الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي دَفْعِ دَعْوَاهُ أَنَّ مُوَرِّثَهُ هَذَا أَعْتَقَنِي فِي مَرَضِهِ وَأَنَا أَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَأَنَا الْيَوْمَ حُرٌّ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيَّ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَادَّعَى هَذَا الْمُدَّعِي ثَانِيًا أَنِّي كُنْتُ اشْتَرَيْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ ابْنِ عَمِّي هَذَا فِي صِحَّتِهِ وَكَانَ فِيهِ جَوَابُ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ ثَانِيًا لِمَكَانِ التَّنَاقُضِ وَتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى الْإِرْثَ.
ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ فِي حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ مِنْهُ، وَهَذَا الْجَوَابُ صَحِيحٌ وَالْعِلَّةُ ظَاهِرَةٌ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي آخِرِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِي رَجُلٍ مَاتَ أَبُوهُ فَادَّعَى دَارًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَنَّهَا دَارُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِيهِ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَلَمْ يُزَكِّ بَيِّنَتَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهَا كَانَتْ دَارَ أَبِيهِ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرُهُ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالدَّارِ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ دَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ الْأَبِ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ أَوَّلًا وَبَيْنَ دَعْوَى الْإِرْثِ مِنْهُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْتُ مِنْهُ كَمَا ادَّعَيْتُ أَوَّلًا لَكِنْ عَجَزْتُ عَنْ إثْبَاتِ شِرَائِي وَبَقِيَتْ الدَّارُ عَلَى مِلْكِ أَبِي ظَاهِرًا فَصَارَتْ مِيرَاثًا لِي بِمَوْتِهِ فِي الظَّاهِرِ.
وَبِمِثْلِهِ لَوْ ادَّعَى الْإِرْثَ مِنْ الْأَبِ أَوَّلًا، ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَسْمَعُ مِنْهُ دَعْوَى الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ بَيْنَ دَعْوَى الْإِرْثِ أَوَّلًا وَبَيْنَ دَعْوَى الشِّرَاءِ ثَانِيًا تَنَاقُضًا إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: وَرِثْتُ مِنْ أَبِي كَمَا ادَّعَيْتُ أَوَّلًا فَلَمَّا عَجَزْتُ عَنْ إثْبَاتِ الْإِرْثِ اشْتَرَيْتُ مِنْهُ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُشْتَرَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ قَدْ يَصِيرُ مِيرَاثًا بِأَنْ يَنْفَسِخَ الشِّرَاءُ بَيْنَهُمَا. أَمَّا فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِأَنْ يَجِدَ بِهِ عَيْبًا فَيَرُدَّهُ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُنَاقَضَةُ لَا مَحَالَةَ، أَمَّا الْمَوْرُوثُ مِنْ الْأَبِ لَا يَصِيرُ مُشْتَرًى مِنْ جِهَتِهِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُنَاقَضَةُ.
[مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الْمِيرَاثِ]
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الْمِيرَاثِ) صُورَتُهُ رَجُلٌ مَاتَ فَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى مِيرَاثَهُ بِعُصُوبَةِ بُنُوَّةِ الْعَمِّ وَأَقَامَ الشُّهُودَ عَلَى النَّسَبِ بِذِكْرِ الْأَسَامِي إلَى الْجَدِّ، ثُمَّ إنَّ مُنْكِرَ هَذَا النَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ جَدَّ الْمَيِّتِ فُلَانٌ وَهُوَ غَيْرُ مَا أَثْبَتَ الْمُدَّعِي، هَلْ يَنْدَفِعُ بِهَذَا دَعْوَى الْمُدَّعِي وَبَيِّنَتُهُ وَكَانَ فِيهِ جَوَابُ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إنْ وَقَعَ الْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ الْأُولَى لَا تَنْدَفِعُ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ الْأُولَى لَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ بِإِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لِمَكَانِ التَّعَارُضِ، قَالَ وَهَذَا نَظِيرُ مَسْأَلَةِ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَعَتَاقِ الْعَبْدِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ قِيلَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَنْدَفِعَ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي، وَلَا تُقْبَلَ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ قُبِلَتْ إمَّا أَنْ تُقْبَلَ عَلَى إثْبَاتِ اسْمِ الْجَدِّ، وَلَا وَجْهَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تُقْبَلَ لِنَفْيِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي.
