الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَمِيعَ مَا اشْتَرَى مِنْ وَلَدِ الْبَائِعِ أَوْ يَهَبَ مِنْ بَعْضِ مَنْ يَثِقُ بِهِ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَقْبِضُ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبِيعُهُ مِنْ الْبَائِعِ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ قَدْ اخْتَلَفَ وَالْمِلْكُ أَيْضًا قَدْ اخْتَلَفَ فَلَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ شِرَاءُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
[الْفَصْلُ السَّادِسَ عَشَرَ فِي الْمُدَايَنَاتِ]
(الْفَصْلُ السَّادِسَ عَشَرَ فِي الْمُدَايَنَاتِ) رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَأَبَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِهِ إلَّا أَنْ يُؤَجِّلَهُ أَوْ قَالَ: صَالِحْنِي مِنْهُ عَلَى الشَّطْرِ وَيُرِيدُ صَاحِبُ الْمَالِ حِيلَةً حَتَّى يُقِرَّ لَهُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ وَلَا صُلْحُهُ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَدْيُونَ إذَا قَالَ لِرَبِّ الدَّيْنِ: لَا أُقِرُّ لَك بِالْمَالِ حَتَّى تُؤَجِّلَنِي أَوْ لَا أُقِرُّ لَك حَتَّى تُصَالِحَنِي أَوْ لَا أُقِرُّ لَك حَتَّى تَحُطَّ عَنِّي بَعْضَ مَا تَدَّعِي فَهَذَا هَلْ يَكُونُ إقْرَارًا بِالْمَالِ؟ فَعِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ يَكُونُ إقْرَارًا فَلَا يَحْتَاجُ صَاحِبُ الْمَالِ إلَى الْحِيلَةِ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَقَالَ: لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَإِذَا طَلَبَ صَاحِبُ الْمَالِ الْحِيلَةَ حَتَّى يَصِيرَ مُقِرًّا بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ وَلَا صُلْحُهُ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقِرَّ صَاحِبُ الْمَالِ بِهَذَا الْمَالِ لِرَجُلٍ يَثِقُ بِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ بِهِ، وَأَنَّ اسْمَهُ فِي ذَلِكَ عَارِيَّةٌ وَيُوَكِّلُهُ بِقَبْضِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ الرَّجُلُ الْمُقَرُّ لَهُ وَصَاحِبُ الْمَالِ إلَى الْقَاضِي وَيَقُولُ الْمُقَرُّ لَهُ: إنَّ لِي بِاسْمِ هَذَا عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي فَالْمُقِرُّ يَقُولُ لِلْقَاضِي: امْنَعْ هَذَا الْمُقِرَّ مِنْ قَبْضِ هَذَا الْمَالِ وَمِنْ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ حَدَثًا أَوْ اُحْجُرْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلِهَذَا اُحْتِيجَ إلَى حَجْرِ الْقَاضِي، فَإِذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فَالْقَاضِي يَحْجُرُ عَلَيْهِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ الْقَبْضِ وَمِنْ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ حَدَثًا، ثُمَّ يَجِيءُ الْمُقِرُّ إلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيُصَالِحُهُ أَوْ يُؤَجِّلُهُ حَتَّى يُقِرَّ لَهُ بِالدَّيْنِ يَجِيءُ الْمُقَرُّ لَهُ إلَى الْقَاضِي وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا جَرَى مِنْ الْأَمْرِ قَبْلَ هَذَا وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ مِنْ الْمُقِرِّ وَتَأْجِيلُهُ وَيَأْخُذُ الْمَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يُوجَدُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَإِنَّمَا اُسْتُفِيدَتْ مِنْ جِهَةِ الْخَصَّافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْحِيلَةِ نَوْعُ نَظَرٍ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْجُرَ الْقَاضِي عَلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ فِي حَجْرِهِ عَلَيْهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ اسْتَحَقَّ الْبَرَاءَةَ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ بِإِيفَاءِ الْحَقِّ إلَى الْمُقِرِّ وَبِإِبْرَائِهِ وَتَأْجِيلِهِ فَفِي جَوَازِ هَذَا الْحَجْرِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَطْلُوبِ عَلَيْهِ وَالْقَاضِي لَا يَحْجُرُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَكَأَنَّ الْخَصَّافَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخَذَ هَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجْرِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَذِنَ رَجُلًا بِالتَّصَرُّفِ فَلَمَّا تَصَرَّفَ وَدَايَنَ النَّاسَ فَسَدَ الرَّجُلُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَنْحَجِرُ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَنْحَجِرُ إلَّا بِحَجْرِ الْقَاضِي وَإِذَا حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي صَحَّ حَجْرُهُ وَانْحَجَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَهُنَاكَ الْمَدْيُونُ أَيْضًا اسْتَحَقَّ الْبَرَاءَةَ بِالْإِيفَاءِ إلَى الْمَحْجُورِ وَبِإِبْرَائِهِ، فَفِي هَذَا الْحَجْرِ إبْطَالُ حَقِّهِ عَلَيْهِ وَمَعَ هَذَا جَوَّزَ ذَلِكَ وَكَثِيرًا مَا يُوجَدُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ مِثْلُ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ فَهَهُنَا أَيْضًا كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَجُوزُ قَبْضُ الَّذِي كَانَ بِاسْمِهِ الْمَالُ بَعْدَ إقْرَارِهِ وَيَجُوزُ تَأْجِيلُهُ وَإِبْرَاؤُهُ وَهِبَتُهُ وَمَا صَنَعَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا خَصَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ جَائِزًا وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الْحَجْرُ عِنْدَهُ صَارَ الْحَالُ بَعْدَ الْحَجْرِ كَالْحَالِ قَبْلَهُ وَقَبْلَ الْحَجْرِ كَانَ يَجُوزُ تَصَرُّفَاتُ الْمُقِرِّ فِي الدَّيْنِ الْمُقَرِّ بِهِ فَقَدْ عُرِفَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى النَّاسِ لِرَجُلٍ يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَيَكُونُ حَقُّ الْقَبْضِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي عَامَلَ وَعَاقَدَ وَالْعَاقِدُ يَمْلِكُ التَّأْجِيلَ وَالْإِبْرَاءَ عَنْ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -
كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ.
(رَجُلٌ) لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَأَرَادَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ أَنْ يَتَحَوَّلَ الْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ لِرَجُلٍ آخَرَ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَتَحَوَّلَ الْمَالُ لَهُ: بِعْ عَبْدَك هَذَا أَوْ مَتَاعَك هَذَا مِنْ فُلَانٍ الطَّالِبِ بِالْأَلْفِ الَّتِي لَهُ عَلَيَّ، فَإِذَا بَاعَ الْمَأْمُورُ عَبْدَهُ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ بِالْمَالِ الَّذِي لَهُ عَلَى فُلَانٍ وَقَبِلَ صَاحِبُ الْمَالِ الْبَيْعَ مِنْ صَاحِبِ الْعَبْدِ يَتَحَوَّلُ الدَّيْنُ وَيَصِيرُ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعَقْدِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ: بِعْ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ بِمِثْلِ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيَّ، ثُمَّ اجْعَلْ ثَمَنَهُ قِصَاصًا بِمَالِهِ عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَحَوَّلُ الْمَالُ إلَى صَاحِبِ الْعَبْدِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ هُنَاكَ حِيلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَا ذَكَرْنَا وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَأْمُرَ الْمَدْيُونُ ذَلِكَ الرَّجُلَ حَتَّى يُصَالِحَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لِلطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ عَلَى عَبْدِهِ هَذَا، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَارَ الْمَالُ عَلَى الْمَطْلُوبِ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ غَيْرَ أَنَّ فِي فَصْلِ الصُّلْحِ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ بِالْعَبْدِ لَا بِبَدَلِهِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا أُضِيفَ إلَى دَيْنٍ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهِ لَا بِمِثْلِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَلِهَذَا إذَا صَالَحَهُ عَلَى دَيْنٍ، ثُمَّ تَصَادَفَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَبْطُلُ الصُّلْحُ وَإِذَا حَصَلَ الصُّلْحُ بِالْعَبْدِ وَقَعَ الْقَضَاءُ بِعَيْنِ الْعَبْدِ وَصَارَ الْمَدْيُونُ مُسْتَقْرِضًا مِنْ الْمَأْمُورِ عَبْدَهُ وَاسْتِقْرَاضُ الْعَبْدِ يُوجِبُ الْقِيمَةَ.
