الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والسوارقية وصفينة، والدفينة وغيرها» .
سابعاً: خلاصة ما مضى:
إن انكشاف نهر الفرات وانحساره عن جبل من ذهب آية من الآيات التي تسبق ظهور المهدي، ويتبع ذلك اقتتال الناس عليه، فيقتل من كل مئة تسعة وتسعون، وهذه العلامة لم تظهر بعد، ومُخطِأ من حملها على ظهور (البترول) !
ثامناً: قوله: «فمن حضره (1) فلا يأخذ منه شيئاً» حمل على معانٍ متعددة؛ منها:
أولاً: إنما نهى عن الأخذ منه؛ لأنه للمسلمين؛ فلا يؤخذ إلا بحقه. قاله ابن التين (2) .
ثانياً: من أخذه، وكثر المال ندم؛ لأخذه ما لا ينفعه، وإذا ظهر جبل من ذهب كَسَدَ الذهبُ، ولم يُرَدْ (3) .
ثالثاً: لأنه ليس مُلكاً لأحد، وليس بمعدن (!!) ولا ركاز، فحقُّه أن يكون في بيت المال، ولأنه لا يوصل إليه إلا بقتل النفوس، فيحرم الإقدامُ على أخذه. قاله أبو العباس القرطبي (4) .
رابعاً: يحتمل أن يكون (فلا يأخذ) نفياً، ويؤيده رواية:«فلا يأخذون منه شيئاً» (5) .
خامساً: إنما نهى عن الأخذ منه؛ لأنه مال مغضوب عليه، كمال قارون،
(1) والغائب أولى.
(2)
«فتح الباري» (13/81) ، «عمدة القاري» (24/213) .
(3)
«فتح الباري» (13/81) .
(4)
في «المفهم» (7/229) .
(5)
«مرقاة المفاتيح» (5/173) .
فيحرم الانتفاع به (1) .
يحتمل أن يكون ذلك لتقارب الأمرين، وظهور أشراطه، فإن الركون إلى الدنيا والاحتشاد لها، مع ذلك جهل واغترار. ويحتمل أن يكون لأنه مجرى المعدن، فإذا أخذه، ثم لم يجد من يخرج حق الله -تعالى- إليه، لم يوفق بالبركة من الله -تعالى- فيه، فكان الانقباض عنه أولى. قاله الحليمي (2) .
سادساً: الذي عليه جماهير الشراح: «إنما نهى عن أخذه؛ لأن أخذه شركة في الفتنة، لأنه يقع فيه اقتتال» (3) ، وعبر الشراح عن هذا المعنى بعبارات مختلفة، فقال جلهم:«والذي يظهر أن النهي عن أخذه [لما ينشأ عن أخذه] من الفتنة والقتال عليه» (4) . وقال صاحب «المرقاة» (5) : «فلا يأخذ -بصيغة النهي- منه شيئاً» ؛ أي: لما يترتب على الأخذ منه من المقاتلة الكثيرة، والمنازعة الكبيرة» . وقال العيني (6) وتبعه صاحب «مجمع بحار الأنوار» (7) :«فلا تأخذ منه شيئاً؛ لأنه مستعقب للبليات، وهو آية من آيات الله» . وقال ابن علان (8) : «وذلك لأنه لا يصل إليه أحد إلا بعد التقاتل المذكور في الحديث،
(1)«مجمع بحار الأنوار» (1/512) .
(2)
«المنهاج في شعب الإيمان» (1/430) ، ونقله عنه البجمعوي في «درجات مرقاة الصعود» (185) .
(3)
«بذل المجهود» (17/234) .
(4)
«فتح الباري (13/81) ، «عمدة القاري» (24/213) ، «إرشاد الساري» (10/204) ، «تحفة الأحوذي» (7/291) -وسقط منه ما بين المعقوفتين-، «عون المعبود» (11/437) ، «تكملة فتح الملهم» (6/289) ، «عون الباري» (6/420) .
(5)
(5/173) .
