الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالِاتِّفَاقِ - فَالْحِيلَةُ أَنْ يَجْعَلَهُمْ أَوْصِيَاءَ فِي جَمِيعِ تَرِكَاتِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ فَهُوَ وَصِيٌّ فِي جَمِيعِ تَرِكَاتِهِ، وَعَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقُومَ بِوَصِيَّتِهِ وَتَنْفِيذِ أَمْرِهِ فِيهَا، فَإِذَا فَعَلَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَصِيًّا عَامًا مُنْفَرِدًا بِالتَّصَرُّفِ بِالِاتِّفَاقِ اعْتِبَارًا لِشَرْطِ الْمُوصِي، فَإِنْ أَرَادَ الْمُوصِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْصِيَاءِ وَصِيًّا فِيمَا أُوصِيَ إلَيْهِ خَاصَّةً لَا يَدْخُلُ مَعَ الْآخَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَقَاوِيلِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْت إلَى فُلَانٍ فِي مَالِي بِبَغْدَادَ خَاصَّةً دُونَ مَا سِوَاهَا مِنْ الْبُلْدَانِ وَأَوْصَيْت إلَى فُلَانٍ آخَرَ فِي مَالِي بِالشَّامِ دُونَ مَا سِوَاهَا مِنْ الْبُلْدَانِ، فَإِذَا قَالَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَتَخَصَّصُ وِصَايَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْصِيَاءِ بِالْمَالِ الَّذِي فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ لِهَذَا الْوَصِيِّ بِالِاتِّفَاقِ اعْتِبَارًا لِشَرْطِ الْمُوصِي.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فِي هَذِهِ الْحِيلَةِ نَوْعُ نَظَرٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " أَوْصَيْت إلَى فُلَانٍ " لَفْظٌ عَامٌّ يَقْتَضِي ثُبُوتَ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ لِفُلَانٍ عَامًّا ثُمَّ تَخْصِيصُهُ بِمَالِهِ بِبَغْدَادَ يَكُونُ فِي مَعْنَى الْحَجْرِ الْخَاصِّ، وَالْحَجْرُ الْخَاصُّ إذَا وَرَدَ عَلَى الْإِذْنِ الْعَامِّ لَا يُعْتَبَرُ فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِي الْمَأْذُونِ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ إذْنًا عَامًّا ثُمَّ حَجَرِ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ التِّجَارَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْحَجْرُ، كَذَا هُنَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ التَّخْصِيصُ وَيَصِيرَ وَصِيًّا عَامًّا. وَمَسْأَلَةٌ أُخْرَى يَتَرَدَّدُ فِيهَا الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مَنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَجَعَلَهُ قَيِّمًا فِيمَا لَهُ عَلَى النَّاسِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ قَيِّمًا فِيمَا لِلنَّاسِ عَلَيْهِ، بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ هَذَا التَّقْيِيدُ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَيَصِيرُ وَصِيًّا فِي الْكُلِّ فَعُلِمَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْحِيلَةِ نَوْعَ شُبْهَةٍ.
(أَوْصَى) إلَى رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْبَلْ وَصِيَّتَهُ فَفُلَانٌ رَجُلٌ آخَرُ وَصِيُّهُ فَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ نِيَابَةٌ فَصَارَتْ كَالْوَكَالَةِ ثُمَّ التَّوْكِيلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزٌ، إلَّا أَنْ يَعْزِلَهُ غَيْرَ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَعْلَمْ وَالْوَصِيُّ يَنْعَزِلُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَزْلِ وَالْفَرْقُ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
[الْفَصْلُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي أَفْعَالِ الْمَرِيضِ]
(الْفَصْلُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي أَفْعَالِ الْمَرِيضِ) قَالَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: مَرِيضٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِدَيْنِهِ فَقَدْ عُرِفَ مِنْ أَصْلِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ لَا يَصِحُّ، فَالْحِيلَةُ الَّتِي تَتَأَتَّى فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ أَنْ يُقِرَّ الْمَرِيضُ بِالدَّيْنِ لِأَجْنَبِيٍّ يَثِقُ بِهِ وَيَأْمُرَ الْأَجْنَبِيَّ حَتَّى يَقْبِضَ وَيَدْفَعَهُ إلَى الْوَارِثِ، وَإِنْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ: أَخَافُ أَنْ يُحَلِّفَنِي الْحَاكِمُ بِاَللَّهِ هَذَا الدَّيْنُ وَاجِبٌ لَك عَلَى الْمَيِّتِ وَمَا أَبْرَأْت الْمَيِّتَ مِنْهُ وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى مَا يَسْتَحْلِفُ عَلَيْهِ غُرَمَاءَ الْمَيِّتِ فَلَا يَجُوزُ لِي أَنْ أَحْلِفَ عَلَيْهِ، فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَأْمُرَ الْمَرِيضُ هَذَا الْأَجْنَبِيَّ حَتَّى يَبِيعَ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ يَعْنِي مَالَ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْمَرِيضِ، فَإِذَا بَاعَهُ وَقَبِلَ الْوَارِثُ ذَلِكَ صَارَ دَيْنُ الْوَارِثِ عَلَى الْمَرِيضِ لِلْأَجْنَبِيِّ فَإِذَا حَلَّفَهُ الْحَاكِمُ كَانَ حَلِفُهُ عَلَى أَمْرٍ صَحِيحٍ.
