الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُقِرَّ هَذَا الطَّالِبُ أَنَّ هَذَا الْمَالَ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى الْمَيِّتِ وَعَلَى كَفِيلِهِ هَذَا إلَى هَذَا الْوَقْتِ وَيُقِرَّ الطَّالِبُ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى هَذَا الْوَارِثِ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، فَإِذَا أَقَرَّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَحِينَئِذٍ يَبْقَى الْمَالُ عَلَى الْوَارِثِ مُؤَجَّلًا، وَإِنَّمَا كَانَ هَكَذَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ، وَإِنْ سَقَطَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ بِمَوْتِهِ لَكِنْ لَا يَسْقُطُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ فَيَبْقَى عَلَى الْوَارِثِ مُؤَجَّلًا هَكَذَا ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَيُقِرُّ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى هَذَا الْوَارِثِ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ حَلَّ عَلَى الْأَصِيلِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ وَيَأْخُذَهُ أَيْنَمَا وُجِدَ فَيُقِرُّ هَكَذَا حَتَّى يَكُونَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَارِثِ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَلَا يُقِرُّ أَنَّهُ مَاتَ مُفْلِسًا وَضَمِنَ الْوَارِثُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُقِرُّ أَنَّهُ كَانَ ضَمِنَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالدَّيْنِ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ لَا تَصِحُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَحَرَّزَ عَنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
[الْفَصْلُ السَّابِعَ عَشَرَ فِي الْإِجَارَاتِ]
(الْفَصْلُ السَّابِعَ عَشَرَ فِي الْإِجَارَاتِ) قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي إجَارَاتِ الْأَصْلِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ مِنْ آخَرَ حَمَّامًا وَشَرَطَ رَبُّ الْحَمَّامِ الْمَرَمَّةَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْمَرَمَّةِ يَصِيرُ أَجْرًا وَإِنَّهُ مَجْهُولٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ فِي ذَلِكَ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَرَمَّةِ وَيَضُمَّ ذَلِكَ إلَى الْأُجْرَةِ، ثُمَّ يَأْمُرَ صَاحِبُ الْحَمَّامِ الْمُسْتَأْجِرَ بِصَرْفِ مَا ضَمَّ إلَى الْأَجْرِ لِلْمَرَمَّةِ إلَى الْمَرَمَّةِ، حَتَّى إنَّهُ إذَا كَانَ الْأَجْرُ عَشْرَةً وَالْقَدْرُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْمَرَمَّةِ أَيْضًا عَشْرَةٌ فَصَاحِبُ الْحَمَّامِ يُؤَاجِرُ الْحَمَّامَ مِنْهُ بِعِشْرِينَ وَيَأْمُرُ بِصَرْفِ الْعَشَرَةِ إلَى الْمَرَمَّةِ فَيَصِيرُ الْمُسْتَأْجِرُ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْحَمَّامِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَإِنَّهُ مَعْلُومٌ فَيَجُوزُ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: هَذِهِ الْحِيلَةُ مُسْتَقِيمَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ دَيْنٌ وَقَدْ أَمَرَهُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمَجْهُولِ وَهُوَ بَائِعٌ آلَاتِ الْمَرَمَّةِ وَالْأَجْرُ مَجْهُولٌ وَإِنَّهُ يَمْنَعُ جَوَازَ الْوَكَالَةِ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا إذَا قَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ أَسْلِمْ مَا لِي عَلَيْك فِي كَذَا أَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بِمَا لِي عَلَيْكَ كَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا بَلْ هَذِهِ الْحِيلَةُ مُسْتَقِيمَةٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ بَعْضُهُمْ قَالُوا حَالَةُ التَّوْكِيلِ الْأُجْرَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِيَكُونَ أَمْرًا بِصَرْفِ الدَّيْنِ إلَى الْمَجْهُولِ وَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ الْوَكَالَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِهَذَا قَبْلَ الْإِجَارَةِ جَازَتْ الْوَكَالَةُ، وَإِنَّمَا جَارَتْ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الدِّينَ هُنَاكَ وَاجِبٌ وَقْتَ الْوَكَالَةِ، فَإِذَا وَكَّلَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُسْلِمُ إلَيْهِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِصَرْفِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْمَجْهُولِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: ادْفَعْ مَا لِي عَلَيْك إلَى رَجُلٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ أَمَّا هَهُنَا فَبِخِلَافِهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ وَاجِبَةً وَقْتَ التَّوْكِيلِ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا لَمْ يُعَيِّنْ الْأَجْرَ وَبَاعَهُ الْآلَاتِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ السَّلَمِ.
وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا لَا يُجَوِّزُ التَّوْكِيلَ بِصَرْفِ الدَّيْنِ إذَا كَانَ الْمَصْرُوفُ إلَيْهِ مَجْهُولًا أَمَّا إذَا كَانَ مَعْلُومًا فَلَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ آخَرَ دَابَّةً أَوْ غُلَامًا وَأَمَرَ الْآجِرُ الْمُسْتَأْجِرَ أَنْ يُنْفِقَ بَعْضَ الْأُجْرَةِ فِي عَلَفِ الدَّابَّةِ وَنَفَقَةِ الْغُلَامِ يَجُوزُ لَمَّا كَانَ مَحِلُّ الصَّرْفِ وَهُوَ الْغُلَامُ وَالدَّابَّةُ مَعْلُومًا وَهَهُنَا مَحِلُّ الصَّرْفِ وَهُوَ مَرَمَّةُ الْحَمَّامِ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ مَحِلُّ الصَّرْفِ وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ مَجْهُولٌ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعْلُومًا بِأَنْ قَالَ: أَسْلِمْ مَا لِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ إلَى فُلَانٍ وَعَيَّنَهُ يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: قَدْ رَمَمْتُ الْحَمَّامَ بِهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَشْهَدَ رَبُّ الْحَمَّامِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مُصَدَّقٌ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ الْإِنْفَاقِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ إلَّا بِحُجَّةٍ يَعْنِي أَشْهَدَ وَقْتَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَوَقْتَ
اشْتِرَاطِ الْمَرَمَّةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مُصَدَّقٌ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ الْإِنْفَاقِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ بِدَعْوَى الْإِنْفَاقِ يَدَّعِي إيفَاءَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ وَرَبُّ الْحَمَّامِ يُنْكِرُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْحَمَّامِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُسْتَأْجِرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى كَمَا لَوْ ادَّعَى الْإِيفَاءَ حَقِيقَةً وَالْحِيلَةُ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى مَا أَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ أَنْ يُعَجِّلَ الْمُسْتَأْجِرُ مِقْدَارَ الْمَرَمَّةِ وَيَدْفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الْحَمَّامِ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْحَمَّامِ يَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيَأْمُرُهُ بِإِنْفَاقِ ذَلِكَ فِي مَرَمَّةِ الْحَمَّامِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي إنْفَاقِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ بِالتَّعْجِيلِ يَصِيرُ الْمُعَجَّلُ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْحَمَّامِ، فَإِذَا دَفَعَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ بَعْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ الْمُسْتَأْجِرُ أَمِينًا فِيهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ فِي صَرْفِ الْأَمَانَةِ إلَى مَصْرِفِهَا.
(وَحِيلَةٌ أُخْرَى لِإِسْقَاطِ الْبَيِّنَةِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ) أَنْ يَجْعَلَا مِقْدَارَ الْمَرَمَّةِ فِي يَدِ عَدْلٍ حَتَّى يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْعَدْلِ فِيمَا يُنْفِقُ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ أَمِينٌ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ مِنْ آخِرِ عَرْصَةِ دَارٍ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَأَذِنَ لَهُ رَبُّ الدَّارِ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا كَذَا وَكَذَا وَيَحْسِبُ لَهُ مَا أَنْفَقَ فِي الْبِنَاءِ مِنْ الْأَجْرِ فَهَذَا جَائِزٌ.
أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا وَوَكَّلَهُ رَبُّ الْحَمَّامِ أَنْ يَرُمَّ مَا اسْتَرَمَّ مِنْ الْحَمَّامِ وَيَحْسِبُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ يَجُوزُ وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ وَأَنْفَقَ فِي الْبِنَاءِ اسْتَوْجَبَ عَلَى الْآجِرِ قَدْرَ مَا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِأَمْرِهِ وَالْأَجْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دَيْنٌ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَضْلٌ وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَضْلٌ وَيَكُونُ الْبِنَاءُ لِصَاحِبِ الْعَرْصَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْحَمَّامِ الْمُحَاسَبَةَ مِنْ الْأَجْرِ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْبِنَاءِ لَا غَيْرُ بِأَنْ قَالَ ابْنِ فِيهَا كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَقُلْ أُحَاسِبُك بِمَا أَنْفَقْت فِي الْبِنَاءِ مِنْ الْأَجْرِ فَبَنَى فِيهَا فَالْبِنَاءُ لِمَنْ يَكُونُ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْبِنَاءُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْعَرْصَةِ وَاسْتُدِلَّ بِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ أَنَّ مَنْ آجَرَ مِنْ آخَرَ حَمَّامًا وَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الْحَمَّامِ: رُمَّ مَا اسْتَرَمَّ فَفَعَلَ فَالْعِمَارَةُ تَكُونُ لِصَاحِبِ الْحَمَّامِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَاسْتُدِلَّ بِمَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ أَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ دَارًا أَوْ بَنَى فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّ الدَّارِ أَنَّ الْبِنَاءَ يَكُونُ لِلْمُسْتَعِيرِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْبِنَاءَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَا يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْآجِرِ بِمَا أَنْفَقَ فِي الْبِنَاءِ، فَإِنْ خَافَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنَّهُ لَوْ بَنَى وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَبْلَ تَمَامِ هَذِهِ السِّنِينَ رُبَّمَا يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى قَاضٍ لَا يَرَى لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى الْآجِرِ بِمَا أَنْفَقَ فِي الْبِنَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا فَتَذْهَبُ نَفَقَتُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَطَلَبَ لِذَلِكَ حِيلَةً فَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِ السَّاحَةِ حِينَ يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ فِي الْبِنَاءِ وَأُحَاسِبُك بِمَا أَنْفَقْت فِي الْبِنَاءِ مِنْ الْأُجْرَةِ فَيَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْآجِرِ بِمَا أَنْفَقَ بِالْإِنْفَاقِ مَتَى انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ قَبْلَ تَمَامِ هَذِهِ السِّنِينَ.
(وَحِيلَةٌ أُخْرَى) أَنْ يَنْظُرَ إلَى مِقْدَارِ هَذِهِ النَّفَقَةِ كَمْ يَكُونُ وَيَضُمَّ ذَلِكَ إلَى أَجْرِ الدَّارِ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ وَيَجْعَلَ الْكُلَّ أَجْرَ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ، ثُمَّ يُقِرَّ رَبُّ الدَّارِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَسْلَفَهُ أَيْ عَجَّلَهُ مِنْ أُجْرَةِ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ كَذَا وَكَذَا وَقَبَضَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى إذَا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَالْمُسْتَأْجِرُ يَرْجِعُ عَلَى الْآجِرِ بِمَا أَقَرَّ أَنَّهُ أَسْلَفَ مِنْ أُجْرَةِ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ، وَإِنْ تَمَّتْ الْإِجَارَةُ حَصَلَ مَقْصُودُ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَى صَاحِبِ السَّاحَةِ سَبِيلٌ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ خَافَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ الْمُؤَاجِرُ بِاَللَّهِ لَقَدْ أَسْلَفْته كَذَا وَكَذَا وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْلِفَ لَا بُدَّ مِنْ حِيلَةٍ أُخْرَى فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ الْمُؤَاجِرِ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ وَيَدْفَعَ ذَلِكَ الشَّيْءَ إلَيْهِ، فَإِنْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ السِّنِينَ فَالْمُسْتَأْجِرُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثَمَنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمُؤَاجِرِ هَذَا الْقَدْرَ؛ لِأَنَّهُ جَرَتْ الْمُبَايَعَةُ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْقَدْرِ.
