الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُشْكِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ مِنْ جِنْسِهِ، وَقَالَا: يُنْسَبُ إلَى أَكْثَرِهِمَا بَوْلًا وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَهُوَ مُشْكِلٌ بِالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي الْكَافِي قَالُوا: وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الْإِشْكَالُ قَبْلَ الْبُلُوغِ، فَأَمَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِدْرَاكِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ فَإِنْ بَلَغَ وَجَامَعَ بِذَكَرِهِ فَهُوَ رَجُلٌ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُجَامِعْ بِذَكَرِهِ وَلَكِنْ خَرَجَتْ لِحْيَتُهُ فَهُوَ رَجُلٌ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَكَذَا إذَا احْتَلَمَ كَمَا يَحْتَلِمُ الرَّجُلُ أَوْ كَانَ لَهُ ثَدْيٌ مُسْتَوٍ، وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ ثَدْيٌ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ نَزَلَ لَهُ لَبَنٌ فِي ثَدْيَيْهِ أَوْ حَاضَ أَوْ حَبِلَ أَوْ أَمْكَنَ الْوُصُولُ إلَيْهِ مِنْ الْفَرْجِ فَهُوَ امْرَأَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ إحْدَى هَذِهِ الْعَلَامَاتِ فَهُوَ خُنْثَى مُشْكِلٌ، وَكَذَا إذَا تَعَارَضَتْ هَذِهِ الْمَعَالِمُ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا خُرُوجُ الْمَنِيِّ فَلَا اعْتِبَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْ الْمَرْأَةِ كَمَا يَخْرُجُ مِنْ الرَّجُلِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ قَالَ: وَلَيْسَ الْخُنْثَى يَكُونُ مُشْكِلًا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ عَلَى حَالٍ مِنْ الْحَالَاتِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَحْبَلَ أَوْ يَحِيضَ أَوْ يَخْرُجَ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ يَكُونَ لَهُ ثَدْيَانِ كَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ حَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ رَجُلٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ نَبَاتِ الثَّدْيَيْنِ كَمَا يَكُونُ لِلنِّسَاءِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى أَنَّهُ رَجُلٌ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْخُنْثَى]
الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِهِ الْأَصْلُ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ أَنْ يُؤْخَذَ فِيهِ بِالْأَحْوَطِ وَالْأَوْثَقِ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَأَنَّ لَا يُحْكَمَ بِثُبُوتِ حُكْمٍ وَقَعَ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِهِ فَإِنْ وَقَفَ خَلْفَ الْإِمَامِ قَامَ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلَا يَتَخَلَّلُ الرِّجَالَ حَتَّى لَا تَفْسُدَ صَلَاتُهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَلَا يَتَخَلَّلُ النِّسَاءَ حَتَّى لَا تَفْسُدَ صَلَاتُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ، فَإِنْ قَامَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ يُعِيدُ صَلَاتَهُ احْتِيَاطًا؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَإِنْ قَامَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَيُعِيدُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَمَنْ خَلْفَهُ بِحِذَائِهِ صَلَاتَهُمْ احْتِيَاطًا؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَيَجْلِسُ فِي صَلَاتِهِ كَجُلُوسِ الْمَرْأَةِ، كَذَا فِي الْكَافِي قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ بِقِنَاعٍ يُرِيدُ بِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ قِنَاعً لَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ إلَّا اسْتِحْبَابًا، هَذَا إذَا كَانَ الْخُنْثَى مُرَاهِقًا غَيْرَ بَالِغٍ، أَمَّا إذَا كَانَ بَالِغًا فَإِنْ بَلَغَ بِالسِّنِّ وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عَلَامَةِ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ لَا تُجْزِئُهُ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ قِنَاعٍ إذَا كَانَ الْخُنْثَى حُرًّا.
(قَالَ) : وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ الْحُلِيَّ وَأَرَادَ بِهِ مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ إذَا لَمْ تَظْهَرْ بِهِ عَلَامَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى كَوْنِهِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَيُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ أَيْضًا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَنْكَشِفَ قُدَّامَ الرِّجَالِ أَوْ قُدَّامَ النِّسَاءُ وَأَنْ يَخْلُوَ بِهِ غَيْرُ مَحْرَمٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَأَنْ يُسَافِرَ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ. وَإِنْ أَحْرَمَ وَقَدْ رَاهَقَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا عِلْمَ لِي فِي لِبَاسِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَلْبَسُ لِبَاسَ الْمَرْأَةِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُسَافِرَ الْخُنْثَى مَعَ مَحْرَمٍ مِنْ الرِّجَالِ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا وَهَذَا ظَاهِرٌ.
