الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَلْفِ جُزْءٍ مِنْ الثَّمَرِ وَالْبَاقِي لِلْمُسْتَأْجِرِ.
وَفِي الْعُيُونِ إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ دَارًا فَأَمَرَهُ رَبُّ الدَّارِ أَنْ يُنْفِقَ فِيهَا مِنْ أَجْرِهَا فَلَوْ أَنْفَقَ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ أَمِينًا فَالْحِيلَةُ لَهُ فِيهِ أَنْ يُعَجِّلَ الْأَجْرَ ثُمَّ يَقْبِضَ مِنْهُ بِأَمْرِهِ لِيُنْفِقَ فِيهَا فَيَكُونَ أَمِينًا فِي ذَلِكَ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
[الْفَصْلُ الثَّامِنَ عَشَرَ فِي الدَّفْعِ عَنْ الدَّعْوَى]
(الْفَصْلُ الثَّامِنَ عَشَرَ فِي الدَّفْعِ عَنْ الدَّعْوَى) رَجُلٌ فِي يَدِهِ ضَيْعَةٌ أَوْ دَارٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ وَالْمُدَّعِي ظَالِمٌ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَكْرَهُ الْيَمِينَ فَأَرَادَ حِيلَةً حَتَّى تَنْدَفِعَ عَنْهُ الْيَمِينُ قَالَ الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ: أَنْ يُقِرَّ بِالْمُدَّعَى بِهِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ يُقِرَّ بِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ فَتَنْدَفِعَ عَنْهُ الْخُصُومَةُ وَالْيَمِينُ هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حِيلَةٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْضُهُمْ قَالُوا: كَمَا قَالَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبَعْضُهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَمَا إذَا أَقَرَّ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَبَيْنَمَا إذَا أَقَرَّ لِلْأَجْنَبِيِّ فَقَالُوا: إذَا أَقَرَّ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْيَمِينُ وَإِذَا أَقَرَّ لِلْأَجْنَبِيِّ لَا تَنْدَفِعُ الْيَمِينُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْيَمِينُ فِي الصُّورَتَيْنِ جَمِيعًا قَطْعًا لِبَابِ الْحِيلَةِ قَالَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَّا أَقَرَّ بِالضَّيْعَةِ الْمُدَّعَى بِهَا لِابْنِهِ أَوْ لِلْأَجْنَبِيِّ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِمَالِي وَوَجَبَ لِي عَلَيْهِ الْقِيمَةُ فَلِي أَنْ أُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا لِي عَلَيْك قِيمَةُ هَذِهِ الضَّيْعَةِ قَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخِرِ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ الْيَمِينُ، هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ غَصْبَ الْعَقَارِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ يُوجِبُ الضَّمَانَ.
ثُمَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا بِأَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي الْغَصْبِ الْمُجَرَّدِ فَأَمَّا الْجُحُودُ فَيُوجِبُ الضَّمَانَ بِالِاتِّفَاقِ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا فِي الْجُحُودِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ عَلَى السَّوَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الضَّمَانُ هَهُنَا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ هَذَا إتْلَافُ الْمِلْكِ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاهِدَ بِالْعَقَارِ يَضْمَنُ عِنْدَ الرُّجُوعِ بِالْإِجْمَاعِ لِإِتْلَافِهِ الْمِلْكَ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَرْضًا أَوْ جَارِيَةً أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْعَقَارِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُغَيِّرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْرِفُهُ الْمُدَّعِي ثُمَّ يَعْرِضُهُ عَلَى هَذَا الْمُدَّعِي لِيُسَاوِمَهُ فَتَبْطُلَ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَاوَمَهُ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْمُدَّعَى بِهِ فَتَبْطُلُ دَعْوَاهُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
[الْفَصْلُ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي الْوَكَالَةِ]
(الْفَصْلُ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي الْوَكَالَةِ) إذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً بِعَيْنِهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَبِلَ الْوَكِيلُ الْوَكَالَةَ فَلَمَّا رَآهَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ فَالْحِيلَةُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِجِنْسٍ آخَرَ غَيْرِ مَا أَمَرَهُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِأَلْفِ
دِرْهَمٍ فَيَشْتَرِيهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَيَشْتَرِيهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ يَشْتَرِيهَا بِجِنْسِ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَلَكِنْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا أَمْرَهُ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا عُرِفَ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِجِنْسِ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَبِذَلِكَ الْقَدْرِ وَلَكِنْ صَرَّحَ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ لَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ عَزْلُ نَفْسِهِ بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ هَذَا عَزْلٌ قَصْدِيٌّ فَيُشْتَرَطُ لَهُ حُضُورُ الْمُوَكِّلِ.