(6)
في «عمدة القاري» (24/213) .
(7)
(1/512) .
(8)
«دليل الفالحين» (4/660) .
فلا يصل إليه حتى يقتل عدداً، وقد يقتل هو، وإذا لم يتوجه إليه وامتثل النهي سلم في نفسه، وسلم منه غيره» .
قلت: هذا المعنى هو الصحيح، على أن (لا) للنهي، لا للنفي، وقد جاء في رواية:«فلا تقربنه» . والنهي إنما جاء خشية الفتنة في طلب الدنيا، وحدوث القتال، وسفك الدماء، فقد حذر صلى الله عليه وسلم كل من حضَرَ انْحِسارَ نهر الفرات، أو بلغه ذلك، أن لا يغتر بذلك، ولا يأخذ من هذا الحطام شيئاً.
وهذا المعنى هو الذي فهمه تابعي الحديث أبو صالح ذكوان السمان، إذ قال على إثر روايته له:«يا بني! إنْ أدركته، فلا تكونن ممن يقاتل عليه» ، وفي رواية:«إن رأيته، فلا تقربنَّه» .
وفي حديث أُبيّ: «فإذا سمع به الناس، ساروا إليه، فيقول مَنْ عندَه: لئن تركنا الناس يأخذون منه، ليُذهَبَنّ به كلِّه، فيقتتلون عليه» .
فلا حاجة إلى التكلف بعد ما ثبت في الحديث نفسه أن الكنز يبعث القتال والفتنة بين المسلمين، والذي يؤكّد ذلك ما ورد في آخر حديث أبي هريرة:
«ويقول كل رجل منهم: لَعَلِّي أكون أنا الذي أنجو» ؛ يعني: أنه يقتحم القتال مع ما يرى من شدته؛ لأنه يرجو أن يكون هو الناجي، فيفوز بالكنز دون غيره.
«وفيه كناية؛ لأن الأصل أن يقال: أنا الذي أفوز به، فعدل إلى (أنجو) ؛ لأنه إذا نجا من القتل يفوز بالمال وملكه» (1) ؛ «أي: يرجو كل واحد منهم أن
(1)«شرح الطيبي على المشكاة» (10/94) ، «إرشاد الساري» (10/204) ، «مرقاة المفاتيح» (5/173) ، «عون الباري» (6/420) .
وقال ابن علان في «دليل الفالحين» (4/660) : «لعلي أن أكون أنا أنجو: فيه حمل (لعل) على (عسى) أختها في معنى التوقع والإشفاق، وفي الكلام مضاف مقدَّر، إما في المحكوم عليه؛ =
يكون هو الناجي، فيقتل الباقي في الحال؛ رجاء أن ينجو في المآل، فيأخذ المال، وهذا من سوء الآمال، وتضييع الأعمال» (1) .
أما زعم من قال: إن المنع من الأخذ؛ لأنه لا ينفع، وإذا ظهر جبل من ذهب كسد الذهب، فهو منقوض من وجوه؛ هي:
أولاً: هذا تأويل يخالف النص الذي فيه التصريح بالاقتتال.
ثانياً: نعم؛ يقع زهد بعد ذلك في المال بسبب فيضانه، وشعور الناس بقرب قيام الساعة، ويصرح بعضهم -كما عند ابن حبان (2) - وهو مار بالذهب والفضة، ولا ينتفع بها آنذاك، فيضربها برجله، ويقول: في هذه كان يقتتل من كان قبلنا، وأصبحت اليوم لا ينتفع بها.
فالقول السابق حق، ولكنه وضع قبل وقته، يؤكده:
ثالثاً: يتم ما زعم من الكساد أن لو اقتسمه الناس بينهم بالسّويّة، ووسعهم كلهم، فاستغنوا أجمعين، فحينئذٍ تبطل الرغبة فيه، وأما إذا حواه قوم دون قوم، فحِرص من لم يحصل له منه شيء باقٍ على حاله (3) .