قُلْت: أَرَأَيْت هَذَا الْخُنْثَى هَلْ يَخْتِنُهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ؟ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَاهِقًا أَوْ غَيْرَ مُرَاهِقٍ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُرَاهِقٍ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْتِنَهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى صَبِيٌّ أَوْ صَبِيَّةٌ فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا فَلَا بَأْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْتِنَهُ، وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا يُشْتَهَى فَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُرَاهِقٍ لَا يُشْتَهَى أَوْلَى وَإِنْ كَانَ صَبِيَّةً فَلَا بَأْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْتِنَهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُرَاهِقَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُشْتَهَى وَبِسَبَبِ الشَّهْوَةِ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ وَلَا بَأْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْتِنَهُ؛ لِأَنَّهُ صَبِيٌّ أَوْ صَبِيَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ صَبِيَّةً فَلَا بَأْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْتِنَهَا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً تُشْتَهَى، فَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُرَاهِقَةٍ وَهِيَ لَا تُشْتَهَى أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَهَى وَبِسَبَبِ الشَّهْوَةِ يَحْرُمُ لِلْمَرْأَةِ النَّظَرُ إلَى فَرْجِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا فَإِنَّهُ لَا يَخْتِنُهُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ أَمَّا أَنَّهُ لَا يَخْتِنُهُ رَجُلٌ فَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَبِيَّةً وَلَا يُبَاحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْتِنَهَا وَيَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا؛ لِأَنَّهَا مُرَاهِقَةٌ وَالْمُرَاهِقَةُ مِمَّنْ تُشْتَهَى فَكَانَتْ كَالْبَالِغَةِ، وَلَا يَخْتِنُهَا الرَّجُلُ فَكَذَلِكَ هَذَا وَلَا تَخْتِنُهُ امْرَأَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَبِيًّا مُرَاهِقًا فَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ أَنْ تَخْتِنَهُ وَتَنْظُرَ إلَى فَرْجِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَالِغِ.
وَلَكِنَّ الْحِيلَةَ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْخُنْثَى إذَا كَانَ مُوسِرًا فَإِنَّ الْوَلِيَّ يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَةً عَالِمَةً بِأَمْرِ الْخِتَانِ حَتَّى تَخْتِنَهُ فَإِذَا خَتَنَتْهُ بَاعَهَا الْوَلِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اشْتَرَى الْأَبُ جَارِيَةً مِنْ مَالِهِ حَتَّى تَخْتِنَهُ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ مُعْسِرًا أَيْضًا فَإِنَّ الْإِمَامَ يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِذَا خَتَنَتْهُ الْجَارِيَةُ بَاعَهَا الْإِمَامُ وَرَدَّ ثَمَنَهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ. وَتَزَوُّجُ الْمَرْأَةِ لِلْخُنْثَى لَا يُفِيدُ إبَاحَةَ الْخِتَانِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَوْقُوفٌ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا فَيَجُوزَ النِّكَاحُ وَيَجُوزَ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى فَلَا يَجُوزَ، وَإِذَا كَانَ مُشْكِلَ الْحَالِ كَانَ النِّكَاحُ مَوْقُوفًا وَالنِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ لَا يُفِيدُ إبَاحَةَ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ؛ فَلِهَذَا قَالَ: يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَةً لِلْخِتَانِ وَلَمْ يَقُلْ: يُزَوِّجُ لَهُ امْرَأَةً بِمَالِهِ حَتَّى تَخْتِنَهُ، هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا لَمْ يَقُلْ: يُزَوِّجُ لَهُ امْرَأَةً بِمَالِهِ؛ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَمْرُهُ وَلَكِنْ لَوْ فَعَلَ مَعَ هَذَا كَانَ مُسْتَقِيمًا؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى إنْ كَانَ امْرَأَةً فَهَذَا نَظَرُ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ وَالنِّكَاحُ لَغْوٌ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَهَذَا نَظَرُ الْمَنْكُوحَةِ إلَى زَوْجِهَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ لَمْ يُغَسِّلْهُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ بَلْ يُيَمَّمُ فَإِنْ يَمَّمَهُ أَجْنَبِيٌّ يُيَمِّمُهُ بِخِرْقَةٍ، وَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ يَمَّمَهُ بِغَيْرِ خِرْقَةٍ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: يُجْعَلُ فِي كُوَّارَةٍ وَيُغَسَّلُ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ يُشْتَهَى، أَمَّا إذَا كَانَ طِفْلًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُغَسِّلَهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ.
