الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الإسقاط يعتريه خفاء وغموض، وبيان خطورته
من خلال ما مضى؛ يتبيَّن لنا أن الإسقاط لا يكون إلا من مجتهد، وهذا الاجتهاد يجري في محلٍّ فيه غموض وخفاء، ويحتاج إلى علم واسعٍ بالرواية، واستحضار لألفاظ المرويات، دون خلط بين النّص وحقيقته من جهة، والحدث الواقع من جهة أخرى؛ فقد يمكن أن يكون الغرضُ من الإسقاط مدروساً لصنع تصوّر ما، أو يتّخذ وسيلة لتثبيت تصور وقناعة للوصول إلى هدف معين مدروس، وغرض مقصود (1) ، فبدلاً من أن يستنار بهذه الأحاديث في ظلمات الأحداث، إذ تُستبدل لتوظّف في صنع الظلمات، والوقوع في البلبلة والجهالات، وتمرر من خلالها المخططات والمؤامرات!
والأمر المريب فيما قرأنا وسمعنا من أعمال المراهقين العابثين الخائضين: الحزم والجزم بما سيقع على هيئة (بيانات) ، وتجريدها عن الكشف وصحة البحث عما سيقع، واستسلام السذج المطلق لها، وصنع نفسيَّة معيّنة بناءً عليها، وليس مجرد التحفظ، أو حصول حدث ما، ثم البحث عن النص -بعد وقوع الحدث- وإسقاطه عليه، لا؛ إنما هو تخرص وتكهن بالغيب، وبثّ أخبار مصنوعة بين أبناء المسلمين القارئين غير الواعين العالمين، وعزوها إلى مراجع وهمية، غير حقيقية (2) ، وخروجها فجأة، إن كان
(1) ويمكن أنْ يكون من باب إشغال المسلمين الصادقين، وصرفهم بمَلْء مجالسهم بتقرير هذه الترهات، على مبدأ ما حكاه التفتازاني في «شرح المواقف» :«إنّ طائفة من المجوس تذاكروا ما كان لسلفهم من السطوة والملك، وقالوا: لا سبيل إلى مغالبة المسلمين بالسيف؛ لقوة شوكتهم وسعة ممالكهم، لكنا نقاتلهم بتأويل شريعتهم إلى ما يطابق قواعد ديانتنا، ونستدرج به الضعفاء حتى تختلف كلمتهم ويختل نظام وحدتهم، وأول ما وضعوا في مبادئهم أنّ للقرآن ظاهراً؛ وهو المعلوم في اللغة، وباطناً؛ وهو المراد» .
(2)
مضت بك أمثلة يعرفها جيداً من يعاني النظر في المخطوطات ويتطلبها من دورها المبثوثة في أرجاء الدنيا، وهذه الأمثلة مضحكة مبكية، ولعلها هي التي أثارت لديّ الدوافع النفسيّة -بعد إعداد العدة العلمية- لتدوين هذه الورقات عن الإسقاط.
لها وجود -أي وجود- بالتحريف (1) ، أو التشويه، أو الحذف والبتر، وسبق أن ذكرتُ لك أمثلة على ذلك.
لا يظنّ أحد أنني أتّهم كل من استعجل فأسقط حدثاً على حديث، أو أنني أُبرّئ الصادقين من الوقوع في مثل هذا الخطأ، ولكني أشير بأصابع الاتّهام لمن يؤصّل لذلك على فهم سقيم، واستدلال أعوج بين يدي الأحداث الجسام، وقامت القرائن القوية على تقصد كذبه، وحصول تخطي النصوص عنده دائماً على محور محصور، وإخضاعها لما يجري دون أي معايير علمية، من غير مبالاة لتقويم ما أظهرته الأحداث بمضي الزمان من أخطاء؛ فهذه مظاهر تدعو إلى القلق والانزعاج، وتكدّر صفاء الرؤية الشرعية العقدية، وتشذّ عن مألوف الدين ومعروفه، وما عليه الصادقون من أهل العلم في تعاملهم مع هذه النصوص؛ لأنها جعلت النصوص الشرعية المتعلّقة بعالم الغيب، خاضعة لمحك الواقع، وربطته بعامِلَي الزمان والمكان، وحوّلت النص بقداسته وصدقه إلى واقع محسوس متجسد بواقعة معينة، فإن خاب الظن، وأخطأ الهجس والحدس، فإن ضعاف الإيمان والعقول ينكرون النص؛ إذ قام في مخيلتهم بناء على التسليم بهذا التنزيل، أن مصداقية النص خاضعة لسلطان الواقع، وكانوا أسارى له بفعل قوته الوهمية لا الحقيقية، القائمة على التخيّل، فكيف إنْ صاحب ذلك دعوى إلى حد التهور إلى ضرورة قبول بعض الأخبار المحكوم عليها بالبطلان (2) من غير اعتبار قواعد أهل الصنعة الحديثية، ففي
(1) قد يقع من الصادقين فلتة، ولكن الأصول صحيحة، والتصور بالجملة مضبوط بالنصوص وتأصيلات العلماء، والذي أُراه ضرورة الاستفادة من كتب التاريخ والتراجم في تطبيق قواعد العلم النظرية؛ مثل: مباحث (الردة) وغيرها، فإنه من خلالها نحسن التطبيق، وتتقوى الملكات، ونتجنب العثرات والزلات.
(2)
ولكنها -عند مُسقطيها- لها قوة بقوّة تخيّلها، التي قد تصل في بعض الأحايين -لبعض الملابسات- إلى درجة التواتر!