الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى من لا تتعدّى همّته بطنه وفرجه، ولم ينل المسلمين أذًى وشدّة مُذ جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الوقت مثل ما دُفعوا إليه الآن» .
فصل
ظاهرة إسقاط الأحاديث الواردة في الفتن على وقائع معينة:
تكييفها، وضوابطها، والتحذير من عبث الخائضين فيها، وتقويم أشهر دراساتهم (1) التي ظهرت حديثاً في فتنة العراق بأزمنتها المتلاحقة
الذي رأيتُه من خلال تتبعي لظاهرة إسقاط الأحاديث على أحداث الفتن: إنّ أصوب الناس فيها أصحاب الحديث، وكلما كان الرجل إلى الحديث أقرب؛ كان تعامله مع هذه الظاهرة أصوب، وكلما كان عن الحديث أبعد؛ ازداد تورّطاً، وتخبُّطاً، وانكسافاً، وانخسافاً، ونزولاً، وتردّياً، وجهلاً.
* معنى الإسقاط ومرادنا من هذه الظاهرة
الإسقاط في اللغة مأخوذ من سقط الشيء، يسقط سقوطاً، فهو ساقط وسقوط (2)، والإسقاط تأتي بمعان عديدة؛ منها:
1-
بمعنى الخطأ في القول والحساب والكتاب: والسَّقَطُ والسَّقاطُ: الخطأ في القول والحساب والكتاب، وأسقط وسقط في كلامه وبكلامه سقوطاً: أخطأ.
وتكلم بكلام فما أسقط كلمة، وما أسقط حرفاً، وما أسقط في كلمة وما سقط بها؛ أي: ما أخطأ فيها. يقال: أسقط في كلامه، وتكلم بكلام فما سقط
(1) لا تنس ما سمّيناه منها آنفاً، واكتفينا هنا منها بأمثلة قليلة.
(2)
«لسان العرب» (7/316) ، و «معجم مقاييس اللغة» (3/86) .
بحرف، وما أسقط حرفاً (1) .
2-
بمعنى العثرة والزلة: والسَّقطة: العثرة والزلة، وكذلك السِّقاطُ، يقال: لا يخلو أحد من سقطة، وفلان يتتبع السقطات ويعد الفرطات، والكامل من عدت سقطاته وهو مجاز، ويقال: فلان قليل السقاط، كما يقال: قليل العثار (2) .
3-
بمعنى عثر: سقط على ضالته: عثر على موضعها ووقع فيها، كما يقع الطائر على وكره. وفي الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لله عز وجل أفرحُ بتوبة عبدِه مِن أحدكم سقط على بعيره، وقد أضله في أرض فلاة» (3) ؛ معناه: يعثر على موضعه ويقع عليه؛ أي: صادفه وعثر عليه من غير قصد فظفر به (4) .
4-
بمعنى النزول: سقط القوم إليَّ سقوطاً: نزلو عليَّ وأقبلوا، ومنه حديث:«فأما أبو سَمَّال فسقط إلى جيران له» ؛ أي: أتاهم فأعاذوه وستروه.
وسقط الحَرُّ يسقُطُ سُقُوطاً: يكنى به عن النزول، قال النابغة الجعدي:
إذا الوحشُ ضمَّ الوحشَ في ظُلُلاتها
…
سواقطُ من حَرٍّ، وقد كان أظهرا (5)
5-
بمعنى وقع: سقط الشيء من يدي سُقوطاً بالضم، ومَسقطاً بالفتح، وقع على الأرض، وكل من وقع في مهواة يقال: وقع وسقط (6) .
(1)«لسان العرب» (7/317) ، و «تاج العروس» (19/359 - ط. الكويتية) .
(2)
«تاج العروس» (19/363) ، و «مختار الصحاح» (ص 128) .
(3)
أخرجه البخاري (6309) ، ومسلم (2747) عن أنس بن مالك.
(4)
«فتح الباري» (11/108) .
(5)
«لسان العرب» (7/317) ، و «تاج العروس» (19/355) .
(6)
«تاج العروس» (19/355) .
وفي المثل السائر (على الخبير سقطت) ؛ أي: على العارف به وقعت.
ويقال: سقط الشيء سقوطاً: وقع من أعلى إلى أسفل، كسقوط الإنسان من السطح، ويقال: سقط من كذا في كذا، كسقوط الشخص في حفرة حفرها الغير في طريق عام، وفي المثل:(سقط العشاءُ به على سِرحان) . يضرب للرجل يبغي البُغية فيقع في أمر يهلكه (1) .
6-
بمعنى الرفع والإزالة: أسقط اسمه من الديوان: رفعه وأزاله، ويقال: سقط عنا الحر: إذا زال وأقلع، وسقط الرجل: إذا وقع اسمه من الديوان. وقول الفقهاء: سقط الفرض؛ أي: سقط طلبه والأمر به، ومنه قولهم: سقوط الحد بالشبهة؛ أي: امتناع إقامته بسبب الشبهة (2) .
بالنظر في هذه المعاني؛ نجد أن المعنى الرابع (3) والخامس يدلان على معنى الظاهرة التي نتكلّم عنها؛ إذ مرادنا منها: إيقاع الأحاديث والآثار التي فيها إخبار عن أحداث ووقائع مستقبليّة على واحدة نازلة منها، بحيث لا يكون المراد بها إلا هذه النازلة دون سائرها، وكأن هذه النازلة رفعت وأزالت المعاني المتوقعة عن المحل الذي يُنزَّل فيه النص.
ويمكن أن نعرف هذه الظاهرة بتنزيل الأحاديث وما في حكمها، على أحداث لم تقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما وقعت بعد موته عليه الصلاة والسلام، سواء كان هذا التنزيل على حادثة تم وقوعها، أو ظهرت مخايل ذلك.
وتكون هذه (النازلة) أو (الحادثة) عامة تصيب أمّة أو قطراً، وينجم عنها آثار ظاهرة، ونتائج مهمّة، وقد تكون هذه النتائج -إن صدق التنزيل- منصوصاً
(1)«لسان العرب» (7/317) .
(2)
«لسان العرب» (7/316) .
(3)
قال ابن فارس في «معجم مقاييس اللغة» (3/86) : « (سقط) السين والقاف والطاء، أصل واحد، يدلُّ على الوقوع، وهو مطّرد» .