(وَإِذَا) أَرَادَ الرَّجُلُ
أَنْ يُؤَاجِرَ أَرْضًا لَهُ فِيهَا زَرْعٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا حِيلَةٌ إلَّا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ أَنْ يَبِيعَهُ الزَّرْعَ، ثُمَّ يُؤَاجِرَهُ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ بَعْدَ الْإِجَارَةِ وَإِذَا بَاعَهُ الزَّرْعَ ثُمَّ آجَرَهُ الْأَرْضَ فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يَرَى زَرْعَهُ فِيهَا وَإِذَا لَمْ يَبِعْهُ الزَّرْعَ لَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِزَرْعِ الْآجِرِ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِقَلْعِ زَرْعِهِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ عَلَيْهِ فَلِهَذَا كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ أَشْجَارٌ أَوْ بِنَاءٌ فَأَرَادَ أَنْ يُؤَاجِرَهَا مِنْهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأَشْجَارَ أَوْ الْبِنَاءَ مِنْهُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُؤَاجِرَ الْأَرْضَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
(رَجُلٌ) أَرَادَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضًا وَفِيهَا زَرْعُ صَاحِبِ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ آجَرَ أَرْضًا لَا يُمْكِنُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَصَارَ كَمَا لَوْ آجَرَ أَرْضًا سَبْخَةً أَوْ أَرْضًا نَزَّةً وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ، إنَّمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ يَدَ رَبِّ الْأَرْضِ قَائِمَةٌ عَلَى الْأَرْضِ حُكْمًا لِكَوْنِ الْأَرْضِ مَشْغُولَةً بِالزَّرْعِ الَّذِي هُوَ مِلْكُهُ وَقَدْ آجَرَ مَا لَا يَقْدِرُ الْمُؤَاجِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَصِحُّ، فَإِنْ طَلَبَ الْحِيلَةَ فِي ذَلِكَ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ رَبُّ الْأَرْضِ الزَّرْعَ مِنْ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَوَّلًا ثُمَّ يُؤَاجِرَهُ الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ بِالْبَيْعِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُسْتَأْجِرِ فَالْمُسْتَأْجِرُ يَنْتَفِعُ بِالْأَرْضِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَنْمُو زَرْعُهُ بِهَا فَقَدْ آجَرَ مَا يَقْدِرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلِأَنَّ الزَّرْعَ إذَا صَارَ مَمْلُوكًا لِلْمُسْتَأْجِرِ فَقَدْ زَالَ يَدُ الْآجِرِ عَنْ الْأَرْضِ حُكْمًا وَحَقِيقَةً فَقَدْ آجَرَ مَا يَقْدِرُ الْمُؤَاجِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَيَصِحُّ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنَّمَا تَصِحُّ إجَارَةُ الْأَرْضِ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ إذَا كَانَ بَيْعُ الزَّرْعِ بَيْعَ رَغْبَةٍ وَجِدٍّ أَمَّا إذَا كَانَ بَيْعَ هَزْلٍ وَتَلْجِئَةٍ فَلَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْعَ هَزْلٍ فَالزَّرْعُ لَا يَزُولُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَيَبْقَى الْحَالُ بَعْدَ بَيْعِ الزَّرْعِ كَالْحَالِ قَبْلَهُ، وَعَلَامَةُ كَوْنِ هَذَا الْبَيْعِ بَيْعَ رَغْبَةٍ وَجِدٍّ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الزَّرْعِ بِقِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ.
وَعَلَامَةُ كَوْنِهِ بَيْعَ هَزْلٍ أَنْ يَكُونَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الزَّرْعِ مِقْدَارِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ إذَا كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ مِقْدَارِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَهُوَ بَيْعُ رَغْبَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ، وَعِنْدَهُمَا بَيْعُ هَزْلٍ فَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: هَذَا الْبَيْعُ إذَا كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ فَهُوَ بَيْعُ جِدٍّ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْإِجَارَةِ، وَبَيَانُ كَوْنِهِ بَيْعَ جِدٍّ أَنَّهُمَا قَصَدَا صِحَّةَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الزَّرْعِ جِدًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا بَاشَرَاهُ جِدًّا تَحْقِيقًا لِغَرَضِهِمَا.
