الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا النوع مما وقع، ومما لم يقع، ونسب جميعه إلى دانيال؛ فأعجب به مفلحٌ، ووقف عليه المقتدر واهتدى من تلك الأمور والعلامات إلى ابن وهب، وكان ذلك سبباً لوزارته بمثل هذه الحيلة العريقة في الكذب والجهل بمثل هذه الألغاز، والظاهر أنّ هذه الحيلة التي ينسبونها إلى الباجَرْبِقِيّ من هذا النوع.
ولقد سألتُ (1) أكملَ الدين ابن شيخ الحنفية من العجم بالدّيار المصرية عن هذه الملحمة، وعن هذا الرجل الذي تنسب إليه من الصوفية -وهو الباجربقيّ-وكان عارفاً بطرائقهم-، فقال: كان من القلَنْدَرِيَّة المُبتدعة في حَلْق اللحية، وكان يتحدّث عما يكون بطريق الكشف، ويومي إلى رجالٍ معيّنين عنده، ويُلغِزُ عليهم بحروف يُعيِّنُها في ضمنها لمن يراه منهم، وربما يظهر نظم ذلك في أبياتٍ قليلة كان يتعاهدها؛ فَتُنُوقِلَتْ عنه، وولع الناس بها، وجعلوها ملحمة مرموزة، وزاد فيها الخرّاصون من ذلك الجنس في كل عصر، وشغل العامة بفكّ رموزها، وهو أمر ممتنع؛ إذ الرّمزُ إنما يهدي إلى كشفه قانونٌ يُعرفُ قبلَه، ويُوضع له، وأما مثل هذه الحروف فدلالتها على المراد منها مخصوصة بهذا النظم، لا يتجاوزوه.
فرأيت من كلام هذا الرجل الفاضل شفاءً لما كان في النفس من أمر هذه الملحمة، {وَمَا كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} ، والله سبحانه وتعالى أعلم-، وبه التوفيق» (2) .
فصل
تأريخ إسقاط النصوص على الحوادث في العصر الحديث وتقويمها
نعم؛ ظاهرةُ تنزيل النصوص -إنْ صحت، أو لم تصح عند وجودها، أو
اختراعها- على الحوادث والأشخاص البارزة قديمةٌ، ولكنها غابت في تاريخنا الحديث، وأخذت بالظهور التدريجي في العقد الأخير، ولا سيما في حرب الخليج الثانية (1) والثالثة، وكان لها مظاهر متعدّدة، بدأت بتناقل بعض الأخبار من كتب غير موثقة، كادت أنْ تنحصر في المجالس، مع زيادات -كالعادة- عليها من بعض الإخباريين! ثم دُعِّم ذلك بتوثيق هذه الأخبار من الكتب مع تحريفٍ في النقل، أو تطويع له على حسب ما يجري.
وكان أشهر مثال -آنذاك- ذكر (صادم) -ويراد به عند هؤلاء دون نقاش (صدام) -، وهو حاكم العراق المنخلع عند سقوط بغداد باحتلال أمريكا وحليفاتها في كتاب «الجفر» !
وعند الرجوع إلى النسخ الخطية من «الجفر» ، نجد أنّ الكلام كان في ذكر صفات سيف (علي) رضي الله عنه، ضمن بيت شعر، وأنه (صارم)(2) بالراء لا بالدال، فحُرِّف إلى الدال، ثم فسِّر به حاكم العراق.
ثم توالت الأخبار وتدفّقت على وجه مثير للغاية، تارة يذكرون (السفياني) وصفاته، ويتكهنون بإسقاطه على ما جرى من (احتلال الكويت) من قبل العراق برئاسة صدام، وإسقاط ذلك عليه!
وأخذوا يتلمّسون ذكر (أمير الكويت) في النصوص، وتعلّقوا بأشياء عدم (3) ، لا وزن لها في البحث المنهجي العلمي القائم على الجمع والسبر
(1) باعتبار أنّ الحرب الواقعة بين العراق وإيران هي حرب الخليج الأولى.
(2)
أفاد الدكتور محمد عويضة أنه تأكد من ذلك بنفسه من خلال الرجوع إلى مخطوطة «الجفر» ، صرّح بذلك في لقاء له مع قناة (الجزيرة) في 27/7/2003م، علماً بأنّ «الجفر» من أصله مكذوب على عليٍّ، وقدمنا بيان ذلك فيما مضى (ص 611) .
(3)
سبق (ص 662-664) بيان بعضها، وعوار ما فيها.
والفحص والفتش بمعايير أهل النَّقد، وتعدّى ذلك إلى شيء كاد (1) أنْ يستقر عليه هؤلاء الخائضون؛ وهو أنّ (صدام حسين) هو (السفياني) ، وأسهبوا وأفاضوا في ذكر ذلك، وهذه متعلّقاتهم وشبهاتهم (2) :
أولاً: ينسب صدام حسين إلى خالد بن يزيد بن أبي سفيان -كما صرح هو بهذا صراحة-، ولذلك فإنه سيطلق عليه السفياني.
وأما أمه؛ فهي من قبيلة كلب، ويلقب بالأزهر؛ لأنه سيعيد كرامة المسلمين انتقاماً من اليهود، ومن ضمن ما يطلق عليه من الأسماء في كتب السنة أي السفياني، وبالرغم من أن أحاديث السفياني معظمها ضعيفة، ولكن ليست موضوعة؛ فأخذها بعين الاعتبار لا يضر أصلاً من الأصول، وخصوصاً في التوسمات وعِلْم توضيح المستقبل حتى لا نقع في حفر الفتن، وما حذرت منه النصوص، وأحاديث الفتن لها أسباب من عدم قوتها، لا بد أنْ تؤخذ في الاعتبار بسبب قلة الصحابة الذين رووا أحاديث الفتن وعلامات الصحابة؛ أمثال حذيفة رضي الله عنه، وعبد الله بن عمرو؛ الذين كانوا يقولون عما أخبر به المصطفى من المغيبات:
…
فحفظه من حفظه، ونسيه من نسيه! وأنّ معظم الصحابة كان يهتم بالأعمال؛ لأنهم كانوا في خير القرون وخير الأزمان، وكانوا يدركون ذلك، وأنهم لم يدركوا زمن الفتن العظام.
ومنهم مَن أمسك عن أحاديث، ولم يحدث بها إلا عند موته؛ إشفاقاً على الأمة، وأنهم في كل الأحوال كانوا في زمن الرضوان، وعلّمهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كل شيء إلى أن تقوم الساعة.
(1) نعم؛ كاد، إذ ادّعى بعضهم -زوراً وبهتاناً- أنّ (صدام) هو المهدي، وقدمنا ذلك وبيان ما فيه من فساد. راجع (ص 654) .
(2)
من مقال منشور بعنوان: (الرئيس العراقي (صدام حسين) هو (السفياني) المذكور في «كتب السنة» و «التوراة» ، وهل سيحرر الأقصى في معركة (هرمجدون)) .
إذاً؛ فالحديث الضعيف يختلف اختلافاً كبيراً عن الحديث الذي لا أصل له، أو الموضوع، أو غير الموجود في كتب الحديث والسنة؛ لأنّ تضعيف العلماء للحديث قد يكون بسبب نسيان أحد رواته، أو شيخوخته، أو كِبَر سنه وخرفه، أو لشروط جامع الحديث أو غيره.
ثانياً: ولد صدام حسين في تكريت، وهي منطقة آشور سابقاً، والذي هو منها كما كان بختنصر، ومذكور -أيضاً- أنه يعظم مدينة ملك بابل، وقد أعاد صدام بناءها عام 1987م - 1407هـ!!!
ثالثاً: اسمه مكون من 8 حروف -كما ورد-
…
يُطلق عليه: الجابر، ومنصور، وسيدوس اليهود كطين الأزقة، وهو اسم السفياني، وهو اسم صدام حسين، وهو 8 حروف!!!
رابعاً: يغير مجرى نهرالفرات -كما ورد-
…
وقد حدث أنْ غير مجرى الفرات عام 1993م - 1413هـ!!!
خامساً: يخرج عليه رجل من أهل بيته كاسم أبيه -كماورد-
…
وقد خرج عليه ابن عمه وزوج ابنته حسين كامل
…
وسيعدمهما (1) جميعاً، ثم ينتقم من ابن عمه، وقد حدث بالفعل!!!
سادساً: يحدث حصار العراق في زمنه -كما ورد -
…
وهذا ما حصل منذ سنة 1990م - 1411هـ!!!
سابعاً: من أوصافه الجسديه -كما ورد-: أنه عريض الجبهة، أبيض اللون مع اصفرار قليل، جعد الشعر، في إحدى عينيه كسل، وبوجهه بعض آثار الجدري -وتأمل صورته لترى العجب-!!!
ثامناً: يخرج سابع سبعة -كما ورد-
…
وهو بالفعل قد خرج في سبعة
(1) في الأصل: «وسيعدمها» !
عند قيام ثورة 1968م - 1388هـ بالعراق، منهم: حسن البكر أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة!!!