وأخيراً
…
هنالك إشارات لظهور المعادن والكنوز في أخبار الملاحم آخر الزمان وردت في بعض الآثار؛ مثل:
ما أخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» (2/504 رقم 1421) : حدثنا أبو معاوية، وابن الأعرابي في «المعجم» (3/1008-1009 رقم 2155 -
…
= أي: لعل شأني كوني أنجو. أو في المحكوم؛ أي: لعلي ذا كون نجاة. ويصح أن لا يقدّر شيء، ويكون من حمل المصدر على اسم العين؛ نحو:(زيد عدل) مبالغة» .
(1)
«مرقاة المفاتيح» (5/173) .
(2)
في «صحيحه» (15/266-267 رقم 6853 - «الإحسان» ) .
(3)
«فتح الباري» (13/81) ، «عون الباري» (6/421) .
ط. دار ابن الجوزي) -ومن طريقه أبو عمرو الداني في «الفتن» (5/1113-1114 رقم 597) - من طريق محمد بن عبيد الطنافسي؛ كلاهما عن الأعمش، عن خيثمة، عن عبد الله بن عمرو، قال:«يجيش (1) الروم فيُخرجون أهلَ الشام من منازلهم فيستغيثون بكم؛ فتغيثوهم، فلا يتخلف عنهم مؤمن، فيقتتلون فيقتلون، فيكون بينهم قتل كثير، ثم يهزمونهم إلى أسطوانة إني لأعلم مكانها عليهم عندها الدنانير، فيكتالونها بالتراس (2) ، فيتلقاهم الصريخ بأن الدجال يحوش (3) ذراريكم؛ فيلقون ما في أيديهم، ثم يؤبون» لفظ الطنافسي.
ثم وجدته عند أبي عمرو الداني في «الفتن» (5/1161) من طريق علي ابن معبد، قال: حدثنا أبو معاوية، به. وعنده: «فيستمد أهل الإسلام،
…
إلى أسطوانة قد عرفوا مكانها
…
» . وهذا اللفظ أضبط وأصوب، والله أعلم.
وعزاه السلمي في «عقد الدرر» (ص 283/رقم 334) بنحوه إلى أبي الحسن بن المنادي.
وإسناده حسن (4) ، خيثمة هو عبد الرحمن ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة
(1) أي: جمع الجيوش. انظر: «اللسان» (6/32) .
(2)
جمع (ترس) ؛ وهو: ما يتوقى به. انظر: «اللسان» (6/32) .
(3)
كذا في مطبوع «معجم ابن الأعرابي» ، وفي مطبوع «الفتن» :«يحوس» بالسين المهملة، وأصل (الحوس) : شدة الاختلاط ومداركة الضرب، وكل موضع خالطته ووطئته فقد حسته وجسته، ومنه حديث الدجال:«وأنه يحوس ذراريهم» . قاله ابن الأثير في «النهاية» (1/460) .
(4)
قد يقال: اشتهر عن ابن عمرو الرواية عن أهل الكتاب بسبب الزاملتين اللتين عثر عليهما يوم اليرموك. قلنا: نعم؛ ولكن يوجد لأصل هذا الخبر شواهد في أحاديث مرفوعة، يأتي =
الجعفي، ثقة، صرح بسماعه من عبد الله بن عمرو (1) في «صحيح مسلم» في كتاب الزكاة (باب فضل النفقة على العيال والمملوك)(رقم 996) بعد (40)، قال: كنا جلوساً مع عبد الله بن عمرو، إذ جاءه قهرمان له، فدخل، فقال: أعطيتَ الرقيقَ قوتهم؟ قال: لا. قال: فانطلِقْ فأعطِهم. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته» .
