الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّاهِدَ كَذَلِكَ وَشَبَهُ الْحَاكِمِ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَنْفُذُ فِي الْقِيمَةِ، وَالْحَاكِمُ يُنَفِّذُهُ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ شَبَهِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِإِخْبَارِهِ حَدٌّ تَعَيَّنَ مُرَاعَاةُ الشَّهَادَةِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا قُوَّةُ مَا يُفْضِي إلَيْهِ هَذَا الْإِخْبَارُ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مِنْ إبَاحَةِ عُضْوِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ، وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِهِ رِوَايَةً أَوْ شَهَادَةً شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ، وَخَامِسُهَا الْقَاسِمُ قَالَ مَالِكٌ يَكْفِي الْوَاحِدُ وَالْأَحْسَنُ اثْنَانِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ شَبَهُ الْحُكْمِ أَوْ الرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ وَالْأَظْهَرُ شَبَهُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ اسْتَنَابَهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا وَسَادِسُهَا إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِعَدَدِ مَا صَلَّى هَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْوَاحِدِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَشَبَهُ الْحَاكِمِ هُنَا مُنْتَفٍ فَإِنَّ قَضَايَا الْحَاكِمِ لَا تَدْخُلُ فِي الْعِبَادَاتِ بَلْ شَبَهُ الرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ.
أَمَّا الرِّوَايَةُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْهُ عَنْ إلْزَامِ حُكْمٍ لِمَخْلُوقٍ عَلَيْهِ بَلْ الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى فَأَشْبَهَ إخْبَارَهُ عَنْ السُّنَنِ وَالشَّرَائِعِ، وَأَمَّا شَبَهُ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ لَا يَتَعَدَّاهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَسَابِعُهَا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ الْقَوْلَ فِي الْمُخْبِرِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ، وَكَذَلِكَ الْخَارِصُ وَقَالَ مَالِكٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاسِمِ بَيْنَ اثْنَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَيُقَلَّدُ الْمُؤَذِّنُ الْوَاحِدُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الْوَقْتِ، وَكَذَلِكَ الْمَلَّاحُ وَمَنْ صِنَاعَتُهُ فِي الصَّحْرَاءِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الْقِبْلَةِ إذَا كَانَ عَدْلًا يَغْلِبُ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ شَبَهُ الرِّوَايَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
أَوْ كَالشَّاهِدِ فِي هَذَا الْفَرْضِ قَائِمٌ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَخَامِسُهَا الْقَاسِمُ) وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ مَنْشَأَ الْخِلَافِ شِبْهُ الْحُكْمِ أَوْ الرِّوَايَةِ قُلْت: لَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ بَلْ مَنْشَأُ الْخِلَافِ شِبْهُ الْحُكْمِ أَوْ التَّقْوِيمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ فَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْقَسْمَ مِنْ نَوْعِ الْحُكْمِ اكْتَفَى بِالْوَاحِدِ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ مِنْ نَوْعِ التَّقْوِيمِ وَبَنَى عَلَى الْأَصَحِّ اشْتَرَطَ الْعَدَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَسَادِسُهَا مُخْبِرُ الْمُصَلِّي بِعَدَدِ مَا صَلَّى) قُلْت ذَكَرَ أَنَّ شِبْهَ الْحُكْمِ فِيهِ مُنْتَفٍ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَذَكَرَ شِبْهَ الرِّوَايَةِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَذَكَرَ شِبْهَ الشَّهَادَةِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَظْهَرُ، وَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِصَحِيحٍ بَلْ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَوْعِ الرِّوَايَةِ وَلَا مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ، وَلَكِنَّهُ مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْخَبَرِ وَشَبَهُهُ بِالرِّوَايَةِ ظَاهِرٌ غَيْرَ أَنَّهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا كُلِّفَ بِهِ إلَّا بِيَقِينٍ فَلَا يَكْفِي الْوَاحِدُ إلَّا مَعَ قَرَائِنَ تُوجِبُ الْقَطْعَ، وَكَذَلِكَ فِي الِاثْنَيْنِ وَمَا فَوْقَهُمَا، وَنَقُولُ طَلَبُ الْيَقِينِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ مِمَّا يَشُقُّ وَيُحْرِجُ، وَالْحَرَجُ مَرْفُوعٌ شَرْعًا وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَسَابِعُهَا الْمُخْبِرُ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ، وَالْخَارِصُ وَذَكَرَ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِمَا الْوَاحِدُ، قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاسِمِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقْبَلُ) قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الْقَاسِمِ، وَأَمَّا الْمُخْبِرِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَالْخَارِصُ فَالْأَوْلَى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْخَارِصَ فِي مَعْنَى الْقَاسِمِ، وَالْمُخْبِرَ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ فِي مَعْنَى مُخْبِرِ الْمُصَلِّي.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (أَوْ يُقَلِّدُ الْمُؤَذِّنَ الْوَاحِدَ وَالْمَلَّاحَ وَمَنْ صِنَاعَتُهُ فِي الصَّحْرَاءِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الْقِبْلَةِ يَغْلِبُ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ شِبْهُ الرِّوَايَةِ) قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَغْلِبُ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ شِبْهُ الرِّوَايَةِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمُخْبِرِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَالْخَارِصِ وَبَيْنَ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُخْبِرِ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَأَمَّا الْأَخِيرَانِ فَشَبَهُ الرِّوَايَةِ فِيهِمَا ظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شِهَابُ الدِّينِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يَسْتَنْبِطُ أَحْكَامَ الْفُرُوعِ مِنْ قَوَاعِدِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَعَلَى هَذَا مَشَى فِي كِتَابَةِ التَّنْبِيهِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ نَبَّهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُخَلِّصَةٍ، وَالْفُرُوعُ لَا يَطَّرِدُ تَخْرِيجُهَا عَلَى الْقَوَاعِدِ الْأَصْلِيَّةِ اهـ بِلَفْظِهِ فَتَنَبَّهْ.
(الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ) الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُ الْعَرَبِ فَرَقَ بِالتَّخْفِيفِ فِي الْمَعَانِي وَفَرَّقَ بِالتَّشْدِيدِ فِي الْأَجْسَامِ نَظَرًا لِكَوْنِ كَثْرَةِ الْحُرُوفِ عِنْدَهُمْ تَقْتَضِي كَثْرَةَ الْمَعْنَى أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ قُوَّتَهُ غَالِبًا، وَالْمَعَانِي لَطِيفَةٌ يُنَاسِبُهَا التَّخْفِيفُ، وَالْأَجْسَامُ كَثِيفَةٌ يُنَاسِبُهَا التَّشْدِيدُ فَمِنْ الْغَالِبِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] وقَوْله تَعَالَى {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102] وقَوْله تَعَالَى {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] وَلَا تَكَادُ تَسْمَعُ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَّا قَوْلَهُمْ مَا الْفَارِقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَا يَقُولُونَ مَا الْمُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِالتَّشْدِيدِ وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَوْله تَعَالَى {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 25] وقَوْله تَعَالَى {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} [البقرة: 50] فَخَفَّفَ فِي الْأَجْسَامِ وَكَثِيرًا مَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ فِي الْأَفْعَالِ دُونَ اسْمِ الْفَاعِلِ: فَرِّقْ لِي بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَا يَقُولُونَ أَفْرِقْ لِي بَيْنَهُمَا، وَيَقُولُونَ بِأَيِّ شَيْءٍ نُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِالتَّشْدِيدِ، وَلَا يَقُولُونَ بِأَيِّ شَيْءٍ نَفْرُقُ بَيْنَهُمَا بِالتَّخْفِيفِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ]
(الْفَرْقُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ) بِبَيَانِ مَعْنَاهُمَا أَمَّا لُغَةً فَالشَّهَادَةُ مَصْدَرُ شَهِدَ وَلِشَهِدَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ: أَحَدُهَا حَضَرَ يُقَالُ شَهِدَ بَدْرًا وَشَهِدْنَا صَلَاةَ الْعِيدِ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] مَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ الْمِصْرَ فِي الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ أَوْ مَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فِي الْمِصْرِ فَلْيَصُمْهُ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا يَلْزَمُ الْمُسَافِرَ، فَالْمَقْصُودُ إنَّمَا هُوَ الْمُقِيمُ الْحَاضِرُ وَثَانِيهَا أَخْبَرَ، يُقَالُ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْ أَخْبَرَ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَثَالِثُهَا عَلِمَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: 6] أَيْ عَلِيمٌ وَوَقَعَ التَّرَدُّدُ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي كَوْنِ شَهِدَ فِي قَوْله تَعَالَى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18] بِمَعْنَى عَلِمَ لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَوْ بِمَعْنَى أَخْبَرَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عِبَادَهُ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ، وَالرِّوَايَةُ مَصْدَرُ رَوَى
أَمَّا الْمُخْبِرُ عَنْ النَّجَاسَةِ فَلِشَبَهِهِ بِالْمُفْتِي وَالْمُفْتِي لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّهُ نَاقِلٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى لِخَلْقِهِ كَالرَّاوِي لِلسُّنَّةِ، وَلِأَنَّهُ وَارِثٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَكْفِي وَحْدَهُ وَكَذَلِكَ وَارِثُهُ فَالْمُخْبِرُ عَنْ النَّجَاسَةِ أَوْ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ مُبَلِّغٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ أَنَّ هَاهُنَا فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يُخْبِرُ عَنْ وُقُوعِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ بَلْ عَنْ الْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ حُكْمُ الَّذِي يَعُمُّ الْخَلَائِقَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْمُخْبِرُ عَنْ النَّجَاسَةِ أَوْ الصَّلَاةِ مُخْبِرٌ عَنْ وُقُوعِ سَبَبٍ جُزْئِيٍّ فِي شَخْصٍ جُزْئِيٍّ.
وَهَذَا شَبَهٌ شَدِيدٌ بِالشَّهَادَةِ أَمْكَنَ مُلَاحَظَتُهُ، وَكَذَلِكَ الْخَارِصُ إنْ جُعِلَ حَاكِمًا يُتَّجَهُ لَا رَاوِيًا، وَالْحَاكِمُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِيهِ وَفِي السَّاعِي أَنَّ تَصَرُّفَهُمَا تَصَرُّفُ الْحَاكِمِ، وَالْقَاسِمُ أَيْضًا كَذَلِكَ إنْ اسْتَنَابَهُ الْحَاكِمُ فَشَائِبَةُ الْحَاكِمِ ظَاهِرَةٌ وَإِنْ انْتَدَبَهُ الشَّرِيكَانِ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِنْ بَابِ التَّحْكِيمِ وَالْمُؤَذِّنُ مُخْبِرٌ عَنْ وُقُوعِ السَّبَبِ، وَهُوَ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهَا أَسْبَابُهَا فَأَشْبَهَ الْمُخْبِرَ عَنْ وُقُوعِ سَبَبِ الْمِلْكِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَارَقَ الْمُفْتِيَ.
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ إلَّا اثْنَانِ، وَيَغْلِبُ شَائِبَةُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا إخْبَارٌ عَنْ سَبَبٍ جُزْئِيٍّ فِي وَقْتٍ جُزْئِيٍّ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَرَهُ مُشْتَرَطًا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
(أَمَّا الْمُخْبِرُ عَنْ النَّجَاسَةِ فَلِشَبَهِهِ بِالْمُفْتِي إلَى قَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ وَارِثُهُ) قُلْت مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ ظَاهِرٌ صَحِيحٌ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ شَبَهِ الْمُخْبِرِ عَنْ النَّجَاسَةِ بِالْمُفْتِي، وَقَدْ عَطَفَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى ذِكْرِ الْفَرْقِ فَقَالَ غَيْرَ أَنَّ هَاهُنَا فَرْقًا، وَهُوَ أَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يُخْبِرُ عَنْ وُقُوعِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ بَلْ عَنْ الْحُكْمِ، وَالْمُخْبِرُ عَنْ النَّجَاسَةِ أَوْ الصَّلَاةِ مُخْبِرٌ عَنْ وُقُوعِ سَبَبٍ جُزْئِيٍّ فِي شَخْصٍ جُزْئِيٍّ، وَهَذَا شَبَهٌ شَدِيدٌ بِالشَّهَادَةِ أَمْكَنَ مُلَاحَظَتُهُ قُلْت إضْرَابُهُ عَنْ مُرَاعَاةِ قَيْدِ فَصْلِ الْقَضَاءِ فِي الشَّهَادَةِ أَوْقَعَهُ فِي اعْتِقَادِ قُوَّةِ الشَّبَهِ هُنَا بِالشَّهَادَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُخْبِرِ الْمُصَلِّي أَنَّ الْأَظْهَرَ شَبَهُ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (وَكَذَلِكَ الْخَارِصُ إنْ جُعِلَ حَاكِمًا يَتَّجِهُ لَا رَاوِيًا، وَالْحَاكِمُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِيهِ وَفِي السَّاعِي أَنَّ تَصَرُّفَهُمَا تَصَرُّفُ الْحَاكِمِ وَالْقَاسِمِ أَيْضًا كَذَلِكَ إنْ اسْتَنَابَهُ الْحَاكِمُ فَشَائِبَةُ الْحَاكِمِ ظَاهِرَةٌ وَإِنْ انْتَدَبَهُ الشَّرِيكَانِ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِنْ بَابِ التَّحْكِيمِ) قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ الْقَسْمَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَوْعِ الْحُكْمِ وَمِنْ نَوْعِ التَّقْوِيمِ، وَالْخَرْصُ فِي مَعْنَاهُ وَأَمَّا السَّاعِي فَهُوَ فِي مَعْنَى الْحَاكِمِ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَالْمُؤَذِّنُ مُخْبِرٌ عَنْ وُقُوعِ السَّبَبِ وَهُوَ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهَا أَسْبَابُهَا فَأَشْبَهَ الْمُخْبِرَ عَنْ وُقُوعِ سَبَبِ الْمِلْكِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَارَقَ الْمُفْتِيَ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ إلَّا اثْنَانِ، وَيَغْلِبُ شَائِبَةُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا إخْبَارٌ عَنْ سَبَبٍ جُزْئِيٍّ فِي وَقْتٍ جُزْئِيٍّ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَرَهُ مُشْتَرَطًا) قُلْت إضْرَابُهُ عَنْ مُرَاعَاةِ قَيْدِ فَصْلِ الْقَضَاءِ حَمَلَهُ عَلَى تَسْوِيَتِهِ بَيْنَ الْخَبَرِ عَنْ وُقُوعِ سَبَبِ الصَّلَاةِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَبَيْنَ الْخَبَرِ عَنْ وُقُوعِ سَبَبِ الْبَيْعِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَا خَفَاءَ بِالْفَرْقِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مِنْ احْتِمَالِ قَصْدِ الْعَدُوِّ إلْزَامَ عَدُوِّهِ مَا لَا يَلْزَمُهُ وَالتَّشَفِّي مِنْهُ بِذَلِكَ مَا يَتَطَرَّقُ إلَى الثَّانِي، فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَوَّلَ فِي مَعْنَى الرِّوَايَةِ، وَالثَّانِيَ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ.
قَالَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِمَعْنَى حَمَلَ وَتَحَمَّلَ فَرَاوِي الْحَدِيثِ حَمَلَهُ وَتَحَمَّلَهُ عَنْ شَيْخِهِ، فَلِذَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّ إطْلَاقَ الرَّاوِيَةِ عَلَى الْمَزَادَةِ الَّتِي يُحْمَلُ فِيهَا الْمَاءُ عَلَى الْجَمَلِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ لِعَلَاقَةِ الْمُجَاوَرَةِ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَةَ بِهَاءِ الْمُبَالَغَةِ اسْمٌ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ لِلْبَعِيرِ الَّذِي كَثُرَ حَمْلُ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَفِي الْمِصْبَاحِ رَوَى الْبَعِيرُ الْمَاءَ يَرْوِيهِ مِنْ بَابِ رَمَى حَمَلَهُ فَهُوَ رَاوِيَةٌ الْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، ثُمَّ أُطْلِقَتْ الرَّاوِيَةُ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ يُسْتَقَى الْمَاءُ عَلَيْهَا اهـ.
وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَوْنِ رَاوِيَةٍ إنَّمَا يَأْتِي مِنْ الثُّلَاثِيِّ قُلْت: وَفِي حَاشِيَةِ الْأُنْبَابِيِّ عَلَى بَيَانِيَّةِ الصَّبَّانِ، وَمُفَادُ قَوْلِ ابْنِ سِيدَهْ الرَّاوِيَةُ الْمَزَادُ فِيهَا الْمَاءُ، وَيُسَمَّى الْبَعِيرُ رَاوِيَةً عَلَى تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ الشَّيْءِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ اهـ.
إنَّ الرَّاوِيَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَزَادَةِ مَجَازٌ فِي الْبَعِيرِ لِعَلَاقَةِ الْمُجَاوَرَةِ فَهُوَ مِنْ بَابِ أَرْوَى الرُّبَاعِيِّ شُذُوذًا إذْ قِيَاسُ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ أَرْوَى مَرْوَ لَا رَاوِيَةٌ، وَظَاهِرُ صَنِيعِ صَاحِبِ الْقَامُوسِ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِيهِمَا حَيْثُ قَالَ الرَّاوِيَةُ الْمَزَادَةُ فِيهَا الْمَاءُ وَالْبَعِيرُ وَالْبَغْلُ وَالْحِمَارُ يُسْتَسْقَى عَلَيْهِ الْمَاءُ اهـ.
نَعَمْ مِنْ اصْطِلَاحَاتِهِ أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَلَعَلَّ أَقْوَالَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهَا ثَلَاثَةٌ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ ابْنِ الطَّيِّبِ فِي حَوَاشِي الْقَامُوسِ.
وَأَمَّا اصْطِلَاحًا فَفِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ لِلْمَازِرِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ خَاصٌّ قُصِدَ بِهِ تَرْتِيبُ فَصْلِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ كَقَوْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِهَذَا عِنْدَ هَذَا دِينَارٌ وَالرِّوَايَةُ خَبَرٌ عَامٌّ قُصِدَ بِهِ تَعْرِيفُ دَلِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَالشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ فَلَا يُسَمَّى فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ قَوْلُ الْمُخْبِرِ لِزَيْدٍ قِبَلَ عَمْرٍو دِينَارٌ غَيْرَ قَاصِدٍ بِهِ أَنْ يَتَرَتَّبَ فَصْلُ قَضَاءٍ عَلَيْهِ شَهَادَةٌ، وَلَا هُوَ شَاهِدٌ عَلَى جِهَةِ الْحَقِيقَةِ بَلْ يُسَمَّى خَبَرًا وَقَائِلُهُ مُخْبِرًا.
وَكَذَلِكَ الْمُخْبِرُ عَنْ الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ لَا يُسَمَّى شَاهِدًا كَمَا لَا يُسَمَّى فِي عُرْفِهِمْ رَاوِيًا عَلَى جِهَةِ الْحَقِيقَةِ وَإِنْ سُمِّيَ كَمَا فِي الْأَقَاصِيصِ وَنَحْوِهَا فَهُوَ مَجَازٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُونَ فِيهِ مِنْ صِفَاتِ الرِّوَايَةِ مَا يَشْتَرِطُونَ فِي رُوَاةِ تَعْرِيفِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ وَالشَّهَادَةِ بِالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالنَّسَبِ الْمُتَفَرِّعِ بَيْنَ الْأَنْسَابِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ النَّظَائِرِ إنَّمَا جَاءَ الْعُمُومُ فِيهَا بِطَرِيقِ الْعَرْضِ.
وَالتَّبَعُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ
وَهُوَ حُجَّةٌ حَسَنَةٌ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي الِاكْتِفَاءِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ بِالْوَاحِدِ فَإِنَّهَا إخْبَارٌ عَنْ سَبَبٍ جُزْئِيٍّ فِي وَقْتٍ جُزْئِيٍّ يَعُمَّانِ أَهْلَ الْبَلَدِ، وَالْأَذَانُ لَا يَعُمُّ أَهْلَ الْأَقْطَارِ بَلْ لِكُلِّ قَوْمٍ زَوَالُهُمْ وَفَجْرُهُمْ وَغُرُوبُهُمْ وَهُوَ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ شَائِبَةِ الشَّهَادَةِ بِخِلَافِ هِلَالِ رَمَضَانَ عَمَّمَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَجْعَلُوا لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتَهُمْ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ فَالْمُخْبِرُ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمَالِكِيَّةِ أَشْبَهُ بِالرِّوَايَةِ مِنْ الْمُؤَذِّنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ الْوَاحِدُ قِيَاسًا عَلَى الْمُؤَذِّنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِتَوَفُّرِ الْعُمُومِ فِي الْهِلَالِ، وَهُنَا سُؤَالَانِ مُشْكِلَانِ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ أَحَدُهُمَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمُؤَذِّنِ يُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ وَبَيْنَ الْمُخْبِرِ عَنْ هِلَالِ رَمَضَانَ لَا يُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَثَانِيهِمَا حُصُولُ الْإِجْمَاعِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ عَلَى أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِأَقْطَارِهَا بِخِلَافِ الْأَهِلَّةِ مَعَ أَنَّ الْجَمِيعَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا الشَّأْنِ فَقَدْ يَطْلُعُ الْهِلَالُ فِي بَلَدٍ دُونَ غَيْرِهِ بِسَبَبِ الْبُعْدِ عَنْ الْمَشْرِقِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ فَإِنَّ الْبَلَدَ الْأَقْرَبَ إلَى الْمَشْرِقِ هُوَ بِصَدَدِ أَنْ لَا يُرَى فِيهِ الْهِلَالُ وَيُرَى فِي الْبَلَدِ الْغَرْبِيِّ بِسَبَبِ مَزِيدِ السَّيْرِ الْمُوجِبِ لِتَخَلُّصِ الْهِلَالِ مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ فَقَدْ لَا يَتَخَلَّصُ فِي الْبَلَدِ الشَّرْقِيِّ فَإِذَا كَثُرَ سَيْرُهُ، وَوَصَلَ إلَى الْآفَاقِ الْغَرْبِيَّةِ تَخَلَّصَ فِيهِ فَيُرَى الْهِلَالُ فِي الْمَغْرِبِ دُونَ الْمَشْرِقِ وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ هَذَا الْعِلْمِ وَلِهَذَا مَا مِنْ زَوَالٍ لِقَوْمٍ إلَّا وَهُوَ غُرُوبٌ لِقَوْمٍ وَطُلُوعُ الشَّمْسِ عِنْدَ قَوْمٍ وَنِصْفُ اللَّيْلِ عِنْدَ قَوْمٍ، وَكُلُّ دَرَجَةٍ تَكُونُ الشَّمْسُ فِيهَا فَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِجَمِيعِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَقْطَارٍ مُخْتَلِفَةٍ فَإِذَا قَاسَتْ الشَّافِعِيَّةُ الْهِلَالَ عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ اُتُّجِهَ الْقِيَاسُ وَعَسِرَ الْفَرْقُ وَهُوَ مُشْكِلٌ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتُهُمْ وَهِلَالُهُمْ كَمَا يُعْتَبَرُ لِكُلِّ قَوْمٍ فَجْرُهُمْ وَزَوَالُهُمْ فَإِنْ قُلْتَ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَعَانِيَ الْكُلِّيَّةَ قَدْ يُسْتَثْنَى مِنْهَا بَعْضُ أَفْرَادِهَا بِالسَّمْعِ، وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ بِقَوْلِهِ عليه السلام «إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَانْسُكُوا» فَاشْتَرَطَ عَدْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ وَمَعَ تَصْرِيحِ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِاشْتِرَاطِ عَدْلَيْنِ لَا يَلْزَمُنَا بِالْعَدْلِ الْوَاحِدِ شَيْءٌ وَلَا يُسْمَعُ الِاسْتِدْلَال بِالْمُنَاسَبَاتِ فِي إبْطَالِ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْأَذَانَ عُدِلَ بِهِ عَنْ صِيغَةِ الْخَبَرِ إلَى صِفَةِ الْعَلَامَةِ عَلَى الْوَقْتِ.