أَمَّا فِي بَابِ الْبَيْعِ الْعَقْدُ لَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ بَلْ بِمِثْلِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ شَيْئًا بِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَلَمَّا كَانَ هَكَذَا صَارَ الْمَأْمُورُ قَابِضًا دَيْنَ الْآمِرِ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ كَأَنَّهُ بَاعَ الْعَبْدَ بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ جَعَلَ ثَمَنَهُ قِصَاصًا بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْآمِرِ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَ هَكَذَا رَجَعَ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ بِثَمَنِ الْعَبْدِ وَهُوَ مِثْلُ الدَّيْنِ كَذَا هُنَا وَلَوْ أَنَّ الْمَطْلُوبَ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الطَّالِبُ ذَلِكَ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَشْتَرِيَ الطَّالِبُ الْعَبْدَ أَوْ الْمَتَاعَ مِنْ مَوْلَاهُ بِالْأَلْفِ دِرْهَمٍ مُطْلَقَةً وَلَا يَقُولُ بِالْأَلْفِ الَّتِي لَهُ عَلَى فُلَانٍ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَ فِي هَذَا تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَكِنْ يَشْتَرِي بِالْأَلْفِ مُطْلَقَةً، ثُمَّ يُحِيلُ بِهَا الْبَائِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ الدَّيْنُ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ الْحَوَالَةَ هَلْ يَتِمُّ قَالَ لَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْمُطَالَبَةِ وَلَا تَتَحَوَّلُ الْمُطَالَبَةُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِرِضَاهُ فَإِنْ طَلَبَ حِيلَةً يَصِيرُ ذَلِكَ الْمَالُ لِلْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ حَوَالَةٍ فَالْوَجْهُ مَا ذَكَرْنَا أَنْ يُقِرَّ الطَّالِبُ بِالدَّيْنِ لِبَائِعِهِ وَيُوَكِّلَهُ بِقَبْضِهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ صَاحِبُ الْعَبْدِ يُبْرِئُهُ عَنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ وَإِذَا خَافَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ فَالْوَجْهُ مَا قَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَيْضًا، فَإِنْ قَالَ: الْمُقَرُّ لَهُ بِالدَّيْنِ وَهُوَ الْبَائِعُ إذَا أَبْرَأْته عَنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ لَا آمَنُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ وَكِيلِي فِي قَبْضِ هَذَا الدَّيْنِ وَيُحَلِّفَنِي عَلَيْهِ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكْتُبَ إقْرَارَ الطَّالِبِ بِذَلِكَ الدَّيْنِ لِلْمُقَرِّ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا وَيَكْتُبَ فِيهِ أَيْضًا إقْرَارَ الطَّالِبِ بِذَلِكَ وَهُوَ الْمُقِرُّ إنِّي ادَّعَيْتُ عَلَى فُلَانٍ الْمُقَرِّ لَهُ عِنْدَ قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ وَكِيلِي فِي قَبْضِ هَذَا الدَّيْنِ وَحَلَّفْتُهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَمِينَ لِي عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا فِي هَذِهِ الدَّعْوَى، فَإِذَا أَقَرَّ بِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَلَا عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ سَبِيلٌ.
(رَجُلٌ) لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَسَأَلَ الْمَطْلُوبُ الطَّالِبَ أَنْ يُؤَجِّلَ لَهُ هَذَا الْمَالَ إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ أَوْ يُنَجِّمَهُ عَلَيْهِ فَأَجَابَهُ الطَّالِبُ إلَى ذَلِكَ فَخَافَ الْمَطْلُوبُ أَنْ يَحْتَالَ عَلَيْهِ الطَّالِبُ فَيُقِرُّ بِالْمَالِ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ يُؤَجِّلُهُ أَوْ يُنَجِّمُهُ فَلَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ وَلَا تَنْجِيمُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَطَلَبَ حِيلَةً حَتَّى يَصِحَّ تَأْجِيلُهُ وَتَنْجِيمُهُ عِنْدَ الْكُلِّ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقِرَّ الطَّالِبُ أَنَّ هَذَا الْمَالَ حِينَ وَجَبَ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ، إنَّمَا وَجَبَ مُؤَجَّلًا إلَى وَقْتِ كَذَا، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُنَجِّمَهُ عَلَيْهِ يُقِرُّ الطَّالِبُ أَنَّ هَذَا
الْمَالَ حِينَ وَجَبَ عَلَى الْمَطْلُوبِ، إنَّمَا وَجَبَ مُنَجَّمًا إلَى وَقْتِ كَذَا وَيَصِفُ النُّجُومَ وَهَذَا لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ هَلْ يَمْلِكُ التَّأْجِيلَ وَالتَّنْجِيمَ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَمُنَجَّمٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقِرَّ الطَّالِبُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يُجَوِّزْ التَّأْجِيلَ وَالتَّنْجِيمَ بَعْدَ مَا ثَبَتَ الدَّيْنُ مُطْلَقًا وَجَوَّزَ الْإِقْرَارَ بِوُجُوبِ الْمَالِ مُؤَجَّلًا وَمُنَجَّمًا مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالُوا فِي الدَّيْنِ إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُؤَجِّلَ فِي نَصِيبِهِ وَأَبَى الْآخَرُ لَا يَجُوزُ هَذَا التَّأْجِيلُ أَصْلًا، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا هَذَا الدَّيْنُ حِينَ وَجَبَ وَجَبَ مُؤَجَّلًا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ثَبَتَ التَّأْجِيلُ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ وَكَذَلِكَ حَدُّ الْقَذْفِ إذَا وَجَبَ عَلَى الْقَاذِفِ فَأَرَادَ الْمَقْذُوفُ أَنْ يَعْفُوَ لَا يَعْمَلُ عَفَوْهُ وَلَوْ قَالَ الْمَقْذُوفُ: كُنْتُ مُبْطِلًا فِي دَعْوَايَ سَقَطَ الْحَدُّ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِسَبَبِ الشَّيْءِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَقَرَّ وَمَنْ أَرَادَ بِإِقْرَارِهِ تَغْيِيرَ سَبَبٍ قَدْ صَحَّ لَا يَعْمَلُ إقْرَارُهُ فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَجَلُ مُتَعَارَفًا فَأَمَّا إذَا كَانَ أَجَلًا يُخَالِفُ عُرْفَ النَّاسِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.
وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ بِأَجَلٍ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَيْفَمَا كَانَ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ مِنْ التَّأْجِيلِ مَا كَانَ مُتَعَارَفًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الطَّالِبُ لِلْمَطْلُوبِ أَيْضًا مَا يَبْدُو لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ دَرْكٍ مِنْ قِبَلِهِ وَبِأَسْبَابِهِ مِنْ إقْرَارٍ وَتَلْجِئَةٍ وَهِبَةٍ وَتَمْلِيكٍ وَتَوْكِيلٍ وَحَدَثٍ إنْ كَانَ أَحْدَثَهُ فِي هَذَا الْمَالِ يَبْطُلُ بِهِ التَّأْجِيلُ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ فُلَانٌ فَهُوَ ضَامِنٌ حَتَّى يُخَلِّصَهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا يَلْزَمُهُ احْتَالَا بِهَذِهِ الْحِيلَةِ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ قَدْ كَانَ الطَّالِبُ أَقَرَّ لَهُ بِالْمَالِ قَبْلَ التَّأْجِيلِ فَأَخَذَ الْمَطْلُوبُ بِالْمَالِ وَكَذَّبَهُ فِي التَّأْجِيلِ لَا يَثْبُتُ التَّأْجِيلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَكِنْ يَكُونُ لِلْمَطْلُوبِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الطَّالِبِ بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ لَهُ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ دَرْكٍ وَقَدْ لَحِقَهُ الدَّرْكُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ فَإِمَّا أَنْ يُخَلِّصَهُ الطَّالِبُ، وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا ضَمِنَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ إلَى وَقْتِ أَجَلِهِ وَتَنْجِيمِهِ.
(رَجُلٌ) لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَمَاتَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ فَسَأَلَ الْوَارِثُ صَاحِبَ الْمَالِ أَنْ يَضْمَنَهُ هَذَا الْمَالَ إلَى أَجَلٍ يَعْنِي يُؤَجِّلُ هَذَا الْمَالَ قَالَ: لَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْخَصَّافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ لَا ذِكْرَ لَهَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلَكِنْ ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْمَالُ إذَا مَاتَ حَلَّ الْأَجَلُ بِمَوْتِهِ وَذَكَرَ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْفَصْلَ هُنَاكَ وَقَالَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَجَلُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ فَبَعْدَ هَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَثْبُتَ الْأَجَلُ لِلْمَيِّتِ أَوْ يَثْبُتَ فِي الْمَالِ لَا وَجْهَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ سَقَطَ عَنْ ذِمَّتِهِ بِالْمَوْتِ فَكَيْفَ يَعُودُ الْأَجَلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَجَلَ الثَّابِتَ لِهَذَا الشَّخْصِ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْأَجَلُ لَهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ وَالْأَعْيَانُ لَا تَقْبَلُ الْآجَالَ فَلِذَلِكَ قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْأَجَلُ وَرَدُّوا هَذَا إلَى مَسْأَلَةٍ وَهِيَ أَنَّ غَرِيمَ الْمَيِّتِ إذَا أَبْرَأَ الْمَيِّتَ عَنْ الدَّيْنِ فَرَدَّهُ الْوَارِثُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَعْمَلُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَعْمَلُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَطْلُوبُ بِالدَّيْنِ فَلَمَّا عَمِلَ رَدَّهُ وَجُعِلَ كَأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ عَمِلَ أَيْضًا الْأَجَلُ وَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ هَكَذَا قَالُوا: وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ عَلَى الِاتِّفَاقِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ.
ثُمَّ إذَا كَانَ لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ مَا الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ قَالَ الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقِرَّ الْوَارِثُ إنِّي قَدْ كُنْتُ ضَمِنْتُ هَذَا الْمَالَ عَنْ الْمَيِّتِ فِي حَيَاتِهِ لِفُلَانٍ إلَى وَقْتِ كَذَا