الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: التكليم في الآخرة
تكليمُ الله تعالى لعبادِه في الآخرةِ يَقَعُ منه إليهم من غير وسائطَ بينَه وبينَهم، والمقصودُ به غيرُ المقصود بالتكليم في الدُّنيا، فإنَّ التكليمَ في الدُّنيا، إنَّما كانَ المرادُ بهِ تقويمَ السُّلوكِ إلى الدَّارِ الآخرةِ، وأمَّا وقوعهُ في الآخرةِ، فعلى أوجهٍ ثلاثةٍ:
• الوجه الأول: للحساب والقضاء بين العباد في المحشر:
وتستوي الخلائقُ في هذا التكليم إلَاّ أقواماً شاءَ الله أن يَحْرِمَهم ذلك، تَنكيلاً وزيادةً في العذابِ.
ومن الدليل على ما ذكرنا:
1 -
قولُه تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65].
2 -
وقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ} [فصلت: 47].
3 -
وحديث أبي هريرة قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"يَقبِضُ الله الأرضَ، ويَطْوي السَّماواتِ بيمينه، ثمَّ يقول: أنا المَلِكُ؛ أَينَ مُلوكُ الأرضِ؟ " وفي لفظ: "يَقبِضُّ الله الأرضَ يوم القيامة
…
" (25).
4 -
وحديث عَدِىّ بنِ حاتِم رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
"ما مِنْكمْ من أحَدٍ إلا سيكلِّمُهُ الله، ليسَ بينَه وبينَه تُرْجُمانٌ، فينظُرُ أيْمَنَ منه فلا يَرى إلَاّ ما قدَّم، وينظُرُ بينَ يدَيْهِ فَلَا يَرى إلَاّ النَّارَ تِلقاءَ وَجْهِهِ، فاتَّقوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرةٍ".
وفي لَفْظٍ:"ما مِنْكُمْ من أحْدٍ إلَاّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، ليسَ بينَه وبينَه تُرْجُمانٌ ولا حِجَابٌ يَحْجُبُه"(26).
5 -
وحديث عبد الله بن أنَيْس رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ:
(25) حديث صحيح.
أخرجه أحمد 2/ 374 والبخاري 8/ 551 و 11/ 372 و 13/ 367 ومسلم رقم (2787) والنسائي في "الكبرى" -كما في "تحفة الأشراف" 10/ 62 - وابن ماجه رقم (192) والدارمي رقم (2802) من حديث أبي هريرة به.
ونحوه في "الصحيحين" وغيرهما من حديث ابن عمر.
(26)
حديث صحيح.
أخرجه أحمد 4/ 256 والبخاري 11/ 400 و 13/ 423، 474، ومسلم 2/ 703 - 704 والترمذي رقم (2415) وابن ماجة رقم (185) و (1843) من طرق عن الأعمش عن خيثمة بن عبد الرحمن عن عَدِيّ بن حاتِم به، وربَّما أدخَل الأعمشُ بينه وبين خيثمةَ في بعض أسانيده عَمْرو بن مُرَّة، وهو محفوظٌ من الوجهين.
وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح" قلت: واللفظ الثاني للبخاري.
"يَحْشُرُ الله العِبادَ -أو النَّاسَ- عُراةً غُرْلاً بُهْماً".
قلنا: [ما] بُهْماً؟ قال:
"ليسَ مَعَهم شيءٌ، فيناديهم بصَوْتٍ يَسْمَعُه مَنْ بَعُدَ -أحسَبهُ قال: كَمَا يَسْمَعُه مَنْ قَرُبَ-: أنا المَلِكُ، [أنا الدَّيَّانُ]، لا يَنبغي لأحَدٍ مِنْ أهلِ الجَنَّةِ يَدْخُلُ الجَنَّةَ وأحَدٌ مِنْ أهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بمظلمةٍ، ولا يَنبغي لأحَدٍ منْ أهل النارِ يدخُلُ النَّارَ وأحَدٌ مِنْ أهَلِ الجَنَّةِ يطلُبُه بمَظلمةٍ".
