الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ حَطُّ بَعْضِ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ صَحِيحٌ عِنْدَهُمَا، فَأَمَّا حَطُّ كُلِّ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ.
(رَجُلٌ) أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَتَاعًا مِنْ بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ فَخَافَ الْوَكِيلُ أَنْ لَوْ بَعَثَ بِذَلِكَ مَعَ غَيْرِهِ يَضْمَنُ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُجِيزَ لَهُ الْمُوَكِّلُ مَا صَنَعَ فَإِذَا أَجَازَ لَهُ ذَلِكَ يَبْعَثُ هُوَ بِالْمَتَاعِ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ أُجِيزَ لَهُ مَا صَنَعَ وَكَذَا الْحِيلَةُ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَسْتَوْدِعَ الْمَتَاعَ الْمُشْتَرَى مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَضْمَنُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
[الْفَصْلُ الْعِشْرُونَ فِي الشُّفْعَة]
(الْفَصْلُ الْعِشْرُونَ فِي الشُّفْعَةِ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: جَمَعَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَسَائِلَ بَعْضَهَا لِمَنْعِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ وَبَعْضَهَا لِتَقْلِيلِ الرَّغْبَةِ، فَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنْ يَهَبَ الْبَائِعُ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْمُشْتَرِي يَهَبُ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ وَذُكِرَ فِي حِيَلِ الْأَصْلِ ثُمَّ الْمُشْتَرِي يُعَوِّضُهُ مِقْدَارَ الثَّمَنِ فَإِذَا فَعَلَا ذَلِكَ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ يَخْتَصُّ بِالْمُعَاوَضَاتِ، وَالْهِبَةُ إذَا لَمْ تَكُنْ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لَا تَصِيرُ مُعَاوَضَةً بِالتَّعْوِيضِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا أَحْكَامُ الْمُبَادَلَةِ مِنْ رَدِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِذَا لَمْ تَصِرْ مُبَادَلَةً بَقِيَتْ هِبَةً مَحْضَةً فَلَا تَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ حِيلَةٌ يَمْلِكُهَا بَعْضُ النَّاسِ دُونَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْوُكَلَاءِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ هِبَةُ الدَّارِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ، ذُكِرَ فِي شُفْعَةِ الْأَصْلِ وَفِي مَوَاضِعَ مِنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا بِمَعْنَى الْبَيْعِ. وَيَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا حَقُّ الشُّفْعَةِ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ النَّوَادِرِ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ خِلَافٌ لَا يَصْلُحُ حِيلَةً لِإِبْطَالِ الشُّفْعَةِ، وَلَكِنْ يَتَأَتَّى فِي هَذِهِ الْهِبَةِ حِيلَةُ تَأْخِيرِ حَقِّ الشَّفِيعِ بِأَنْ يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ إلَّا جُزْءًا مِنْهَا أَوْ يُسَلِّمَ الثَّمَنَ إلَّا جُزْءًا مِنْهُ، فَلَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ إنَّمَا تَصِيرُ بَيْعًا بَعْدَ قَبْضِ كُلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَمَّا قَبْلَ قَبْضِ كُلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا تَصِيرُ بَيْعًا، حَتَّى رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ: يَثْبُتُ لِلْوَاهِبِ حَقُّ الرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ رِضًا مَا لَمْ يَقْبِضْ الْمَوْهُوبُ لَهُ كُلَّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
(وَمِنْ جُمْلَةِ الْحِيَلِ) أَنْ يَتَصَدَّقَ صَاحِبُ الدَّارِ بِالدَّارِ عَلَى الَّذِي يُرِيدُ الشِّرَاءَ ثُمَّ يَتَصَدَّقَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ، كَمَا فِي الْهِبَةِ. وَالصَّدَقَةُ إنَّمَا تُفَارِقُ الْهِبَةَ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ فِيهَا، فَأَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ سَوَاءٌ. (وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ) أَنْ يُقِرَّ صَاحِبُ الدَّارِ بِالدَّارِ لِلَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَهَا ثُمَّ
يُقِرَّ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَ الدَّارِ بِالثَّمَنِ لِلْبَائِعِ فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ لَيْسَ بِحَقٍّ، وَالْإِقْرَارُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَقٍّ هَلْ يَنْقُلُ الْمِلْكَ أَوْ لَا يَنْقُلُ؟ فِيهِ كَلَامٌ عُرِفَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فَهَذَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ.
(وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ) أَنْ يُبَيِّنَ مَوْضِعًا مِنْ الدَّارِ وَيَخُطَّ خَطًّا وَيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِطَرِيقِهِ أَوْ يَهَبَهُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِطَرِيقِهِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ بَقِيَّةَ الدَّارِ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ، وَإِنَّمَا قَالَ: يَخُطَّ خَطًّا كَيْ لَا تَكُونَ هَذِهِ هِبَةَ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ فِي هَذِهِ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَارَ شَرِيكًا وَالشَّرِيكُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ، وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِطَرِيقَةِ صَارَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ جَارًا لِلدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْجَارِ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْحِيلَةَ إنَّمَا تَكُونُ حِيلَةً لِإِبْطَالِ حَقِّ الْجَارِ لَا لِإِبْطَالِ حَقِّ الْخَلِيطِ. (وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ) مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَتْ الدَّارُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ يَهَبُ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الدَّارِ مِنْ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَ الدَّارِ، ثُمَّ يَتَرَافَعَانِ إلَى الْحَاكِمِ الَّذِي يَرَى جَوَازَ هِبَةِ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَيُجَوِّزُهَا، ثُمَّ لَا يُبْطِلُهَا قَاضٍ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ قَاضٍ فِي شَيْءٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، حَتَّى لَوْ كَانَ شَيْئًا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ نَحْوَ الْبَيْتِ الصَّغِيرِ وَالْحَانُوتِ يَهَبُ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الَّذِي يُرِيدُ الشِّرَاءَ ثُمَّ يَبِيعُ الْبَاقِيَ مِنْهُ فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، ثُمَّ ذَكَرَ حِيلَةً لِرَغْبَتِهِ عَنْ الْأَخْذِ، (فَقَالَ) : يَشْتَرِي الْبِنَاءَ أَوَّلًا بِثَمَنٍ رَخِيصٍ ثُمَّ يَشْتَرِي الْعَرْصَةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِصَفْقَةٍ أُخْرَى بِثَمَنٍ غَالٍ، فَلَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فِي الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَقْلِيٌّ وَلَا يَرْغَبُ فِي أَخْذِ الْعَرْصَةِ لِكَثْرَةِ ثَمَنِهَا. وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى الْبِنَاءَ بِأَصْلِهِ حَتَّى صَارَ مَا تَحْتَ الْجِدَارِ لَهُ يَكُونُ هُوَ شَرِيكًا فِي الدَّارِ فَلَا يَثْبُتُ لِلْجَارِ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ هَذِهِ الْحِيلَةُ لِمَنْعِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ. (وَمِنْ جُمْلَةِ الْحِيَلِ) إذَا وَهَبَ الْبِنَاءَ مِنْ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَ الدَّارِ بِأَصْلِهِ ثُمَّ اشْتَرَى الْعَرْصَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَهَبَ الْبِنَاءَ بِأَصْلِهِ صَارَ مَا تَحْتَ الْبِنَاءِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَصَارَ هُوَ شَرِيكًا فِي الدَّارِ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى الْجَارِ. (وَفِي الْكُرُومِ وَالْأَرَاضِي) إنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ لِمَنْعِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ يَبِيعُ الْأَشْجَارَ بِأَصْلِهَا أَوْ يَهَبُ الْأَشْجَارَ بِأَصْلِهَا فَيَصِيرُ هُوَ شَرِيكًا ثُمَّ يَشْتَرِي الْبَاقِيَ وَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ لِرَغْبَتِهِ عَنْ الْأَخْذِ يَبِيعُ الْأَشْجَارَ أَوَّلًا بِثَمَنٍ رَخِيصٍ ثُمَّ يَشْتَرِي الْأَرَاضِيَ مِنْهُ بِثَمَنٍ غَالٍ. (حِيلَةٌ أُخْرَى) أَنْ يَشْتَرِيَ سَهْمًا مِنْ الدَّارِ بِثَمَنٍ غَالٍ فِي صَفْقَةٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِثَمَنٍ يَسِيرٍ فَلَا يَكُونُ لِلْجَارِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فِي الصَّفْقَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرِيكٌ فِي الدَّارِ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الصَّفْقَةِ الثَّانِيَةِ، إنَّمَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي الصَّفْقَةِ الْأُولَى وَهُوَ لَا يَرْغَبُ فِيهَا لِمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَى ذَلِكَ بِثَمَنٍ غَالٍ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: أَخَافُ أَنْ لَا يَبِيعَنِي الْبَائِعُ الْبَاقِيَ لَوْ اشْتَرَيْت مِنْهُ هَذَا السَّهْمَ بِثَمَنٍ غَالٍ، فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُقِرَّ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِسَهْمٍ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ مُشَاعٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ.
