الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى حَالِهَا، فَإِذَا مَاتَ فَهَذِهِ الصَّدَقَةُ نَافِذَةٌ عَلَى سَبِيلِهَا وَيُلْحِقُ بِآخِرِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ أَنْ يَبِيعَ هَذَا الْوَقْفَ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ وَيَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهِ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ يَكْتُبُ، وَلِهَذَا الْوَاقِفِ أَنْ يَبِيعَ هَذَا الْوَقْفَ الْمُسَمَّى فِيهِ وَمَا أَحَبَّ مِنْهُ إنْ رَأَى بَيْعَهُ أَصْلَحَ وَيَصْرِفَ ثَمَنَهُ إلَى شِرَاءِ شَيْءٍ آخَرَ هُوَ أَصْلَحُ لِلْوَقْفِ فَيَجْعَلُهُ مَكَانَهُ، وَيُلْحِقُ بِآخِرِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ التَّغْيِيرُ وَالتَّبْدِيلُ يَكْتُبُ وَلِهَذَا الْوَاقِفِ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ مَصَارِفِ هَذَا الْوَقْفِ لِمَنْ شَاءَ نُقْصَانَهُ وَيَزِيدَ فِيهِ مَنْ شَاءَ زِيَادَتَهُ وَيُخْرِجَ مِنْهُمْ مَنْ شَاءَ وَيُدْخِلَ مَكَانَهُ مَنْ أَحَبَّ وَيُعِيدَ مَنْ أَخْرَجَهُ إنْ أَحَبَّ يَعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِ.
وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِمَّنْ يَقُومُ بِهَذَا الْوَقْفِ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مَا خَلَاهُ، فَإِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ وَلَمْ يُغَيِّرْ مِنْ هَذَا الْوَاقِفِ شَيْئًا وَلَمْ يُبَدِّلْ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى مَا فِيهِ أَحَدًا وَلَمْ يُنْقِصْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَلَمْ يُدْخِلْ فِيهِمْ أَحَدًا وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْهُمْ أَحَدًا فَهَذَا الْوَقْفُ وَقْفٌ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي جَعَلَهَا عَلَيْهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُغَيِّرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَيَّرَ شَيْئًا، ثُمَّ حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ فَهُوَ عَلَى مَا عَلَيْهِ يَوْمَ يَمُوتُ الْوَاقِفُ هَذَا.
(صُورَةُ كِتَابَةِ جَرَيَانِ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ) يَكْتُبُ عَلَى ظَهْرِ صَكِّ الْوَقْفِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ يَقُولُ الْقَاضِي فُلَانٌ الْمُتَوَلِّي لِعَمَلِ الْقَضَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَالْأَوْقَافِ بِكُورَةِ كَذَا وَنَوَاحِيهَا نَافِذُ الْقَضَاءِ وَالْإِمْضَاءِ وَالْإِنَابَةِ فِيهَا بَيْنَ أَهْلِهَا أَدَامَ اللَّهُ تَعَالَى تَوْفِيقَهُ حَكَمْت بِصِحَّةِ هَذَا الْوَقْفِ الْمُبَيَّنِ الْمَوْصُوفِ فِي بَطْنِ هَذَا الصَّكِّ وَجَوَازِهِ وَلُزُومِهِ وَنَفَاذِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ فِي جَمِيعِ مَا بُيِّنَ مَوْضِعُهُ وَحُدُودُهُ فِيهِ مِنْ الْحَوَانِيتِ وَالرِّبَاطِ وَالْخَانِ وَالْحَمَّامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِجَمِيعِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَبْنِيَةِ فِي عُلُوِّهِ وَسُفْلِهِ مِنْ الْحُجُرَاتِ وَالْمَنَازِلِ وَالصَّنِّ وَالْمَرَابِطِ عَلَى السُّبُلِ وَالْوُجُوهِ وَالشَّرَائِطِ الْمَذْكُورَةِ الْمَشْرُوطَةِ الْمَشْرُوحَةِ فِيهِ عَمَلًا بِقَوْلِ مَنْ يَرَى صِحَّةَ هَذَا الْوَقْفِ وَجَوَازَ هَذَا الصَّدَقَةِ بِشُرُوطِهَا وَسُبُلِهَا الْمُبَيَّنَةِ الْمُفَسَّرَةِ فِيهِ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ بَعْدَ خُصُومَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ مُعْتَبَرَةٍ جَرَتْ بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الْوَاقِفِ الْمُسَمَّى فِيهِ وَبَيْنَ مَنْ خَاصَمَهُ فِيهِ مِمَّنْ لَهُ حَقُّ الْمُخَاصَمَةِ فِي جَوَازِ هَذَا الْوَقْفِ وَصِحَّتِهِ فِيمَا وَقَفَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ وَجَوَابُهُ بِالْإِنْكَارِ لِصِحَّتِهِ وَجَوَازِهِ وَمَيْلِهِ إلَى جِهَةِ الْفَسَادِ حُكْمًا أَبْرَمْته وَقَضَاءً نَفَذْته وَأَمْضَيْت الْحُكْمَ بِهِ وَأَحْكَمْته عَلَى هَذَا الْوَاقِفِ بِحَضْرَتِهِ فِي وَجْهِهِ وَفِي وَجْهِ مَنْ خَاصَمَهُ فِيهِ، بَعْدَ مَا عَرَفْت مَوَاضِعَ الِاخْتِلَافِ وَوَقَعَ اجْتِهَادِي عَلَى هَذَا وَكَلَّفْت هَذَا الْوَاقِفَ قَصْرَ يَدِهِ عَنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْمَحْدُودَاتِ وَتَسْلِيمَهَا إلَى هَذَا الْقَيِّمِ الْمُسَمَّى فِيهِ وَتَرْكَ التَّعَرُّضِ لَهُ فِيهِ بِمَا يُخَالِفُ مُقْتَضَى الصِّحَّةِ وَالْجَوَازِ لِهَذَا الْوَقْفِ وَهَذِهِ الصَّدَقَةِ.
وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَجْلِسِ قَضَائِي بِكُورَةِ كَذَا وَأَمَرْت بِكِتَابَةِ هَذَا السِّجِلِّ عَلَى ظَهْرِ هَذَا الصَّكِّ حُجَّةً لَهُ فِي ذَلِكَ وَأَشْهَدْت عَلَيْهِ مَنْ حَضَرَنِي مِنْ الثِّقَاتِ بِتَارِيخِ كَذَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
[الْفَصْل السَّابِع وَالْعُشْرُونَ فِي رسوم الحكام]
(الْفَصْلُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي رُسُومِ الْحُكَّامِ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ) فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ أَوَّلُ مَا يُبْدَأُ بِهِ مِنْ رُسُومِ الْحُكَّامِ كِتَابَةُ الْمَنَاشِيرِ فَإِنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ عَبَّادٍ كَانَ إذَا خَطَبَ إلَيْهِ إنْسَانٌ عَمَلًا أَلْقَى إلَيْهِ الْبَيَاضَ وَقَالَ اُكْتُبْ عَهْدَ هَذَا الْعَمَلِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ قَلَّدَهُ وَإِلَّا نَحَّاهُ عَنْ مَجْلِسِهِ قَالَ الْحَاكِمُ السَّمَرْقَنْدِيُّ إنْ أَرَدْت كِتَابَةَ الْمَنْشُورِ كَتَبْت هَذَا مَا عَهِدَ إلَيْهِ فُلَانٌ إلَى فُلَانٍ حِينَ عَرَفَ عِلْمَهُ وَدِيَانَتَهُ وَنَزَاهَتَهُ وَصِيَانَتَهُ وَامْتَحَنَهُ عَلَى الْأَيَّامِ وَاخْتَبَرَهُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ فَوَجَدَهُ سَالِكًا سُبُلَ الْأَخْيَارِ مُنْتَهِجًا طُرُقَ الْأَبْرَارِ لَمْ تُعْرَفْ لَهُ زَلَّةٌ وَلَمْ تُذْمَمْ مِنْهُ خُلَّةٌ فَاعْتَمَدَهُ وَقَلَّدَهُ عَمَلَ الْحُكُومَةِ بِكُورَةِ كَذَا أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَعَلَا
مَظْهَرًا وَمَبْطَنًا وَخِيفَتَهُ مُسِرًّا وَمُعْلِنًا فَإِنَّهَا أَنْفَعُ مَا قُدِّمَ مِنْ زَادٍ وَأَحْسَنُ مَا اُدُّخِرَ مِنْ عَتَادٍ.
