الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْعَ الْمَنَافِعِ بَاطِلٌ وَالْإِجَارَةُ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى مَا لَهُ مَالِيَّةٌ وَالْمَنَافِعُ لَا مَالِيَّةَ فِيهَا فَلَا يَرِدُ عَلَيْهَا الْبَيْعُ، كَذَا هُنَا فِي مَسْأَلَتِنَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِي إذَا اشْتَرَى مِنْ الشَّفِيعِ حَقَّهُ بِمَالٍ كَانَ الشِّرَاءُ بَاطِلًا وَكَانَ ذَلِكَ تَسْلِيمًا لِلشُّفْعَةِ وَإِبْطَالًا لَحَقِّهِ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَجَدْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُشْكِلَةً لَيْسَ لَهَا فِي الْأُمَّةِ مَنْ يَفْتَحُهَا، وَإِنَّمَا تُشْكِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِإِشْكَالِ هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى مَا لَهُ مَالِيَّةٌ وَثَمَنِيَّةٌ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ وَتُشْكِلُ هَذِهِ بِمَسْأَلَةِ الطَّلَاق فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا: اشْتَرَيْت طَلَاقِي مِنْك بِكَذَا، فَقَالَ الزَّوْجُ: بِعْت؛ صَحَّ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ. وَكَذَا لَوْ بَاعَ الزَّوْجُ مِنْهَا طَلَاقَهَا بِمَالٍ أَوْ بَاعَ بِضْعَهَا مِنْهَا بِمَالٍ وَاشْتَرَتْ مِنْهُ يَصِحُّ وَيَجِبُ الْبَدَلُ وَلَا مَالِيَّةَ فِي نَفْسِهَا وَلَا ثَمَنِيَّةَ، وَكَذَا لَا مَالِيَّةَ فِي طَلَاقِهَا وَلَا ثَمَنِيَّةَ، وَمَعَ ذَلِكَ صَحَّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَصِحَّةُ الطَّلَاقِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ تَقْتَضِي جَوَازَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَجَوَازَ بَيْعِ الْمَنَافِعِ وَجَوَازَ بَيْعِ الْوَصِيَّةِ، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنَّ مَشَايِخَنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - تُكَلَّفُوا لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْكَرْخِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَعْيَاهُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَتَّى رَجَعَ عَنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ.
وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي انْعِقَادِ الْإِجَارَةِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُوصَى لَهُ وَصِيَّتَهُ مِنْ الْوَارِثِ بِمَالٍ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْمَبْسُوطِ يُخَالِفُهُ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لِلْوَارِثِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمُوصَى لَهُ وَصِيَّتَهُ بِمَالٍ كَيْفَ الْحِيلَةُ وَالثِّقَةُ لِلْوَارِثِ فِيهِ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُصَالِحَ الْوَارِثُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ وَصِيَّتِهِ عَلَى دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ فَيَجُوزُ وَيَبْطُلُ حَقُّ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ وَيَصِيرُ الْعَبْدُ لِلْوَارِثِ يَصْنَعُ بِهِ مَا بَدَا لَهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ، وَالصُّلْحُ إذَا كَانَ وَاقِعًا عَلَى خِلَافِ جِنْسِ الْحَقِّ يُعْتَبَرُ مُعَاوَضَةً وَتَمْلِيكًا وَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُ هَذَا الصُّلْحِ تَمْلِيكًا؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَلَكَ خِدْمَةَ الْعَبْدِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَمَنْ مَلَكَ مَنْفَعَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ مِنْ غَيْرِهِ بَعُوضٍ كَالْمُسْتَعِيرِ. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الصُّلْحَ مَتَى تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ تَمْلِيكًا فَإِنَّهُ مُعْتَبَرٌ إسْقَاطًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
[الْفَصْلُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الرَّهْنِ]
(الْفَصْلُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الرَّهْنِ) رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَرْهَنَ نِصْفَ دَارِهِ أَوْ نِصْفَ ضِيَاعِهِ شَائِعًا لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ فَإِنْ طَلَبَا حِيلَةً فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ نِصْفَ دَارِهِ أَوْ نِصْفَ ضِيَاعِهِ بِالْمَالِ الَّذِي يُرِيدُ اسْتِقْرَاضَهُ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِيهِ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِذَا تَقَابَضَا فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ فَيَبْقَى الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ عَلَى حُكْمِ الرَّهْنِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ إنْ هَلَكَ هَلَكَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ دَخَلَهُ عَيْبٌ ذَهَبَ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ، هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حِيَلِهِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرَى فِي
خِيَارِ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْفَسْخِ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ لَا بِالْقِيمَةِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ فِي بَابِ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرَى فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ لَا بِالثَّمَنِ كَمَا قَبْلَ الْفَسْخِ وَالرَّدُّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءِ نَظِيرِ الرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي.
وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي حِيَلِ الْأَصْلِ وَقَالَ: الْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ الْمُسْتَقْرِضُ نِصْفَ دَارِهِ مِنْ الْمُقْرِضِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إلَى وَقْتِ كَذَا شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ رَدَّ الْمَالَ فِيهِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ فَالْخِيَارُ بَاطِلٌ وَالْبَيْعُ لَازِمٌ. وَقَدْ عُرِفَ مِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَلَكِنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ لَا تَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ فَنَقَضَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ بَعْدَ مَا تَقَابَضَا فَالْجَوَابُ فِيهِ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّ هَذَا الْمَبِيعَ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ إنْ هَلَكَ أَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مِثْلَ قِيمَتِهِ وَيُتَرَادَّانِ الْفَضْلَ إنْ كَانَ هُنَاكَ فَضْلٌ.
(رَجُلٌ) أَرَادَ أَنْ يَرْتَهِنَ مِنْ رَجُلٍ رَهْنًا وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ بِأَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ أَرْضًا أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَزْرَعَهَا أَوْ يَكُونَ دَارًا أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَسْكُنَهَا؛ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَرْتَهِنَ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَيَقْبِضَهُ ثُمَّ يَسْتَعِيرَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنْ الرَّاهِنِ، فَإِذَا أَعَارَهُ إيَّاهُ وَأَذِنَ لَهُ بِالِانْتِفَاعِ طَابَ لَهُ ذَلِكَ وَالْعَارِيَّةُ لَا تَرْفَعُ الرَّهْنَ وَلَكِنْ مَا دَامَ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُرْتَهِنُ لَا يَظْهَرُ حُكْمُ الرَّهْنِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الِانْتِفَاعِ يَعُودُ رَهْنًا كَمَا كَانَ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يُبْطِلُ الرَّهْنَ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الِانْتِفَاعَ بِالدَّارِ وَفَرَّغَهَا تَعُودُ رَهْنًا فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ مَعَ تَرْكِ الِانْتِفَاعِ التَّفْرِيغَ شَرْطٌ لِيَعُودَ رَهْنًا. وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ: إذَا تَرَكَ الِانْتِفَاعَ بِهِ عَادَ رَهْنًا، فَظَاهِرُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَرْهُونُ دَارًا اسْتَعَارَهَا الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ، وَنَقَلَ إلَيْهَا مَتَاعَهُ ثُمَّ تَرَكَ سُكْنَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ أَنَّهَا تَعُودُ رَهْنًا وَإِنْ لَمْ يُفَرِّغْ الدَّارَ. وَشَرَطَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّفْرِيغَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ هَذَا مِنْ الْخَصَّافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(رَجُلٌ) فِي يَدَيْهِ رَهْنٌ وَالرَّاهِنُ غَائِبٌ فَأَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يُثْبِتَ الرَّهْنَ عِنْدَ الْقَاضِي حَتَّى يُسَجِّلَ لَهُ بِذَلِكَ وَيَحْكُمَ بِأَنَّهَا رَهْنٌ فِي يَدَيْهِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَأْمُرَ الْمُرْتَهِنُ رَجُلًا غَرِيبًا حَتَّى يَدَّعِيَ رَقَبَةَ هَذَا الرَّهْنِ وَيَقْدَمَ الْمُرْتَهِنُ إلَى الْقَاضِي فَيُقِيمَ الْمُرْتَهِنُ بَيِّنَةً عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ رَهَنَ عِنْدَهُ فَيَسْمَعَ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ عَلَى الرَّهْنِ وَيَقْضِيَ بِكَوْنِهِ رَهْنًا عِنْدَهُ وَيَدْفَعَ خُصُومَةَ الْغَرِيبِ، فَهَذَا تَنْصِيصٌ مِنْ الْخَصَّافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الرَّاهِنِ مَقْبُولَةٌ وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا. وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ وَشَوَّشَ فِيهِ الْجَوَابَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ شَرَطَ حَضْرَةَ الرَّاهِنِ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الرَّهْنِ وَالْمَشَايِخُ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ، بَعْضُهُمْ قَالُوا: مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ وَقَعَ غَلَطًا مِنْ الْكَاتِبِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ، كَمَا لَوْ أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً مِنْ جِهَةِ فُلَانٍ أَوْ مُضَارَبَةً أَوْ غَصْبًا أَوْ إجَارَةً، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ فِي إحْدَى