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْخُوَارِزْمِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُخَطِّئُ الْخَصَّافَ فِي فَصْلِ إقْرَارِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي بِسَهْمٍ مِنْ الدَّارِ وَكَانَ يُفْتِي بِوُجُوبِ
الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ مَا ثَبَتَتْ إلَّا بِإِقْرَارِهِ، وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَكَانَ يَسْتَدِلُّ بِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ إذَا أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ لِفُلَانٍ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِهَذَا الْإِقْرَارِ، وَطَرِيقُهُ مَا قُلْنَا فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: أَخَافُ أَنْ يَصِيرَ شَرِيكِي بِالْإِقْرَارِ، ثُمَّ لَا يَشْتَرِي الْبَاقِيَ؛ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا مَنْ يَثِقَانِ بِهِ فَيَكُونَ الْإِقْرَارُ بِهَذَا السَّهْمِ لَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيَ الْمُقَرُّ لَهُ بِالسَّهْمِ بَاقِيَ الدَّارِ فَتَحْصُلُ الثِّقَةُ لَهُمَا. (وَحِيلَةٌ أُخْرَى) أَنَّهُ إذَا أَرَادَ شِرَاءَ الدَّارِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ يَشْتَرِيهَا فِي الظَّاهِرِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ وَيَدْفَعُ إلَى الْبَائِعِ بِالْأَلْفِ ثَوْبًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَإِذَا جَاءَ الشَّفِيعُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَ إلَّا بِثَمَنِ الظَّاهِرِ وَهُوَ لَا يَرْغَبُ فِيهِ لِكَثْرَتِهِ. (وَحِيلَةٌ أُخْرَى) أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ: إنْ أَحْبَبْت أُوَلِّيكَهَا بِمَا اشْتَرَيْت فَعَلْت ذَلِكَ، فَإِذَا قَالَ الشَّفِيعُ: نَعَمْ وَلِّنِهَا بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ رَغِبَ عَنْ الشُّفْعَةِ حِينَ طَلَبِ التَّوْلِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ هُوَ الْأَخْذُ بِالشِّرَاءِ الْأَوَّلِ لَا بِشِرَاءٍ آخَرَ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الشُّفْعَةِ يُبْطِلُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ.
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ: إنْ أَحْبَبْت بِعْتهَا مِنْك دُونَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، وَفِي الْعُيُونِ سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الطَّلَبِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ الْمُشْتَرِي رَسُولًا إلَى الشَّفِيعِ حَتَّى قَالَ لِلشَّفِيعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا، فَإِذَا قَالَ الشَّفِيعُ مُجِيبًا: نَعَمْ؛ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ. (وَحِيلَةٌ أُخْرَى) أَنْ يَتَصَادَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ فَاسِدًا أَوْ كَانَ تَلْجِئَةً أَوْ كَانَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمَا، وَإِذَا قَبِلْنَا قَوْلَهُمَا لَا يَجِبُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الشُّفْعَةِ يَعْتَمِدُ زَوَالَ مِلْكِ الْبَائِعِ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يُوجَدُ هَذَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ. (وَحِيلَةٌ أُخْرَى) أَنْ يَأْمُرَ الْمُشْتَرِي رَجُلًا حَتَّى يَقُولَ لِلشَّفِيعِ: لَقَدْ كُنْت اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا فُلَانٌ الْمُشْتَرِي.
فَإِذَا قَالَ الشَّفِيعُ: صَدَقْت؛ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ أَنَّ شِرَاءَ الْمُشْتَرِي كَانَ بَعْدَ شِرَائِهِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ شِرَاءَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ فَصَارَ مُقِرًّا بِبُطْلَانِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ يَسْتَدْعِي شِرَاءً صَحِيحًا. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِلشَّفِيعِ: هَذِهِ الدَّارُ لَك، وَلَمْ تَكُنْ لِفُلَانٍ الْبَائِعِ، فَقَالَ الشَّفِيعُ: نَعَمْ؛ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا بِأَنَّ شِرَاءَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ فَصَارَ مُقِرًّا بِبُطْلَانِ شُفْعَتِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: قَدْ اشْتَرَيْتُ هَذِهِ الدَّارَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَحُطُّ مِنْ ثَمَنِهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَقَالَ الشَّفِيعُ: نَعَمْ قَدْ أَحْبَبْتَ؛ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ. وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إنَّمَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ إذَا قَالَ: أَحُطُّكَ مِنْ ثَمَنِهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَأَبِيعُهَا مِنْك بِتِسْعِينَ دِينَارًا؛ فَقَالَ الشَّفِيعُ: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لَمَّا رَغِبَ فِي شِرَائِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الْمِائَةِ.
أَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ: وَأَبِيعُهَا مِنْك بِتِسْعِينَ دِينَارًا لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ قَصَدَ حَطَّ الْعَشَرَةِ لِيَأْخُذَهَا بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الشَّفِيعُ لِلْمُشْتَرِي: حُطَّ عَنِّي عَشَرَةً إنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي الْبَاقِيَ بِتِسْعِينَ دِينَارًا؛ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَإِلَّا فَلَا. (وَجْهٌ آخَرُ) أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَجْعَلَ الشَّفِيعَ