الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحوالهم (1) ، ودلّ على هذا على وجهٍ أصرحَ أثرُ أبي هريرة عند البخاري (2) .
ومن اللطيف بهذا الصدد، ما أخرجه الدينوري في «المجالسة» (6/179 رقم 2525) بسند ضعيف عن ابن سيرين، قال: مر ابن عمر على رجل، فسلم عليه. فلما جاز، قيل له: إنه كافر. فرجع إليه، فقال: رُدَّ عليَّ السلام. فردّ عليه. فقال له: أكثر اللهُ مالك وولدَك. ثم التفت إلينا، فقال:«هذا أكثر للجزية» .
حادي عشر: استنبط كثير من الفقهاء من هذا الحديث أن الأرض المغنومة لا تقسم ولا تباع
(4) ، ونقل ابن تيمية هذا الحكم عن أهل المذاهب المتبوعة في الأرض التي فتحت عنوة، وقال: «ولكن المسلمون لما كثروا نقلوا أرض السواد في أوائل الدولة العباسية من (المخارجة)(5) إلى
(1)«فتح الباري» (6/280) .
(2)
مضى تخريجه (ص 260) ، وبيان أن غير واحد من أهل العلم ذكر أن معناه يلتقي مع ما في حديثنا هذا.
(3)
«شرح صحيح البخاري» (5/362) . وانظر: «إرشاد الساري» (5/243-244) ، «التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح» (2/487) ، «الأبواب والتراجم لصحيح البخاري» (4/145) ، «عون الباري» (3/646 - ط. الرشيد/حلب) .
(4)
انظر في هذا: «مختصر اختلاف العلماء» (3/496-497) .
(5)
يطلق عليه -أيضاً- (خراج التوظيف) أو (المواظفة) ؛ وهو: أن يكون الواجب شيئاً في الذّمة، يتعلّق بالتمكّن من الانتفاع بالأرض، سواء زرعها صاحبها بالفعل أو لم يزرعها، ويجب =
(المقاسمة)(1) ، ولذلك نقلوا مصر إلى أن استغلوها هم، كما هو الواقع اليوم، ولذلك رفع عنها الخراج» (2) .
ونوضح كلام الفقهاء في هذه المسألة، فنقول، وبالله المستعان:
للأرض رقبة ومنفعة، فرقبتها هي أصلها، ومنفعتها هي استعمالها في الزراعة وغيرها، وقد أباح الإسلام ملكية رقبة الأرض، كما أباح ملكية منفعتها، ووضع أحكاماً لكل منهما. أما ملكية رقبة الأرض فينظر فيها، فإن كانت البلاد التي منها هذه الأرض قد فتحت بالحرب عنوة كانت رقبة الأرض ملكاً للدولة، واعتبرت أرضاً خراجية، ما عدا جزيرة العرب.
وإن فتحت صلحاً ينظر، فإن كان الصلح على أن الأرض لنا، وأن نقر أهلها عليها مقابل خراج يدفعونه، فإن هذا الخراج يبقى أبديّاً على الأرض، وتبقى أرضه خراجية إلى يوم القيامة ولو انتقلت إلى مسلمين بالإسلام، أو بالشراء أو بغيره (3) .
أما إن كان الصلح على أن الأرض لهم، وأن تبقى في أيديهم، وأن يقرّوا عليها بخراج معلوم يضرب عليهم، فهذا الخراج يكون غير الجزية، ولا يسقط
= هذا النوع من الخراج في كل سنة زراعية مرة واحدة، فيؤخذ إما عيناً، أو نقداً، بما يوازي قيمته التي يكون تقديرها من واقع قيمة الصنف الخارج. انظر:«الموارد المالية في الإسلام» (ص 181) .
(1)
يتعلق هذا النوع من الخراج بالخارج، لا بالتمكن من الزراعة، فإذا عطلت الأرض مع التمكّن لا يجب خراج المقاسمة، وهو يشبه العشر في ذلك، والتقدير فيه مفوّض إلى الإمام، ويجوز أن يحصل هذا النوع من الخراج أكثر من مرة في السنة تكرار المحصول. انظر:«حاشية ابن عابدين» (2/325) ، «الأحكام المرعية في شأن الأراضي المصرية» (ص 15) ، والمصدر السابق (ص 180-181) .
(2)
«مجموع فتاوى ابن تيمية» (28/662) .
(3)
انظر: «جامع المسائل» لابن تيمية (المجموعة الرابعة)(ص 371) .
بإسلامهم، أو ببيعهم الأرض إلى مسلم، وإن باعوا الأرض إلى كافر فإن الخراج يكون باقياً من باب أولى؛ لأن الكافر من أهل الخراج والجزية، وإن كانت البلاد قد أسلم أهلها عليها مثل أندونيسيا، أو كانت من جزيرة العرب كانت رقبة الأرض ملكاً لأهلها، واعتبرت أرضاً عشرية، والسبب في ذلك أن الأرض بمنزلة المال، تعتبر غنيمة من الغنائم، التي تكسب في الحرب فهي حلال، وهي ملك لبيت المال.
والفرق بين الأرض وبين غيرها من الغنائم من الأموال، أن الأموال تقسم ويتصرف بها، وتعطى للناس، وأما الأرض فتبقى رقبتها تحت تصرف بيت المال حكماً، ولكنها تظل تحت يد أهلها ينتفعون بها، وكون الأرض باقية لبيت المال لا تقسم رقبتها، وإنما يمكّن الناس من الانتفاع بها (1) ، ظاهر في كونها غنائم عامة لجميع المسلمين، سواء مَنْ وجدوا حين الفتح، أو مَنْ وُجِد بعدهم. أما جزيرة العرب فإن أرضَها كلُّها عشرية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة عَنوَة، وتركها لأهلها، ولم يوظف عليها الخراج؛ ولأن الخراج على الأرض بمنزلة الجزية على الرؤوس، فلا يثبت في أرض العرب، كما لا تثبت الجزية في رقابهم؛ وذلك لأن وضع الخراج على البلاد من شرطه أن يترك أهلها وما يعتقدون وما يعبدون، كما في سواد العراق. ومشركو العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف. قال -تعالى-:{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]، وقال:{سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] . وما دام لم تؤخذ جزية منهم، فكذلك لا يؤخذ خراج على أرضهم.
(1) أجاز شيخ الإسلام ابن تيمية أن يدفع الكتابي الأرض إلى مسلم يعوض أو غيره. انظر: «جامع المسائل» (المجموعة الرابعة)(ص 371) .