الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَنَّ مَصْلَحَتَهَا التَّمْيِيزُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِهَا سَوَاءً قَصَدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ فَاسْتَغْنَتْ عَنْ النِّيَّةِ
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إذَا قَصَدَ الْإِنْسَانُ صَلَاةَ الظُّهْرِ مَثَلًا فَإِذَا قَالَ فِي نَفْسِهِ نَوَيْت فَرْضَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مَثَلًا خَرَجَتْ سُنَنُ صَلَاةِ الظُّهْرِ عَنْ أَنْ تَكُونَ مَنْوِيَّةً فَلَا يُثَابُ عَلَيْهَا وَمَا قَالَهُ أَحَدٌ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنْ يَقْصِدَ لِمَا فِي الظُّهْرِ مِنْ فَرْضٍ فَيَنْوِيَهُ وَإِلَى مَا فِيهِ مِنْ سُنَّةٍ فَيَنْوِيَهُ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِالْأَوَّلِ وَيُثَابَ بِالثَّانِي وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِاشْتِرَاطِ نِيَّتَيْنِ فَمَا الْجَوَابُ عَنْهُ وَالْجَوَابُ أَنْ يَنْوِيَ فَرْضَ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَتَكْفِي هَذِهِ النِّيَّةُ الْمُجْمَلَةُ فِي انْسِحَابِهَا عَلَى فَرَوْضِ الصَّلَاةِ وَسُنَنِهَا فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّفْصِيلَ فِي النِّيَّةِ وَلِذَلِكَ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْوِيَ عَدَدَ السَّجَدَاتِ وَغَيْرَهَا مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ بَلْ يَكْفِي بِانْسِحَابِ النِّيَّةِ عَلَى ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ.
(الْفَرْقُ التَّاسِعَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ مَا تُشْرَعُ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ وَمَا لَا تُشْرَعُ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ) أَفْعَالُ الْعِبَادِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا شُرِعَتْ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ وَمِنْهَا مَا لَا تُشْرَعُ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ وَمِنْهَا مَا تُكْرَهُ فِيهِ فَالْأَوَّلُ كَالْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ عَلَى الْخِلَافِ وَذَبْحِ النُّسُكِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمِنْهُ مُبَاحَاتٌ لَيْسَتْ بِعِبَادَاتٍ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالثَّانِي كَالصَّلَوَاتِ وَالْآذَانِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكَالْأَذْكَارِ وَالدُّعَاءِ وَالثَّالِثُ كَالْمُحَرَّمَاتِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ التَّسْمِيَةِ حُصُولُ الْبَرَكَةِ فِي الْفِعْلِ الْمُبَسْمَلِ عَلَيْهِ وَالْحَرَامُ لَا يُرَادُ تَكْبِيرُهُ وَكَذَلِكَ الْمَكْرُوهُ وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ تَتَحَصَّلُ مِنْ تَفَارِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ فِي الْمَذْهَبِ فَأَمَّا ضَابِطُ مَا تُشْرَعُ فِيهِ التَّسْمِيَةُ مِنْ الْقُرُبَاتِ وَمَا لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ فَقَدْ وَقَعَ الْبَحْثُ فِيهِ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ وَعَسُرَ تَحْرِيرُ ذَلِكَ وَضَبْطُهُ وَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ قَالَ: إنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ فِي الْأَذْكَارِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا لِأَنَّهَا بَرَكَةٌ فِي نَفْسِهَا فَوَرَدَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَالْبَرَكَاتِ مَعَ أَنَّهَا شُرِعَتْ فِيهِ فَالْقَصْدُ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ بَيَانُ عُسْرِهِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى طَلَبِ الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ فَإِذَا نُبِّهَ عَلَى الْإِشْكَالِ اسْتَفَادَهُ وَحَثَّهُ ذَلِكَ عَلَى طَلَبِ جَوَابِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى خَلَّاقٌ عَلَى الدَّوَامِ يَهَبُ فَضْلَهُ لِمَنْ يَشَاءُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ
(الْفَرْقُ الْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّوْمِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ) وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» فَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّشْرِيفِ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ الْفَتَاوَى عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إيقَاعِ الصَّلَاةِ مَنْوِيَّةً فَإِنَّ النِّيَّةَ فِي الصَّلَاةِ مَشْرُوعَةٌ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا وَلَمْ يُشْرَعْ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ نِيَّةَ الِامْتِثَالِ حَتَّى يَلْزَمَ التَّسَلْسُلُ وَعَلَى ذَلِكَ لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ هُوَ إنَّ النِّيَّةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ.
قَالَ: (الْفَرْقُ التَّاسِعَ عَشَرَ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ.
قَالَ: (الْفَرْقُ الْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّوْمِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ: فِيهِ) قُلْتُ: أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ عِنْدِي الْقَوْلُ الَّذِي افْتَتَحَ بِهِ وَهُوَ أَنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْضِ بِالْإِيمَانِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ يُجَابُ عَنْهُ بِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْبَرْدِ وَالصَّوْمِ فِي النَّهَارِ الطَّوِيلِ وَالْمُخَاطَرَةِ بِالنَّفْسِ فِي الْجِهَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ مَا يَلْزَمُهُ فِي الْعِبَادَةِ لَا بِإِسْقَاطٍ وَلَا بِتَخْفِيفٍ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَقْصَ التَّكْلِيفِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ التَّكْلِيفُ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمَشَاقِّ كَانَ مَا يَلْزَمُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ مُتَّفَقٌ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي الْإِسْقَاطِ أَوْ التَّخْفِيفِ كَالْخَوْفِ عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْمَنَافِعِ لِأَنَّ حِفْظَ هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ سَبَبُ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَوْ حَصَّلْنَا هَذِهِ الْعِبَادَةَ مَعَ الْخَوْفِ عَلَى مَا ذُكِرَ لِثَوَابِهَا لَأَدَّى لِذَهَابِ أَمْثَالِهَا وَالثَّانِي مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي ذَلِكَ كَأَدْنَى وَجَعٍ فِي أُصْبُعٍ لِأَنَّ تَحْصِيلَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ دَرْءِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ لِشَرَفِ الْعِبَادَةِ وَخِفَّةِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ الثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَبَعْضُهُمْ يَعْتَبِرُ فِي التَّخْفِيفِ مَا اشْتَدَّتْ مَشَقَّتُهُ.
وَإِنْ بِسَبَبِ التَّكْرَارِ لَا مَا خَفَّتْ مَشَقَّتُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فَيَسْقُطُ التَّطْهِيرُ مِنْ الْخُبْثِ فِي الصَّلَاةِ عَنْ ثَوْبِ الْمُرْضَعِ وَكُلُّ مَا يَعْسُرُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَيَسْقُطُ الْوُضُوءُ فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ لِكَثْرَةِ عَدَمِ الْمَاءِ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ وَبَعْضُهُمْ يَعْتَبِرُ فِي التَّخْفِيفِ شَدِيدَ الْمَشَقَّةِ وَخَفِيفَهَا وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ تَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ فَكَمَا وَجَدْت الْمَشَاقَّ الثَّلَاثَةَ فِي الْوُضُوءِ كَذَلِكَ تَجِدُهَا فِي الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَتَوَقَانِ الْجَائِعِ لِلطَّعَامِ عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ وَالتَّأَذِّي بِالرِّيَاحِ الْبَارِدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ وَالْمَشْيِ فِي الْوَحْلِ وَغَصْبِ الْحُكَّامِ وَجُوعِهِمْ الْمَانِعَيْنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْفِكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ فِي الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ.
[ضَابِطُ الْمَشَقَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي التَّخْفِيفِ مِنْ غَيْرِهَا]
وَضَابِطُ الْمَشَقَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي التَّخْفِيفِ مِنْ غَيْرِهَا هُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْفَقِيهِ أَوَّلًا أَنْ يَفْحَصَ عَنْ أَدْنَى مَشَاقِّ تِلْكَ الْعِبَادَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَيُحَقِّقَهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ اسْتِدْلَالٍ ثُمَّ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَشَاقِّ يَنْظُرُ فِيهِ ثَانِيًا فَإِنْ كَانَ مِثْلَ تِلْكَ الْمَشَقَّةِ أَوْ أَعْلَى مِنْهَا جَعَلَهُ مُسْقِطًا وَإِنْ كَانَ أَدْنَى مِنْهَا لَمْ يَجْعَلْهُ مُسْقِطًا مِثَالُ ذَلِكَ التَّأَذِّي بِالْقَمْلِ فِي الْحَجِّ مُبِيحٌ لِلْحَلْقِ بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فَأَيُّ مَرَضٍ آذَى مِثْلُهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ أَبَاحَ وَإِلَّا فَلَا وَالسَّفَرُ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ بِالنَّصِّ فَيُعْتَبَرُ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْمَشَاقِّ.