وَاَللَّهُ تبارك وتعالى يَقُولُ {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128] وَأَمَرَهُ أَنْ يُوَاظِبَ عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ مُتَدَبِّرًا حِجَجَهُ الطَّاهِرَةَ مُتَأَمِّلًا أَدِلَّتَهُ الْبَاهِرَةَ فَإِنَّهُ عَمُودُ الْحَقِّ وَمِنْهَاجُ الصِّدْقِ، وَبَشِيرُ الثَّوَابِ وَنَذِيرُ الْعِقَابِ وَالْكَاشِفُ لِمَا اسْتَبْهَمَ وَالْمُنَوِّرُ لِمَا أَظْلَمَ وَاَللَّهُ تبارك وتعالى يَقُولُ {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] وَأَمَرَهُ بِدِرَاسَةِ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَآثَارِهِ وَتَعَهُّدِ أَحَادِيثِهِ وَأَخْبَارِهِ مُنْتَهِيًا إلَى حُكْمِهِ وَوَصَايَاهُ مُؤْتَسِيًا بِخَلَائِقِهِ وَسَجَايَاهُ فَإِنَّهُ الدَّاعِي إلَى الْهُدَى الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى فَمَنْ ائْتَمَرَ بِأَوَامِرِهِ غَنِمَ وَمَنْ انْزَجَرَ عَنْ مَزَاجِرِهِ سَلِمَ، وَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ عز وجل طَاعَتَهُ بِطَاعَتِهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ، وَجَعَلَ الْعَمَلَ بِقَوْلِهِ كَالْعَمَلِ بِخِطَابِهِ وَأَمَرَهُ بِمُجَالَسَةِ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ وَمُدَارَسَةِ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْفَهْمِ وَمُشَاوَرَتِهِمْ فِيمَا يُقَدِّرُهُ وَيُمْضِيهِ فَإِنَّهُ لَا مُبَرَّأَ مِنْ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَلَا أَمْنَ مِنْ الزَّلَلِ وَالسَّقَطِ، وَأَنَّ الشُّورَى نِتَاجُ الْأَلْبَابِ وَالْمُبَاحَثَةُ رَائِدُ الصَّوَابِ وَاسْتِظْهَارُ الْمَرْءِ عَلَى رَأْيِهِ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَاسْتِنَارَتُهُ بِعَقْلِ أَخِيهِ مِنْ حَزَامَةِ التَّدْبِيرِ.
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَعَلَا بِذَلِكَ أَوْلَى الْبَشَرِ بِالْإِصَابَةِ فَقَالَ لِرَسُولِهِ الْكَرِيمِ فِي كِتَابِهِ الْحَكِيمِ {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159] وَأَمَرَهُ بِفَتْحِ الْبَابِ وَرَفْعِ الْحِجَابِ وَالْبُرُوزِ لِلْخُصُومِ وَإِيصَالِهِمْ إلَيْهِ عَلَى الْعُمُومِ وَالنَّظَرِ بَيْنَ الْمُتَحَاكِمِينَ بِالسَّوِيَّةِ وَالْعَدْلِ فِيهِمْ عِنْدَ الْقَضِيَّةِ وَأَنْ لَا يُفَضِّلَ خَصْمًا عَلَى صَاحِبِهِ فِي لَحْظٍ وَلَا لَفْظٍ وَلَا يُقَوِّيهِ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ.
إذَا كَانَ اللَّهُ عز وجل جَعَلَ الْحُكْمَ مِيزَانَ الْقِسْطِ وَالْعَدْلِ فِي الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ وَسَوَّى بَيْنَ الدَّنِيءِ وَالشَّرِيفِ وَأَخَذَ بِهِ الْقَوِيَّ لِلضَّعِيفِ بِقَوْلِهِ تبارك وتعالى {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ} [ص: 26] وَأَمَرَهُ إذَا تَرَافَعَ إلَيْهِ الْمُتَحَاكِمَانِ أَنْ يَطْلُبَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا فِي نَصِّ الْكِتَابِ.
فَإِنْ عَدِمَهُ هُنَاكَ طَلَبَهُ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ الْقَوِيمَةِ وَالْآثَارِ الصَّحِيحَةِ السَّلِيمَةِ.