تاسعاً: ترقى في عهده (1) الظلمة -كما ورد-
…
وبالفعل ملئت سماء الكويت أياماً وليالي (2) من اشتعال آبار البترول، وتحولت السماء إلى دخان كثيف تحجب الشمس أثر ظلمه، وعدوانه على الكويت، وبمكيدة لصوص الأقصى!!!
عاشراً: ولقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن السفياني: يدخل الأقصى، وهو شديد الحقد غضبان، فيُمعن فيهم قتلاً، ويعمل فيهم ما لم يحدثه ملك بابل الذي دخلها أول مرة كما ذكر في القرآن.
حادي عشر: يتعرض لحرب أربعينة؛ تظل هذه الحرب أربعين يوماً، يجمع له منها من بلاد العالم، ثم تنفض الحرب بلا خاسر أو رابح، ثم يلتحموا مرةً أخرى، قد يستخدم فيها أعداءه ما لا يعرفه العقل من الأسلحة، فيحدثون دماراً شديداً في العراق، لكن لن يهدأ لهم بال إلا بعد أنْ يظفروا به في شخصه، فإذا نزلوا أرض العراق برّاً والتحم الجيشان أمده الله بالنصر عليهم.
ثاني عشر: وتقع بينه وبينهم معركتان:
[الأولى] : بمنطقة اسمها (عاقركوف) :
وهي محل [في] بغداد الآن، وهي مدينة الزوراء الآن، وسيضرب الروم فيها ضربةً شديدةً حتى يظنوا أنّ السفياني ليس له أثر، وكذبوا، وسيضربون بغداد مدينة يقسمها النهر فينظر أحدهما فلا يجد ما كان في الجهة الأخرى فيقولون: كان هنا بالأمس مدينة. ولكن سيعقد الله في لوائه النصر توطيداً
(1) في الأصل: «عهد» !
(2)
في الأصل: «وليالياً» !
لتسليمها للمهدي في آخر الزمان، وستصطلح الأمة على المهدي بعد خسف جيش السفياني.
ثالث عشر: في آية عظيمة يأتيه بعدها كل أجناس الأرض: عصائب أهل العراق، ونجباء مصر، وأبدال الشام، حتى يأتيه من أوربا من بني إسحاق سبعين ألف (1) ، يفتحون رومية بالتكبير والتهليل.
رابع عشر: و [الثانية] : (قرقيساء) :
وهي تقع على الحدود السورية العراقية الأردنية عند نهر الخابور؛ فيفتح الله عليه، وينصره عليهم في معركة يقتل فيها أكثر من مئة ألف.
خامس عشر: ثم يدخل عمّون، ويقتل الهاشمي القصير، ويلتف، ويدخل الأقصى في يوم واحد؛ فيقضي على من يقابله من اليهود في معركة ليس فيها أسرى، ويقتلهم قتل عاد؛ فيستعيد القدس، ويأتلف هذا الجيش الصنديد، وينتقم من بني إسرائيل -كما وعدهم الله-.
وفي التوراة تفصيل كثير عن علوّهم وفسادهم في الأرض مرتين، وتسليط أهل بابل عليهم (2) ، ولكن ذكر الله لنا ذلك في سورة الإسراء بنص عام، والتفصيل كما ذكرالله في قوله: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين
…
} الآيات.
ولذلك فإنّ عجوزاً يهودية كانت تبكي بكاءً شديداً عام 1948م - 1368هـ، في حين كان اليهود يرقصون باحتفال إنشاء وطن لهم، فسألوها عن بكائها، فجائت بالتوراة، وقالت: بدأ -الآن- العدّ التنازلي لزوال بني إسرائيل، وحسبت من هذا التاريخ (60) عاماً.
(1) كذا في الأصل!!
(2)
في الأصل: «عليه» .
وفي التوراة: (وأنت يا ابن إسرائيل عيّن لنفسك طريقين لمجيء الملك من أرض واحدة تخرج الاثنتان
…
) .
ولذلك فإنّ اليهود يعرفون صدام حسين جيداً، وقد ذكروا في مذكرات حرب الخليج ما استطاعوا من إشعال هذه الحرب عن طريق الروس اليهود -الذين كانوا في الجيش العراقي-، واليهود الأمريكان في الكويت من إشعال فتيل الحرب حتى يتخلصوا منه لخوفهم من تحقيق النبوءة المذكورة عندهم!!!
إنه لا يستطيع بشر أنْ يصف حرب (هرمجدون) ؛ فهي حرب لا يتخيلها عقل
…
سيُضرب صدام ضربة عنيفة، وتضرب بغداد ضربة لم تخطر على بال!!! ولكن هل سيقضون على صدام؟ الجواب: لا لا؛ لأنهم يعرفون أنه بلحمه وشحمه وصفاته هو الذي سيدوسهم كطين الأزقة، وهو البابلي الذي سيأتي من نفس مكان من انتقم منهم شر انتقام وهو بختنصر: {وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة
…
} الآية.
والسؤال الذي يطرح نفسه -الآن- هو: إذا كان بختنصر كافراً، ويعبد النار، وسلّطه الله عليهم، فلا يمانع أنْ يسلط الله على اليهود رجلاً جبّاراً فاجراً يُحدِث فيهم القتل بغير رحمة ولا شفقة، ما لم يتصوره عقل، حتى يدفنوا فيهم شهراً.
وسيشهد التاريخ أنّ الملك الجبار-سبحانه وتعالى سيسلط على الصهاينة صداماً، ولم يفلحوا هذه المرة -كما اعترفوا سابقاً- توجيهه إلى الدول العربية ليُمضي الله قدره، وما تخبئه الأيام ليس ببعيد!!!
وسيفعل بهم مذابح، وقتلاً في معركة ليس فيها أسرى، وسيمثل بهم أشد مما فعل بهم بختنصر، وأشد مما فعل بهم هتلر هو وأهل بابل، والمذكور عندهم في الكتاب، وستزداد شعبية صدام لما يتلهف الناس عليه من مخلص
يخلصهم من الذل الذي لم يحدث للأمة من قبل.
وينصر هذا الدين بكل بر وفاجر! «وإنّ الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» (1) -كما قال صلى الله عليه وسلم.
وما شاء الله لا راد لقضائه في الكتاب، ولا معقب لحكمه، ولا لقدره، ولا لِمَا أخبر به في كتبه وعلى لسان رسله -سبحانه- كيف شاء وبما شاء، فإذا كان ورقة بن نوفل أخبر الرسول بأشياء في الكتاب، وأنه هو رسول الله، وأنّ جبريل هو الناموس الذي أُنزل على موسى وعيسى، وقال له: (ليتني كنت فيها جذعاً
…
ليتني معك إذ يخرجك قومك
…
) ؛ فكذلك السفياني الذي أخبرت عنه التوراة والنبوءات، والتي تنطبق على صدام حسين، وتؤيدها الأحاديث التي ضعفت بسبب ضعف بعض الرواة، والوعد والقدر قبل أنْ يخلق الله السماوات والأرض.
قال أبو عبيدة: هكذا الاستدلال؟! يورد معلومات عن السفياني على أنها أحاديث، وإسقاط دون خجل على شخصية ما (2)
على حسب ما يعنّ للمستدِلّ! وذَكَر عمومات: أحاديث ضعيفة، وتقرير أنها غير الأحاديث
(1) أخرجه البخاري (3062، 4203، 6606) من حديث أبي هريرة، وخرجته في تحقيقي لـ «أحاديث منتخبة من مغازي موسى بن عقبة» (رقم 12) لابن قاضي شهبة.
(2)
أذكر أنّ قريباً اتَّصل بي في أزمة الخليج الأولى، وطلب مني بإلحاح أنْ أنظر إلى القمر، فسألته عن الخبر، فأبى أنْ يذكر شيئاً، ففعلتُ ما طلب، ثم سألتُه، فأخبرني أن صورة (صدام) على (القمر) !! وقال مُستنكراً: ألم ترها!
فأصبحتُ في دروسي أمتثل مقولة الشافعي لما تعقب مقولة الليث بن سعد: لو رأيتم الرجل يسير على الماء، فلا تسمعوا له حتى تعرضوا عمله على الكتاب والسنة. فقال: رحم الله الليث؛ فإنه قصَّر، أما أنا فأقول: لو رأيتم الرجل يسير على الماء، ويطير في الهواء، فلا تسمعوا له حتى تعرضوا عمله على الكتاب والسنة.
فأصبحتُ أزيد -على الأمرين المذكورين-: «ولو رأيتم صورته على القمر» تنزُّلاً وعلى افتراض أنّ ما يقوله صحيح! وأنَّى له ذلك!!
الموضوعة! وينسى المُسَيْكين أنّ الصفات الواردة جُلها لم ترد في أحاديث أصلاً! وإنْ وردت فهي في أحاديث موضوعة، ولا أصل لها، والتطويل في إثبات ذلك يحتاج إلى تصنيف مفرد (1) .
