الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِقَبْضِ الدَّيْنِ فَجَوَازُهُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا جَعْلُ الْمَقْبُوضِ قِصَاصًا بِمَالِهِ ظَاهِرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ طَرِيقَ قَضَاءِ الدَّيْنِ هَذَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، فَإِنْ قَالَ الْمَطْلُوبُ: أَخَافُ أَنْ يَقْبِضَ الطَّالِبُ مِنْ غَرِيمِي، وَيَقُولَ: ضَاعَ قَبْلَ أَنْ أَقْبِضَهُ لِنَفْسِي، وَيَكُونَ الْقَوْلُ لَهُ فِي ذَلِكَ. مَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ لَمَّا وَكَّلَ الطَّالِبَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ غَرِيمِهِ وَلَمْ يَقُلْ: اقْبِضْهُ لِنَفْسِك يَقَعُ قَبْضُ الطَّالِبِ لِلْمَطْلُوبِ أَوَّلًا ثُمَّ يَحْتَاجُ الطَّالِبُ إلَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ لِنَفْسِهِ لِيَقَعَ الْقَبْضُ لِلطَّالِبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ أَمَانَةٌ وَالْقَبْضَ لِنَفْسِهِ قَبْضُ ضَمَانٍ، وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ لِنَفْسِهِ.
وَإِذَا قَالَ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ قَبْلَ أَنْ أَقْبِضَ لِنَفْسِي فَقَدْ ادَّعَى هَلَاكَ الْأَمَانَةِ قَبْلَ إحْدَاثِ سَبَبِ الضَّمَانِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ فَإِذَا عَرَفْت تَفْسِيرَ الْمَسْأَلَةِ فَالثِّقَةُ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ الْمَطْلُوبُ غَرِيمَهُ هَذَا أَنْ يَضْمَنَ عَنْهُ الْمَالَ لِلطَّالِبِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ بِهِ أَيَّهُمَا شَاءَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَارَ الْمَالُ عَلَيْهِمَا فَإِذَا أَخَذَ الطَّالِبُ مِنْ غَرِيمِ الْمَطْلُوبِ شَيْئًا يَصِيرُ آخِذًا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ هَلَكَ يُهْلَكُ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي الصُّلْحِ]
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي الصُّلْحِ) قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حِيَلِ الْأَصْلِ: رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ يُؤَدِّيهَا إلَيْهِ فِي هِلَالِ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ مِائَتَا دِرْهَمٍ جَازَ هَذَا الصُّلْحُ فِي قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَالْوَضْعِ لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الصُّلْحِ إنَّمَا هِيَ مِنْ خَصَائِصِ كِتَابِ الْحِيَلِ، وَالْحُكْمُ فِيهَا أَنَّ الْمَطْلُوبَ إذَا أَدَّى مِائَةً فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوطِ بَرِئَ عَنْ الْبَاقِي وَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ فَعَلَيْهِ مِائَتَا دِرْهَمٍ.
وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ: (أَحَدُهَا) إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ لِلْمَدْيُونِ: حَطَطْتُ عَنْك خَمْسَمِائَةٍ لِتُؤَدِّي خَمْسَمِائَةٍ غَدًا إلَيَّ، أَوْ قَالَ: لِتُؤَدِّي إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ غَدًا وَقَبِلَ الْآخَرُ، وَذَكَرَ أَنَّ الصُّلْحَ وَالْحَطَّ جَائِزَانِ أَدَّى الْمَدْيُونُ إلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ غَدًا أَوْ لَمْ يُؤَدِّ. (الثَّانِي) إذَا قَالَ: حَطَطْتُ عَنْك خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنْ تُعَجِّلَنِي خَمْسَمِائَةٍ فَإِنْ لَمْ تُعَجِّلْ فَالْأَلْفُ عَلَيْك عَلَى حَالِهَا، وَقَبِلَ الْآخَرُ وَذَكَرَ أَنَّ الْمَدْيُونَ إنْ عَجَّلَ خَمْسَمِائَةٍ فَهُوَ بَرِيءٌ عَنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْ فَالْأَلْفُ عَلَيْهِ بِحَالِهَا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْأَلْفَ عَلَى الْمَدْيُونِ عَلَى حَالِهَا عَجَّلَ الْخَمْسَمِائَةِ أَوْ لَمْ يُعَجِّلْ، وَبِالْقِيَاسِ أَخَذَ بَعْضُ النَّاسِ.