ثُمَّ ذَكَرَ
الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُ الْأَجْنَبِيَّ الْمُقَرَّ لَهُ بِالدَّيْنِ بِاَللَّهِ هَذَا الدَّيْنُ وَاجِبٌ لَك عَلَى الْمَيِّتِ وَمَا أَبْرَأْته مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِهَذِهِ الْيَمِينِ طَالِبٌ هُنَا وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ هُنَا إنَّمَا تَقَعُ لِلْمَيِّتِ وَالْقَاضِي نَائِبُ الْمَيِّتِ فَيُحَلِّفُهُ احْتِيَاطًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا طَالِبٌ وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: كُنَّا عَرَفْنَا أَنَّ الدَّيْنَ إذَا تَقَادَمَ وُجُوبُهُ حَتَّى يُتَوَهَّمَ سُقُوطُهُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ فَغَرِيمُ الْمَيِّتِ يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا سَقَطَ دَيْنُك وَلَا بَعْضُهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَكُنَّا نَظُنُّ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي هُوَ قَرِيبٌ إلَى الْمَوْتِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ الْغَرِيمُ بَلْ يُعْطَى حَقَّهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوَاضِعَ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِالدُّيُونِ لِلْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُمْ يُعْطُونَ ذَلِكَ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْيَمِينُ. وَالْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ الْيَمِينَ هُنَا فَهَذَا شَيْءٌ اُسْتُفِيدَ مِنْ جِهَتِهِ،
قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَجْنَبِيِّ شَيْءٌ يَبِيعُهُ مِنْ الْوَارِثِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَهَبَ الْوَارِثُ لِلْأَجْنَبِيِّ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ ثُمَّ يَبِيعَ الْأَجْنَبِيُّ تِلْكَ الْعَيْنَ بَعْدَمَا قَبَضَ مِنْ الْوَارِثِ بِدَيْنِهِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا وَحِيلَةٌ أُخْرَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُحْضِرَ الْوَارِثُ مَتَاعًا أَوْ شَيْئًا تَكُونُ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْمَرِيضِ وَيَبِيعَ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنْ الْمَرِيضِ بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ مِنْ الشُّهُودِ بِكَذَا وَكَذَا يُسَلِّمُهُ إلَيْهِ، فَيَصِيرُ مَالُ الْوَارِثِ دَيْنًا عَلَى الْمَرِيضِ بِالْبَيِّنَةِ، ثُمَّ الْمَرِيضُ يَهَبُ تِلْكَ الْعَيْنَ مِنْ إنْسَانٍ لَا يُعْرَفُ سِرًّا ثُمَّ الْمَوْهُوبُ لَهُ يَهَبُ تِلْكَ الْعَيْنَ مِنْ الْوَارِثِ فَيَرْجِعُ إلَى الْوَارِثِ مَتَاعُهُ وَيَصِيرُ مَالُ الْوَارِثِ دَيْنًا عَلَى الْمَرِيضِ بِالْبَيِّنَةِ فَيَسْتَوْفِي الْوَارِثُ ذَلِكَ مِنْ الْمَرِيضِ كَالْأَجْنَبِيِّ وَقَالُوا: هَذِهِ حِيلَةٌ حَسَنَةٌ، إلَّا أَنَّ فِيهَا نَوْعُ شُبْهَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ فِيهِ وُجُوبُ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَبِالْبَيْعِ يَجِبُ دَيْنٌ آخَرُ وَالْوَارِثُ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ الْحَادِثَ الَّذِي ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَلَمْ يَسْتَوْفِ ذَلِكَ الدَّيْنَ الَّذِي ثَبَتَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِذَا بَقِيَ ذَلِكَ الدَّيْنُ فِي التَّرِكَةِ لَا يَحِلُّ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ الِانْتِفَاعُ بِالتَّرِكَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَهَذِهِ تَصْلُحُ حِيلَةً فِي الظَّاهِرِ لَا فِي الْبَاطِنِ، وَكَأَنَّ الْخَصَّافَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الظَّاهِرِ، ثُمَّ إنَّ الْخَصَّافَ قَالَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْحِيلَةِ: يَبِيعُ الْوَارِثُ مَتَاعًا مِنْ الْمَرِيضِ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شِرَاءَ الْمَرِيضِ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِ الْوَارِثِ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ. وَهَكَذَا ذَكَرِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ فِي بَابِ مُزَارَعَةِ الْمَرِيضِ مَسْأَلَةَ الْمَرِيضِ يَشْتَرِي عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِ وَارِثِهِ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ جَمِيعًا وَأَحَالَهُ إلَى بَابِ إقْرَارِ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ مِنْ كِتَابِ الْمَأْذُونِ الْكَبِيرِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَحِيلَةٌ أُخْرَى لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَذْكُرْهَا الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهِيَ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى قَاضٍ يَرَى الْإِقْرَارَ لِلْوَارِثِ بِالدَّيْنِ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ اخْتِلَافًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ هَذَا الْإِقْرَارُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ، فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْجَوَازِ يَصِيرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ.