الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
المُرادُ بمسألةِ اللَّفْظِ بالقُرآنِ هو القولُ بأنَّ (لفظَ القارئ بالقرآنِ، وقِراءَتَه له، وتلاوتَهُ) هل يُقال: (مخلوقٌ، أو مخلوقةٌ) أو لا يقال ذلك؟
وهي من المَسائل التي كان لها صَدًى واسعٌ في صفوفِ المُحدِّثينَ وغيرهم، ممَّا أدّى إلى شقاقٍ وفرقةٍ، أفرحَت الشيطانَ وأولياءَه، وضاقَتْ بسَبَبِها صدورُ أهْل السُّنَّة والجَمَاعَةِ.
وكانت هذه المسألةُ حَيْدةً من الجَهمية القائلينَ بخَلْقِ القرآنِ إلى لفظٍ يوهِم موافقَتَهم لأهْل السُّنَّةِ، مع أنَّهم يُريدون مذهَبَهم الباطلَ، فلبَّسوا بهذا على الناسِ، وفتَحوا عليهم باباً جديداً من البدعة، فقالوا: ألفاظُنا بالقرآن مخلوقةٌ.
وكانَ مبدأ ظهورِ هذه اللَّفظةِ والقولِ بها في عَهْدِ الإِمام أحمدَ، حين ظَهَرَ الحقُّ الذي أعلاهُ الله بأحمدَ بن حنبل ومن ثَبَتَ معَه من إخوانهِ، وقَوِيَتْ شَوْكةُ أهله، ونصرَهم الله، وخَذَل المبتدعة من الجهمية المعتزلة القائلينَ بخَلْقِ القرآنِ.
وكان أوَّلُ من عُرِفَ أنه قالَها الحُسَينَ الكرابيسيَّ.
قال الإِمام إسماعيلُ بن الفَضْل الأصبهانُّي: "وأوَّل من قالَ باللَّفظ، وقال: ألفاظُنا بالقرآن مخلوقةٌ حُسَينٌ الكَرابيسيُّ، فبدَّعَه أحمد بن حنبل، ووافقَه على تبديعهِ علماءُ الأمصار
…
" (1).
ثم ساقَ أسماءَ جماعةٍ من الأئمَّة والعُلماءِ.
ووافقه عبد الله بن سَعيد بن كُلَاّب وداودُ الظاهريُّ.
وسبَبُ ذلك ما ابْتُلوا به من علْمِ الكلام المَذمومِ، فَوافقوا الجَهمية في حقيقةِ قولهم.
ولمَّا كان الإِمام أحمدُ قَدْ خَبِرَ باطلَ القوم، وعَرَف مَداخِلَه، لم يتردَّدْ في تَضْليلِهم، وتَبْديعِهم وتَجْهيمِهم، ونقَلَ عنه الثّقاتُ من أصحابهِ من ذلك ما فيه الكفايةُ والمَقْنَع لمَن نوَّرَ الله قلبَه بنورِ الهداية، وجنَّبه سُبُلَ الغِوايةِ.
فجاءَ من بَعْدِهِ أقوامٌ غَلِطوا في مَعرفةِ حَقيقةِ قَولهِ، وذلكَ إمَّا لخَفاءِ نُصوصِهِ الصَّريحةِ عنهم وإمَّا لهَوًى وبدعةٍ فيهم، وإنْ وقع انتسابُ الكثير منهم للعلْمِ والسُّنَّةِ.
فرأيتُ من الضِّرورةِ -وقَدْ خُضْتُ غِمارَ هذا الموضوع- أن أوضِّحَ -بما يَسَّر الله تعالى- ما وقعَ من اللَّبْس في هذه القضيةِ، ولولا ما وقعَ بسَبَبِها من النبلاء لكانَ في تركِ الكلام فيها غُنْيَةٌ.
والله المُستعان، ولا حَوْل ولا قوَّة إلَاّ به.
• • • • •
(1) كتاب "الحجة" ق 92/ ب.