وهؤلاء عابثون غير جادين، تراه مرة يقرر، ومرة يظن، وإنْ رددت عليه يقول: أنا قلتُ: ربما، لعله، أظن، ومع ذلك يتطاولون، ويردّون على من يناقشهم، فواحد يقول: «لا أُريد أن أُطيل، فهذا الكتاب بين أيديكم، وقد كفيتكم الرد عليه بأفصح لغة علمية، وهي لغة الأرقام، وبأقوى وأصدق المواعيد وهي التاريخ (2) ، وليس على المرجفين أو المتشككين إلا الانتظار لعدة شهور فقط، وتظهر الحقيقة أمام الجميع، إما مع الكتاب أو ضده، فعليهم بالصمت والترقب حتى لا يحرموا غيرهم من فائدة مرجوّة قبل ظهور آية الدخان
…
» (3) ، هكذا بكل وقاحة، يكتب هذا عام 1998م، ومضى نحو ست سنوات، وظهر زيفه ودجله، وبعدها سكوت وسكوت (4) ، لا مراجعة؛ لأنّ الناس ينسون، ولا حسيب ولا رقيب!
إنّ من أسوء ما يُصاب به المرء: أنْ لا يشعر بما مُنيَ به من الشذوذ والخطأ، فيزداد سقوطاً بتمرّده واستكباره عن قبول الحق، وبرميه جماعة أهل
(1) الواقع اليوم يردّ عليهم، وجعل احتمالاتهم هباءً، لا وزن لها، وظفرتُ بمقالة على شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) بعنوان:(بُطلان كون صدام حسين هو السفياني) تنظر على عنوان: www.saaid.net/doat/altnanabi/38.htm.
(2)
صدقتَ في هذه؛ فالتاريخ أصدق وأقوى المواعيد، وفُضِحْتَ بهذا، ولا تنسى أخي القارئ ما نقلناه عنه (ص 664-668) ؛ فهناك الأحداث المرتبطة بالمواعيد، بالتأريخين الهجري والميلادي، وأحاط الكذب بأهله من كل مكان.
(3)
«أسرار الساعة» (ص 16) .
(4)
العجيب أني زوّرتُ حشد طائفة من العابثين بالتراث لفضحهم في كتابي: «كتب حذر منها العلماء» ، ففجأني بعض المخضرمين من الناشرين من أهل الديانة والخير -فيما أظن، ولا أُزكي على الله أحداً- أنّ كثيراً من هؤلاء أسماء وهمية، وراءها ناشرون لا يتقون الله!
العلم بدائه، قاعداً تحت المثل السائر:(أوسعتُهم سبّاً، وأَوْدَوا بالإبل) ، وهو مطمئن إلى أننا لا نستطيع أن نساجله في ذلك، وله الحق في هذا الاطمئنان!
وآخر يقول: «لم يعرف العالم كله -بفضل الله- كاتباً أو مُفكراً قال بنظرية وجود المسيخ الدجال في مثلث برمودة، وأنه صاحب الأطباق الطائرة، سوى الكاتب الصحفي محمد عيسى داود» ، وهذه الاختراعات لها (حق) و (براءة) مسجلة، وقد اعتدى عليها بعضهم؛ فقام بسرقتها، وانتحلها لنفسه، وذلك ثابت بكتابين له، تم إبلاغ النيابة العامة عنهما، والويل لك إن لم تصدِّق، فالذي يرفض هذه الاختراعات (الأغبياء والضالون) ، كما صرح بذلك في مقال له نشر في جريدة «صوت آل البيت» عدد شعبان/سنة 1421هـ، (ص 5) ، وفي كتابه «احذروا المسيخ الدجال» (ص 142) .
وليس الحكم على أُناس بأنهم (أغبياء ضالون) من شأن الغبي الضال، والغبي الضال إنما يعلم ذلك منه الذكي العارف، بيد أن الجاهل جهلاً مكعباً -بجهله للشيء، وبجهله لجهله له، وبحسبانه مع ذلك أنه يعلمه فوق علم كل عالم- لا يتحاشى عن تجهيل الأمة بأسرها من صدر الإسلام إلى اليوم، وشذّ هو عن قواعد أهل العلم وتطبيقات العلماء.
وهذا الرجل؛ مهّد المناخ لقبول الناس بفكرة المهدي المنتظر هذه الأيام، ويعمل جهده -مع فريق العمل من البارعين والهواة والمقلدين (1) - لتكريس هذا المعتقد، ويدعمه في ذلك الرافضة، والمحور الذي تدور كتبه عليه تركب على هذا المعتقد، ومن آخرها كتاب:«القنبلة» ، وقرأتُ عنه في شبكة (الإنترنت)، ما يلي:
«أخيراً سمحت السلطات المصرية بإصدار الكتاب الذي يحمل اسم (القنبلة)(الذي لا يتجاوز عدد صفحاته 260 صفحة - مطبعة مدبولي صغير)
(1) هكذا نعتهم في مقاله المذكور.