[مَا لَا ضَابِطَ لَهُ وَلَا تَحْدِيدَ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ عَلَى قِسْمَيْنِ]
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ لَمْ يَكْتَفِ الشَّرْعُ فِي إسْقَاطِهَا بِمُسَمَّى تِلْكَ الْمَشَاقِّ بَلْ لِكُلِّ عِبَادَةٍ مُرَتَّبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ مَشَاقِّهَا الْمُؤَثِّرَةِ فِي إسْقَاطِهَا كَمَا عَلِمْت
مِنْهُ وَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ أَيْضًا قَالَ: عليه الصلاة والسلام «أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ إنَّ أَهَمَّ أُمُورِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ الْأَثَرُ الْمَشْهُورُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ لِهَذِهِ الْإِضَافَةِ وَالتَّخْصِيصِ مِنْ فَارِقٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ رضي الله عنهم فِيهِ فُرُوقًا أَحَدُهَا: أَنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ نَبَّهَ عَلَى شَرَفِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِهِمَا وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْإِيمَانَ وَالْإِخْلَاصَ وَأَعْمَالُ الْقُلُوبِ الْحَسَنَةُ كُلُّهَا خَفِيَّةٌ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ تَنَاوَلَهَا بِعُمُومِهِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ جَوْفَ الْإِنْسَانِ يَبْقَى خَالِيًا فَيَحْصُلُ لَهُ شِبْهُ وَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ فَإِنَّ الصَّمَدَ هُوَ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِيهِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الِاشْتِغَالُ بِالْعُلُومِ فَإِنَّ الْعِلْمَ مِنْ أَجَلِّ صِفَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى فَمَنْ حَصَّلَهُ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ شَبَهٌ عَظِيمٌ وَكَذَلِكَ الِانْتِقَامُ مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَالْإِحْسَانُ إلَى الْمُؤْمِنِينَ وَتَعْظِيمُ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَكُلُّ ذَلِكَ إذَا صَدَرَ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ فِيهِ التَّخَلُّقُ بِأَخْلَاقِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مُفَضَّلٌ عَلَيْهَا بِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَثَالِثُهَا أَنَّهُ اخْتَصَّ بِتَرْكِ الْإِنْسَانِ لِشَهَوَاتِهِ وَمَلَاذِّهِ فِي فَرْجِهِ وَفَمِهِ وَذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ يُوجِبُ الثَّنَاءَ وَالتَّشْرِيفَ بِالْإِضَافَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْجِهَادَ أَعْظَمُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ فِيهِ مُؤْثِرٌ مُهْجَتَهُ وَجَسَدَهُ وَحَيَاتَهُ فَيَذْهَبُ جَمِيعُ الشَّهَوَاتِ تَبَعًا لِذَهَابِ الْحَيَاةِ وَكَذَلِكَ الْحَجُّ يَتْرُكُ فِيهِ الْعَبْدُ الْمَخِيطَ وَالْمُحِيطَ وَالطِّيبَ وَالتَّنْظِيفَ وَيُفَارِقُ الْأَوْطَانَ وَالْأَوْطَارَ وَالْأَهْلَ وَالْأَوْلَادَ وَالْإِخْوَانَ وَيَرْتَكِبُ الْأَخْطَارَ فِي الْأَسْفَارِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ مُفَضَّلٌ عَلَيْهِ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَرَابِعُهَا أَنَّ جَمِيعَ الْعِبَادَاتِ وَقَعَ التَّقَرُّبُ بِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لَمْ يُتَقَرَّبْ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلِذَلِكَ خُصِّصَ بِالْإِضَافَةِ وَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّوْمَ أَيْضًا وَقَعَ التَّقَرُّبُ بِهِ إلَى الْكَوَاكِبِ فِيمَا يَتَعَاطَاهُ أَرْبَابُ الِاسْتِخْدَامَاتِ لِلْكَوَاكِبِ وَخَامِسُهَا أَنَّ الصَّوْمَ يُوجِبُ تَصْفِيَةَ الْفِكْرِ وَصَفَاءَ الْعَقْلِ وَضَعْفَ الْقُوَى الشَّهْوَانِيَّةِ بِسَبَبِ الْجُوعِ وَقِلَّةِ الْغِذَاءِ وَلِذَلِكَ قَالَ: عليه السلام «لَا تَدْخُلُ الْحِكْمَةُ جَوْفًا مُلِئَ طَعَامًا» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «الْبِطْنَةُ تَذْهَبُ بِالْفِطْنَةِ» وَلَا شَكَّ أَنَّ صَفَاءَ الْعَقْلِ وَضَعْفَ الشَّهْوَةِ الْبَهِيمِيَّةِ مِمَّا يُوجِبُ حُصُولَ الْمَعَارِفِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ السَّنِيَّةِ وَهَذِهِ مِزْيَةٌ عَظِيمَةٌ تُوجِبُ التَّشْرِيفَ بِالْإِضَافَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّلَاةَ وَمُنَاجَاةَ الرَّبِّ سبحانه وتعالى وَالْمُرَاقَبَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَالْتِزَامَ الْأَدَبِ مَعَهُ وَالْخُضُوعِ لَدَيْهِ مِمَّا يُوجِبُ حُصُولَ الْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ وَالْمَوَاهِبِ الرَّبَّانِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]{وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد: 28] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ دَالَّةٌ عَلَى سَبَبِ الْمَوَاهِبِ وَالنُّورِ وَالْهِدَايَةِ وَجَزِيلِ الْفَضَائِلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَرَتِّبًا عَلَى الصَّلَاةِ أَكْثَرَ إذَا وَقَعَتْ مِنْ الْمُكَلَّفِ عَلَى وَجْهِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيمَا حَكَاهُ نَبِيُّهُ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ «مَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْت.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الْمُرَادَ بِهِ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ لَا الْبَاطِنَةُ وَأَنَّ الصَّوْمَ اخْتَصَّ دُونَهَا بِهَذِهِ الْمِزْيَةِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ كَوْنُ الصَّلَاةِ أَفْضَلَ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْمِزْيَةِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى مَا قَرَّرَ هُوَ بَعْدَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَبَيْنَ الْمُعَامَلَاتِ اكْتَفَى الشَّرْعُ فِي إسْقَاطِ الْمَسْئُولِيَّةِ فِيهَا عَلَى أَقِلَّ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ حَقِيقَتُهَا إنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ اشْتَرَطَ أَنَّهُ كَاتَبَ يَكْفِي فِي تَحْقِيقِ هَذَا الشَّرْطِ مُسَمَّى الْكِتَابَةِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْمَهَارَةِ فِيهَا وَكَذَلِكَ شُرُوطُ السَّلَمِ فِي سَائِرِ الْأَوْصَافِ وَأَنْوَاعِ الْحِرَفِ يُقْتَصَرُ عَلَى مُسَمَّاهَا دُونَ مَرْتَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا هُوَ أَنَّ الْعِبَادَةَ لَمَّا كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَمَوَاهِبِ ذِي الْجَلَالِ وَسَعَادَةِ الْأَبَدِ كَانَ تَفْوِيتُهَا بِمُسَمَّى الْمَشَقَّةِ مَعَ يَسَارَةِ احْتِمَالِهَا غَيْرَ لَائِقٍ وَلِذَلِكَ كَانَ تَرْكُ التَّرْخِيصِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَوْلَى وَكَانَ تَعَاطِي الْعِبَادَةِ مَعَ الْمَشَقَّةِ أَبْلَغَ فِي إظْهَارِ الطَّوْعِيَّةِ وَأَبْلَغَ فِي التَّقَرُّبِ وَلِذَلِكَ قَالَ: عليه الصلاة والسلام «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ أَحْزَمُهَا» أَيْ أَشَقُّهَا وَقَالَ: «أَجْرُك عَلَى قَدْرِ نَصَبِك» وَالْمُعَامَلَاتُ لَمَّا كَانَتْ مَصَالِحُهَا الَّتِي بُذِلَتْ الْأَعْوَاضُ فِيهَا تَحْصُلُ بِمُسَمَّى حَقَائِقِ الشَّرْعِ وَالشُّرُوطِ كَانَ الْتِزَامُ غَيْرِ ذَلِكَ فِيهَا يُؤَدِّي إلَى كَثْرَةِ الْخِصَامِ وَنَشْرِ الْفَسَادِ وَإِظْهَارِ الْعِنَادِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَصْلٌ) فِي تَحْرِيرِ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ بِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ وَبَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْكَبَائِرِ وَالْكُفْرِ وَبَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَبَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَهَذِهِ مَوَاضِعُ شَاقَّةُ الضَّبْطِ عَسِيرَةُ التَّحْرِيرِ وَفِيهَا غَوَامِضُ صَعْبَةٌ عَلَى الْفَقِيهِ وَالْمُفْتِي عِنْدَ حُلُولِ النَّوَازِلِ فِي الْفَتَاوَى وَالْأَقْضِيَةِ وَاعْتِبَارِ حَالِ الشُّهُودِ فِي التَّجْرِيحِ وَعَدَمِهِ أَمَّا بَيْنَ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَبِيرَةٌ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْإِطْلَاقِ أَمْرٌ كَبِيرٌ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَيْضًا فِي أَنَّ مَا الذَّمُّ عَلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ بِهِ إنْ نَفَذَ عَلَى مُرْتَكِبِهِ الْوَعِيدُ أَشَدُّ فَهُوَ مِنْ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ وَأَنَّ مَا الذَّمُّ عَلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ بِهِ إنْ نَفَذَ عَلَى مُرْتَكِبِهِ الْوَعِيدُ أَخَفُّ فَهُوَ مِنْ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ إذْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقَوَاعِدُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْهُمَا وَهِيَ أَنَّ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ وَمَا لَا فَلَا تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الذُّنُوبِ فِي الذَّمِّ وَالْعِقَابِ إنْ نَفَذَ الْوَعِيدُ وَالْكِتَابُ قَوْله تَعَالَى {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7] فَجَعَلَهَا رُتَبًا ثَلَاثَةً الْكُفْرُ رُتْبَةٌ أُولَى وَالْفُسُوقُ ثَانِيَةٌ وَالْعِصْيَانُ ثَالِثَةٌ يَلِي الْفُسُوقَ وَهُوَ الصَّغَائِرُ فَجَمَعَتْ الْآيَةُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ.
وَسُمِّيَ بَعْضُ الْمَعَاصِي فُسُوقًا دُونَ
إلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ بَاعًا وَمَنْ أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» وَالْمُصَلِّي يَتَقَرَّبُ أَكْثَرَ فَيَكُونُ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَعْظَمَ وَذُكِرَ مَعَ هَذِهِ الْوُجُوهِ وُجُوهٌ أُخَرُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ غَيْرُ سَالِمَةٍ مِنْ النَّقْصِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ فَرْقًا تَقَرُّ بِهِ الْعَيْنُ وَيَسْكُنُ إلَيْهِ الْقَلْبُ غَيْرَ أَنِّي أَوْقَفْتُك عَلَى أَكْثَرَ مَا قِيلَ فِيهِ مِمَّا هُوَ قَوِيُّ الْمُنَاسَبَةِ وَمَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْتَ مِنْ وَرَاءِ الْفَحْصِ وَالْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ.