قلتُ: وكيفَ؟ وإنَّما نأتي الله عُراةً بُهْماً؟ قالَ:
"بالحسناتِ والسيئاتِ"(27).
6 -
وحديث صَفْوانَ بن مُحْرِز قال: قالَ رجُلٌ لابن عُمَر: كيفَ سمعتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ في النَّجْوى؟ قال: سمعتُهُ يقولُ:
"يُدْنى المُؤمِنُ يومَ القيامة من ربِّه عز وجل، حتَّى يضَعَ عليهِ كنَفَه (28)، فيقرِّرُهُ بذُنوبهِ، فيقولُ: هَلْ تعرِف؟ فيقولُ: أيْ رَبّ أعرِفُ، قال: فإنِّي قد سَتَرْتُها عليكَ في الدنيا، وإنِّي أغفِرُها لكَ اليومَ: فيُعْطى صَحيفةَ حَسَناتِهِ، وأمَّا الكفّارُ والمنافقونَ فَيُنادَى بهم على رُؤوس الخلائقِ: هؤلاءِ
(27) حديث حسن.
أخرجه أحمد 3/ 495 والبخاري في "الأدب" رقم (970) وآخرون من حديث جبر عن عبد الله بن أنَيس.
وقد فصَّلت القولَ فيه في تحقيق جزء "الحديث الذي رحَل فيه جابر بن عبد الله مسيرة شهر" لابن ناصر الدين.
(28)
أي: سِتره.
الذين كذَبُوا على الله" (29).
وأمَّا الأدلَّةُ على حِرْمانِ أقوامٍ من تكليمِ الله لهم، فمنها:
1 -
2 -
وقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77].
3 -
حديثُ أبي هُرَيْرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
"ثلَاثَةٌ لا يكلِّمُهمُ الله [يَوْمَ القيامَةِ]، ولا يَنْظُرُ إليهم، ولا يُزَكّيهم، ولهم عَذابٌ أليمٌ: رَجُلٌ على ماءٍ بالفَلاةِ يمنَعُه مِن ابنِ السَّبيلِ، ورجُلٌ بايَعَ الإِمامَ لا يُبايعُهُ إلَاّ لِدُنيا، فإنْ أعطاهُ منها وَفَى لَهُ، وإنْ لمِ يُعْطِهِ لم يَفِ لَه، ورجُلٌ بايَعَ رَجُلاً سِلعةً بعدَ الْعَصْرِ، فَحَلَفَ لَه بالله لأخَذَها بكذا وكذا، فَصَدَّقهُ وهو على ذلك"(30).
(29) حديث صحيح.
أخرجه أحمد 2/ 74، 105 والبخاري 5/ 96 و 8/ 353 و 10/ 486 و 13/ 475 ومسلم رقم (2768) والنسائي في "الكبرى" -كما في "تحفة الأشراف" 5/ 437 - لابن ماجة رقم (183) من طرق عن قتادة عن صفوان به.
(30)
حديث صحيح. =
وفي لفظ:
"ثلاثَةٌ لا يكلِّمهمُ الله يومَ القيامةِ ولا ينظُرُ إليهم: رَجُلٌ حَلَفَ على سِلْعةٍ: لقد أعطى بها أكثَرَ مِمَّا أعطي، وهو كاذبٌ، ورَجُلٌ حَلَفَ عَلى يَمينٍ كاذبةٍ بعدَ العَصْرِ ليقتطعَ بها مالَ رَجُلٍ مسلمٍ، ورَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مائِهِ، فيقولُ الله [يومَ القيامةِ]: اليومَ أمنَعُكَ فَضْلي كما مَنَعْتَ فَضْلَ ما لَمْ تَعْمَلْ يَداكَ"(31).
4 -
حديثُ أبي ذرٍّ الغِفاريّ رضي الله عنه عن النبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
"ثَلَاثَةٌ لا يُكلِّمُهمُ الله يومَ القِيامَةِ، ولا يَنْظُرُ إليهم، ولا يُزكِّيهم، ولَهُم عَذابٌ أليمٌ".