للمفكر الأديب محمد عيسى داود المتخصص في دراسة الآثار، والتبحر في الإسرائيليات، وتمكنه من عدة لغات منها العبرية، والمستشار الرسمي للمجلس الأعلى لرعاية آل البيت عليهم السلام في مصر، والذي يستعد حاليّاً لرئاسة تحرير جريدة صوت آل البيت عليهم السلام التي يرأس مجلس إدراتها السيد محمد الدريني.
ويتناول الكتاب قضية الإمام المهدي المنتظر -عجل الله -تعالى- فرجه الشريف-، ونجاح فدائيون (1) من فلسطين وخبراء آثار من تصوير اليهود الذين مسخهم الله في كهف بأم الرشراش المصرية (إيلات المحتلة من قبل إسرائيل) ، ويؤكد الكاتب المفكر إن أم الرشراش هي القرية الوارد ذكرها في القرآن الكريم (القرية التي كانت حاضرة البحر) !
ومرفق مع الكتاب إسطوانة كمبيوترية تتضمن تصوير الكهف من الداخل.
وتعود أهمية هذا العمل المتقن إلى كون كاتبه من الشخصيات اللامعة، والمتخصصة في حقل تعود إلى الجهات الرسمية، (فهو مكتشف نظرية الأطباق الطائرة، والمسيخ الدجال، ومؤلف سلسلة كتب عن الإمام المهدي -عجل الله فرجه الشريف-، ومن أبرزها: (المهدي على الأبواب) ، واكتشاف أمريكا جبل الذهب بنهر الفرات، كما يؤكد أن صدام حسين هو السفياني عدو آل البيت عليهم السلام، وله مؤلف في غاية الأهمية عن علم الجفر، وتستضيفه جامعات عالمية لإلقاء محاضرات في هذا الشأن.
هذا؛ وقد ذكر في (العدد الأخير للجيل) ، أنّ الكيان الصهيوني عرض في الأسابيع الماضية على شركات السياحة المصرية لاستخدام ميناء أم الرشراش التي تطلق عليه (إيلات) ، بدلاً من استخدام ميناء العقبة.
(1) كذا في الأصل! والصواب: «فدائيين» .
والجدير بالذكر، أنه تشكلت في مصر منذ سنوات جبهة من كافة القوى الوطنية، ومن المجلس الأعلى لرعاية آل البيت عليهم السلام من خلال ملتقى بواشق الحسين عليه السلام لاستعادة أم الرشراش المصرية المحتلة (إيلات) » .
فهؤلاء الخائضون غالوا في إسقاط الأحاديث على الوقائع، وتعسّفوا في ذلك؛ خدمة لمآرب مشبوهة، واعتمدوا في ذلك على حساب الجُمَّل، ومرويات الرافضة (1) ، والإسرائيليات القديمة والحديثة.
وبقي الأمر على هذا الحال، تُلقى بين الفينة والفينة على مسامع الناس أشياء تدهشهم، وهم على أقسام: المكذِّب -وهم خيرهم وأكثرهم علماً وحلماً-، والمتردد المتشكك، والمُصدّق؛ ومنهم من كان يتنطح في المجالس، ويهرف بما لا يعرف، ويردد غير الذي قرأ أو سمع (2) !
وتشبّع المصدِّقون بمنامات (3) ،..........................................
(1) لا تستغرب أخي القارئ إذا علمت أنّ لـ (ابن داود) كتاباً بعنوان: «أسرار الهاء في الجفر» .
(2)
من لطيف ما يذكر بهذا الصدد هذا الخبر -وهو يذكّرني بحال هؤلاء-:
وصف رجلٌ رجلاً، كان يغلط في علمه من وجوه أربعة: كان يسمع غيرَ ما يُقال، ويحفظ غيرَ ما يسمع، ويكتبُ غيرَ ما يحفظ، ويحدِّث بغير ما يكتب. أورده ابن قتيبة في «عيون الأخبار» (2/146) ، والدينوري في «المجالسة» (رقم 1889، 3050 - بتحقيقي) .