وَلِذَلِكَ كَانَ الْمُؤَذِّنُ لَا يَقُولُ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ بَلْ يَقُولُ كَلِمَاتٍ أُخَرَ جَعَلَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَامَةً وَدَلِيلًا عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ، فَأَشْبَهَتْ مَيْلَ الظِّلِّ وَزِيَادَتِهِ مِنْ دَلَالَتِهِمَا عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ فَكَمَا لَا يُشْتَرَطُ مَيَلَانٌ فِي الظِّلِّ وَلَا زِيَادَتَانِ لَا يُشْتَرَطُ عَدْلَانِ وَلَا مُؤَذِّنَانِ وَكَذَلِكَ آلَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ آلَاتِ الْأَوْقَاتِ تَكْفِي، وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّهُ يُشْتَرَطُ أَسْطُرْلَابَانِ وَلَا مِيزَانَانِ لِلشَّمْسِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَامَةٌ مُفِيدَةٌ، وَكَذَلِكَ الْأَذَانُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
شِهَابُ الدِّينِ: (وَهُوَ حُجَّةٌ حَسَنَةٌ لِلشَّافِعِيَّةِ إلَى قَوْلِهِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتُهُمْ وَهِلَالُهُمْ كَمَا يُعْتَبَرُ لِكُلِّ قَوْمٍ فَجْرُهُمْ وَزَوَالُهُمْ) قُلْت: جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقْتَضَى عِلْمٍ آخَرَ فَإِنْ صَحَّ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ اسْتِوَاءِ الْأَمْرِ فِي الْأَهِلَّةِ وَالْأَوْقَاتِ فَمَا بُنِيَ عَلَيْهِ مِنْ اسْتِوَاءِ الْحُكْمِ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (فَإِنْ قُلْتَ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ إلَى قَوْلِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِيهَا جُزْئِيٌّ هُوَ فِي الْوَقْفِ الْوَاقِفِ وَإِثْبَاتِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عُمُومًا إذْ قَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ كَعَلَى وَلَدِهِ أَوْ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِغَيْرِهِ فَالْعُمُومُ أَمْرٌ عَارِضِيٌّ لَيْسَ مُتَقَرَّرًا شَرْعًا فِي أَصْلِ هَذَا، وَهُوَ فِي النَّسَبِ الْإِلْحَاقُ بِالشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ أَوْ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ لِلشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ، ثُمَّ تَفَرُّعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ التَّابِعَةِ لِلْمَقْصُودِ بِالشَّهَادَةِ كَمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا وَقَعَتْ بِأَنَّ هَذَا رَقِيقٌ لِزَيْدٍ قُبِلَ فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ، وَإِنْ تَبِعَ ذَلِكَ لُزُومُ الْقِيمَةِ لِمَنْ قَتَلَهُ دُونَ الدِّيَةِ وَسُقُوطِ الْعِبَادَاتِ عَنْهُ وَاسْتِحْقَاقِ أَكْسَابِهِ لِلسَّيِّدِ مَعَ أَنَّ الشَّاهِدَ لَمْ يَقْصِدْ سُقُوطَ الْعِبَادَاتِ عَنْهُ، وَلَيْسَ سُقُوطُهَا مِمَّا تَدْخُلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ فَضْلًا عَنْ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ بِتَزْوِيجِ زَيْدٍ الْمَرْأَةَ الْمُعَيَّنَةَ شَهَادَةٌ بِحُكْمٍ جُزْئِيٍّ عَلَى الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا الْمَشْهُودِ لَهُ، وَهُوَ جُزْئِيٌّ وَإِنْ تَبِعَ ذَلِكَ تَحْرِيمُهَا عَلَى غَيْرِهِ وَإِبَاحَةُ وَطْئِهَا لَهُ مَعَ أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالْإِبَاحَةَ شَأْنُهَا الرِّوَايَةُ دُونَ الشَّهَادَةِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّظَائِرِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْخَبَرُ إمَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَصْلُ قَضَاءٍ وَإِلْزَامُ حُكْمٍ وَإِمْضَاءٍ أَوْ لَا فَإِنْ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ الشَّهَادَةُ، وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ تَعْرِيفُ دَلِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ لَا فَإِنْ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ الرِّوَايَةُ، وَإِلَّا فَهُوَ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْخَبَرِ وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى بَيَانِ تَفَاصِيلِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا هُوَ بَيَانُ مَا يَجُوزُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَاعْتِبَارَاتِهِمْ.
(قُلْت) وَقَدْ اشْتَرَطُوا فِي الشَّهَادَةِ دُونَ الرِّوَايَةِ الْعَدَدَ وَالذُّكُورِيَّةَ وَالْحُرِّيَّةَ، وَجَعَلُوا الْعَدَالَةَ الْمُتَضَمِّنَةَ الْإِسْلَامَ وَالْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ شَرْطًا فِيهِمَا.
قَالَ التَّسَوُّلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعَدَالَةَ تَتَضَمَّنُ الْإِسْلَامَ وَالْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ إذْ كُلُّ عَدْلٍ مُطْلَقًا كَانَ عَدْلَ رِوَايَةٍ أَوْ شَهَادَةٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْهَا وَقْتَ الْأَدَاءِ وَالْإِخْبَارِ اهـ.
