الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمَّا الطائفةُ التي غَلَتْ منهم فزعَمَتْ أنَّ الصَّوْتَ القديمَ هو المسموعُ من القاريء، فهو قولٌ ظاهرُ الفَسادِ، كَما بيّنْتُه في أواخِر الباب السابق، وهو يُفْضِي بالقائلينَ به إلى القَوْل بالحُلولِ، أي: أنَّ صفةَ الخالقِ التي هي صوتُهُ بكلامهِ قد حَلَّتْ بالمَخلوقِ، وربّما أفضى في الآخِر إلى القول بقِدَم سائرِ كلامِ المخلوق وصوتهِ، وفَسادُ هذا أبْيَنُ من أنْ يُسْتدلَّ له، ومنافاتُهُ للكتابِ والسُّنَّة واعتقادِ السَّلَفِ أظهَرُ من أن يُتَكلَّفَ للجَواب عنه.
•
سادسا: الكرامية:
يقولونَ: كلامُ الله غيرُ مخلوقٍ، وهو مَعَ ذلك حادثٌ، وهو حروفٌ وأصْواتٌ قائمةٌ بذات الله تعالى، متعلّقٌ بمشيئتهِ وقُدْرتهِ بعدَ أنْ كانَ الكلامُ مُمْتَنِعًا عليه.
ويقولونَ: لم يَزَل الله متكلِّمًا، بمعنى: أنَّه قادرٌ على الكَلام.
ويقولونَ: ليسَ لله كلامٌ في الأزَل، أي لم يكن متَّصفًا به، لعدَمِ وُجودِ الحادث.
قلتُ: فوافَقَ هؤلاء السَّلفَ في إثباتِ تعلُّقِ الكلام بالمَشيئة والقدرةِ، وأنَّه بحَرْفٍ وصَوْتٍ، ولكن ناقَضوهم في سَلْبِ الرَّبِّ تعالى صفةَ الكلامِ في الأزَل، وإثباتِ عَجْزهِ تعالى عنه، وهو تحكّمٌ باطلٌ، ورَجْمٌ بالغَيْبِ، مُتضَمِّنٌ وصْفَ الرَّبِّ تعالى بالنَّقْصِ، وسَلْبَ صفاتِ كمالهِ، والسَّلَفُ علَى أنَّ كلامَ اللهِ صفةٌ ثابتةٌ له تعالى في الأزَل، ويتكلَّمُ بمشيئتهِ وقدرتهِ، ويتكلَّمُ بحَرْفٍ وصوتٍ، وأقَمْنا الحُجَّةَ على ذلك في الباب الأوَّل بما يُغني ويَكفي.
والكَرّامية أصحابُ زَيْعٍ وضَلالٍ في أكثر الاعتقادِ، وهي طائفةٌ مائلةٌ عن القَصْد، وإنَّما المقصودُ هنا ذكرُ اعتقادِهم في كلام الله تعالى، ومناقَضَتهِ لاعتقاد السَّلَف.
ولقَدْ أخمَدَ الله تعالى بدعةَ هذه الطائفةِ في الزَّمانِ المتأخِّرِ، بعدَ ما كان لها من بُعْدِ الصِّيت وكَثْرَةِ الأتباع، فله الحَمْدُ والمِنَّة.