(3)
كان أشهرها -تمهيداً للتصديق بالمهدي- رؤيا إرضاع القمر، التي اشتهرت في 7/3/2004م، ووقفت على هذا الخبر في (شبكة الإنترنت)، أسوقه للفائدة:
«علينا انتظار القيامة قريباً
…
هذا ما أكدته شائعة سرت في مصر كالنار في الهشيم
…
مفادها أنّ «المهدي المنتظر» قد ولد في إحدى المدن المصرية، وقد ترتب على تلك الشائعة وقف بثّ برنامج كان يُقدّمه التلفزيون المحلي المصري، لشبهة تورطه في هذه الشائعة، حيث نسب للمتحدث فيه الشيخ محمود الحنفي تفسير رؤيا قصتها عليه سيدة على أنها تعني أن «المهدي المنتظر» قد ولد بالفعل، وأنّ يوم القيامة أصبح وشيكاً، والشائعة مجهولة المصدر تقول: =
وتقوى بها الخائضون العابثون (1) ، وكانوا من خلال ذلك كلِّه يُروِّجون لنصر واقعٍ لا محالة للعراق، وخاب الأمل -للأسف-، ووقعت الكارثة، وسقطت بغداد (2) ،
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
= إنّ سيدة مصرية اتصلت على الهواء مباشرة بالبرنامج، وقالت: إنها رأت في منامها أنها وضعت طفلاً، ثم شاهدته يصعد إلى السماء، ويرضع من القمر، فطلب منها الشيخ أنْ تقسم بالله ثلاثاً أنّ ما قالته صحيحاً، فأقسمت السيدة، فانبرى الشيخ قائلاً بصوت جهوري: إنّ إرضاع القمر في الرؤيا يعني أمراً واحداً، هو أنّ «المهدي المنتظر» قد ولد بالفعل، وعلينا انتظار يوم القيامة قريباً، ورغم نفي الشيخ الحنفي، وكلٍّ من معدِّ البرنامج والمذيعةِ التي تقدمه (شيرين الشايب) لواقعة اتصال هذه السيدة المزعومة بالبرنامج جملة وتفصيلاً، إلاّ أنّ الناس تعاملت مع الشائعة على أنها حقيقة، التي تحاول السلطات المصرية التعتيم عليها، ونشرت عدة صحف مصرية تحقيقات موسعة حول الموضوع لنفي هذه الشائعة» .
نقلاً عن: «مجلة الوليد» . وانظر هذا الموقع:
(http://www.walid.de/modules.php?name = News&file = article&sid = 481)
(1)
قال صاحب «هرمجدون» (ص 56) ما نصه:
«من القرائن التي أعتبرها -بل وأعتز بها- ما أخبرني به رجل مسلم فاضل من «البحيرة» ، لا أعرفه ولا يعرفني، فقد اتصل بي عبر الهاتف بعد ظهور كتابي:«عمر الأمة» ببضعة أشهر، وبشّرني قائلاً: إنه قد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رؤيا يبتسم له ويعطيه كتاب: «عمر أمة الإسلام وقرب ظهور المهدي عليه السلام» ، وقد حلف الرجل بالله أنّ هذه الرؤيا كانت قبل صدور الكتاب بتسعين يوماً، فحكى الرؤيا لصديق له، فلما صدر الكتاب وظهر في الأسواق، أتاه به ذلك الرجل، فأقسم بالله أنه هو هو الكتاب الذي أعطاه له رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا، وذكر له كلاماً يسرُّني، إلا أنني أحتفظ به لنفسي، فقد اكتفيت بذكر الشاهد من الرؤيا، وهي أنّ الكتاب وما به من أدلة على قرب النهاية حق -بإذن الله-، دل عليه رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم الحق، وإنّ آخر الزمان تكثر رؤيا المؤمن، يراها أو تُرى له» .
هكذا «رجل مسلم فاضل» ، لكنه «لا يعرفه» ، وعبر الهاتف، والأمر حتم لازم!!!
(2)
كنتُ في مجالسي مع بعض خواصي، أذكر نصر الله عز وجل ومقوّماته، وأستبعد وقوعه مع ما ينهى إلى مسامعنا من ظهور المنكرات، وتبنِّي أفكار حزب البعث الكافر! ومع هذا؛ فالتيار والإعصار الذي أمامنا من جيوش الناس قويّ، وأذكر أني أنكرتُ على إمام كان يدعو في قنوته لنصرة (صدام) ، فلما قمتُ بذلك، ثار وثوّر، وأرغى وأزبد، وأصبح يلغز في دعائه على =
ولا يسعنا إلاّ أنْ نردد مع ابن الأثير قوله في «الكامل في التاريخ» (12/358-359) :
«لقد بقيتُ عدّة سنين مُعرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها؛ فأنا أقدّم إليه رجلاً، وأُؤخّر أخرى، فمَن الذي يسهل عليه أنْ يكتب نعي الإسلام والمسلمين، ومَن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟!
