الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكُفْرِي فَصَارَ بُسْرًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، أَوْ أَوْصَى بِالْبُسْرِ فَصَارَ رُطَبًا قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ أَوْصَى بِعِنَبٍ فَصَارَ زَبِيبًا أَوْ بِسُنْبُلٍ فَصَارَ بُرًّا أَوْ بِفِضَّةٍ فَصَارَتْ خَاتَمًا أَوْ بِبَيْضَةٍ فَصَارَتْ فَرْخًا قَبْلَ مَوْتِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَيْئًا آخَرَ وَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْدَ مَوْتِهِ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ. وَلَوْ أَوْصَى بِبُسْرٍ فَصَارَ بَعْضُهُ رُطَبًا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِيمَا صَارَ رُطَبًا وَبَقِيَتْ فِيمَا كَانَ بُسْرًا اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَلَوْ أَوْصَى بِرُطَبٍ فَصَارَ تَمْرًا قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بِحَمْلٍ فَصَارَ كَبْشًا لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ اسْتِحْسَانًا، كَذَا فِي الْكَافِي.
وَلَوْ أَوْصَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِ رَجُلٍ أَوْ بِعَبْدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ فَأَجَازَ ذَلِكَ الرَّجُلُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ مَا لَمْ يَدْفَعْهُ إلَى الْمُوصَى لَهُ، فَإِذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ جَازَ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ كَأَنَّهُ وَهَبَ مَالَ غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْبَاب الثَّانِي فِي بَيَان الْأَلْفَاظ الَّتِي تَكُون وَصِيَّة وَالَّتِي لَا تَكُون وَصِيَّة]
ً وَمَا يَجُوزُ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَمَا لَا يَجُوزُ " رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَنْتَ وَكِيلِي بَعْدَ مَوْتِي يَكُونُ وَصِيًّا، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ وَصِيِّي فِي حَيَاتِي يَكُونُ وَكِيلَا، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: لَك أَجْرُ مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ وَصِيِّي؛ الشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْمِائَةُ وَصِيَّةٌ لَهُ جَائِزَةٌ وَهُوَ وَصِيٌّ عَلَى الْمُخْتَارِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا قَالَ الرَّجُلُ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَوْصَيْت أَنَّ لِفُلَانٍ فِي مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ فَالْأَلْفُ الْأُولَى وَصِيَّةٌ وَالْأُخْرَى إقْرَارٌ، وَفِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ فِي وَصِيَّةٍ: ثُلُثُ دَارِي لِفُلَانٍ؛ فَإِنِّي أُجِيزَ ذَلِكَ يَكُونُ وَصِيَّةً، وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ سُدُسٌ فِي دَارِي فَإِنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي كَانَ وَصِيَّةً اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَ فِي ذِكْرِ وَصِيَّةٍ، وَإِذَا قَالَ: فِي مَالِي كَانَ إقْرَارًا، وَإِذَا قَالَ: عَبْدِي هَذَا لِفُلَانٍ وَدَارِي هَذِهِ لِفُلَانٍ، وَلَمْ يَقُلْ: وَصِيَّةً وَلَا كَانَ فِي ذِكْرِ وَصِيَّةٍ، وَلَا قَالَ: بَعْدَ مَوْتِي - كَانَ هِبَةً قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا فَإِنْ قَبَضَهَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى مَاتَ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ ذَكَرَهَا فِي خِلَالِ الْوَصِيَّةِ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الزَّاهِدُ أَحْمَدُ الطَّوَاوِيسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ وَصَايَا الْأَصْلِ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ هَذَا وَصِيَّةً، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَكُونُ وَصِيَّةً، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ فِي مَرَضِهِ بِالْفَارِسِيَّةِ (تيماردا رفرزندان مراسيس مِنْ) فَقَدْ جَعَلَهُ وَصِيًّا فِي تَرِكَتِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: تَعَهَّدْهُمْ وَقُمْ بِأَمْرِهِمْ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ، وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ لِرَجُلٍ (غم كارمن وآن فرزندان مِنْ بعداز وَفَاتَ مِنْ بخور) أَوْ قَالَ (فرزندان مراضايع مُمَانٍ) قَالَ: يَصِيرُ وَصِيًّا، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ
قَالَ لِأَخِيهِ: اسْتَأْجِرْ فُلَانًا حَتَّى يُنَفِّذَ وَصِيَّتِي صَارَ الْأَخُ وَصِيًّا إذَا قِيلَ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَإِذَا قَالَ: أَوْصَيْتُ أَنْ يُوهَبَ لِفُلَانٍ ثُلُثُ دَارِي بَعْدَ مَوْتِي كَانَ ذَلِكَ وَصِيَّةً، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي.