(وَإِذَا) آجَرَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ مِنْ رَجُلٍ وَشَرَطَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ خَرَاجَهَا مَعَ الْأَجْرِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ قَدْ يَنْتَقِصُ وَقَدْ يَزْدَادُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ سَنَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَمَرَمَّتِهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَرَمَّةَ مَجْهُولَةٌ فَتَصِيرُ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً وَلِأَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ فَإِذَا شَرَطَهُ مَالِكُهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ صَارَ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ لِلْمُسْتَأْجِرِ: آجَرْتُك أَرْضِي هَذِهِ سَنَةً بِكَذَا دِرْهَمًا عَلَى أَنْ تَحْتَالَ عَنِّي لِلسُّلْطَانِ بِالْخَرَاجِ الَّذِي يَلْزَمُ عَلَيَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَقْدَ إجَارَةٍ شُرِطَ فِيهِ حَوَالَةُ دَيْنٍ فَيَفْسُدُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ، ثُمَّ الْحِيلَةُ فِي أَنْ تَجُوزَ هَذِهِ الْإِجَارَةُ وَلَا تَفْسُدَ أَنْ يُؤَاجِرَهَا إيَّاهُ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ وَيَزِيدَ فِي الْأُجْرَةِ قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَرْضَ مِنْ الْخَرَاجِ وَيُؤَاجِرَهَا بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَيُشْهِدَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ مِنْ أَجْرِ الْأَرْضِ فِي خَرَاجِهَا كَذَا دِرْهَمًا وَهَذَا وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَصَحَّتْ، ثُمَّ الْآجِرُ فَوَّضَ أَدَاءَ الْخَرَاجِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْأَجْرِ فَيَكُونُ الْمُسْتَأْجِرُ وَكِيلًا لِلْآجِرِ بِأَدَاءِ الْأُجْرَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ التَّفْوِيضُ وَهَذَا كَمَا قَالُوا فِي
مَرَمَّةِ الدَّارِ أَنَّهُ إذَا آجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ وَأَمَرَهُ الْآجِرُ أَنْ يَرُمَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مَا اسْتَرَمَّ فِيهَا مِنْ أَجْرِ الدَّارِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ التَّفْوِيضُ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ، كَذَا هَذَا، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ ضَعِيفَةٌ فَإِنَّ الْآجِرَ وَالْمُسْتَأْجِرَ إذَا اخْتَلَفَا فِي أَدَاءِ الْأَخْرِجَةِ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: أَدَّيْت أَخْرِجَتَهَا وَمَا هُوَ مِنْ رِيعِهَا وَكَذَّبَهُ الْآجِرُ أَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْمُؤَدَّى فَالْقَوْلُ لِلْآجِرِ وَلَا يُصَدَّقُ الْمُسْتَأْجِرُ فِيمَا ادَّعَى مِنْ أَدَاءِ أَخْرِجَتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ ضَمِينٌ غَيْرُ أَمِينٍ، فَهُوَ بِهَذَا يُرِيدُ أَنْ يُبْرِئَ ذِمَّتَهُ عَنْ ضَمَانِ الْأُجْرَةِ وَالْآجِرُ مُنْكَرٌ لِلِاسْتِيفَاءِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْآجِرِ.
وَكَذَلِكَ فِي مَرَمَّةِ الدَّارِ إذَا اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلْآجِرِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَالْحِيلَةُ الْأَوْثَقُ فِيهَا أَنْ يَدْفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ إلَى رَبِّ الْأَرْضِ جَمِيعَ الْأَجْرِ مُعَجَّلًا، ثُمَّ يَدْفَعُ ذَلِكَ رَبُّ الْأَرْضِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيُوَكِّلُهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَنْهُ إلَى وُلَاةِ الْخَرَاجِ فَيَكُونُ الْمُسْتَأْجِرُ فِي ذَلِكَ مُصَدَّقًا أَنَّهُ قَدْ أَدَّاهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ يَسْأَلُهَا إيَّاهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَمَّا عَجَّلَ الْأَجْرَ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الْأَجْرِ بِالتَّعْجِيلِ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا دَفَعَهُ رَبُّ الْأَرْضِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَوَكَّلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ إلَى وُلَاةِ الْخَرَاجِ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَمِينًا فِي هَذَا الْأَدَاءِ، فَإِذَا قَالَ: أَدَّيْت كَانَ مُصَدَّقًا كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ.
وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِي مَرَمَّةِ الدَّارِ إذَا عَجَّلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأُجْرَةَ ثُمَّ الْآجِرُ دَفَعَهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَوَكَّلَهُ أَنْ يَرُمَّ مِنْ الْأَجْرِ الْمَدْفُوعِ مَا اسْتَرَمَّ مِنْ الدَّارِ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ فَعَلْتُ وَأَنْفَقْتُ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا، ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - شَرَطَ أَدَاءَ الْخَرَاجِ إلَى وُلَاةِ الْخَرَاجِ يَعْنِي نَائِبَ السُّلْطَانِ أَوْ مَأْمُورَهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَوْ مَنْ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ إذَا أَدَّى الْخَرَاجَ إلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ لَا يَبْرَأُ وَيَضْمَنُ ثَانِيًا، وَكَذَا إذَا أَدَّى إلَى جَابِي الْقَرْيَةِ أَوْ أَمِينِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبِ السُّلْطَانِ وَلَا مَأْمُورٍ فَبِالْأَدَاءِ إلَيْهِ لَا يَبْرَأُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْجَابِي نَائِبَ السُّلْطَانِ أَوْ مَأْمُورَهُ فَحِينَئِذٍ يَبْرَأُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ.
(وَمِنْ جِنْسِ مَسْأَلَةِ الْخَرَاجِ) مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حِيَلِ الْأَصْلِ وَصُورَتُهَا رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً وَشَرَطَ الْعَلَفَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ الْأَجْرِ لَا يَجُوزُ وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لِأَجْلِ الْعَلَفِ فَيَضُمَّ ذَلِكَ إلَى الْأُجْرَةِ فَيَسْتَأْجِرَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، ثُمَّ يُوَكِّلَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجِرَ أَنْ يَعْلِفَهَا بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْإِنْفَاقِ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُعَجِّلَ الْمُسْتَأْجِرُ مِقْدَارَ الْعَلَفِ وَيَدْفَعَهُ إلَى الْآجِرِ ثُمَّ يَدْفَعَهُ الْآجِرُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيَأْمُرَهُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَى دَابَّتِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أَجِيرًا وَشَرَطَ طَعَامَ الْأَجِيرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَجُوزُ وَالْحِيلَةُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مِقْدَارِ طَعَامِ الْأَجِيرِ وَيَضُمَّ ذَلِكَ إلَى أَجْرِهِ.
(رَجُلٌ) اسْتَأْجَرَ دَارًا مُشَاهَرَةً فَخَافَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنَّهُ إنْ سَكَنَهَا شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ فَإِذَا دَخَلَ مِنْ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ وَهُوَ سَاكِنٌ فِي الدَّارِ أَنْ يَلْزَمَ أَجْرُ جَمِيعِ الشَّهْرِ الدَّاخِلِ فِيهِ فَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مُيَاوَمَةً كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا فَمَتَى شَاءَ فَرَّغَهَا وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا كِرَاءُ مَا سَكَنَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ إذَا دَخَلَ مِنْ الشَّهْرِ الْآخَرِ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ وَهُوَ سَاكِنٌ فِي الدَّارِ أَنْ يَلْزَمَهُ أَجْرُ جَمِيعِ الشَّهْرِ حَقِيقَةَ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ وَلَكِنْ أَرَادَ بِهِ إذَا دَخَلَ الشَّهْرُ يَلْزَمُهُ إجَارَةُ ذَلِكَ الشَّهْرِ، وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَأَرَادَ أَنْ لَا تُنْتَقَضَ بِمَوْتِ الْمُؤَاجِرِ يُقِرُّ الْمُؤَاجِرُ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ لِفُلَانٍ عَشْرَةَ سِنِينَ يَزْرَعُ فِيهَا مَا شَاءَ فَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَهُوَ لَهُ.
وَوَجْهٌ آخَرُ أَنْ يُقِرَّ الْمُسْتَأْجِرُ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُقِرُّ الْمُؤَاجِرُ أَنَّهُ يُؤَاجِرُهَا لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَإِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْإِجَارَةِ عَيْنُ النَّفْطِ وَالْقِيرِ فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَرَبُّ الْأَرْضِ يُقِرُّ أَنَّ الْعَيْنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَهُ حَقُّ الِانْتِفَاعِ عَشْرَ سِنِينَ فَيَجُوزُ.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا آجَرَ أَرْضَهُ وَفِيهَا نَخِيلٌ فَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ التَّمْرَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ النَّخِيلَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ مُعَامَلَةً عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ جُزْءًا مِنْ