فيا ليت أمّي لم تلدني، ويا ليتني مِتّ قبل حدوثها، وكنتُ نَسياً منسيّاً، إلا أني حثّني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها، وأنا مُتوقّف، ثم رأيت أنّ ترك ذلك لا يجدي نفعاً، فنقول: هذا الفعل يتضمّن ذكر الحادثة العظمى، والمصيبة الكبرى التي عقّت الأيّام والليالي عن مثلها، عمّت الخلائق،
= أمثالي، فالله حسيبه، اللهم أجرنا في مصيبتنا، واخلفنا خيراً من هؤلاء الأئمة.
وجمعني مع أقارب لي مجلس يوم الإثنين قبل سقوط بغداد بيومين، وكان جُل الحاضرين يهددون أمريكا بالويل والثبور إن تجرأت على الوصول إلى بغداد، وأنا ساكت، فلما طُلب مني الكلام؛ قلتُ -واللهِ-: افرحوا يوماً أو يومين! ولما وقع ما وقع، أخذتُ أقلّب كتب التاريخ وأنظر فيها، فوجدتُ كلاماً لابن الأثير في «الكامل» (12/495) حوادث (سنة 628هـ) عن الملك (جلال الدين ابن خوارزم شاه)، قال عنه:
«كان سيئ السيرة، قبيح التدبير لملكه، لم يترك أحداً من الملوك المجاورين له إلاّ عاداه، ونازعه الملك، وأساء مجاورته
…
وقَتَل في أصفهان فأكثر» ، وقال (12/497-498) :
«لما رأى جلال الدين ما يفعله (التتر) في بلاد
…
، وأنهم مقيمون بها يقتلون، وينهبون، ويأسرون، ويخرّبون البلاد، ويجبون الأموال، عازمون على قصده
…
فلما فعل التتر بهم ذلك، ومضى منهزماً منهم،
…
لم يعلموا أين قصد، ولا أيّ طريق سلك، فسبحان من بدّل أمنهم خوفاً، وعزّهم ذُلاًّ، وكثرتهم قلّة، فتبارك الله رب العالمين الفعَّال لما يشاء» ، وقال (12/502) في أحداث السنة التي بعدها:
«وخرجت هذه السنة، ولم نتحقق لجلال الدين خبراً، ولا نعلم هل قُتل، أو اختفى، لم يُظهر نفسه خوفاً من التتر، أو فارق البلاد إلى غيرها، والله أعلم» ، وهكذا يعيد التاريخ نفسه، ولله في خلقه شؤون، ثم -بعد تنضيد حروف الكتاب وفي أثناء مراجعته المراجعة النهائية- أُعلن خبر إلقاء القبض على (صدام) ! ولا قوة إلا بالله!
وخصّت المسلمين، فلو قال قائل: إنّ العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم وإلى الآن، لم يُبْتَلَوا بمثلها، لكان صادقاً، فإنّ التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يُدانيها.
ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث: ما فعله بخْت نَصّر ببني إسرائيل من القتل، وتخريب البيت المقدّس، وما البيت المقدّس بالنسبة إلى ما خرّب هؤلاء الملاعين من البلاد، التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدّس، وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى مَن قتلوا، فإنّ أهل المدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل، ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم، وتفنى الدنيا، إلا يأجوج ومأجوج.
وأمّا الدجال؛ فإنه يُبقي على مَن اتّبعه، ويُهلك من خالفه، وهؤلاء لم يُبقوا على أحد، بل قتلوا النساء والرجال والأطفال، وشقّوا بطون الحوامل، وقتلوا الأجنّة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم» .
وقال عن مجيء (التتر) في (12/375-376) :
«ولقد جرى لهؤلاء ما لم يُسمَع بمثله من قديم الزمان وحديثه: طائفة تخرج من حدود الصين لا تنقضي عليهم سنة (1) حتى يصل بعضهم إلى بلاد أرمينية من هذه الناحية، ويجاوزوا العراق من ناحية همذان، وتالله لا شكّ أنّ من يجيء بعدنا، إذا بَعُد العهد، ويرى هذه الحادثة مسطورة يُنكرها، ويستبعدها، والحق بيده، فمتى استبعد ذلك، فلينظر أننا سطّرنا نحن، وكل من جمع التاريخ في أزماننا هذه في وقت كل من فيه يعلم هذه الحادثة، استوى في معرفتها العالم والجاهل لشهرتها، يسّر الله للمسلمين والإسلام من يحفظهم ويحوطهم، فلقد دُفعوا من العدو إلى عظيم، ومن الملوك المسلمين
(1) ماذا نقول نحن الآن؟! اللهم لطفك وحنانيك!!