وَلَوْ قَالَ: ثُلُثِي لِفُلَانٍ، أَوْ قَالَ: سُدُسِي لِفُلَانٍ، أَوْ قَالَ: رُبُعِي لِفُلَانٍ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَاطِلًا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ وَصِيَّةً جَائِزَةً، وَتَأْوِيلُهُ إذَا قَالَ: ذَلِكَ فِي خِلَالِ الْوَصَايَا، رَوَى مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
مَرِيضٌ قَالَ لِرَجُلٍ: اقْضِ دُيُونِي؛ صَارَ وَصِيًّا، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
رَجُلٌ قَالَ فِي مَرَضِهِ أَوْ فِي صِحَّتِهِ: إنْ حَدَثَ لِي حَدَثٌ فَلِفُلَانٍ كَذَا؛ فَهَذَا وَصِيَّةٌ وَالْحَدَثُ عِنْدَنَا الْمَوْتُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثُلُثِي؛ فَهَذَا وَصِيَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الْمَوْتَ.
وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي، أَوْ قَالَ: مِنْ نِصْفِ مَالِي، أَوْ قَالَ: مِنْ رُبُعِ مَالِي - فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ وَصِيَّةً، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ أَنَّ مَا وُجِدَ مَكْتُوبًا مِنْ وَصِيَّةِ وَالِدِي وَلَمْ أَكُنْ نَفَّذْتُهَا فَنَفِّذُوهَا، أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ إقْرَارًا فِي مَرَضِهِ قَالُوا: هَذَا وَصِيَّةٌ إنْ صَدَّقَهُ الْوَرَثَةُ صَحَّ تَصْدِيقُهُمْ وَإِنْ كَذَّبُوهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْ.
الثُّلُثِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَلَوْ أَنَّ مَرِيضًا قَالَ: أَخْرِجُوا أَلْفًا مِنْ مَالِي أَوْ أَخْرِجُوا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَمَاتَ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ: إنْ قَالَ ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ جَازَ وَيُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ.
وَلَوْ قِيلَ لِمَرِيضٍ: أَوْصِ بِشَيْءٍ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ: إنْ كَانَ هَذَا عَلَى أَثَرِ السُّؤَالِ يُصْرَفُ ثُلُثُ مَالِهِ إلَى الْفُقَرَاءِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْجَوَابَ، وَقَالَ: يُصْرَفُ مَالُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُفَصِّلْ تَفْصِيلًا.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ رَجُلٌ أَوْصَى بِأَنْ يُعْطِيَ لِلنَّاسِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَلَوْ قَالَ: تَصَدَّقُوا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ؛ فَهُوَ جَائِزٌ وَيُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ.
مَرِيضٌ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ (صددرهم ازمن بِخَشٍ كنيد) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هِيَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ لِلْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ جَمِيعًا وَلَوْ قَالَ (صددرهم ازمن رَوَانِ كُنيد) قَالَ: كَانَتْ الْوَصِيَّةُ جَائِزَةً؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُرَادُ بِهِ الْقُرْبَةُ. وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّغْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: قَوْلُهُ (روان كنيد) لَيْسَ مِنْ لِسَانِنَا فَلَا أَعْرِفُ هَذَا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
رَجُلٌ قَالَ: إنْ مِتُّ فِي سَفَرِي هَذَا فَلِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ - فَإِنَّهَا وَصِيَّةٌ مِنْ ثُلُثِهِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُحْمَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَيُدْفَنَ هُنَاكَ وَيُبْنَى هُنَاكَ رِبَاطًا مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَمَاتَ وَلَمْ يُحْمَلْ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: وَصِيَّتُهُ بِالرِّبَاطِ جَائِزَةٌ وَوَصِيَّتُهُ بِالْحَمْلِ بَاطِلَةٌ، وَلَوْ حَمَلَهُ الْوَصِيُّ يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ فِي الْحَمْلِ إذَا حَمَلَهُ الْوَصِيُّ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ حَمَلَ بِإِذْنِ الْوَرَثَةِ لَا يَضْمَنُ وَمَا يُلْقَى فِي الْقَبْرِ تَحْتَ الْمَيِّتِ مِثْلُ الْمَضْرَبَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ أَبُو نَصْرٍ: لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ كَالزِّيَادَةِ فِي الْكَفَنِ وَبَعْضُهُمْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ.