قال: فَقرَأها رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثَ مِرارٍ.
قالَ أبو ذَرّ: خابُوا وخَسِروا، مَنْ هُمْ يا رَسُولَ الله؟ قال:
"المُسْبِلُ [إزارَه]، والمَنَّانُ [عَطاءَهُ]، والمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بالحَلِفِ الكاذِبِ"(32).
= أخرجه أحمد 2/ 253 ، 480 والبخاري 5/ 34، 43، 284 و 13/ 201، 423 ومسلم رقم (108) وأبو داود رقم (3474، 3475) والترمذي رقم (1595) والنسائي 7/ 246 - 247 وابن ماجة رقم (2207، 2870) من طريق أبي صالح السَّمَّان عن أبي هريرة به.
وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
(31)
هذا اللفظ للبخاري في رواية.
(32)
حديث صحيح.
أخرجه أحمد 5/ 148، 158، 162، 168، 177 - 178 ومسلم رقم =
5 -
وحَديثُ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ثَلاثةٌ لا يُكلِّمهم الله يومَ القيامةِ، ولا يُزكّيهم، ولاينظُرُ إليهم، ولهم عذابٌ أليمٌ: شيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كذَّابٌ، وعائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ"(33).
وقَدْ نقَلَ الخَلَاّلُ في "كتاب السُّنَّة" من طريق حنبلِ بن إسحاقَ قالَ: قلتُ لأبي عبدِ الله -يعني أحمدَ بن حنبلٍ-: الله عز وجل يُكلِّمُ عبدَه يومَ القِيامة؟ قالَ:
"نعم، فمَنْ يقضي بينَ الخلائق إلَاّ الله عز وجل، يُكلِّمُ عبدَه ويَسْألُه، الله متكلِّمٌ، لم يَزَلِ الله يأمرُ بما يَشاءُ ويحكُمُ، وليسَ له عَدْلٌ
= (106) وأبو داود رقم (4087، 4088) والترمذي رقم (1211) والنسائي 5/ 81 و 8/ 208 وابن ماجة رقم (2208) والدَّارمي رقم (2608) من طريق خَرَشَةَ بن الحُرّ عن أبي ذرّ به.
وقال الترمذي: "حديث حن صحيح".
(33)
حديثٌ صحيح.
أخرجه مسلم رقم (107) والنسائي في "الكبرى" -كما في "تحفة الأشراف" 10/ 84 - من طريق الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة به.
وهو عند أحمد في "المسند" 2/ 480 لكن قال: "عن أبي صالح" بدل: "أبي حازم" وهو في غالب ظني تحريفٌ، وإن صَحَّ أنَّه "أبو صالح" فهو إسناد صحيح، والأعمش إمام حافظ لا يبعد أن يحفظَ الحديث من الوجهين.
وأخرجه النسائي 5/ 86 من طريق محمد بن عَجْلان عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً بنحوه.
قلت: وإسناده جيدٌ، وهي متابعة قويَّةٌ لأبي حازم.
ولا مِثْلٌ، كيفَ شاءَ، وأنَّى شاءَ" (34).
قلتُ: وفيما سُقْتُهُ من الأدلَّة نَصٌّ قاطعٌ على صحّةِ هذه العقيدة، وفي حِرْمانِ الله تعالى أقواماً من تكليمهِ زيادةً في العَذاب دليلٌ على إثباته لسِواهم، وإلَاّ فلا فائدةَ بتخصيص هذه الأصنافِ دونَ سائر مَن يُحاسَبُ بِعَدَمِ التَّكليمِ.
• والثاني: تكليمه تعالى لأهل الجنة نعمة منه وفضلا:
ومن الدَّليلِ عليهِ:
حديثُ أبي سعيدٍ الخُدْري رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ الله تبارك وتعالى يقولُ لأهلِ الجَنَّةِ: يا أهْلَ الجَنَّةِ، فيقولونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيكَ، فيقولُ: هل رَضِيتم؟ فيقولون: وما لَنا لا نَرضى وقدْ أعْطَيْتَنا ما لم تُعْطِ أحَداً من خَلْقِكَ؟ فيقولُ: ألَا أعْطِيكم أفْضَلَ من ذلكَ؟ قالوا: يارَبّ، وأيُّ شيءٍ أفضَلُ من ذلكَ؟ فيقولُ: أحِلُّ عليكُم رِضْواني، فلا أسْخَطُ عليكم بعدَه أبداً"(35).
