الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليها، معروفة بالخبر، إذ المراد من هذا التنزيل غالباً استشراف مجريات أحداث بدت مقدماتها، وظهرت على السطح، وخفيت غالباً حال التنزيل ثمارها وما تتمخّض عنه، استجابة لقوة مركوزة في النفس، تتطلع لمعرفة ما يقع وما سيجري في المستقبل.
ولا صلة لمعنى هذه الظاهرة في مبحثنا هذا بـ (الإسقاط) المذكور في كتب الفقهاء من «إزالة الملك أو الحق لا إلى مالك ولا إلى مستحق، وتسقط بذلك المطالبة به» (1) .
*
أهمية المعالم والضوابط لهذه الظاهرة
هنالك معالم وضوابط لا بُدّ من معرفتها في التعامل مع الفتن الحادثة؛ حتَّى يصح الزعم أنّ النصوص تشملها، أو تراد بها؛ وهذه المعالم والضوابط هي المبادئ والخطوات المنهجيّة المترابطة المنبثقة عن خصائص النصّ الشرعي، وطريقة تنزيله؛ بغية الوصول إلى فهم سديد لمراد الله عز وجل من النصّ، مع حُسن التعامل مع النصوص بما لا يخرجنا عن المعتقد الصحيح، والمسلّم الثابت في النصوص، ولا يبعدنا عن المقاصد الشرعية، ولا بُد من هذه الضوابط والمعالم لتوفير أرضيّة تعصم -بإذن اللَّه- من الزلل والتعسف والتكلف في فهم مراد الشارع من هذه النصوص.
*
تكييف (الإسقاط) وبيان أنه من (ملح) العلم لا من (صلبه)
عمليّة الإسقاط اجتهاد، تشبه تماماً (الاجتهاد التنزيلي)(2) في مباحث (أصول الفقه) ، مع التنويه بأنّ المعاني في المسائل الاجتهادية ظاهرة،
(1)«الموسوعة الفقهية الكويتية» (4/226) ، ونحوها في «موسوعة الفقه الإسلامي» (8/ 233) ، وللدكتور أحمد الصويعي شيلبك «أحكام الإسقاط في الفقه الإسلامي» وهو مطبوع.
(2)
عالجه من ناحية أصولية: د. بشير بن مولود جحيش في دراسة مطبوعة ضمن سلسلة «كتاب الأمة» العدد (93) بعنوان: «في الاجتهاد التنزيلي» .
والمقاصد غير خفيَّة، والأشباه والنظائر -غالباً- متوفّرة، والجهود قائمة، بخلاف الغيب المطلق الذي تتفاوت أحداثه وحوادثه؛ فيعسُر -أو يستحيل- حصرها في قواعد كليَّة مضبوطة، وهذا النوع من العلوم سمَّاه الشاطبيُّ:(ملح العلم)(1) ،
وهو ما لم يكن قطعيّاً، ولا راجعاً إلى أصل قطعيٍّ، بل إلى ظنّيٍّ، أو
(1) جعل الشاطبي في (المقدمة التاسعة)(1/107 وما بعد - بتحقيقي) من كتابه «الموافقات» العلمَ ثلاثة أقسام:
القسم الأول: صُلْب العلم: وهو الأصل والمعتمد، والذي عليه مدار الطلب، والشريعة منزلة على هذا الوجه؛ فهي مطردة وثابتة وحاكمة يُبنى عليها، وهي قواعد معللة مطردة.
والقسم الثاني: المُلَح؛ وهو الذي تكلمنا عنه.
والثالث: ما ليس من صلب العلم، ولا من ملحه؛ وهو ما لا يرجع إلى أصل قطعي ولا ظني، وإنما شأنه أن يرجع على أصله، أو على غيره بالإبطال مما صح كونه من العلوم المعتبرة والقواعد المرجوع إليها، مثل ما انتحله الباطنية، وما يتلمس من علوم الحرف، وعلم النجوم من التكهنات والغيبيات.
وقرر أنَّه قد يعرض للقسم الأول مَن يُعَدّ من الثاني، ويُعرض للقسم الأول أن يصير من الثالث، قال (1/123) :«ويتصوّر ذلك فيمن يتبجَّح بذكر المسائل العلمية لمن ليس من أهلها، أو ذكر كبار المسائل لمن لا يحتمل عقلُه إلا صغارها على ضد التربية المشروعة» ، وقال (1/124) :
قال أبو عبيدة: هذا بيت القصيد؛ فإنّ جماعة عبثوا وخاضوا في أحاديث أشراط الساعة والملاحم والفتن، وصنيعهم فيها صنيع أهل الباطن، وأصبح جهدهم بحاجة إلى تقويم، وانطبق عليهم تأصيل الشاطبي هذا؛ فأخرجوها من (الملح) التي تستحسنها العقول، وتستملحها النفوس، إذ ليس يصحبها مُنفِّر، ولا هي مما تُعادي العلوم؛ لأنها ذاتُ أصل مبنيٍّ عليه في الجملة إلى ما ليس من (الصُّلب) ولا من (الملح) ، وإن مالوا بالعوام؛ فاستحسنوا صنيعهم وطلبوه، لا لذاته، ولا لبهائه، وإنما للملابسات التي يعيشونها، ولشُبَهٍ عارضةٍ انقدحت عندهم، واشتباه بينه وبين صنيع الأفذاذ من العلماء ممن تكلموا على أشراط الساعة؛ فربما عدّ بعض المتعجِّلين المتحمِّسين من المطّلعين على كتابات ومؤلفات هؤلاء على أصل؛ فمالوا إليه من هذا الوجه، وحقيقة أصله -كما سيتبرهن لك مما سيأتي قريباً -إن شاء الله تعالى- وَهْم وتخييل، لا حقيقة له، وزاد الطين بِلَّة: =