وَلَوْ أَوْصَى بِعِمَارَةِ قَبْرِهِ لِلتَّزْيِينِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ.
وَلَوْ أَوْصَى بِاِتِّخَاذِ الطَّعَامِ لِلْمَأْتَمِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَيُطْعَمُ لِلَّذِينَ يَحْضُرُونَ التَّعْزِيَةَ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ وَيَحِلُّ لِلَّذِينَ يَطُولُ مَقَامُهُمْ عِنْدَهُ وَلِلَّذِي يَجِيءُ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ وَلَا يَجُوزُ لِلَّذِي لَا يَطُولُ مَسَافَتُهُ وَلَا مَقَامُهُ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الطَّعَامِ شَيْءٌ كَثِيرٌ يَضْمَنُ الْوَصِيُّ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يَضْمَنُ. وَعَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَجُلٌ أَوْصَى بِأَنْ يُتَّخَذَ الطَّعَامُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِلنَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قَالُوا: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ فِي حَمْلِ الطَّعَامِ إلَى أَهْلِ الْمُصِيبَةِ وَالْأَكْلِ عِنْدَهُمْ قَالَ: حَمْلُ الطَّعَامِ فِي الِابْتِدَاءِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِاشْتِغَالِ أَهْلِ الْمُصِيبَةِ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ، فَأَمَّا حَمْلُ الطَّعَامِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ تَجْتَمِعُ النَّائِحَاتُ فَإِطْعَامُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إعَانَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
فِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ بِأَلْفِ دِينَارٍ أَوْ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يُكَفَّنُ بِكَفَنٍ وَسَطٍ لَيْسَ فِيهِ سَرَفٌ وَلَا تَقْتِيرٌ وَلَا تَضْيِيقٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يُكَفَّنُ بِكَفَنِ الْمِثْلِ وَكَفَنُ الْمِثْلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ثِيَابِهِ حَالَ حَيَاتِهِ لِخُرُوجِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ أَوْ الْوَلِيمَةِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
امْرَأَةٌ أَوْصَتْ إلَى زَوْجِهَا أَنْ يُكَفِّنَهَا مِنْ مَهْرِهَا الَّذِي عَلَيْهِ قَالَ: أَمْرُهَا وَنَهْيُهَا فِي بَابِ الْكَفَنِ بَاطِلٌ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ فِي دَارِهِ فَوَصِيَّتُهُ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يُوصِيَ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَفِي الْفَتَاوَى وَالْخُلَاصَةِ وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ فِي بَيْتِهِ لَا يَصِحُّ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ.
وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ فُلَانٌ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ وَفِي الْفَتَاوَى وَالْخُلَاصَةِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ.
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فِي أَكْفَانِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي حَفْرِ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي سِقَايَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ: هَذَا بَاطِلٌ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ فِي أَكْفَانِ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ حَفْرِ مَقَابِرِهِمْ فَهَذَا جَائِزٌ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُتَّخَذَ دَارُهُ مَقْبَرَةً فَمَاتَ وَارِثُهُ يَجُوزُ دَفْنُهُ فِيهَا، وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ لَوْ أَوْصَى الرَّجُلُ بِأَنْ يُجْعَلَ دَارُهُ خَانًا يَنْزِلُ فِيهِ النَّاسُ لَا يَصِحُّ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُتَّخَذَ سِقَايَةً لَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهَا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
إذَا أَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ فِي مَسْحٍ كَانَ اشْتَرَاهُ وَيُغَلّ وَيُقَيَّدَ رِجْلُهُ فَهَذِهِ وَصِيَّةٌ بِمَا لَيْسَ.