(34) نقله شيخ الإِسلام في "درء التعارض" 2/ 37 - 38.
وقد رواه غلام الخلال في "كتاب السنة" ق 155/ ب.
(35)
حديث صحيح.
أخرجه أحمد 3/ 88 والبخاري 11/ 415 و 13/ 487 ومسلم رقم (2829) والترمذي رقم (2555) والنسائي -كما في "تحفة الأشراف" 3/ 405 عن "الكبرى"- من طريق مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري به.
وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
قلتُ: قال البخاريُّ رحمه الله: "بابُ كلام الرَّبِّ معَ أهْلِ الجنة" وساقَ هذا الحديث.
• الثالث: تكليمه تعالى لأهل النار توبيخا وتقريعا:
ومِن الدَّليلِ عليه:
1 -
2 -
حديثُ أنَس بن مالكٍ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:
"يَقولُ الله تبارك وتعالى لأهْوَنِ أهْلِ النَّارِ عَذاباً: لَوْ كانتْ لكَ الدُّنيا وما فيها أكنتَ مُفتدياً بها؟ فيقولُ: نَعَمْ، فيقولُ: قَدْ أرَدْتُ منكَ أهونَ مِنْ هذا وأنتَ في صُلْبِ آدَمَ: أن لا تُشْرِكَ -أحسَبُه قالَ: ولا أدْخِلَكَ النَّارَ- فأبَيْتَ إلَاّ الشِّركَ"(36).
قلتُ: وهذه الأوجهُ الثَّلاثةُ من التكليم لم يَقع شَيْءٌ منها بعدُ، وإنَّما دلَّتِ النصوصُ الَّتي سُقنا على الإِخبار عن وقوعِها، وإِنَّما تَقع بعدَ نهايةِ الدُّنيا يومَ تقومُ الساعةُ، وبَعْدَئِذٍ، خلافاً للمبتدعة القائلينَ: إنَّ الله قَدْ تكلَّمَ
(36) حديث صحيح.
أخرجه أحمد 3/ 129 والبخاري 6/ 363 و 11/ 416 مسلم رقم (2805) من حديث شعبة عن أبي عِمران الجَوْني عن أنس به.
وأبو عمران اسمه: عبد الملك بن حَبيب.
بذلكَ منذُ الأزّلِ، ولهذا الأصلُ سيأتي توضيحُه في المبحث الثامن من هذا الفصل.
فرعٌ:
وقدْ صَحَّ الخبَرُ عن المَعصوم صلى الله عليه وسلم أنَّ الله تعالى كلَّمَ الشَّهيدَ عبدَ الله ابن عَمْرو بن حَرام، أحدَ شهداءِ أحُد، كلَّمَهُ كِفاحاً من غيرِ حِجابٍ.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:
لَمَّا قُتِلَ عبدُ الله بن عَمْرو بن حَرام يومَ أحُدٍ، لَقِيَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا جابر، ألَا أخْبِرُك ما قالَ الله لأبيكَ؟ ".
وفي لفظ: "يا جابِر، مالي أراكَ مُنكَسِراً؟ ".
قالَ: قلت: يا رسولَ الله، استُشْهِدَ أبِي، وتَرَكَ عِيالاً ودَيْناً، قالَ:"أفَلا أبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ الله بِهِ أبَاكَ؟ ".
قالَ: بلى يا رسولَ الله، قالَ:
"ما كَلَّمَ الله أحَداً قطُّ إلَاّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ، وكلَّمَ أبَاكَ كِفاحاً، فقال: يا عَبْدي، تَمَنَّ عَلَيَّ أعْطِكَ، قال: يا رَبِّ، تُحييني فَأقتَلَ فيكَ ثانيةً، فقالَ الرَّبُّ سُبحانَه: إنَّه سَبَقَ مِنِّي أنَّهم إليها لا يَرْجِعون، قالَ: يا رَبُّ فَأبْلغْ من ورائي".