وَإِذَا لَمْ يَنْعَزِلْ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَشْهَدَ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا سَاعَتِئِذٍ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْإِشْهَادِ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ عَلِمَ بِمَقَالَةِ الْوَكِيلِ وَبِإِشْهَادِهِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَكِيلُ ثُمَّ اشْتَرَى الْوَكِيلُ يَصِيرُ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ.
وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى اشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْمُوَكِّلِ، فَقَدْ جَعَلَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا جِنْسًا وَاحِدًا إذْ لَوْ جَعَلَهُمَا جِنْسًا وَاحِدًا صَارَ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ بِالدَّرَاهِمِ وَقَدْ اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ فِي بَابِ الْمُسَاوَمَةِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ قِيَاسًا فِي حَقِّ حُكْمِ الرِّبَا حَتَّى جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَفِيمَا عَدَا حُكْمِ الرِّبَا جُعِلَا جِنْسًا وَاحِدًا اسْتِحْسَانًا حَتَّى يَكْمُلُ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَالْقَاضِي فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَوَّمَ بِالدَّرَاهِمِ.
وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَ بِالدَّنَانِيرِ وَالْمُكْرَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ إذَا بَاعَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ كَانَ بَيْعُهُ بَيْعَ مُكْرَهٍ كَمَا لَوْ بَاعَ بِالدَّرَاهِمِ، وَصَاحِبُ الدَّرَاهِمِ إذَا ظَفِرَ بِدَنَانِيرَ مَنْ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِجِنْسِ حَقِّهِ كَمَا لَوْ ظَفِرَ بِدَرَاهِمِهِ إلَّا رِوَايَةً شَاذَّةً عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِذَا بَاعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِالدَّنَانِيرِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ، وَكَانَ الثَّانِي أَقَلَّ قِيمَةً مِنْ الْأَوَّلِ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا اسْتِحْسَانًا وَتَبَيَّنَ بِمَا ذُكِرَ هَهُنَا أَنَّهُمَا اُعْتُبِرَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِيمَا وَرَاءَ حُكْمِ الرِّبَا أَيْضًا وَكَذَلِكَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ اُعْتُبِرَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ حَتَّى إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَ بِالدَّرَاهِمِ وَالْآخَرُ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ شَهِدَ بِالدَّرَاهِمِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الدَّنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ.
وَكَذَلِكَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ اُعْتُبِرَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ حَتَّى إنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ آخَرَ دَارًا بِدَرَاهِمَ وَآجَرَهَا مِنْ غَيْرِهِ بِدَنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ، وَقِيمَةُ الثَّانِي أَكْثَرُ مِنْ الْأَوَّلِ تَطِيبُ لَهُ الزِّيَادَةُ فَمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُمَا جُعِلَا جِنْسًا وَاحِدًا فِيمَا عَدَا حُكْمِ الرِّبَا عَلَى الْإِطْلَاقِ غَيْرُ صَحِيحٍ.
(وَحِيلَةٌ أُخْرَى) أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِمِثْلِ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَبِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ بِأَنْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَيَشْتَرِيَهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَثَوْبٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّ فِي هَذِهِ
الصُّورَةِ يَصِيرُ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ أَيْضًا، فَإِنْ وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا، فَإِنْ اشْتَرَى الْوَكِيلُ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ إمَّا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِالدَّنَانِيرِ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ اشْتَرَى بِمَا سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إلَى الشِّرَاءِ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِحُكْمِ الْعُرْفِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالُوا: وَهُنَا حِيلَةٌ أُخْرَى فِي الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُوَكِّلَ الْوَكِيلُ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَاشْتَرَاهَا حَالَ غَيْبَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَاعْلَمْ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَمَّا إنْ لَمْ يَقُلْ الْآمِرُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا إمَّا أَنْ يَشْتَرِيَهَا الْوَكِيلُ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ.
