الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: حقيقة المتكلم
المتكلِّم: اسمُ فاعلٍ من "التكلّم".
وهو مَنْ قامَتْ به صفةُ الكلام، فبها صارَ متكلِّماً.
والعقلاءُ متفقونَ على أن الحركة إذا قامَتْ بمحلٍّ صحَّ وصفُ المحلّ بكونهِ متحركاً، وإذا قامَ العِلْمُ بمحلٍّ صحَّ وصفُه بكونه عالِماً، وكذلك كلُّ صفةٍ.
فالكلامُ صفةٌ، إذا قامَتْ بموصوفٍ سمّي "متكلّماً".
فحين يَردُ على سَمْعِكَ: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} عَقِلتَ منه أنَّ لله تعالى صفةَ السَّمعِ، وصفةَ العلمِ.
فكذلكَ حينَ يَرِد على سَمْعِكَ: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى} فإنَّكَ تعقِل منه أن لله تعالى صفةَ الكلامِ.
فدلَّ هذا على أنَّ الصِّفَةَ إنَّما تقوم بالموصوف.
وفي هذا إبطالٌ لقولِ المُلحدين في أسماءِ الله وصفاتِهِ: إنَّ الصفةَ لا تقومُ بالموصوفِ، وعليهِ قالَ من قالَ منهم: إنَّ الله سميعٌ بلا سَمع،
بصيرٌ بلا بَصر، حيٌّ بلا حَياة، خالقٌ بلا خَلْقٍ.
ويظهَرُ مما تقرر من قِيام الصفةِ بالموصوفِ أنَّ المتكلّمَ من قام به الكلامُ، ولا يصحّ وصفُه بذلك إلَاّ مع قدرتهِ عليه، إذ أنَّ قدرةَ المتكلم على الكلام لازمةٌ له ما دام موصوفاً بالكلام، لأنَّه لو لم يكن قادراً على الكلام لَوُصِفَ بضدّه، وهو: الخَرَسُ، فإن "الأخرس" هو الذي لا يَقْدِرُ على الكلامِ، ولذا صَحَّ عدمُ وصفهِ بالكلام.
ويبطلُ بما قرَّرْناه مذهبان من مذاهب أهل البدع:
الأوّل: مذهبُ المعتزلة القائلين: المتكلّم من فَعَلَ الكلامَ ولو في غيره، ومعناه عدَمُ قيامِ صفةِ الكلام بالمتكلّم.
والثاني: مذهبُ الكُلاّبية والأشعرية القائلين: المتكلم من قام به الكلامُ ولو لم يَفْعَلْهُ، وليس له قدرةٌ عليه.
وفسادُ هذين المذهبين ظاهرٌ لغةً وشرعاً وعقلاً، إذ أنَّ لازمَ المذهبِ الأوَّل أن يكون كلامُ المخلوق هو كلامَ الخالق -كما سيأتي تفصيله في الباب الثالث- ولازمَ المذهب الثاني وصفُ الأخرس بكونه متكلماً، وهذا ظاهر المناقضةِ للحسِّ والعقلِ - وسيأتي بسط ذلك عنهم في الباب الثالث.
والسَّلَفُ والأئمَّةُ لا يَعْرِفونَ المتكلمَ إلَاّ على الصورة التي شرحناها.