وَقَبُولُ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ وَكَذَا رِوَايَةِ الْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِإِلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ لُزُومِ الْمَشَقَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّجْوِيزِ، وَالْقَوَاعِدُ يُسْتَثْنَى مِنْهَا مَحَالُّ الضَّرُورَاتِ كَمَا سَيَأْتِي عَلَى أَنَّهُ يَنْدُرُ الْخُلُوُّ عَنْ
قُلْت هَذَا بَحْثٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّ الْجَوَابَ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ لَا بِمَنْطُوقِهِ فَإِنَّ مَنْطُوقَهُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَجِبُ عِنْدَهُمَا، وَمَفْهُومَهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَكْفِي مِنْ جِهَةِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَإِذَا كَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ فَنَقُولُ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْطُوقِ اللَّفْظِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْمَفْهُومِ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ وَغَيْرَهُ يَقُولُ الْمَفْهُومُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا.
وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا فَلَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ يُشْكِلُ بِمَا إذَا قَالَ لَنَا الْمُؤَذِّنُ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنَّا نُقَلِّدُهُ وَهُوَ خَبَرٌ صِرْفٌ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْأَذَانِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَعْنَاهُ أَقْبِلُوا إلَيْهَا فَهُوَ يَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى دُخُولِ وَقْتِهَا، وَكَذَلِكَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ.
وَأَمَّا الْمُخْبِرُ بِالْقِبْلَةِ فَلَيْسَ مُخْبِرًا عَنْ وُقُوعِ سَبَبٍ بَلْ عَنْ حُكْمٍ مُتَأَبَّدٍ فَإِنَّ نَصْبَ جِهَةِ الْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ قِيَامًا لِلنَّاسِ أَمْرٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ لَا يَخْتَلِفُ بِخِلَافِ الْمُؤَذِّنِ لَا يُتَعَدَّى حُكْمُهُ وَإِخْبَارُهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَالْمُخْبِرُ عَنْ الْقِبْلَةِ أَشْبَهُ بِالرِّوَايَةِ مِنْ الْمُؤَذِّنِ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْفُرُوقَ وَهَذِهِ التَّرْجِيحَاتِ فَهِيَ حَسَنَةٌ، وَكُلُّهَا إنَّمَا ظَهَرَتْ بَعْدَ مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ فَلَوْ خَفِيَتَا ذَهَبَتْ هَذِهِ الْمَبَاحِثُ جُمْلَتُهَا وَلَمْ يَظْهَرْ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقَرِيبِ مِنْهَا لِلْقَوَاعِدِ وَالْبَعِيدِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَلَمْ يَظْهَرْ التَّفَاوُتُ فِيهَا بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ) قُلْتُ مِنْ مُضْمَنِ هَذَا الْفَصْلِ مُوَافَقَتُهُ لِمَوْرِدِ السُّؤَالِ عَلَى اسْتِوَاءِ الْأَذَانِ وَمَيْلِ الظِّلِّ وَزِيَادَتِهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَيْلَ الظِّلِّ دَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةٌ وَالْأَذَانَ دَلَالَتُهُ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ وَلَا خَفَاءَ بِأَنَّ مَا دَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةٌ لَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الِاسْتِظْهَارِ بِخِلَافِ مَا دَلَالَتُهُ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ، وَمِنْ مُضْمَنِهِ جَوَابُهُ عَنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ لَا بِمَنْطُوقِهِ.
وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ صَحِيحٌ وَمِنْ مُضْمَنِهِ جَوَابُهُ عَنْ الْجَوَابِ الثَّانِي بِأَنَّهُ يُشْكِلُ بِمَا إذَا قَالَ لَنَا الْمُؤَذِّنُ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنَّا نُقَلِّدُهُ وَهُوَ خَبَرٌ صِرْفٌ قُلْتُ قَوْلُهُ: فَإِنَّا نُقَلِّدُهُ إنْ أَرَادَ إنَّا نُقَلِّدُهُ بِاتِّفَاقٍ فَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي التَّقْلِيدِ فِي الْأَوْقَاتِ مَعْرُوفٌ، وَإِنْ أَرَادَ فَإِنَّا نُقَلِّدُهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا ثَبَتَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَصَحِيحِ النَّظَرِ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ إذَا أَذَّنَ لَا إذَا أَخْبَرَ بِدُخُولِهِ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ، وَالْأَصَحُّ عِنْدِي هَاهُنَا أَنْ لَا تَقْلِيدَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَصَبَ دَلِيلًا مُعَيَّنًا فَلَا يُتَعَدَّى مَا نَصَبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ مُضْمَنِهِ قَوْلُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَذِّنِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ يَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ قُلْت: ذَلِكَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ أَغْفَلَ دَلَالَةَ الْأَذَانِ بِجُمْلَتِهِ عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ، وَهِيَ دَلَالَةٌ عُرْفِيَّةٌ لِلشَّرْعِ بِالْمُطَابَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لِذَلِكَ وَضَعَهُ الشَّارِعُ مَعَ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ دَالٌّ عَلَى مُقْتَضَاهُ دَلَالَةً لُغَوِيَّةً بِالْمُطَابَقَةِ أَيْضًا، وَمِنْ مُضْمَنِهِ قَوْلُهُ إنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ الْقِبْلَةِ مُخْبِرٌ عَنْ حُكْمٍ مُتَأَبَّدٍ، وَأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالرِّوَايَةِ مِنْ الْمُؤَذِّنِ قُلْتُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُخْبِرَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ أَوْ اجْتِهَادٍ فَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ فَلَا فَرْقَ،.
وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ بِأَنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ الْقِبْلَةِ مُخْبِرٌ بِحُكْمٍ مُتَأَبَّدٍ بِخِلَافِ الْمُؤَذِّنِ فَإِنَّهُ مُخْبِرٌ بِحُكْمٍ غَيْرِ مُتَأَبَّدٍ لَا يَصْلُحُ فَارِقًا، وَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ اجْتِهَادٍ فَالْفَرْقُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ وَفِي الْوَقْتِ أَوْ عَدَمِ جَوَازِهِ أَوْ جَوَازِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
قَرَائِنَ تَحَصُّلِ الظَّنِّ فَافْهَمْ.
(وَالْمُنَاسَبَةُ) فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ دُونَ الرِّوَايَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ إلْزَامَ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ الْغَالِبُ فِي الشَّهَادَةِ تُتَوَقَّعُ فِيهِ عَدَاوَةٌ بَاطِنِيَّةٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا الْحَاكِمُ، فَيَنْبَعِثُ الْعَدُوُّ عَلَى إلْزَامِ عَدُوِّهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ فَاحْتَاطَ الشَّارِعُ لِذَلِكَ وَاشْتَرَطَ مَعَهُ آخَرَ إبْعَادًا لِهَذَا الِاحْتِمَالِ فَإِذَا اتَّفَقَا فِي الْمَقَالِ قَرُبَ الصِّدْقُ جِدًّا بِخِلَافِ الْوَاحِدِ، وَالرِّوَايَةُ مِنْ حَيْثُ عُمُومُ مُقْتَضَاهَا غَالِبًا يَكْفِي فِيهَا الْوَاحِدُ إذْ لَا يُتَّهَمُ أَحَدٌ فِي عَدَاوَةِ جَمِيعِ الْخَلْقِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الِاسْتِظْهَارِ بِالْغَيْرِ فَبَابُ الرِّوَايَةِ بَعِيدٌ عَنْ التُّهَمِ جِدًّا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ الْعَدْلَ إذَا رَوَى حَدِيثًا يَتَضَمَّنُ عِتْقَهُ أَنَّهُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِيهِ وَإِنْ تَضَمَّنَتْ نَفْعَهُ نَظَرًا لِكَوْنِ الْعُمُومِ مُوجِبًا لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فِي الْخُصُوصِ مَعَ وَازِعِ الْعَدَالَةِ كَمَا رَآهُ بَعْضُ مَشَايِخِ الْقَرَافِيِّ الْمُعْتَبَرِينَ مَنْقُولًا.