قَال: فَأنْزَلَ الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169](37).
(37) حديث صحيح. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أخرجه الترمذي رقم (3010) وابن ماجة رقم (190) و (2800) وابن أبي عاصم رقم (602) وعثمان الدارمي في "الردّ على الجهمية" رقم (115، 289) وابن خُزيمة في "التوحيد" ص: 379 - 380 والحاكم 3/ 203 - 204 والبيهقي في "دلائل النبوة" 3/ 298 - 299 والواحدي في "أسباب النزول" ص: 124 والبَغوي في "تفسيره"1/ 446 - هامش "الخازن" - وإسماعيلُ بن الفَضْل الأصبهاني في "الحجة" ق 64/ أوق 115/ أمن طرق عن موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري قال: سمعتُ طلحة بن خِراش قال: سمعت جابر بن عبد الله به.
وفي رواية: لَقِيَني جابرُ بن عبد الله فأخبرني
…
قال الترمذي: "حديث حسن غريب من هذا الوجه
…
ولا نعرفه إلَاّ من حديث موسى بن إبراهيم، ورواه علي بن عبد الله بن المديني وغيرُ واحدٍ من كبار أهل الحديث هكذا عن موسى بن إبراهيم".
وقال الحاكم: "حديث صحيح الإِسناد".
قلت: التحقيق أنَّ إسنادَه جيّدٌ، فإنَّ رجالَه جميعاً ثقاتٌ، وهو متَّصل.
وقد رأيتُ بعضَ المعاصرين يغْمِزُ موسى بن إبراهيم بأنَّ فيه ضَعْفاً من جهةِ حفظهِ، فتأمَّلت قولَ هذا القائل فرأيتُ عمدَته قول ابن حِبَّان:"كانَ ممَّن يُخطىء"(ثقات 7/ 449) وهذا لا يَطرح روايته أو يُعلّها حتى يثبت خطؤه ، ألا ترى أنَّ ابن حبان نفسَه أوردَه في "ثقاته"؟
وزيادة على هذا، فقدْ رَوى هذا الحديث عنه إمام علل الحديث والجَرحِ والتَّعديل عليُّ بن المديني، ولقد كان يَدع حديث الراوي لأدنى مغمَز، فهلَاّ اعتبرت يا هذا روايةَ هذا الإِمام رافعةً لشأنهِ.
وقد ذَكَرَ ابنُ عبد البرّ حافظُ المغرب هذا الحديث في "الاستيعاب" 6/ 334 -
335 -
حاشية "الإصابة" - من رواية دُحَيْم حدثنا موسى بن إبراهيم
…
ثم قال: "موسى بن إبراهيم هذا هو موسى بن إبراهيم بن كثير بن بشير بن الفاكه الأنصاري المدني، وطلحة بن خِراش أنصاريٌّ أيضاً من ولَدِ خِراش بن الصمّة، وكلاهما مدنيٌّ =
قلت: وهذا تَكليمٌ على الحَقيقةِ، بلا واسطةٍ، ومُواجَهَةٌ بلا حِجابٍ، ولهذا خُصوصيَّة لعبد الله رضي الله عنه فَضْلاً منه تعالى ومنَّةً لِما نالَه في سَبيل الله، وإنَّما وقَعَ في الحَياة بعدَ الموتِ.
• • • • •
= ثقةٌ".
قلت: وقد رُوي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن جابر، وله شاهدٌ أيضاً من حديث عائشة، ولكن جميع ذلك بأسانيد غير نَظيفة، سِوى ما رواه أحمد 3/ 361 من طريق محمد بن علي بن ربيعة السُّلَمي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر معناه مختصراً.
وهذا إسناد صالح، محمد بن علي هذا ثقةٌ، وابن عقيل صالح الحديث.