وَفِي هَذَا الْوَجْهِ إنْ اشْتَرَاهَا بِالْقَدْرِ الَّذِي أَمَرَهُ الْآمِرُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ الْجِنْسِ أَوْ بِذَلِكَ الْجِنْسِ وَلَكِنْ بِأَزْيَدَ مِنْهُ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْوَكِيلِ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا الْأَوَّلُ بِنَفْسِهِ كَانَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قُلْنَا فَهَهُنَا كَذَلِكَ.
وَإِنْ اشْتَرَاهَا حَالَ غَيْبَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ لَمْ يُقَدِّرْ لِلْوَكِيلِ الثَّانِي ثَمَنًا يَصِيرُ الْوَكِيلُ الثَّانِي مُشْتَرِيًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هَذَا الشِّرَاءَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ أَمْرِ الْآمِرِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْآمِرِ بِالشِّرَاءِ بِحَضْرَةِ رَأْيِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَهَذَا الشِّرَاءُ لَمْ يَحْضُرْهُ رَأْيُ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ قَدَّرَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ لِلْوَكِيلِ الثَّانِي ثَمَنًا فَاشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ الثَّانِي بِغَيْبَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَنْفُذُ الشِّرَاءُ عَلَى الْآمِرِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَنْفُذُ الشِّرَاءُ عَلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ.
(رَجُلٌ) وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَبِيعَ جَارِيَتَهُ وَقَبِلَ الْوَكِيلُ الْوَكَالَةَ، ثُمَّ أَرَادَ الْوَكِيلُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الْوَكِيلُ لِمَوْلَى الْجَارِيَةِ: وَكِّلْنِي بِبَيْعِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ وَأَجْرِ أَمْرِي فِيهَا وَمَا عَمِلْت فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ، ثُمَّ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ يَشْتَرِيهَا مِنْ الْوَكِيلِ الثَّانِي فَيَجُوزُ، وَهَذَا لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَارِيَةِ أَجَازَ صَنِيعَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَالتَّوْكِيلُ مِنْ صَنِيعِهِ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ مِنْهُ فَصَارَ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِ الْجَارِيَةِ لَا عَنْ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ صَاحِبُ الْجَارِيَةِ يَنْعَزِلَانِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ لَوْ عَزَلَهُمَا يَنْعَزِلَانِ وَإِذَا عَزَلَ الثَّانِيَ وَحْدَهُ يَنْعَزِلُ وَإِذَا عَزَلَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ يَنْعَزِلُ الثَّانِي عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْحِيَلِ وَأَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الثَّانِيَ وَكِيلٌ عَنْ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ صَاحِبَ الْجَارِيَةِ أَجَازَ صَنِيعَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ، وَعَزْلُ الثَّانِي مِنْ صَنِيعِهِ فَنَفَذَ عَلَيْهِ، وَإِذَا صَارَا وَكِيلَيْ صَاحِبِ الْجَارِيَةِ كَانَ لِلْوَكِيلِ الثَّانِي أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ وَكَّلَ صَاحِبُ الْجَارِيَةِ بِبَيْعِ الْجَارِيَةِ بِنَفْسِهِ. وَإِنْ لَمْ يُجِزْ مَوْلَى الْجَارِيَةِ صَنِيعَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَهَا الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا حَتَّى يَجُوزَ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَيَدْفَعَهَا إلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ يَسْتَقِيلَهُ الْعَقْدَ وَتَنْفُذُ الْإِقَالَةُ عَلَى
الْوَكِيلِ خَاصَّةً أَوْ يَطْلُبُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَنْ يُوَلِّيَهُ الْبَيْعَ أَوْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ ابْتِدَاءً فَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ لِلْوَكِيلِ
(رَجُلٌ) كَتَبَ إلَى رَجُلٍ وَهُوَ فِي مَدِينَةٍ غَيْرِ الْمَدِينَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَتَاعًا يَصِفُهُ لَهُ وَعِنْدَ الرَّجُلِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مَتَاعٌ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَقَدْ أَمَرَهُ صَاحِبُهُ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ مَا الْحِيلَةُ فِي أَنْ يَصِيرَ الْمَتَاعُ لِلرَّجُلِ الَّذِي كَتَبَ إلَيْهِ قَالَ يَبِيعُ ذَلِكَ الْمَتَاعَ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ بَيْعًا صَحِيحًا وَيَدْفَعُ إلَيْهِ ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْهُ الرَّجُلُ الَّذِي يَكْتُبُ إلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ الْمَتَاعَ بِنَفْسِهِ مِنْ الرَّجُلِ الَّذِي كَتَبَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى الْعَقْدَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَكِنْ يَفْعَلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا جَرَى بَيْنَ اثْنَيْنِ.