(الْفَرْقُ الْحَادِيَ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ جُزْئِيَّاتِ الْمَعْنَى وَقَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ أَجْزَائِهِ أَوْ الْكُلِّيَّةِ عَلَى جُزْئِيَّاتِهَا وَهُوَ الْعُمُومُ عَلَى الْخُصُوصِ) وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ الْتَبَسَ عَلَى جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا الْمَوْضِعُ أَصْلُهُ إطْلَاقٌ وَقَعَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الِاسْمِ هَلْ يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَى أَوَّلِهِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ فَلَمَّا وَقَعَ هَذَا الْإِطْلَاقُ لِلْأُصُولِيِّينَ عَمِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَخْرِيجِ الْفُرُوعِ عَلَيْهِ عَلَى خِلَافِ مَا تَقْتَضِيهِ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ قَاعِدَتَيْنِ:
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) تَحْقِيقُ الْجُزْئِيِّ مَا هُوَ وَلَهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا كُلُّ شَخْصٍ مِنْ نَوْعٍ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَخْصٍ مِنْ نَوْعٍ كَالْفَرَسِ الْمُعَيَّنِ مِنْ نَوْعِ الْفَرَسِ وَالْحَجَرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ نَوْعِ الْحِجَارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَثَانِيهِمَا مَا انْدَرَجَ تَحْتَ كُلِّيٍّ هُوَ وَغَيْرُهُ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ بِالْأَشْخَاصِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو لِانْدِرَاجِهِمَا تَحْتَ مَفْهُومِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِمَا وَيَصْدُقُ أَيْضًا عَلَى الْأَنْوَاعِ وَالْأَجْنَاسِ الَّتِي لَيْسَتْ بِأَشْخَاصٍ لِانْدِرَاجِهَا تَحْتَ كُلِّيٍّ هِيَ وَغَيْرُهَا فَالْإِنْسَانُ يَنْدَرِجُ تَحْتَ الْحَيَوَانِ مَعَ الْفَرَسِ وَالْحَيَوَانُ مَعَ النَّبَاتِ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ النَّامِي وَالنَّامِي وَالْجَمَادُ مُنْدَرِجَانِ تَحْتَ الْجِسْمِ فَهَذَانِ هُمَا مَعْنَى الْجُزْئِيِّ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) بَيَانُ الْجُزْءِ وَهُوَ الَّذِي لَا يُعْقَلُ إلَّا بِالْقِيَاسِ إلَى كُلٍّ فَالْكُلُّ مُقَابِلٌ لِلْجُزْءِ وَالْكُلِّيُّ مُقَابِلٌ لِلْجُزْئِيِّ فَالْخَمْسَةُ مِنْ الْعَشَرَةِ جُزْءٌ وَالْحَيَوَانُ مِنْ الْإِنْسَانِ جُزْءٌ وَالْإِنْسَانُ كُلٌّ لِتَرَكُّبِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ وَهَاهُنَا قَاعِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْكُلِّ دَالٌّ عَلَى جُزْئِهِ فِي الْأَمْرِ وَخَبَرَ الثُّبُوتِ بِخِلَافِ النَّهْيِ وَخَبَرِ النَّفْيِ فَإِذَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ أَوْجَبَ رَكْعَةً
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ جُزْئِيَّاتِ الْمَعْنَى وَقَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ أَجْزَائِهِ أَوْ الْكُلِّيَّةِ عَلَى جُزْئِيَّاتِهَا وَهُوَ الْعُمُومُ عَلَى الْخُصُوصِ إلَى قَوْلِهِ: وَالْإِنْسَانُ كُلٌّ لِتَرَكُّبِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ) قُلْتُ: جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ: (وَهَاهُنَا قَاعِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْكُلِّ دَالٌّ عَلَى جُزْئِهِ فِي الْأَمْرِ وَخَبَرَ الثُّبُوتِ بِخِلَافِ النَّهْيِ وَخَبَرِ النَّفْيِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْكُلِّ دَالٌّ عَلَى جُزْئِهِ مُطْلَقًا.
قَالَ: (فَإِذَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ أَوْجَبَ رَكْعَةً) قُلْتُ: إنْ أَرَادَ فَقَدْ أَوْجَبَ رَكْعَةً مُنْفَرِدَةً فَمَمْنُوعٌ وَإِنْ أَرَادَ فَقَدْ أَوْجَبَ رَكْعَةً مُقَارِنَةً لِأُخْرَى فَمُسَلَّمٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بَعْضٍ وقَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} [النجم: 32] الْآيَةُ وقَوْله تَعَالَى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] فَإِنَّ فِيهَا صَرَاحَةً فِي انْقِسَامِ الذُّنُوبِ إلَى كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ.
وَالسُّنَّةُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ» زَادَ الْبُخَارِيُّ «وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» وَمُسْلِمٌ بَدَلَهَا «وَقَوْلُ الزُّورِ» .
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَيْضًا وَمِنْ كَذَا إلَى كَذَا كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ فَخَصَّ الْكَبَائِرَ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ وَلَوْ كَانَتْ الذُّنُوبُ كُلُّهَا كَبَائِرَ لَمْ يَسُغْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ أَحَقُّ بِاسْمِ الْكَبِيرَةِ تَخْصِيصًا لَهُ بِاسْمٍ يَخُصُّهُ فَلِذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يَلِيقُ إنْكَارُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ وَقَدْ عُرِفَا مِنْ مَدَارِكِ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا أَوَّلًا فِي أَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ صَغِيرَةٍ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ يَمْنَعُ إجْلَالًا لَهُ وَتَعْظِيمًا لِحُدُودِهِ إلَّا فِي مَحَلِّ تَبْيِينِ تَفَاوُتِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ إنْ نَفَذَ الْوَعِيدُ أَوْ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَثَانِيًا فِي أَنَّ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا هَلْ تُعْرَفُ وَتَنْحَصِرُ أَوْ لَا الثَّانِي لِبَعْضِهِمْ قَالُوا: لِأَنَّهُ وَرَدَ وَصْفُ أَنْوَاعٍ مِنْ الْمَعَاصِي بِأَنَّهَا كَبَائِرُ وَأَنْوَاعٍ بِأَنَّهَا صَغَائِرُ وَأَنْوَاعٍ لَمْ تُوصَفْ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا وَالْأَوَّلُ لِلْأَكْثَرِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ لَا تَنْضَبِطُ إلَّا بِالْعَدِّ فَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا ثَلَاثٌ.
وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهَا أَرْبَعٌ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا سَبْعٌ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ وَعَطَاءٌ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا أَنَّهَا عَشْرَةٌ وَقِيلَ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهَا مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إلَى قَوْلِهِ {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالطَّبَرَانِيُّ هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى السَّبْعِ وَقَالَ أَكْبَرُ تَلَامِذَتِهِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - هِيَ إلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ يَعْنِي بِاعْتِبَارِ أَصْنَافِ أَنْوَاعِهَا وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَفْسِهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: كَمْ الْكَبَائِرُ سَبْعٌ هِيَ. قَالَ: هِيَ إلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى سَبْعٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ أَيْ التَّوْبَةِ بِشُرُوطِهَا
وَإِذَا قُلْنَا عِنْدَ زَيْدٍ نِصَابٌ فَعِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ أَمَّا إذَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فِي الصُّبْحِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ وَإِذَا قُلْنَا لَيْسَ عِنْدَهُ نِصَابٌ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ بَلْ تِسْعَةَ عَشَرَ وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ إعْدَامَ الْحَقِيقَةِ وَعَدَمُ الْحَقِيقَةِ يَصْدُقُ بِعَدَمِ جُزْءٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَدَمُهَا عَلَى عَدَمِ جَمِيعِ أَجْزَائِهَا كَمَا يُعْدَمُ النِّصَابُ بِدِينَارٍ فَكَذَلِكَ خَبَرُ النَّفْيِ أَمَّا ثُبُوتُ الْحَقِيقَةِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ جَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَلَا يَثْبُتُ النِّصَابُ إلَّا بِثُبُوتِ جَمِيعِ عِشْرِينَ دِينَارًا وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِتَحْصِيلِ الْمُرَكَّبِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْصِيلِ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ فَلَا تَحْصُلُ الرَّكْعَتَانِ حَتَّى تَتَحَصَّلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَلِذَلِكَ دَلَّ الْأَمْرُ وَخَبَرُ الثُّبُوتِ عَلَى ثُبُوتِ الْجُزْءِ دُونَ النَّهْيِ وَخَبَرِ النَّفْيِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (وَإِذَا قُلْنَا عِنْدَ زَيْدٍ نِصَابٌ فَعِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ) قُلْتُ: إنْ أَرَادَ فَعِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مُنْفَرِدَةً فَمَمْنُوعٌ وَإِنْ أَرَادَ فَعِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مُقْتَرِنَةً بِأُخْرَى فَمُسَلَّمٌ.