وَلَا وَجْهَ إلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي يَوْمِ كَذَا، وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَانَ فِي مَكَانِ كَذَا سَمَّى مَكَانًا آخَرَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى النَّفْيِ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى دُوَيْرَةٍ وسرايجه) وَالشُّهُودُ شَهِدُوا بِلَفْظَةِ (خانه) وَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِعِلَّةِ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ دَعْوَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى وَقَعَتْ فِي السرايجة وَالشُّهُودُ شَهِدُوا (بخانه) والسرايجه غَيْرُ وَالْبَيْتُ غَيْرُ، وَهَذَا الْجَوَابُ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بِالْعَرَبِيَّةِ وَالشَّهَادَةُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بِالْفَارِسِيَّةِ وَالشَّهَادَةُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَتَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ اسْمَ (خانه) بِالْفَارِسِيَّةِ يَنْطَلِقُ عَلَى (سرايجه) بِالْفَارِسِيَّةِ وَلَا كَذَلِكَ بِالْعَرَبِيَّةِ.
[مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى بَيْعِ السُّكْنَى]
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى بَيْعِ السُّكْنَى) عُرِضَ عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ السُّغْدِيِّ مَحْضَرٌ وَكَانَ فِيهِ بَاعَهُ بِحُدُودِهِ وَحُقُوقِهِ فَرَدَّهُ بِعِلَّةِ أَنَّ السُّكْنَى نَقْلِيٌّ وَالنَّقْلِيُّ لَا حَدَّ لَهُ.
(عُرِضَ عَلَيْهِ مَحْضَرٌ آخَرُ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ اسْمُ جَدِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) صُورَتُهُ حَضَرَ فُلَانٌ وَأَحْضَرَ مَعَ نَفْسِهِ فُلَانًا فَادَّعَى هَذَا الْحَاضِرُ عَلَى هَذَا الْمُحْضَرِ فَأَجَابَ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَاضِرًا، وَفِي الْحَاضِرِ الْإِشَارَةُ تَكْفِي، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ جَدِّهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَأَمَّا فِي الْغَائِبِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ
الْجَدِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، وَكَذَلِكَ فِي ذِكْرِ الْحُدُودِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جَدِّ صَاحِبِ الْحُدُودِ، وَكَذَلِكَ فِي تَعْرِيفِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّغْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَشْتَرِطُ ذِكْرَ الْجَدِّ، وَفِي آخِرِ عُمُرِهِ كَانَ يَشْتَرِطُ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الشُّفْعَةِ) وَكَانَ فِيهِ بَيَانُ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ الثَّلَاثَةِ فَرُدَّ بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ أَنَّ الشَّفِيعَ طَلَبَ الْإِشْهَادَ عَلَى فَوْرِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِشْهَادِ، وَأَنَّهُ أَشْهَدَ عَلَى هَذَا الْمَحْدُودِ، وَالْمَحْدُودُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْإِشْهَادُ عَلَى مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْمَحْدُودِ وَالْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ مُدَّةَ طَلَبِ الْإِشْهَادِ مُقَدَّرَةٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ عِنْدَ حَضْرَةِ أَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ، إمَّا الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَحْدُودُ وَالطَّلَبُ مِنْ الْمُشْتَرِي صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَبَضَ الدَّارَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ، وَالطَّلَبُ مِنْ الْبَائِعِ صَحِيحٌ إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ فِي يَدِهِ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الطَّلَبَ صَحِيحٌ اسْتِحْسَانًا غَيْرُ صَحِيحٍ قِيَاسًا، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ وَالنَّاطِفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَجْنَاسِهِ وَعِصَامٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَإِذَا قَصَدَ الْأَبْعَدَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَتَرَكَ الْأَقْرَبَ إنْ كَانَ الْكُلُّ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ وَعِصَامٌ فِي مُخْتَصَرِهِ؛ لِأَنَّ الْمِصْرَ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ حُكْمًا، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّهُ إذَا اجْتَازَ عَلَى الْأَقْرَبِ وَتَرَكَ الطَّلَبَ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي وَاقِعَاتِهِ، وَإِنْ كَانُوا فِي مِصْرَيْنِ أَوْ فِي أَمْصَارٍ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَعَ الشَّفِيعِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فَتَرَكَهُ وَذَهَبَ إلَى الْمِصْرِ الْآخَرِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ فِي مِصْرٍ عَلَى حِدَةٍ وَالْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ وَالدَّارُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مِصْرٍ عَلَى حِدَةٍ فَتَرَكَ الْأَقْرَبَ وَذَهَبَ إلَى الْأَبْعَدِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالُوا: تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ عِصَامٌ فِي مُخْتَصَرِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي أَجْنَاسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّفِيعَ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الذَّهَابِ إلَى الْأَقْرَبِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَلَا يَكُونُ بِالذَّهَابِ إلَى الْأَبْعَدِ مُبْطِلًا لِشُفْعَتِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ لِلْأَقْرَبِ طَرِيقَانِ فَتَرَكَ الطَّرِيقَ الْأَقْرَبَ وَذَهَبَ فِي الطَّرِيقِ الْأَبْعَدِ فَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ عِصَامٌ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ النَّاطِفِيُّ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْمِصْرَ الَّذِي فِيهِ الْأَقْرَبُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الطَّلَبِ أَنْ يَكُونَ الطَّلَبُ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الدَّارَ وَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَالْمَشْهُورُ، وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ الْكَبِيرُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الدَّارِ وَبَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَكَانَ يَقُولُ فِي الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ بِحَضْرَتِهِ، وَفِي الدَّارِ لَا يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ بِحَضْرَةِ الدَّارِ بَلْ إذَا طَلَبَ وَأَشْهَدَ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ فِي أَيِّ مَكَان أَشْهَدَ مِنْ الْمِصْرِ الَّذِي الدَّارُ فِيهِ يَصِحُّ الطَّلَبُ وَكَانَ يَقُولُ إلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَابِ شُفْعَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي مِصْرِ الشَّفِيعِ لَا يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ حَضْرَةِ الدَّارِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ، وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي فِي مِصْرِ الشَّفِيعِ يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ حَضْرَتِهِ بِالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِي الرُّجُوعِ بِثَمَنِ الْأَتَانِ عِنْدَ وُرُودِ الِاسْتِحْقَاقِ) صُورَتُهُ حَضَرَ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ بِبُخَارَى رَجُلٌ يُسَمَّى حَيْدَرَ الْحِمْيَرِيَّ وَأَحْضَرَ مَعَ نَفْسِهِ رَجُلًا يُسَمَّى عُثْمَانَ الْحِمْيَرِيَّ فَادَّعَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا
الَّذِي أَحْضَرَهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي حَضَرَ مَعِي بَاعَ مِنِّي أَتَانًا تَامَّةَ الْجُثَّةِ بِكَذَا دِرْهَمًا فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا وَإِنِّي اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ وَجَرَى التَّقَابُضُ بَيْنَنَا، ثُمَّ أَنِّي بِعْتُ هَذِهِ الْأَتَانَ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ فُلَانٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنِّي بِذَلِكَ الثَّمَنِ وَجَرَى التَّقَابُضُ بَيْنَنَا، ثُمَّ إنَّ أَحْمَدَ بَاعَ هَذِهِ الْأَتَانَ مِنْ الدِّهْقَانِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ إنَّ زَيْدًا اسْتَحَقَّ تِلْكَ الْأَتَانَ مِنْ يَد الدِّهْقَانِ عَلِيِّ بْنِ فُلَانٍ فِي مَجْلِسِ قَضَاءِ كُورَةِ نَسَفَ بَيْنَ يَدَيْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْقَاضِي مُعِينِ الدِّينِ بْنِ فُلَانٍ وَالْقَاضِي مُعِينُ الدِّينِ هَذَا يَوْمَئِذٍ قَاضِي كُورَةِ نَسَفَ وَنَوَاحِيهَا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي الْإِمَامِ عَلَاءِ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ الْمُتَوَلِّي بِعَمَلِ الْقَضَاءِ وَالْأَحْكَامِ بِكُورَةِ سَمَرْقَنْدَ وَبِأَكْثَرَ كُوَرِ الْمَمْلَكَةِ بِمَا وَرَاءِ النَّهْرِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ الَّتِي قَامَتْ عِنْدَهُ وَجَرَى الْحُكْمُ لَهُ مِنْهُ عَلَيْهِ بِهَا وَأَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ وَسَلَّمَهَا إلَى هَذَا الْمُسْتَحِقِّ، ثُمَّ جَرَى الْحُكْمُ مِنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ سَدِيدِ الدِّينِ طَاهِرٍ نَائِبِ الْحَكَمِ بِبُخَارَى مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي الْإِمَامِ صَدْرِ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُتَوَلِّي بِعَمَلِ الْقَضَاءِ بِكُورَةِ بُخَارَى وَنَوَاحِيهَا لِهَذَا الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَهُوَ الدِّهْقَانُ عَلِيٌّ بِالرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّى إلَيْهِ وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ فُلَانٍ وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ مِنْهُ بِكَمَالِهِ.
