الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا أصلٌ من الأصول التي فارقَ بها أهلُ السُّنِّةِ أصحابَ البدع.
•
المسألة الثانية:
تسميةُ المُبتدعةِ علمَ التَّوْحيد الذي هو أشْرَف العلم وأزْكاها بعِلْم الكلام من أظْلَم الظُّلْم وأبْطَل الباطل.
ذلك لأنَّ علم التَّوحيدِ مَصْدَرُه الوَحْيُ المَعْصوم، وعِلْمَ الكَلَام مصدَرُه الجدَل المَذموم فأيْنَ هذا مِنْ هذا؟
إنَّ ما أحْدَثَتْهُ المبتدعة من الجَدَل والخُصومات، مِمَّا ادَّعوا أنَّهُ أحْسن الطُّرُق لمَعْرفَةِ الله تعالى ودين الإِسلام، مِمَّا هو مَحْض العُقول التي لَمْ تُقَوَّم بمَنْهَج الرَّسول صلى الله عليه وسلم، وإنَّما قوِّمت برأي جَهْم وطريقة بشْر بن غِياث، المستمدَّةِ من طريقةِ أهْل الكِتاب ومن رَأْي عُبّاد الكَواكب، الذي فَتَنوا به المُؤمنين والمُؤمنات، هو الذي سَمَّؤْه بـ "علم الكلام"، تلقَّفَه عنهم ابنُ كُلاّبٍ والأشعريُّ وأبو مَنْصُور الماتُريدي وأمثالُهم من أهْل البِدَع، فَحَلَّوْه ببعض السَّمعيات، فأخرَجو للناس على أنَّه علْمُ التَّوحيد، وصاروا يقولون: علمُ الكلام: هو علْمُ التَّوحيد، وهو أشْرَف العلوم؛ لتعلّقه بذاتِ الله وأسمائِهِ وصفاته، وهو على هذا المَعنى يُدَرَّس اليَوْم في مَدارِس المُسلمينَ ومعاهدِهم وجامعاتِهم إلَاّ من عافى الله.
ولكن ولله الحَمْدُ ألقى الله تعالى على ألْسِنَتهم بَراءَتهم من تَوْحيد
= الدارمي رقم (211) وابن نصر في "السنة" ص: 23 وابن وضاح في "البدع" ص: 10 والطبراني في "الكبير" 9/ 168 وابن مجاهد في "السبعة" ص: 46 وابن الطبري في "السنة" رقم (104) والبيهقي في "المدخل" رقم (204) وسنده صحيح.
الرَّسول صلى الله عليه وسلم، فتَراهم يقولونَ في واضع هذا العِلْم: واضعُه أبو الحَسن الأشْعَريّ وأبو مَنْصور الماتُريدي، وهذا إنْصافٌ من أنْفُسِهم؛ فإنَّهُمْ إنَّمَا يُوَحِّدُونَ الله بِجَدَل الأشعريّ والماتُريدي، لا باتباع الرَّسول صلى الله عليه وسلم وسَلَف الأمَّة.
واعلَمْ - وفَّقكَ الله - أنَّ السَّلَفَ كانوا من أشدّ الناس نَفْرةً وتنفيراً من الكلام وأهلهِ.
قال البَغويُّ رحمه الله: "واتَّفقَ علماءُ السَّلفِ من أهل السُّنَّةِ على النهي عن الجدال والخُصوماتِ في الصِّفاتِ، وعلى الزَّجْر عن الخَوْض في علم الكلام وتعلّمهِ"(16).
وقال الشافعي رحمه الله: "لأن يُبْتَلى العبدُ بكلِّ ما نَهى الله عنه سوى الشِّرك، خيرٌ له من الكَلام، ولقد اطَّلعتُ من أصحابِ الكلام على شَيْءٍ ما ظَننتُ أنَّ مُسْلِماً يقولُ ذلك"(17).
وقال: "مَن أظهرَ العصبيّةَ والكلامَ، ودَعا إليها؛ فهو مردودُ الشَّهادة، ولأن يَلقى العبدُ ربَّه عز وجل بكلِّ ذَنْبٍ ما خَلا الشركَ خيرٌ له من أنْ يلقاه بشيءٍ من الأهواء"(18).
وقال الإِمام أحمد رحمه الله للمعتصم أيَّامَ المحْنَة: "ولستُ صاحبَ مِراءٍ ولا كلامٍ، وإنَّما أنا صاحبُ آثارٍ وأخبارٍ"(19).
(16)"شرح السنة" 1/ 216.
(17)
رواه ابن أبي حتم في "آداب الشافعي" ص: 182 بسند صحيح.
(18)
رواه إسماعيل بن الفضل في "الحجة" ق 7/ ب بسند صحيح.
(19)
رواه حبل في "المحنة" ص: 54 عنه.