فالظاهر في هذا الخبر أن هذه (الأسطوانة) غير (الكنز أو الجبل أو الجزيرة من الذهب) الذي يحسر عنه فرات، ولكن يستفاد منه أن الأرض تبقى تقيء خيراتها، وتبتدأ الملاحم عند الفرات، ثم تنتقل إلى الشام في المنطقة القريبة منه (2) ، ثم تتحول إلى الشام، وخطاب ابن عمرو لأهل العراق (3) :«فيستغيثون بكم، فلا يتخلَّفُ عنهم مؤمن» ، ويكون هذا قُبَيل الدجال، كما وقع التصريح به في الخبر.
وأخيراً.. من التعجّل والتكلُّف والتعسُّف: إسقاط (4) ما حدث على أرض العراق، من احتلال أمريكا وحلفائها على هذا الحديث، والزعم بأن ذلك إنما كان من أجل هذا الذهب! والذي دعاني لهذا ما قرأته في جريدة «المدينة» (5) تحت عنوان (نظرات: فرات من ذهب) ، قال صاحبه في أوله ما نصُّه:
= حشدها وحصرها -إن شاء الله تعالى- في كتابنا المفرد عن (الملاحم) .
(1)
انظر: «تحفة الأشراف» (6/287-288) ، «إتحاف المهرة» (9/451-452) .
(2)
كما في خبر كعب المتقدم.
(3)
يعرف ذلك من جملة آثار تقدمت.
(4)
سيأتيك تأصيل لقواعد الإسقاط، وبيان المحذور الذي فيه، مع أمثلة للخائضين العابثين من المعاصرين.
(5)
العدد (14502) ، السنة الثامنة والستون، يوم الإثنين، 3 ذو القعدة، سنة 1423هـ - الموافق 6 يناير 2002م، (ص 20) .
«قصة سخيفة يرويها الغرب لأكثر من ألف مليون مسلم فيصدقونها! تلك هي قصة دخول جيوش أمريكا وبريطانيا أرض العراق لإخلائه من أسلحة الدمار الشامل! والأسخف منها أن منظمة الأمم المتحدة التي تعتبر عالمية (أي: ليست غربية) تؤمن بنفس القصة وتعززها في العالم! أما الحقيقة وراءَ تحرُّكِ هذه الجيوش الجرارة نحو المنطقة، فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في «الصحيحين» أن نهر الفرات سينحسر عن جبل من ذهب، وأنه سيتكالب عليه عدد مهول من الناس، كلٌّ يريد الفوز به، لتصبح أمته أغنى أمة. وهو ذهب يكفي لنشل أمريكا وأعوانها الغربيين من مأزق تكاليف الإمبراطورية المسلحة العظمى، التي يقودونها للسيطرة على العالم، إلا أنهم سيخيبون في الحصول على هذه الثروة من شدة القتل والخراب الذي سيحدث في الموقع، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقتل من كل مئة منهم تسعة وتسعون؛ أي: لن يبقى أحد إلا شرذمة تهرب بجلدها خوف الفناء، وإن كنا لنفرح بخيبة سعي أمريكا فيما تريد؛ إلا أننا سنحزن حزناً طويلاً لكثرة قتلى المسلمين في هذه الحوادث، ودمار المنقطة، وخراب بيوت من حولهم، إذ سيستميت العراقيون كذلك في الحصول على جبل الذهب ومنع الآخرين منه» !
قلت: الحادثة (1) حق، والزعم المذكور لا دليل عليه، وتسييسُ (الأحاديث) وإسقاطُها على (الأحداث) ليس من سبيل الموفّقين، والواجب على من يقوم بذلك أن يفقه الأحكام الكلية، ويتصور الوقائع، وينتظر تحققها، وأن يسلك سبيل المحققين من العلماء، مراعياً الضوابط الشرعية، والمصالح الضرورية، وسيأتي بيان مفصّل -إن شاء الله تعالى- لذلك (2) .
(1) أي: حسر الفرات عن جبل من ذهب.
(2)
وانظر -أيضاً-: (مسك الختام) بعنوان: (حقائق واجبة الحضور) لمجلتنا «الأصالة» (عدد 43) ، 15/جمادى الآخرة، سنة 1424هـ، (ص 83-84) .