغير» (2/46) كلاهما للبخاري، و «الضعفاء» (622) لأبي زرعة الرازي، و «تهذيب الكمال» (10/271-274) ، و «إكمال تهذيب الكمال» (5/236-237 رقم 1881) .