الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوعها- ستصبح من التاريخ، وتدوّن أحداثها فيه، ولكنها قبل ذلك: هي معلومة لنا، ولا بد من وقوعها، دون معرفتنا بتحديد وقتها، مع درايتنا بأسباب نشوئها، والواجب علينا أن نجهد في درئها، وأن نتعلم أسبابها، وأن نراعي الأحكام المترتبة عليها، أو المرافقة لها.
فصل
في ضرورة تعلم أحاديث الفتن، واليقين على ما صح فيها
على المقصد الذي سيقت من أجله
فالمهم في الفتن: أنْ نعلمها، ونحسن جمعها، وتمييز صحيحها من واهيها، وأنْ نعلم سنة الله الكونية من خلال الأخبار التي فيها عصمة منها، إذ أخباره صلى الله عليه وسلم عنها لا شك فيها، والواجب علينا تصديق كل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في هذا الباب؛ كما آمن وصدق أبو بكر رضي الله عنه بخبر الإسراء، عندما لم تتحمله عقول كفار قريش -الذين قاسوا قدرة الله بعقولهم-، بخلاف الصديق رضي الله عنه؛ فإنَّه علم صدق القائل:{وما يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى} [النجم: 3]، وعلم أن الله لا يُعجزه شيءٌ كما أخبر عن نفسه:{وَكانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} [الأحزاب: 27] ؛ فمن علم قدرة ربه عز وجل، وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لم يضق عقله عن قبول خبره صلى الله عليه وسلم، فاحذر من تعطيل النصوص التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بما سوف يقع، كما أخبر به، من غير زيادة أو نقصان.
واعلم أنّ مِن تعطيلها: أنْ تُصرَفَ عن ظاهرها؛ لأنّ الشرع لم يأتِ بألغاز تَحَارُ فيه العقول، بل أوضح مراده بلسان عربي مبين، قال الله -تعالى-:{وَما أَرسَلنا مِن رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَومِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم} [إبراهيم: 4] .
ولا ينبغي أنْ يدفعنا واقع عصرنا، ونمط حياتنا، والثورة العلمية التي بين ظهرانينا إلى تأويل شيء من علامات الساعة التي لم تقع؛ فمجريات الأحداث
غيب، والأيام حُبالى، ولا ندري ماذا سيكون، والعصمة: الوقوف مع الأخبار الصحيحة، ولا يقع هذا الأمر على النحو المذكور إلا لنفر قليل؛ ممن رزقه الله اليقين، ورفع درجته بالعلم النافع، والإيمان القوي الذي يتولَّد عنده تصور صحيح، وتيقظ، وتَخوُّف على الأمة من قصورها وذنوبها، ولذا كان حُذيفة رضي الله عنه يقول:
أخرجه أبو داود في «الزهد» (ص 265-266/رقم 27) ، وابن أبي الدنيا في «العزلة» (ص 148/رقم 168 - بتحقيقي) ، ونُعيم بن حمَّاد في «الفتن» (رقم 129) من طريق الأعمش، عن عدي بن ثابت الأنصاري، عن زرِّ ابن حُبيش عنه، به. وإسناد صحيح.
يُستفاد مِن هذا الأثر: أنّ العلم اليقيني بالفتن سببٌ مِن أسباب البُعد عنها (1) ،
ولذا يُسيء كثير من الناس فهم أحاديث الفتن، ويعكسون الغرض من
(1) الأدله على ذلك كثيرة جدّاً؛ منها: ما أخرجه البخاري (7062-7066) ، ومسلم (157)، وغيرهما عن أبي موسى الأشعري رفعه:«إنّ بين يدي الساعة أياماً يُرفَع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيه الهرج» .
فهنالك صلة بين (الفتن) ورفع العلم وظهور الجهل، وعبّر عن ذلك أبو إدريس الخولاني بقوله:
«إنها فتن قد أظلت كجباه البقر يهلك فيها أكثر الناس، إلَاّ من كان يعرفها قبل ذلك» .
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (8/604-605) ، وغيره.
وقصة الشاب -طالب علم حديث- الذي يلقى الدجال، ويحتج عليه بالحديث، وأنّ الدجال لن يقدر عليه، وأنه ازداد به بصيرة بعد نشره بالمنشار، لأوضح دليل على ما نحن بصدده. انظرها بتفصيل في «صحيح البخاري» (7132) ، وشرحها لابن حجر في «الفتح» (13/101) .
ويذكر بهذا الصدد ما أخرجه ابن ماجه (2/516) على إثر حديث أبي أمامه عن الدجال =