(الثَّالِثُ) إذَا قَالَ: حَطَطْتُ عَنْك خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنْ تُعَجِّلَنِي خَمْسَمِائَةٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا فَقَالَ: عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ عَجَّلَ خَمْسَمِائَةٍ بَرِئَ عَنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْ فَالْأَلْفُ عَلَيْهِ عَلَى حَالِهَا وَبَطَلَ الصُّلْحُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ وَعَلَى الْمَطْلُوبِ خَمْسُمِائَةٍ عَجَّلَ الْخَمْسَمِائَةِ أَوْ لَمْ يُعَجِّلْ، فَهَذَا جُمْلَةُ مَا أَوْرَدَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الصُّلْحِ (جِئْنَا إلَى مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْحِيَلِ) فَصُورَتُهَا وَحُكْمُهَا مَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْحِيَلِ لَيُبَيِّنَ أَنَّ
هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الِاتِّفَاقِ لَا خِلَافَ فِيهَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الصُّلْحِ، فَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْحِيَلِ فَفِيهَا مُخَالِفٌ قِيلَ: الْمُخَالِفُ زُفَرُ، وَقِيلَ: ابْنُ أَبِي لَيْلَى.
فَإِنْ طَلَبَا حِيلَةً حَتَّى يَجُوزَ هَذَا أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ: يَحُطُّ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْمَدْيُونِ ثَمَانَمِائَةٍ يَبْقَى مِائَتَا دِرْهَمٍ فَصَالَحَهُ مِنْ هَاتَيْنِ الْمِائَتَيْنِ عَلَى مِائَةٍ يُؤَدِّيهَا إلَيْهِ فِي وَقْتِ كَذَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا صُلْحَ بَيْنَهُمَا.
وَمِثْلُ هَذَا الصُّلْحِ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فِي هَذِهِ الْحِيلَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ عَمَّا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ إلَى تَمَامِ الْمِائَتَيْنِ، أَيْضًا وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْحِيَلِ أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ السَّمَرْقَنْدِيَّة إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى شَهْرٍ فَإِنْ لَمْ يُعْطِهَا إلَى شَهْرٍ فَمِائَتَا دِرْهَمٍ فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الصُّلْحُ حَطَّا؛ لِأَنَّ الْمَحْطُوطَ مَجْهُولٌ وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ إنْ أَوْفَاهُ مِائَةً فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوطِ وَإِنْ لَمْ يُوفِهِ فَالْمَحْطُوطُ ثَمَانُمِائَةٍ، وَجَهَالَةُ الْمَحْطُوطِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْحَطِّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِيَلِ كَذَلِكَ فَيَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ.
(رَجُلٌ) مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَامْرَأَةً وَفِي أَيْدِيهِمَا دَارٌ جَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارُهُ فَصَالَحَاهُ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى مَالٍ؛ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ كَانَا صَالَحَاهُ عَلَى غَيْرِ إقْرَارٍ فَالْمَالُ عَلَيْهِمَا أَثْمَانًا وَالدَّارُ بَيْنَهُمَا أَثْمَانًا، وَإِنْ كَانَا صَالَحَاهُ عَلَى إقْرَارٍ مِنْهُمَا فَالدَّارُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَإِنْ طَلَبًا حِيلَةً حَتَّى يَكُونَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ وَتَكُونَ الدَّارُ بَيْنَهُمَا أَثْمَانًا وَالْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْمَانًا فَالْحِيلَةُ أَنْ يُصَالِحَ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا عَلَى إقْرَارٍ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَلِلِابْنِ سَبْعَةَ أَثْمَانٍ، فَإِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحَّ الصُّلْحُ وَكَانَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمَا أَثْمَانًا ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُصَالِحُ عَلَيْهِمَا بِبَدَلِ الصُّلْحِ أَثْمَانًا إنْ كَانَا أَمَرَاهُ بِالصُّلْحِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّهِمَا فَكَانَ صُلْحُهُ مُسْقِطًا دَعْوَى الْمُدَّعِي فَإِذَا سَقَطَتْ دَعْوَاهُ صَارَتْ الدَّارُ مَمْلُوكَةً لَهُمَا بِجِهَةِ الْإِرْثِ فَتَكُونُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَبَدَلُ الصُّلْحِ يَكُونُ كَذَلِكَ.
وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ حِيَلِ الْأَصْلِ وَقَالَ: الْحِيلَةُ أَنْ يُقِرَّا لِلْمُدَّعِي بِالدَّارِ ثُمَّ يُصَالِحَاهُ مِنْهَا عَلَى كَذَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ ثُمُنُ الدَّارِ وَلِلِابْنِ سَبْعَةُ أَثْمَانِ الدَّارِ، فَإِذَا صَرَّحَا بِذَلِكَ كَانَ الْمِلْكُ فِي الدَّارِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا صَرَّحَا بِهِ وَالثُّمُنُ كَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَيَا دَارًا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا ثُمُنُهَا وَلِلْآخَرِ سَبْعَةُ أَثْمَانٍ.
(رَجُلٌ) مَاتَ وَتَرَكَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ أَوْ عُرُوضًا فَأَرَادَ وَرَثَةُ الزَّوْجِ أَنْ يُصَالِحُوا الْمَرْأَةَ مِنْ حِصَّتِهَا مِنْ التَّرِكَةِ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ عَلَى دَنَانِيرَ اعْلَمْ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا تَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ: (الْأَوَّلُ) إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَقَدْ تَرَكَ الزَّوْجُ دَرَاهِمَ وَعُرُوضًا وَصُولِحَتْ عَلَى دَرَاهِمَ، إنْ كَانَ مَا أَخَذَتْ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ جَازَ وَيُجْعَلُ الْمِثْلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ بِالْمِثْلِ وَالْبَاقِي بِمُقَابَلَةِ الْعُرُوضِ، غَيْرَ أَنَّ مَا يَخُصُّ الدَّرَاهِمَ مِنْ الدَّرَاهِمِ يَكُونُ صَرْفًا فَيُشْتَرَطُ قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ مُقِرِّينَ بِالتَّرِكَةِ غَيْرَ مَانِعِينَ
لِنَصِيبِهَا مِنْ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهَا مِنْ التَّرِكَةِ أَمَانَةٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي أَيْدِيهِمْ وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ فَإِنْ صَارَ نَصِيبُهَا مَضْمُونًا عَلَى الْوَرَثَةِ بِأَنْ كَانُوا جَاحِدِينَ لِلتَّرِكَةِ أَوْ مُقِرِّينَ إلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا مَانِعِينَ نَصِيبَهَا مِنْ التَّرِكَةِ الْآنَ لَا يُحْتَاجُ إلَى قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْغَصْبِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى قَبْضِ بَدَلِ الصُّلْحِ لَا غَيْرُ.
وَإِنْ كَانَ مَا أَخَذَتْ مِثْلَ نَصِيبِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى الْعَرْضُ خَالِيًا عَنْ الْعِوَضِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَا أَخَذَتْ أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى الْعَرْضُ مَعَ بَعْضِ الدَّرَاهِمِ خَالِيًا عَنْ الْعِوَضِ فَتَعَذَّرَ تَجْوِيزُ هَذَا الصُّلْحِ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ وَتَعَذَّرَ تَجْوِيزُهُ بِطَرِيقِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ عَيْنٌ، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ. قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنَّمَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ عَلَى مِثْلِ نَصِيبِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ حَالَةَ التَّصَادُقِ، وَأَمَّا حَالَةَ الْمُنَاكَرَةِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمُنَاكَرَةِ الْمُعْطِي يُعْطِي الْمَالَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَتَفْدِيَةِ يَمِينِهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الرِّبَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ نَصِيبِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي تَرَكَهَا الزَّوْجُ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ صَحِيحٌ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ لِجَانِبِ الْفَسَادِ.