(وَالْمُنَاسَبَةُ) فِي اشْتِرَاطِ الذُّكُورِيَّةِ فِي الشَّهَادَةِ دُونَ الرِّوَايَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إلْزَامَ الْمُعَيَّنِ سُلْطَانٌ وَغَلَبَةٌ وَقَهْرٌ وَاسْتِيلَاءٌ تَأْبَاهُ النُّفُوسُ الْأَبِيَّةُ وَتَمْنَعُهُ الْحَمِيَّةُ، وَهُوَ مِنْ النِّسَاءِ أَشَدُّ نِكَايَةً لِنُقْصَانِهِنَّ فَإِنَّ اسْتِيلَاءَ النَّاقِصِ أَشَدُّ فِي ضَرَرِ الِاسْتِيلَاءِ فَخَفَّفَ ذَلِكَ عَنْ النُّفُوسِ بِدَفْعِ الْأُنُوثَةِ وَقَبُولِ شَهَادَةِ الْأُنْثَى فِي الْأَمْوَالِ وَفِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ فِيهَا اطِّلَاعُ الرِّجَالِ إنَّمَا كَانَ لِإِلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ، وَالْقَوَاعِدُ يُسْتَثْنَى مِنْهَا مَحَالُّ الضَّرُورَاتِ، ثُمَّ إنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ فِي مَحَلِّ تَعَذُّرِ اطِّلَاعِهِ الْإِطْلَاقِيِّ، وَجَعَلَهَا مِثْلَهُ بِشَرْطِ الِاسْتِظْهَارِ بِأُخْرَى فِي مَحَلِّ تَعَذُّرِ اطِّلَاعِهِ الِاتِّفَاقِيِّ؛ لِأَنَّ إذْعَانَ النُّفُوسِ بِمُقْتَضَى الضَّرُورَاتِ الْإِطْلَاقِيَّةِ أَشَدُّ مِنْ إذْعَانِهَا بِمُقْتَضَى الضَّرُورَاتِ الِاتِّفَاقِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) أَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُ مُقْتَضَاهَا وَالنِّسَاءُ نَاقِصَاتٌ عَقْلٍ وَدِينٍ نَاسَبَ أَنْ لَا يُنَصَّبْنَ نَصْبًا عَامًّا فِي مَوَارِدِهَا لِئَلَّا يَعُمَّ ضَرَرُهُنَّ بِالنِّسْيَانِ وَالْغَلَطِ بِخِلَافِ مُقْتَضَى الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ عَامٌّ، وَالْأُمُورُ الْعَامَّةُ تَتَأَسَّى فِيهَا النُّفُوسُ وَيَتَسَلَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَيَخِفُّ الْأَلَمُ، وَأَيْضًا قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ أَحَدٌ فِي عَدَاوَةِ جَمِيعِ الْخَلْقِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَافْهَمْ.
2 -
(وَالْمُنَاسَبَةُ) فِي اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ فِي الشَّهَادَةِ دُونَ الرِّوَايَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَيْضًا
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ النُّفُوسَ الْأَبِيَّةَ تَأْبَى قَهْرَهَا بِالْعَبِيدِ الْأَدْنَى كَمَا تَأْبَاهُ بِالنِّسَاءِ
وَثَامِنُهَا الْمُخْبِرُ عَنْ قِدَمِ الْعَيْبِ أَوْ حُدُوثِهِ فِي السِّلَعِ عِنْدَ التَّحَاكُمِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ الْقَوْلَ فِيهِ أَنَّهُ شَهَادَةٌ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ جُزْئِيٌّ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ، وَأَنَّهُ مُتَّجَهٌ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ يُعَكِّرُ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمُسْلِمُونَ قُبِلَ فِيهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ وَنَحْوِهِمْ، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَغَيْرُهُ قَالُوا لِأَنَّ هَذَا طَرِيقَهُ الْخَبَرُ فِيمَا يَنْفَرِدُونَ بِعِلْمِهِ.
وَهَذَا مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْكُفَّارَ لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى أُصُولِنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ وَشَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي الرِّوَايَةِ فَكَيْفَ يُصَرِّحُونَ بِالشَّهَادَةِ مَعَ قَبُولِ الْكَفَرَةِ فِيهَا، وَثَانِيهِمَا أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ هَذَا أَمْرٌ يَنْفَرِدُونَ بِعِلْمِهِ لَا عُذْرَ فِيهِ حَاصِلٌ فَإِنَّ كُلَّ شَاهِدٍ إنَّمَا يُخْبِرُ عَمَّا عَلِمَهُ مَعَ إمْكَانِ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ لَهُ فِيهِ وَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ يَعْلَمُونَ هَذِهِ الْأَمْرَاضَ مَعَ إمْكَانِ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِمْ مَعَهُمْ فِي الْعِلْمِ بِذَلِكَ فَمَا أَدْرِي وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ قَبُولِ قَوْلِهِمْ وَبَيْنَ هَذَا الْمَعْنَى مَعَ أَنَّ كُلَّ شَاهِدٍ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَتَاسِعُهَا قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ قَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الصَّبِيِّ وَالْأُنْثَى وَالْكَافِرِ الْوَاحِدِ فِي الْهَدِيَّةِ وَالِاسْتِئْذَانِ مَعَ أَنَّهُ إخْبَارٌ يَتَعَلَّقُ بِجُزْئِيٍّ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْمُهْدِي وَالْمُهْدَى إلَيْهِ فَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ، وَوَقَعَ هَذَا الْفَرْعُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَخَرَّجُوهُ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَيْسَ هَذِهِ الْإِخْبَارَاتِ بِمُجَرَّدِهَا بَلْ هِيَ مَعَ مَا يَحْتَفُّ بِهَا مِنْ الْقَرَائِنِ، وَلَرُبَّمَا وَصَلَتْ إلَى حَدِّ الْقَطْعِ وَهَذِهِ إشَارَةٌ مِنْهُمْ إلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ غَيْرَ أَنَّهُ اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا لِوُجُودِ الْقَرَائِنِ الَّتِي تَنُوبُ مَنَابَ الْعُدُولِ مَعَ عُمُومِ الْبَلْوَى فِي ذَلِكَ، وَدَعْوَى الضَّرُورَةِ إلَيْهِ فَلَوْ كَانَ أَحَدُنَا لَا يَدْخُلُ بَيْتَ صَدِيقِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِعَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ لَهُ بِإِذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَا يَبْعَثُ بِهَدِيَّتِهِ إلَّا مَعَ عَدْلَيْنِ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَلَا غَرْوَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْقَوَاعِدِ لِأَجْلِ الضَّرُورَاتِ، وَعَاشِرُهَا نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ لَهُ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ عَلَى قَبُولِ قَوْلِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي إهْدَاءِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا لَيْلَةَ الْعُرْسِ مَعَ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ تَعْيِينٍ مُبَاحٍ جُزْئِيٍّ لِجُزْئِيٍّ.
وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُقْبَلَ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ الَّتِي لَا يُقْبَلُ فِيهَا النِّسَاءُ إلَّا لِضَرُورَةٍ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ اجْتَمَعَ فِيهَا قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ وَنُدْرَةِ التَّدْلِيسِ وَالْغَلَطِ فِي مِثْلِ هَذَا مَعَ شُهْرَتِهِ وَعَدَمِ الْمُسَامَحَةِ فِيهِ وَدَعْوَى ضَرُورَاتِ النَّاسِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَالْأَصَحُّ نَقْلًا وَنَظَرًا جَوَازُهُ فِيهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَثَامِنُهَا الْمُخْبِرُ عَنْ قِدَمِ الْعَيْبِ أَوْ حُدُوثِهِ إلَى قَوْلِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ) . قُلْتُ: مَا حَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّهُ شَهَادَةٌ صَحِيحٌ وَمَا اسْتَشْكَلَ مِنْ قَبُولِ بَعْضِهِمْ أَهْلَ الذِّمَّةِ مُشْكِلٌ كَمَا.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَتَاسِعُهَا قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ قَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الصَّبِيِّ وَالْأُنْثَى وَالْكَافِرِ فِي الْهَدِيَّةِ وَالِاسْتِئْذَانِ مَعَ أَنَّهُ إخْبَارٌ يَتَعَلَّقُ بِجُزْئِيٍّ إلَى قَوْلِهِ لِأَجْلِ الضَّرُورَاتِ) قُلْتُ لَيْسَ هَذَا مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ فَصْلُ قَضَاءٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ الرِّوَايَةِ وَجُوِّزَ فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ لِإِلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ لُزُومِ الْمَشَقَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّجْوِيزِ مَعَ نُدُورِ الْخُلُوِّ عَنْ قَرَائِنِ تَحَصُّلِ الظَّنِّ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَعَاشِرُهَا نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ لَهُ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى قَبُولِ قَوْلِ الْمَرْأَةِ فِي إهْدَاءِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا لَيْلَةَ الْعُرْسِ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ)
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بَلْ أَوْلَى وَيَخِفُّ ذَلِكَ عَلَيْهَا بِالْأَحْرَارِ وَسَرَاةِ النَّاسِ.
(الثَّانِي) أَنَّ فِي الْعَبْدِ تَحَقُّقَ الْعَدَاوَةِ بِسَبَبِ مَا فَاتَهُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ بِالْكَسْبِ وَالْمَنَافِعِ، وَلَيْسَ فِي الْحُرِّ إلَّا مُجَرَّدُ احْتِمَالِ الْعَدَاوَةِ فَرُبَّمَا بَعَثَ الْعَبْدَ رِقُّهُ الْمُوجِبُ لِلضَّغَائِنِ وَالْأَحْقَادِ بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى الْمُعَيَّنِ وَإِذَايَتِهِ، وَذَلِكَ لِعُمُومِ الْخَلَائِقِ يَبْعُدُ الْقَصْدُ إلَيْهِ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ (هَذَا وَقَدْ عَلِمْت) مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْخَبَرَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:(أَحَدُهَا) رِوَايَةٌ مَحْضَةٌ كَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَمِنْهُ الْخَبَرُ الْمُفْتِي؛ لِأَنَّهُ نَاقِلٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى لِخَلْقِهِ كَالرَّاوِي لِلسُّنَّةِ وَلِأَنَّهُ وَارِثٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْفِي فِيهِ وَحْدَهُ فَكَذَلِكَ وَارِثُهُ فَلِذَا لَمْ يُعْلَمْ خِلَافٌ فِي أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي السَّاعِي أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ أَيْضًا لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْحَاكِمِ.
(وَالثَّانِي) شَهَادَةٌ مَحْضَةٌ كَإِخْبَارِ الشُّهُودِ عَنْ الْحُقُوقِ عَلَى الْمُعَيَّنِينَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالثَّالِثُ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْخَبَرِ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا هُنَا مَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ فِي إعْطَائِهِ حُكْمَ الشَّهَادَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ أَوْ حُكْمِ الرِّوَايَةِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدِ نَظَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ شَبَهِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِاعْتِبَارَيْنِ. (وَلَهُ صُوَرٌ أَحَدُهَا) الْقَائِفُ فِي إثْبَاتِ الْأَنْسَابِ بِالْخَلْقِ قِيلَ لَهُ حُكْمُ الرِّوَايَةِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَبَهِهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُنْتَصِبٌ انْتِصَابًا عَامًّا لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِقَبِيلَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهُمْ بَنُو مُدْلِجٍ فَيُنَصِّبُ الْحَاكِمُ مِنْهُمْ مَنْ يَرَاهُ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَدُخُولُ نَصْبِ الْحَاكِمِ لِذَلِكَ وَاجْتِهَادُهُ وَتَوَسُّطُ نَظَرِهِ يُبْعِدُ احْتِمَالَ الْعَدَاوَةِ وَيُخَفِّفُ الضَّغِينَةَ فِي قَلْبِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ مُنْتَصِبٌ لِكُلِّ مَنْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ شَهَادَةٌ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ نَصْبِ الْإِمَامِ لِذَلِكَ الشَّخْصِ كَمَا قَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَلَمْ يُنْقَلْ لَنَا أَنَّهُ نَصَّبَهُ لِذَلِكَ، وَلَوْ وُجِدَ مِنْ النَّاسِ أَوْ مِنْ الْقَبَائِلِ مَنْ يُودِعُهُ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الْخَاصِّيَّةَ الَّتِي أَوْدَعَهَا فِي بَنِي مُدْلِجٍ لَقَبِلَ قَوْلَهُ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ بِلَا خَفَاءٍ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ
إلَى ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِئْذَانِ وَالْهَدِيَّةِ، فَهَذِهِ عَشْرُ مَسَائِلَ تُحَرِّرُ قَاعِدَتَيْ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ بِوُجُودِ أَشْبَاهِهِمَا فِيهَا، وَتُؤَكِّدُ ذَلِكَ تَأَكُّدًا وَاضِحًا فِي نَفْسِ الْفَقِيهِ بِحَيْثُ يَسْهُلُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ تَخْرِيجُ جَمِيعِ فُرُوعِ الْقَاعِدَتَيْنِ عَلَيْهِمَا، وَمَعْرِفَةُ الْفَرْعِ الْقَرِيبِ مِنْ الْقَاعِدَةِ مِنْ الْبَعِيدِ عَنْهَا وَلْنَقْتَصِرْ عَلَى هَذِهِ الْعَشْرِ خَشْيَةَ الْإِطَالَةِ.
(تَنْبِيهٌ)
قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ قَالَ مَالِكٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَصَّابِ فِي الذَّكَاةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا وَمَنْ مِثْلُهُ يَذْبَحُ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ بَلْ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ فَإِذَا قَالَ الْكَافِرُ هَذَا مَالِي أَوْ هَذَا الْعَبْدُ رَقِيقٌ لِي صُدِّقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ هَذِهِ ذَكِيَّةٌ فَهُوَ مُؤْتَمَنٌ فِيهِ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَيَّ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُقَرِّرَةِ لِلْمِلْكِ مِنْ الْإِرْثِ وَالِاكْتِسَابِ بِالصِّنَاعَةِ وَالزِّرَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مُؤْتَمَنٌ إذْ كُلُّ أَحَدٍ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مِمَّا هُوَ تَحْتَ يَدِهِ فِي أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ أَوْ مِلْكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْوِي لَنَا دِينًا وَلَا يَشْهَدُ عِنْدَنَا فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ بَلْ هَذَا مِنْ بَابِ التَّأْمِينِ الْمُطْلَقِ كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا قَالَ هَذَا مِلْكِي أَوْ هَذِهِ أَمَتِي لَمْ نَعُدَّهُ رَاوِيًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَإِلَّا لَاشْتَرَطْنَا فِيهِ الْعَدَالَةَ وَلَا شَاهِدًا بَلْ نَقْبَلُهُ مِنْهُ.