ثُمَّ جَرَى الْحُكْمُ مِنْ الْقَاضِي سَدِيدِ الدِّينِ هَذَا لِأَحْمَدَ بْنِ فُلَانٍ هَذَا بِالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَبِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّى إلَيَّ وَاسْتَرَدَّ مِنِّي الثَّمَنَ بِكَمَالِهِ وَلِي حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرْتُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّيْتُهُ إلَيْهِ، وَسَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ الْمُدَّعِي هَذَا فَأَنْكَرَ، وَقَالَ (مراباين مُدَّعِي هيج دادني نيست) فَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي شُهُودًا عَلَى دَعْوَاهُ فَاسْتَفْتَى عَنْ صِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى فَقِيلَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى خَلَلٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا - أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يَقُلْ وَكَانَ الْقَاضِي عَلَاءُ الدِّينِ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ، وَأَنَّهُ شَرْطٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ لَا يَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ، وَلَا يَصِيرُ مُعِينُ الدِّينِ قَاضِيًا. وَالثَّانِي - أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ تَارِيخَ تَقْلِيدِ الْقَاضِي مُعِينِ الدِّينِ لِيُنْظَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ عَلَاءَ الدِّينِ هَلْ كَانَ قَاضِيًا وَقْتَ تَقْلِيدِ الْقَاضِي مُعِينِ الدِّينِ لِيُنْظَرَ أَنَّهُ هَلْ صَارَ قَاضِيًا بِتَقْلِيدِهِ.
وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ هَلْ كَانَ لِقَاضِي سَمَرْقَنْدَ وِلَايَةٌ عَلَى نَسَفَ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ بِأَكْثَرَ كُوَرِ الْمَمْلَكَةِ بِمَا وَرَاءِ النَّهْرِ وَبِمَا وَرَاءِ النَّهْرِ كُوَرٌ كَثِيرَةٌ فَبِهَذَا لَا يَصِيرُ نَسَفُ مَذْكُورًا، وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ مُعِينَ الدِّينِ حَكَمَ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَا لَمْ تَكُنْ الْبَيِّنَةُ وَالْحُكْمُ بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ لَا يَصِحُّ الْحُكْمُ، وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ مُعِينَ الدِّينِ حَكَمَ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ الَّتِي قَامَتْ بِهَا عِنْدَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى إقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا مِلْكُ الْمُسْتَحِقِّ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الرُّجُوعِ أَوْ قَامَتْ عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَحِقِّ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الرُّجُوعِ وَالْحُكْمُ مُخْتَلِفٌ، ثُمَّ قَالَ: وَجَرَى الْحُكْمُ مِنْ الْقَاضِي الْإِمَام سَدِيدِ الدِّينِ نَائِبِ الْحَكَمِ بِبُخَارَى لِهَذَا الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ كَانَ ثَابِتًا عِنْدَ الْقَاضِي سَدِيدِ الدِّينِ وَالْقَاضِي سَدِيدُ الدِّينِ حَكَمَ بِفَسْخِ ذَلِكَ الْبَيْعِ.
وَهَذَا يُوجِبُ خَلَلًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ، إنَّمَا يَصِحُّ إذَا ثَبَتَ الْبَيْعُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَحَكَمَ بِفَسْخِ الْبَيْعِ، ثُمَّ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ حَكَمَ الْقَاضِي بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ أَوْ لَمْ يَحْكُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا أَنَّ الْقَاضِيَ الْإِمَامَ صَدْرَ الدِّينِ هَلْ كَانَ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي الثَّمَنَ (ودر دعوى نميكويد كه مِثْل أَيْنَ سيمها رائج است