الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلم في الاستدلال.
ثالثاً: من أسوأ أنواع هذا التحريف وأخطره التعدّي على المُسَلَّمات والقواعد الكليات
، سواء فيما يخص الشرع بعامة، أو الفتن بخاصة؛ مثل: تحديد موعد قيام الساعة، أو موعد خروج المهدي (1) ، أو موعد زوال دولة يهود
…
وهكذا.
رابعاً: أخطر ما رأيت على الإطلاق في التعامل مع أحاديث الفتن (2) فهمها على قواعد أهل الباطل: اليهود وأهل الباطن، إذ أحاديث الفتن -قبل وقوعها- أشبه ما تكون بتأويل (المتشابه)، فيراعى في المؤول به أوصاف؛ هي:
16-
كون الظاهر منها هو المفهوم العربي، فلا تشرع الزيادة على الجريان على اللسان العربي؛ مثل: حساب الجُمَّل
، أو الإعجاز العددي.
ومن اشتغل بذلك فهو من باب التشبه باليهود (3) ، وقد يستدل عليه بما أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (3/208) ، وابن جرير في «التفسير» (1/216 رقم 246 - ط. شاكر) -واللفظ له-، وأبو عمرو الداني في «البيان في عدّ آي القرآن» (ص 330-331) من طريق ابن إسحاق، قال: حدثني
(1) في ديارنا الأردنية واعظ معتوه يقسم في خطبه أمام الألوف من الناس أن ظهور المهدي قريب، بل وصل به الأمر إلى تلفظه بطلاق زوجته إن لم يخرج خلال عشر سنوات، ثم قوله إنه لن يؤمن به إن خرج بعد ذلك، والمساكين البُلْه يتلقَّوْنَ كلامَه بالتسليم، و (العَشْرُ) قريب، ولكن ما هو الحال بعد مُضِيّها؟ وعلى كلٍّ؛ الجُنون فُنون، ولله في خلقه شؤون، وقُلْ مثلَه في حق من حدد موعد انتهاء دولة يهود.
(2)
السبب الذي نعالجه.
(3)
وهو واقع في آخر هذه الأمة؛ للأخبار التي فيها اتباع سنن من كان قبلنا، وأخطر أنواعه: التشبه بهم في التصورات، والقناعات، وطريقة التفكير، وتقديم (المصالح) على (المبادئ) ، وحصر الحرص في المتاع والملاذ، فضلاً عن المسلكيات والأفعال، وللغزي كتاب مطول حوى العجب العجاب في مسألة التشبه، سماه «حسن التنبه في مسألة التشبه» ، هو قيد النسخ للعمل به مع الأخ خالد جناحي -حفظه الله ورعاه-.
الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله بن رِئاب، قال: «مر أبو ياسر بن أخطب [في رجال من اليهود] برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة: {ألم. ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} ، فأتى أخاه حُيَي بن أخطب [في رجال] من يهود، فقال: تعلمون والله لقد سمعت محمداً يتلو فيما أنزل الله عز وجل عليه: {ألم. ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} ! فقالوا: أنت سمعتَه؟ قال: نعم. قال: فمشى حيُي بن أخطب في أولئك النفر من يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا له: يا محمد! ألم يُذكر لنا أنك تتلو فيما أنزل عليك: {ألم. ذَلِكَ الْكِتَابُ} ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى. فقالوا: أجاءك بهذا جبريل من عند الله؟ قال: نعم. قالوا: لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بُيِّنَ لنبيٍّ منهم مدةُ ملكه، وأجلُ أمته غيرك. فقال حيي بن أخطب، وأقبل على من كان معه، فقال: الألف واحدة واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون.
أفتدخلون في دين نبي إنما مدةُ مُلكه وأجلُ أمته إحدى وسبعون سنة؟ قال: ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد! هل مع هذه غيره؟ قال: «نعم. قال: ماذا؟ قال: {ألمص} [الأعراف: 1] » . قال: هذه أثقل وأطول: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون؛ فهذه إحدى وستون ومئة. هل مع هذا يا محمد غيره؟ قال:«نعم. قال: ماذا؟ قال: {ألر} [يوسف: 1] » . قال: هذه -والله- أثقل وأطول: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والراء مئتان؛ فهذه إحدى وثلاثون ومئتا سنة. فقال: هل مع هذا غيره يا محمد؟ قال: «نعم، {ألمر} [الرعد: 1] » . قال: فهذه أثقل -والله- وأطول: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والراء مئتان؛ فهذه أحدى وسبعون ومئتا سنة. ثم قال: لقد لُبِّس علينا أمرك يا محمد، حتى ما تُدرَى أقليلاً أُعطيت أم كثيراً. ثم قاموا عنه، فقال أبو ياسر لأخيه حيي بن أخطب ومن معه من الأحبار: ما يدريكم لعله قد جُمع لمحمد هذا كله إحدى وسبعون، وإحدى وستون ومئة، ومئتان وإحدى وثلاثون، ومئتان وإحدى وسبعون؛ فذلك سبع مئة وأربع وثلاثون.
فقالوا: لقد تشابه علينا أمره» . والخبر بنحوه في «سيرة ابن هشام» (2/545) .
وهذا الاستدلال باطل من جوه؛ هي:
إسناده ضعيف (1) ، فيه الكلبي، وهو ممن لا يحتج به إذا انفرد، ومدار الحديث عليه. قاله ابن كثير في «تفسيره» (1/258 - ط. أولاد الشيخ) ، والشوكاني في «فتح القدير» (1/20) .
وأما على فرض صحته، فالجواب عليه من وجوه تأتي، وقد ظفرتُ برسالة للعلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني في ورقتين (2) ، فيها جواب على مدى اعتبار حروف (الجمل)، قال بعد نقله ما في «القاموس المحيط» (3) عن (أبجد) وأنها اصطلاح لملوك مدين:
«فهذا أصل هذه الكلمات لغة، وفيه دلالة أن من جعل حروفها أعداداً ليس من وضع اللغة، وإنما هو أمر اصطلاحي، ويدل عليه اختلاف أهل الغرب وأهل الشرق في ذلك؛ فإنّ السين المهملة تعد ثلاث مئة عند الأولين، وستون عند الآخرين، والصاد -أي: المهملة- ستون عند أهل الغرب، وتسعون عند أهل الشرق؛ كما ذكره عنهم الحافظ ابن حجر (4) ، وإذا كان أمراً عرفيّاً فالأمر فيه سهل.
وأما أهل اللغة العربية فمعلوم أنهم لا يعرفون ذلك، ومن الآثار ما يشعر بأنه عُرف لليهود،
…
» وساق الخبر الذي ذكرناه، وقال:
(1) انظر: «تخريج الأحاديث المرفوعة المسندة في كتاب التاريخ الكبير» (2/900-902 رقم 681) ، وكلام الأخوين العلامتين أحمد ومحمود شاكر -رحمهما الله- في تعليقيهما على «تفسير الطبري» (1/218-220) .
(2)
من محفوظات مكتبة الجامع الكبير بصنعاء.
(3)
انظره: (ص 340) مادة (بجد) .
(4)
انظر: «فتح الباري» (11/351) .