وَإِنْ كَانَ أَفْسَقَ النَّاسِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْفُرُوعِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْتَ مَا قَرَّرْتَهُ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ حَقِيقَتُهَا التَّعَلُّقُ بِجُزْئِيٍّ، وَالرِّوَايَةَ حَقِيقَتُهَا التَّعَلُّقُ بِكُلِّيٍّ لَا يَطَّرِدُ وَلَا يَنْعَكِسُ أَمَّا الشَّهَادَةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اجْتِمَاعِ شَبَهِ الرِّوَايَةِ مَعَهَا فَقَدْ تَقَعُ فِي الْأَمْرِ الْكُلِّيِّ الْعَامِّ الَّذِي لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ كَالشَّهَادَةِ بِالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالنَّسَبِ الْمُتَفَرِّعِ بَيْنَ الْأَنْسَابِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَوْنُ الْأَرْضِ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا يَنْبَنِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الصُّلْحِ أَوْ أَحْكَامُ الْعَنْوَةِ مِنْ كَوْنِهَا طَلْقًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ وَقْفًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّظَائِرِ كَمَا اخْتَصَّتْ الشَّهَادَةُ بِجُزْئِيٍّ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا فِي الْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ النَّجَاسَةِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
وَإِذَا وَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْجُزْئِيِّ وَالْكُلِّيِّ لَمْ تَكُنْ نِسْبَةُ أَحَدِهِمَا إلَى الْجُزْئِيِّ أَوْ الْكُلِّيِّ أَوْلَى مِنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قُلْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي مَعْنَى الَّتِي قَبْلَهَا كَمَا ذَكَرَ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (تَنْبِيهٌ
قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ قَالَ مَالِكٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَصَّابِ إلَى قَوْلِهِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْفُرُوعِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ) قُلْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ تَيْنِكَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَهِيَ مِنْ جِنْسِ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهَا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مِمَّا هُوَ تَحْتَ يَدِهِ إنَّمَا الْمَعْنَى بِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ أَوْ مُصَدَّقٌ أَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ بِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ مُحِقٌّ عِنْدَنَا فِي دَعْوَاهُ، وَمَسْأَلَةُ الْقَصَّابِ مَعَ ذَلِكَ لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بَلْ هِيَ مِنْ جِنْسِ الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ تَرْكَهُ وَمَا يَدَّعِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مِلْكِ مَا تَحْتَ يَدِهِ، بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا هَلْ يُسْتَبَاحُ أَكْلُهَا بِنَاءً عَلَى خَبَرِهِ أَمْ لَا، فَلَا أَعْلَمُ لِتَجْوِيزِ الِاسْتِبَاحَةِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ إلَّا إلْجَاءَ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ لِلُزُومِ الْمَشَقَّةِ عَنْ عَدَمِ التَّجْوِيزِ مَعَ نُدُورِ الْخُلُوِّ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُحَصِّلَةِ لِلظَّنِّ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (فَإِنْ قُلْتَ مَا قَرَّرْتَهُ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ حَقِيقَتُهَا التَّعَلُّقُ بِجُزْئِيٍّ، وَالرِّوَايَةَ حَقِيقَتُهَا التَّعَلُّقُ بِكُلِّيٍّ لَا يَطَّرِدُ وَلَا يَنْعَكِسُ إلَى قَوْلِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ أَنَّ زَيْدًا ابْنُ عَمْرٍو وَلَيْسَ ابْنَ خَالِدٍ وَهُوَ حُكْمٌ جُزْئِيٌّ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ، وَيَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مِنْ الِاحْتِمَالِ الْمُوجِبِ لِلْعَدَاوَةِ مَا يَتَطَرَّقُ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ الدُّنْيَوِيِّ.
(وَثَانِيهَا) الْمُتَرْجِمُ لِلْفَتَاوَى وَالْخُطُوطِ قَالَ مَالِكٌ يَكْفِي الْوَاحِدُ قِيلَ لِأَنَّ فِيهِ شِبْهَ الرِّوَايَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ نُصِّبَ نَصْبًا عَامًّا لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَخْتَصُّ نَصْبُهُ بِمُعَيَّنٍ، وَأَنَّ تَرْجَمَةَ مَا ذَكَرَ إنَّمَا تَكُونُ بِنَصْبِ الْحَاكِمِ مَنْ يَرَاهُ أَهْلًا لِذَلِكَ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فِي الْقَائِفِ، وَقَدْ عَلِمْت ضَعْفَهُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ شِبْهَ الشَّهَادَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ مُعَيَّنٍ مِنْ الْفَتَاوَى وَالْخُطُوطِ لَا يَتَعَدَّى إخْبَارُهُ ذَلِكَ الْخَطَّ الْمُعَيَّنَ أَوْ الْكَلَامَ الْمُعَيَّنَ وَلَا خَفَاءَ فِي ضَعْفِ هَذَا الشَّبَهِ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ فِيهِ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّ التَّرْجَمَةَ تَابِعَةٌ لِمَا هِيَ تَرْجَمَةٌ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ نَوْعِ الرِّوَايَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ فَكَذَلِكَ (وَثَالِثُهَا) الْمُقَوِّمُ لِلسِّلَعِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَالسَّرِقَاتِ وَالْغُصُوبِ وَغَيْرِهَا.
قَالَ مَالِكٌ يَكْفِي الْوَاحِدُ فِي التَّقْوِيمِ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْقِيَمِ حَدٌّ كَالسَّرِقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ قِيلَ لِمَا فِيهِ مِنْ شِبْهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَدٍّ لِمَا لَا يَتَنَاهَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُتَرْجِمِ وَالْقَائِفِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا تَضْعِيفَهُ وَمِنْ شِبْهِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَنْفُذُ فِي الْقِيمَةِ وَالْحَاكِمُ يُنَفِّذُهُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَظْهَرَ مِنْ شِبْهِ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَلِمَا فِيهِ مِنْ شِبْهِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَيُرَاعَى فِيهِ شَبَهَا الرِّوَايَةِ وَالْحُكْمِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِإِخْبَارِهِ حَدٌّ فَيَتَعَيَّنُ مُرَاعَاةُ الشَّهَادَةِ لِقُوَّةِ مَا يُفْضِي إلَيْهِ هَذَا الْإِخْبَارُ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مِنْ إبَاحَةِ عُضْوِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ، وَرُوِيَ وَلَا بُدَّ فِي التَّقْوِيمِ مِنْ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَرَتُّبِ فَصْلِ الْقَضَاءِ بِإِلْزَامِ ذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْعِوَضِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَرَابِعُهَا) الْقَاسِمُ قَالَ مَالِكٌ يَكْفِي الْوَاحِدُ وَالْأَحْسَنُ اثْنَانِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَمِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، وَمَنْشَأُ ذَلِكَ حُصُولُ شِبْهِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ اسْتَنَابَهُ فِي ذَلِكَ فَيَكْفِي الْوَاحِدُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا أَوْ شِبْهِ التَّقْوِيمِ