فَإِنْ فَقَدَهُ هُنَاكَ ابْتَغَاهُ فِي إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهِ إجْمَاعًا اجْتَهَدَ رَأْيَهُ بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ غَايَةَ الْوُسْعِ فِي التَّحَرِّي فَإِنَّهُ مَنْ أَخَذَ بِالْكِتَابِ اهْتَدَى وَمَنْ اتَّبَعَ السُّنَّةَ نَجَا وَمَنْ تَمَسَّك بِالْإِجْمَاعِ سَلِمَ مِنْ الْخَطَأِ وَمَنْ اجْتَهَدَ فَقَدْ أَعْذَرَ وَاَللَّهُ تبارك وتعالى يَقُولُ {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] وَأَمَرَهُ بِالتَّثَبُّتِ فِي الْحُدُودِ وَالِاسْتِظْهَارِ فِيهَا بِتَعْدِيلِ الشُّهُودِ وَأَنْ يُحْتَرَسَ مِنْ عَجَلٍ يُزْهِقُ الْحُكْمَ عَنْ الْمَوْقِعِ الصَّحِيحِ أَوْ رَيْثٍ يَزْجُرُهُ عِنْدَ الْوُضُوحِ حَتَّى يَقِفَ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ وَيَمْضِيَ عِنْدَ الِاتِّجَاهِ وَلِيَكُنْ عَلَى يَقِينٍ بِأَنْ لَا هَوَادَةَ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَسْتَخِفَّهُ عَجَلَةٌ إلَى بَرِيءٍ وَلَا تَأْخُذَهُ رَأْفَةٌ بِمُسِيءٍ فَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229] وَأَمَرَهُ بِتَصَفُّحِ أَحْوَالِ مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ فَيَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ كَانَ طَيِّبًا بَيْنَ النَّاسِ ذِكْرُهُ مَشْهُورًا فِيهِمْ سَيْرُهُ مَنْسُوبًا إلَى الْعِفَّةِ وَالظَّلَفِ مَعْرُوفًا بِالنَّزَاهَةِ وَالْأَنَفِ سَلِيمًا مِنْ شَائِنِ الطَّمَعِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْتَاطَ عَلَى أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ بِثِقَاتِ الْأُمَّةِ وَيَكِلَهَا إلَى الْحَفَظَةِ الْأَعْفَاءِ وَيَرْعَاهُمْ فِي ذَلِكَ عَيْنًا وَيَكْلَؤُهُمْ بِهِمَّةٍ يَقْظَى.
وَأَمَرَهُ أَنْ يُوَلِّيَ مَا يَجْرِي فِي عَمَلِهِ مِنْ الْوُقُوفِ إلَى قَوْمٍ يُحْسِنُونَ تَدْبِيرَهَا وَيَضْبِطُونَ الْقِيَامَ عَلَى
مَصَالِحِهَا وَيَكُونُونَ مَأْمُونِينَ عَلَى أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا وَيَجْنُونَ ارْتِفَاعَهَا مِنْ حِلِّهِ وَيَصْرِفُونَهُ فِي سُبُلِهِ وَيَتْبَعُونَ مَا شَرَطَ وَاقِفُوهَا فِي مُزَارَعَاتِهَا وَإِجَارَاتِهَا وَيُحْتَذَوْنَ مَا رَسَمُوهُ فِي اسْتِغْلَالِهَا وَعِمَارَاتِهَا وَلَا يُخَلِّيَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ اقْتِفَاءِ الْأَثَرِ وَالْإِشْرَافِ وَالنَّظَرِ.
وَأَمَرَهُ بِتَزْوِيجِ الْأَرَامِلِ وَالْيَتَامَى مِنْ أَكْفَائِهَا عِنْدَ فَقْدِ أَوْلِيَائِهَا وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْتَارَ كَاتِبًا عَالِمًا بِالْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ مُطَّلِعًا عَلَى عِلْمِ الدَّعَاوَى وَالْقُضَاةِ قَيِّمًا عَلَى حِفْظِ الشُّرُوطِ وَالْعُهُودِ عَارِفًا بِكِتَابَةِ الْعُقُودِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَسَلَّمَ مَا تَحَقَّقَ إعْمَالَهُ مِنْ دِيوَانِ الْقَضَاءِ عَلَى ثَبَتَ مَا فِيهِ مِنْ الْوَثَائِقِ وَالسِّجِلَّاتِ وَالْمَحَاضِرِ وَالْوَكَالَاتِ وَأَسْمَاءِ الْمُحْبِسِينَ وَأَنْ يُوَكِّلَ بِهَا مِنْ الْخُزَّانِ مَنْ يَرْتَضِيهِ وَيَتَفَرَّسُ الْخَيْرَ فِيهِ، ثُمَّ يَقُولُ الْكَاتِبُ هَذَا عَهْدُ فُلَانٍ إلَيْك وَعَلَيْك وَهَادِيك إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ وَحَادِيك إلَى طَرِيقِ السَّدَادِ وَقَدْ أَعْذَرَ فِيهِ وَأَنْذَرَ وَبَصَّرَ وَحَذَّرَ فَاجْعَلْ عَهْدَهُ إمَامًا تَقْتَضِيهِ وَمِثَالًا تَحْتَذِيهِ وَقَدِّمْ التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ وَالثِّقَةَ بِمَا عِنْدَهُ فِي اسْتِدَامَةِ التَّوْفِيقِ مِنْهُ وَاسْتِدْعَاءِ النِّعَمِ بِشُكْرِهِ يَزِدْك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ الَّذِي يَلِي هَذَا قَبْضُ الْقَاضِي الْمُوَلَّى دِيوَانَ مَنْ قَبْلَهُ مِنْ الْحُكَّامِ وَتَرْتِيبُ الْإِضْبَارَاتِ وَالرِّقَاعِ وَهَذَا عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ فِي بَابِ قَبْضِ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ، ثُمَّ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْقَاضِي رُسُومَ التَّوْقِيعَاتِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى صُدُورِ الْحُجَجِ وَأَعْجَازِهَا وَهِيَ عَلَى سِتَّةِ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا تَوْقِيعُهُ عَلَى صُدُورِ السِّجِلَّاتِ وَكُتُبِ التَّزْوِيجِ وَاخْتِيَارِ الْقَوَّامِ وَكُتُبِ التَّوَسُّطِ وَالتَّقْلِيدَاتِ وَذِكْرِ الْحَجْرِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَضْلِ وَالتَّفْلِيسِ وَالْإِحْضَارِ وَهُوَ عَلَى اخْتِيَارِ الْقُضَاةِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ تَوْقِيعٌ نَحْوُ بِاَللَّهِ أَعْتَصِمُ مِمَّا يَصِمُ يَقِينِي بِاَللَّهِ يَقِينِي أَمِنَ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ الْحَقُّ مَفْرُوضٌ وَالْبَاطِلُ مَرْفُوضٌ الْحَمْدُ ثَمَنُ الْجَنَّةِ وَالشُّكْرُ قَيْدُ النِّعْمَةِ التَّثَبُّتُ طَرِيقُ الْإِصَابَةِ الطَّمَعُ قَرِينُ النَّدَامَةِ الْأَنْفَاسُ خَطَا الْغِنَاءَ الْغَضَبُ يُصْدِئُ الْعَقْلَ.
(فَرْضُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ لِلْمَرْأَةِ وَوَلَدِهَا عَلَى زَوْجِهَا) وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ النَّفَقَةَ عَلَى رَجُلٍ لِامْرَأَتِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُحْضِرُهُ وَيَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَعَلَى وَلَدِهَا، فَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَضْرِبُهَا وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ بِقَدْرِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الدَّقِيقِ وَالْإِدَامِ وَالدُّهْنِ وَحَوَائِجِهَا الَّتِي تَكُونُ لِمِثْلِهَا فَيُقَوِّمُ ذَلِكَ بِالدَّرَاهِمِ وَيَفْرِضُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ لَهَا ذَلِكَ يَكْتُبُ يَقُولُ الْقَاضِي فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَضَيْت لِفُلَانَةَ عَلَى زَوْجِهَا فُلَانٍ بِحَضْرَتِهِ بِكَذَا وَأَمَرْته بِإِدْرَارِ ذَلِكَ عَلَيْهَا أَوَانَ وُجُوبِهِ وَفَرَضْت ذَلِكَ عَلَيْهِ لَهَا وَحَظَرْت عَلَيْهِ الْإِخْلَالَ بِهِ وَأَطْلَقْت لَهَا الِاسْتِدَانَةَ إنْ مَطَلَهَا يَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا لَهَا عَلَيْهِ تَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَمَرْتُ بِكِتَابَةِ هَذَا الذِّكْرِ حُجَّةً لَهَا يَوْمَ كَذَا، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ تَطْلُبُ النَّفَقَةَ وَذَكَرَتْ أَنَّ زَوْجَهَا غَابَ عَنْهَا وَلَمْ يُخْلِفْ لَهَا نَفَقَةً وَسَأَلَتْ الْقَاضِيَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةً وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَأَنَّ زَوْجَهَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ غَائِبٌ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ لَا أَقْضِي عَلَى غَائِبٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا أَقْضِي بِالنِّكَاحِ عَلَيْهِ