(رَجُلٌ) وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ دَارًا أَوْ مَتَاعًا أَوْ غَيْرَهُ فَأَرَادَ الْوَكِيلُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ وَيَكُونُ الثَّمَنُ حَالًّا عَلَى الْآمِرِ يَأْخُذُهُ مِنْهُ وَالْبَائِعُ يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ مَا الْحِيلَةُ فِيهِ قَالَ: الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِالثَّمَنِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَإِذَا تَوَاجَبَا الْبَيْعَ وَجَبَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ وَوَجَبَ لِلْوَكِيلِ الثَّمَنُ عَلَى الْآمِرِ يَأْخُذُهُ مِنْهُ ثُمَّ يُؤَجِّلُ الْبَائِعُ الْوَكِيلَ بِالثَّمَنِ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَيَجُوزُ التَّأْجِيلُ لِلْوَكِيلِ وَيَكُونُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَأْخُذَ الْآمِرَ بِالثَّمَنِ حَالًّا وَهَذَا لِأَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ يُوجِبُ الثَّمَنَ حَالًّا وَيَكُونُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَكَانَ دَيْنُ الْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ حَالًّا بِسَبَبِ الْعَقْدِ، وَتَأْجِيلُ الْبَائِعِ الْوَكِيلَ لَهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ إبْرَاءٌ مُؤَقَّتٌ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ الْمُؤَبَّدِ وَالْبَائِعُ لَوْ أَبْرَأَ الْوَكِيلَ عَنْ الثَّمَنِ أَوْ وَهَبَ لَهُ لَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ حَطِّ بَعْضِ الثَّمَنِ عَنْ الْوَكِيلِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ أَيْضًا بِذَلِكَ الْقَدْرِ لِأَنَّ الْحَطَّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَيَصِيرُ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَا بَقِيَ أَمَّا الْإِبْرَاءُ عَنْ كُلِّ الثَّمَنِ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قُلْنَا فِي الْبَائِعِ إذَا أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ.
وَلَوْ حَطَّ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ بِمَا وَرَاءَ الْمَحْطُوطِ فَهَهُنَا كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَحُطَّ الْوَكِيلُ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ فَفَعَلَ الْوَكِيلُ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فَمِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ أَوْ وَهَبَ الثَّمَنَ مِنْهُ أَوْ حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ عَنْهُ صَحَّ وَيَضْمَنُ مِثْلَ ذَلِكَ لِلْمُوَكِّلِ مِنْ مَالِهِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ طَلَبَ حِيلَةً حَتَّى يَصِحَّ عِنْدَ الْكُلِّ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَهَبَ الْوَكِيلُ لِلْمُشْتَرِي دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قَدْرَ مَا يُرِيدُ الْهِبَةَ أَوْ الْحَطَّ وَيَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَبِيعُ الْعَيْنَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي يُرِيدُ الْبَيْعَ بِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدْفَعُ مَا قَبَضَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ إلَى الْوَكِيلِ قَضَاءً مِنْ الثَّمَنِ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي بِمَنْزِلَةِ الْحَطِّ وَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُمَا، ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ إبْرَاءَ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُشْتَرِيَ عَنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ، وَهِبَةَ جَمِيعِ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ بَعْضِهِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