وَإِنْ صُولِحَتْ عَلَى عَرْضٍ أَوْ دَنَانِيرَ جَازَ وَإِنْ قَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ الرِّبَا فِي خِلَافِ الْجِنْسِ وَهَذَا هُوَ الْحِيلَةُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَإِنْ كَانَتْ تَرِكَةُ الزَّوْجِ دَنَانِيرَ أَوْ عُرُوضًا فَصُولِحَتْ عَلَى دَنَانِيرَ فَهُوَ عَلَى التَّفَاصِيلِ الَّتِي قُلْنَا فِي الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ صُولِحَتْ عَلَى دَرَاهِمَ جَازَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ كَانَتْ فِي تَرِكَةِ الزَّوْجِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ وَعُرُوضٌ فَصُولِحَتْ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ عَلَى دَنَانِيرَ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهَا مِنْ ذَلِكَ النَّقْدِ حَتَّى يَكُونَ الْمِثْلُ بِالْمِثْلِ مِنْ النَّقْدِ وَالْبَاقِي بِإِزَاءِ الْعُرُوضِ وَالنَّقْدِ لِلْآخَرِ، وَإِنْ صُولِحَتْ عَلَى دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ جَازَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيُصْرَفُ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَهَذَا هُوَ الْحِيلَةُ فِي هَذَا الْبَابِ، إلَّا أَنَّ مَا يَخُصُّ الدَّرَاهِمَ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَمَا يَخُصُّ الدَّنَانِيرَ مِنْ الدَّرَاهِمِ صَرْفٌ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ وَمَا يَخُصُّ الْعُرُوضَ لَيْسَ بِصَرْفٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ مُسْتَقِيمَةٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ عِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْرِفُ الْجِنْسَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ.
فَالثِّقَةُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ أَنْ يُصَالِحُوهَا مِنْ جَمِيعِ نَصِيبِهَا مِنْ جَمِيعِ تَرِكَةِ الزَّوْجِ عَلَى عَرْضٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ لَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ حِصَّتِهَا مِنْ جُمْلَةِ التَّرِكَةِ وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ جَوَازَ هَذَا الصُّلْحِ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ هَذَا بَيْعٌ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ وَبَيْعُ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مِقْدَارَهُ إذَا كَانَ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ جَائِزٌ، أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَوْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهُ شَيْئًا ثُمَّ إنَّ الْمُقِرَّ اشْتَرَى ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَا لَا يَعْرِفَانِ مِقْدَارَهُ كَذَا هُنَا، فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ مَجْهُولَةً لَا يُدْرَى مَا هِيَ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ
كِتَابِ الشُّرُوطِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الرِّبَا بِأَنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَنَصِيبُهَا مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ بَدَلِ الصُّلْحِ أَوْ أَكْثَرُ.
وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الصُّلْحِ وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهَا مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ بَدَلِ الصُّلْحِ أَوْ أَقَلَّ فَيَكُونُ فِيهِ احْتِمَالُ الِاحْتِمَالِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ عَقَارًا وَأَرَاضِيَ وَحَيَوَانًا وَأَمْتِعَةً وَكُلُّ ذَلِكَ فِي أَيْدِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إلَّا أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَدْرِي مَا هُوَ فَصَالَحَهُمْ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ جَازَ وَقَدْ مَرَّ جِنْسُ هَذَا. (الْوَجْهِ الثَّانِي) إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ فَإِنْ أَدْخَلُوا الدَّيْنَ فِي الصُّلْحِ بِأَنْ صَالَحُوهَا مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ عَلَى مَالٍ أَوْ صَالَحُوهَا عَلَى أَنْ تَأْخُذَ هِيَ الدَّيْنَ مِنْ الْغَرِيمِ وَتَتْرُكَ حَقَّهَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَمَتَى فَسَدَ الصُّلْحُ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ فَسَدَ فِي حِصَّةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ، وَإِنْ لَمْ يُدْخِلُوا الدَّيْنَ فِي الصُّلْحِ صَحَّ الصُّلْحُ عَنْ بَاقِي التَّرِكَةِ وَبَقِيَ الدَّيْنُ عَلَى الْغَرِيمِ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَهَذَا نَوْعُ حِيلَةٍ فِي تَصْحِيحِ هَذَا الصُّلْحِ أَنْ يَسْتَثْنُوا الدَّيْنَ وَيَذْكُرُوا فِي الْوَثِيقَةِ مَا خَلَا الدَّيْنَ، وَإِنْ أَرَادُوا إدْخَالَ الدَّيْنِ فِي الصُّلْحِ فَالْوَجْه أَنْ تَسْتَقْرِضَ الْمَرْأَةُ مِنْ الْوَرَثَةِ مِثْلَ نَصِيبِهَا مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ تُحِيلَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْغَرِيمِ لِيُعْطِيَهُمْ مِنْ نَصِيبِهَا وَيَقْبَلَ الْغَرِيمُ ذَلِكَ، ثُمَّ يُصَالِحُونَهَا عَنْ بَقِيَّةِ الْمَالِ فَيَصِيرَ جَمِيعُ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ مِلْكًا لَهُمْ أَوْ يُعَجِّلُوا لِلْمَرْأَةِ نَصِيبَهَا يَعْنِي الْوَرَثَةَ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مُتَطَوِّعِينَ عَنْ الْغَرِيمِ، فَإِنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ عَنْ غَيْرِهِ مُتَطَوِّعًا جَائِزٌ ثُمَّ يُصَالِحُونَهَا عَمَّا بَقِيَ فَالْإِقْرَاضُ أَنْفَعُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ، حَتَّى أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَصِلُوا إلَى حَقِّهِمْ مِنْ الدُّيُونِ يَرْجِعُونَ بِمَا أَدَّوْا عَلَى الْمَرْأَةِ، أَمَّا لَوْ عَجَّلُوا نَصِيبَهَا مُتَطَوِّعِينَ لَا يَصِلُونَ إلَى مَا أَدَّوْا لَا مِنْ جِهَةِ الْغَرِيمِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا رُجُوعَ لِلْمُتَطَوِّعِ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ أَبَتْ الْوَرَثَةُ أَنْ يُقْرِضُوا نَصِيبَهَا مِنْ الدَّيْنِ فَالْحِيلَةُ أَنْ تَسْتَقْرِضَ نَصِيبَهَا مِنْ الدَّيْنِ مِنْ رَجُلٍ وَيُعَجَّلُ نَصِيبُهَا مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ يُصَالِحُونَهَا مِنْ الْمَالِ الْعَيْنِ، فَإِنْ أَبَى الْغَرِيمُ أَنْ يُقْرِضَ نَصِيبَهَا فَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ الْوَرَثَةُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَرَضًا مِنْ عُرُوضِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسِينَ الَّذِي هُوَ نَصِيبُهَا وَقَدْ يَفْعَلُ الْوَارِثُ هَذَا لِأَجْلِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ صِحَّةُ الصُّلْحِ وَخُرُوجُهَا مِنْ الْبَيْنِ ثُمَّ تُحِيلُ الْمَرْأَةُ بِثَمَنِ ذَلِكَ الْعَرْضِ عَلَى الْغَرِيمِ ثُمَّ يُصَالِحُونَهَا مِنْ الْمَالِ الْعَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تُجِيبُ إلَى ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يُتْوَى الْمَالُ عَلَى الْغَرِيمِ وَيَرْجِعُ الْوَارِثُ عَلَيْهَا بِثَمَنِ الْعَرَضِ فَالْحِيلَةُ أَنْ تُقِرَّ الْمَرْأَةُ بِاسْتِيفَاءِ نَصِيبِهَا مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْغَرِيمِ.
وَتَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهَا بِالِاسْتِيفَاءِ ثُمَّ يُصَالِحُونَهَا مِنْ الْمَالِ الْعَيْنِ عَلَى مَا وَصَفْنَا، وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ هِشَامٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي نَوَادِرِهِ: قُلْت لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: مَا نَقُولُ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدٍ لَهُ سَنَةً فَمَاتَ الْمُوصِي فَأَرَادَ الْوَارِثُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمُوصَى لَهُ وَصِيَّتَهُ فِي الْعَبْدِ؟ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ لَا يُورَثُ حَقُّ وَصِيَّتِهِ كَمَا لَا يُورَثُ حَقُّ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ وَلِأَنَّ حَقَّهُ لَا مَالِيَّةَ لَهُ وَلَا ثَمَنَ، وَعَقْدُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَقْدٌ خَاصٌّ يَرِدُ عَلَى مَالِهِ ثَمَنٌ وَلَهُ مَالِيَّةٌ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا: إنَّ