(نَوْعٌ آخَرُ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ) لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ هَذَا الْخُنْثَى امْرَأَةً قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ زَوَّجَهُ مِنْ رَجُلٍ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ لَا يُنَفِّذُهُ وَلَا يُبْطِلُهُ وَلَا يَتَوَارَثَانِ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُ الْخُنْثَى، فَإِنْ زَوَّجَهُ الْأَبُ امْرَأَةً وَبَلَغَ وَظَهَرَ عَلَامَاتُ الرِّجَالِ وَحَكَمَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ سَنَةً كَمَا يُؤَجَّلُ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَصِلُ إلَى
امْرَأَتِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْت هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ الْمُرَاهِقُ، وَخُنْثَى مِثْلُهُ مُشْكِلٌ تَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا رَجُلٌ وَالْآخَرَ امْرَأَةٌ؟ قَالَ: إذَا عُلِمَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَكُونُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُمَا؛ لِجَوَازِ أَنَّهُمَا ذَكَرَانِ فَيَكُونُ هَذَا ذَكَرًا تَزَوَّجَ بِذَكَرٍ فَيَكُونُ النِّكَاحُ بَاطِلًا، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا أُنْثَيَيْنِ فَيَكُونُ النِّكَاحُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَيَكُونُ النِّكَاحُ جَائِزًا، فَإِذَا كَانَا مُشْكِلَيْنِ لَا يُدْرَى حَالُهُمَا يَكُونُ النِّكَاحُ مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَسْتَبِينَ حَالُهُمَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَاتَا قَبْلَ أَنْ يَزُولَ الْإِشْكَالُ لَمْ يَتَوَارَثَا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّبَيُّنِ النِّكَاحُ مَوْقُوفٌ وَالنِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ لَا يُسْتَفَادُ الْإِرْثُ بِهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْرِفْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مُشْكِلٌ أَجَزْت النِّكَاحَ إذَا كَانَ الْأَبَوَانِ هُمَا اللَّذَانِ زَوَّجَا؛ لِأَنَّ أَبَا الزَّوْجِ مِنْهُمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ رَجُلٌ وَأَبَا الْمَرْأَةِ مِنْهَا أَخْبَرَ أَنَّهَا امْرَأَةٌ وَخَبَرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْبُولٌ شَرْعًا مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ ذَلِكَ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ مَاتَا بَعْدَ الْأَبَوَيْنِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ هُوَ الزَّوْجُ وَأَنَّ الْآخَرَ هِيَ الزَّوْجَةُ لَمْ أَقْضِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قُلْت: فَإِنْ جَاءَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ قَبْلَ الْأُخْرَى فَقَضَيْت بِهَا ثُمَّ جَاءَتْ الْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى؟ قَالَ: أُبْطِلُ الْبَيِّنَةَ الْأُخْرَى وَالْقَضَاءُ الْأَوَّلُ مَاضٍ عَلَى حَالِهِ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَبَّلَ هَذَا الْخُنْثَى بِشَهْوَةٍ لَيْسَ لِهَذَا الرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهُ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرَهُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
(نَوْعٌ آخَرُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَذَفَ هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ قَذَفَ الْخُنْثَى رَجُلًا فَلَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ، أَمَّا إذَا كَانَ الْقَاذِفُ هُوَ الْخُنْثَى فَلِأَنَّهُ مَرْفُوعُ الْقَلَمِ؛ لِأَنَّهُ صَبِيٌّ أَوْ صَبِيَّةٌ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَاذِفُ رَجُلًا آخَرَ فَلِأَنَّهُ قَذَفَ غَيْرَ مُحْصَنٍ؛ لِأَنَّ الْبُلُوغَ مِنْ أَحَدِ شُرُوطِ إحْصَانِ الْقَذْفِ كَالْإِسْلَامِ وَإِنْ قَذَفَ الْخُنْثَى بَعْدَ بُلُوغِهِ بِالسِّنِّ وَلَكِنْ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ عَلَامَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَقَذَفَ الْخُنْثَى رَجُلًا أَوْ قَذَفَهُ رَجُلٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ: هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ. قَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: أَرَادَ بِهَذَا التَّسْوِيَةَ فِي حَقِّ قَذْفِ الْخُنْثَى، وَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْخُنْثَى لَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ مُشْكِلًا؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى وَإِنْ صَارَ مُحْصَنًا بِالْبُلُوغِ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ تَظْهَرْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْأُنُوثَةِ أَوْ الذُّكُورَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا وَأَنْ يَكُونَ امْرَأَةً فَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْبُوبِ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ الرَّتْقَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُجَامَعُ وَمَنْ قَذَفَ رَجُلًا مَجْبُوبًا أَوْ امْرَأَةً رَتْقَاءَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهَذَا التَّسْوِيَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْخُنْثَى هُوَ الْقَاذِفُ، وَإِذَا كَانَ الْخُنْثَى هُوَ الْقَاذِفُ وَقَذَفَ رَجُلًا قَبْلَ الْبُلُوغِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ مَجْبُوبٌ بَالِغٌ أَوْ رَتْقَاءُ بَالِغَةٌ وَالْمَجْبُوبُ الْبَالِغُ أَوْ الرَّتْقَاءُ الْبَالِغَةُ إذَا قَذَفَ إنْسَانًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. قُلْت: أَرَأَيْت إنْ سَرَقَ بَعْدَمَا يُدْرِكُ؟ قَالَ: عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ سُرِقَ مِنْهُ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً مِنْ حِرْزٍ يَقْطَعُ يَدَ السَّارِقِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قُلْت: أَرَأَيْت هَذَا
الْخُنْثَى إنْ قَطَعَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ أَوْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ؟ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى قَاطِعِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ الْخُنْثَى رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. قُلْت: أَرَأَيْت إنْ قَطَعَ هَذَا الْخُنْثَى يَدَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ؟ قَالَ: عَلَى عَاقِلَتِهِ أَرْشُ ذَلِكَ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ بَالِغًا بِالسِّنِّ وَلَمْ يَسْتَبِنْ أَمْرُهُ بَعْدُ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إذَا كَانَ الْخُنْثَى لَمْ يُدْرِكْ بَعْدُ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ إذَا قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ عَمْدًا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
فَإِنْ أَفْرَضَ هَذَا الْخُنْثَى فِي الْمُقَاتَلَةِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ. وَإِنْ شَهِدَ الْوَاقِعَةَ رُضِخَ لَهُ بِسَهْمٍ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
قُلْت: فَإِنْ أُخِذَ أَسِيرًا فِي الْغَزْوِ؟ قَالَ: لَا يُقْتَلُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ.
قُلْت: فَإِنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ أَوْ بَعْدَمَا أَدْرَكَ؟ لَا يُقْتَلُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟ قَالَ: لَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ خَرَاجُ رَأْسِهِ حَتَّى يُدْرِكَ وَيَسْتَبِينَ أَمْرُهُ.
قُلْت: هَلْ يَدْخُلُ فِي الْقَسَامَةِ؟ قَالَ: لَا يَدْخُلُ فِي الْقَسَامَةِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
(نَوْعٌ آخَرُ فِي الْأَيْمَانِ) رَجُلٌ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَقَالَ: إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْت طَالِقٌ، أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْت حُرَّةٌ، فَوَلَدَتْ هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ، قَالَ: لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَلَا تُعْتَقُ أَمَتُهُ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ فَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ غُلَامٌ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ وَعَتَقَتْ الْأَمَةُ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ جَارِيَةٌ لَا تُعْتَقُ الْأَمَةُ، وَلَا تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ: كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ وَلَهُ عَبْدٌ خُنْثَى مُشْكِلٌ، لَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: كُلُّ أَمَةٍ لِي حُرَّةٌ لَا يُعْتَقُ هَذَا الْخُنْثَى، وَإِنْ قَالَ الْقَوْلَيْنِ وَحَلَفَ بِالْيَمِينَيْنِ جَمِيعًا فَإِنَّهُ يُعْتَقُ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ: إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَاشْتَرَى هَذَا الْخُنْثَى لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ قَالَ كِلَا الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى مِثْلَ هَذَا الْخُنْثَى تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
(نَوْعٌ آخَرُ فِي إقْرَارِ الْخُنْثَى أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَفِي إقْرَارِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ بِذَلِكَ) فَإِنْ قُلْت: أَرَأَيْت إنْ قَالَ هَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ: أَنَا ذَكَرٌ، أَوْ قَالَ: أَنَا أُنْثَى، لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَقَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ مُشْكِلٌ إذَا قَالَ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَمِينٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُهُ، وَمَتَى لَمْ يُعْرَفُ كَوْنُهُ مُشْكِلًا لَمْ يُعْرَفُ