بِمَشْرُوعٍ فَبَطَلَتْ وَيُكَفَّنُ كَفْنَ مِثْلِهِ وَيُدْفَنُ كَمَا يُدْفَنُ سَائِرُ النَّاسِ.
وَإِذَا أَوْصَى بِأَنْ يُطَيَّنَ قَبْرُهُ أَوْ يُوضَعَ عَلَى قَبْرِهِ قُبَّةٌ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ إلَى التَّطْيِينِ لِخَوْفِ سَبُعٍ أَوْ نَحْوِهِ.
سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ دَفَعَ إلَى بِنْتِهِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا فِي مَرَضِهِ، وَقَالَ: إنْ مِتُّ أَنَا فَاعْمُرِي قَبْرِي وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ لَكَ وَاشْتَرِي بِالْبَاقِي حِنْطَةً وَتَصَدَّقِي بِهَا؟ قَالَ: الْخَمْسَةُ لَهَا لَا تَجُوزُ وَيُنْظَرُ إلَى الْقَبْرِ الَّذِي أَمَرَ بِعِمَارَتِهِ فَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى الْعِمَارَةِ لِلتَّحْصِينِ لَا لِلزِّينَةِ عَمَّرَتْ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَالْبَاقِي تَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَإِنْ كَانَ أَمَرَ بِعِمَارَةٍ فُضِّلَتْ عَلَى الْحَاجَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا فَوَصِيَّتُهُ بَاطِلَةٌ.
وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يُدْفَعَ إلَى إنْسَانٍ كَذَا مِنْ مَالِهِ لِيَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى قَبْرِهِ فَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَقِيلَ: إذَا كَانَ الْقَارِئُ مُعَيَّنًا يَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ الْوَصِيَّةُ لَهُ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ دُونَ الْأَجْرِ وَقِيلَ: لَا تَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الْقَارِئُ مُعَيَّنًا، وَهَكَذَا قَالَ أَبُو نَصْرٍ. وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ أَوْصَى أَنْ يُحْفَرَ عَشَرَةُ قُبُورٍ؟ قَالَ: إنْ عَيَّنَ مَقْبَرَةً لِيُدْفَنَ فِيهَا الْمَوْتَى فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْحَفْرِ لِدَفْنِ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَالْفُقَرَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ مَوْضِعًا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُحْفَرَ مِائَةُ قَبْرٍ اُسْتُحْسِنَ ذَلِكَ فِي مَحَلَّتِهِ وَيَكُونُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ. وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا اخْتَارُوا لِلْفَتْوَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمَقْبَرَةَ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يَدْفِنَ كُتُبَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُدْفَنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا شَيْءٌ لَا يَفْهَمُهُ أَحَدٌ أَوْ يَكُونَ فِيهَا فَسَادٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُدْفَنَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ جَازَ ذَلِكَ وَيُنْفَقُ عَلَى عِمَارَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفِي سِرَاجِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، قَالُوا: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ وَقْفِ الْمَسْجِدِ عَلَى قَنَادِيلِهِ وَسِرَاجِهِ وَأَنْ يَشْتَرِيَ الزَّيْتَ وَالنَّفْطَ لِلْقَنَادِيلِ فِي رَمَضَانَ، وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ يَخْدُمُ الْمَسْجِدَ وَيُؤَذِّنَ فِيهِ جَازَ وَيَكُونُ كَسْبُهُ لِوَارِثِ الْمُوصِي، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُغْزَى عَنْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يُعْطِي نَفَقَةَ الْغَزْوِ رَجُلًا يُنْفِقُهَا عَلَى نَفْسِهِ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ وَحَالِ مَقَامِهِ فِي الْغَزْوِ وَلَا يُنْفِقُ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى أَهْلِهِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ رَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْوَرَثَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْزَى عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِ الْمُوصِي وَهِيَ كَالْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَغْزُو عَنْهُ غَنِيًّا جَازَ وَيَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَغْزُوَ عَنْهُ وَكَذَلِكَ لِابْنِ الْمُوصِي.
وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُوصِيَ لِفُقَرَاءِ النَّصَارَى؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِفُقَرَائِهِمْ لَيْسَتْ بِمَعْصِيَةٍ، بِخِلَافِ بِنَاءِ الْبَيْعَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَعْصِيَةً وَمَنْ أَعَانَ عَلَى بِنَائِهَا يَكُونُ آثِمًا.
وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُنْفَقَ ثُلُثُهُ عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ وَيُصْرَفُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَسِرَاجِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِسِرَاجِ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى يَقُولَ: بِسُرُجٍ فِيهِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ عَبْدُهُ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: وَتَصَدَّقُوا بِثَمَنِهِ، أَوْ يَقُولَ: بِيعُوهُ نَسَمَةً وَيَحُطُّ إلَى الثُّلُثِ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا لَوْ قَالَ: بِيعُوا جَارِيَتِي مِمَّنْ يَتَّخِذُهَا أُمَّ وَلَدٍ أَوْ يُدَبِّرُهَا رَجُلٌ. قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ لِقَوْمٍ كَانُوا عِنْدَهُ: اُنْظُرُوا، كُلُّ مَا يَجُوزُ لِي أَنْ أُوصِيَ بِهِ فَأَعْطُوهُ الْفُقَرَاءَ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: تَجُوزُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ وَهُوَ عَلَى الثُّلُثِ. وَلَوْ قَالَ: مَا يَجُوزُ لِي أَنْ أُوصِيَ بِهِ جَازَ وَهُوَ إلَى الْوَرَثَةِ أَيُّ شَيْءٍ أَعْطَوْهُ جَازَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: كُلُّ مَا يَجُوزُ لِي فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى الثُّلُثِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِرَجُلٍ وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَمَاتَ الْمُوصِي فَقَالَ غَرِيمُ الْعَبْدِ: لَا أُجِيزُ الْوَصِيَّةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَيَكُونُ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ.
رَجُلٌ أَوْصَى بِأَرْضٍ فِيهَا زَرْعٌ بِدُونِ الزَّرْعِ جَازَ وَيُتْرَكُ الزَّرْعُ فِيهَا بِأَجْرِ مِثْلِهَا حَتَّى يُحْصَدَ الزَّرْعُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا قَالَ: أَوْصَيْتُ بِفَرَسِي يُغْزَى بِهِ عَنِّي فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَيُغْزَى عَنْهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ فَإِذَا رَجَعَ الْغَازِي رَدَّ الْفَرَسَ عَلَى الْوَرَثَةِ فَيَدْفَعُونَهُ أَبَدًا يُغْزَى عَنْهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ قَالَ: فَرَسِي وَسِلَاحِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهَذَا عَلَى التَّمْلِيكِ يُمَلَّكُ رَجُلًا وَاحِدًا فَقِيرًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي فِي غَزْوٍ أَوْ قَالَ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ قَالَ: فِي السَّبِيلِ فَهَذَا عَلَى تَمْلِيكِ الْفُقَرَاءِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعْطُوا مَنْ يَغْزُو، رَجُلٌ جَعَلَ فَرَسَهُ فِي الْغَزْوِ، وَقَالَ: يُعْطَى فَقِيرًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا مَلَكَهُ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ فَإِنْ قَالَ: جَعَلْته حَبْسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى؛ قَالَ: يُحْبَسُ فِي الرِّبَاطِ يَغْزُو عَلَيْهِ فَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ يُؤَاجِرَهُ الْإِمَامُ بِقَدْرِ عَلَفِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ أَحَدٌ بَاعَهُ الْإِمَامُ وَوَقَفَ ثَمَنَهُ حَتَّى إذَا احْتَاجُوا إلَى ظَهْرٍ اشْتَرَى بِثَمَنِهِ فَرَسًا يُغْزَى عَلَيْهِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.