قَالَ: (أَمَّا إذَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فِي الصُّبْحِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ) قُلْتُ: إنْ أَرَادَ لَا يَلْزَمُ النَّهْيُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثَةٌ فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ أَرَادَ لَا يَلْزَمُ النَّهْيُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ مُتَّصِلَتَيْنِ بِثَالِثَةٍ فَمَمْنُوعٌ.
قَالَ: (وَإِذَا قُلْنَا: لَيْسَ عِنْدَهُ نِصَابٌ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ بَلْ تِسْعَةَ عَشَرَ) قُلْتُ: إنْ أَرَادَ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مُنْفَرِدَةً فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ أَرَادَ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مَعَ عَشَرَةٍ أُخْرَى فَمَمْنُوعٌ قَالَ: (وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ إعْدَامَ الْحَقِيقَةِ وَعَدَمُ الْحَقِيقَةِ يَصْدُقُ بِعَدَمِ جُزْءٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَدَمُهَا عَلَى عَدَمِ جَمِيعِ أَجْزَائِهَا كَمَا يُعْدَمُ النِّصَابُ بِدِينَارٍ فَكَذَلِكَ خَبَرُ النَّفْيِ) قُلْتُ: إذَا عُدِمَ مِنْ النِّصَابِ دِينَارٌ لَمْ يَبْقَ نِصَابٌ وَلَا جُزْءُ نِصَابٍ فَإِنَّ الدِّينَارَ لَا يَكُونُ جُزْءَ نِصَابٍ إلَّا مَعَ تِسْعَةَ عَشَرَ وَلَا تَكُونُ التِّسْعَةَ عَشَرَ جُزْءَ نِصَابٍ إلَّا مَعَ دِينَارٍ أَمَّا إذَا انْفَرَدَ دِينَارٌ فَلَا يُقَالُ فِيهِ جُزْءُ نِصَابٍ إلَّا بِضَرْبٍ مِنْ الْمَجَازِ وَالتَّوَسُّعِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي التِّسْعَةَ عَشَرَ لِأَنَّ الدِّينَارَ وَالتِّسْعَةَ عَشَرَ اجْتِمَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَعَ الْآخَرِ مُمْكِنٌ فَإِذَا اجْتَمَعَا صَارَ الْمَجْمُوعُ نِصَابًا فَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءُ نِصَابٍ حَقِيقَةً وَعِنْدَ الِافْتِرَاقِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءُ نِصَابٍ مَجَازًا فَاللَّازِمُ حَقِيقَةً خِلَافُ قَوْلِهِ وَهُوَ أَنَّهُ مَتَى عُدِمَ جُزْءٌ عُدِمَ جَمِيعُ الْأَجْزَاءِ أَيْ لَمْ تَتَأَلَّفْ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ وَلَمْ تَكْمُلْ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَتَى انْتَفَتْ الْحَقِيقَةُ انْتَفَى جَمِيعُ أَجْزَائِهَا.
قَالَ: (أَمَّا ثُبُوتُ الْحَقِيقَةِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ جَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَلَا يَثْبُتُ النِّصَابُ إلَّا بِثُبُوتِ جَمِيعِ عِشْرِينَ دِينَارًا وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِتَحْصِيلِ الْمُرَكَّبِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْصِيلِ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ فَلَا تَحْصُلُ الرَّكْعَتَانِ حَتَّى تَتَحَصَّلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَلِذَلِكَ دَلَّ الْأَمْرُ وَخَبَرُ الثُّبُوتِ عَلَى ثُبُوتِ الْجُزْءِ دُونَ النَّهْيِ وَخَبَرِ النَّفْيِ) .
قُلْتُ: قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ النَّهْيَ وَخَبَرَ النَّفْيِ يَسْتَلْزِمَانِ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْمَنْهِيِّ وَالْمَنْفِيِّ عَنْهُ كَمَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرُ وَخَبَرُ الثُّبُوتِ جَمِيعَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ وَقَالَ الدَّيْلَمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ قَدْ ذَكَرْنَا عَدَدَهَا فِي تَأْلِيفٍ لَنَا بِاجْتِهَادِنَا فَزَادَتْ عَلَى أَرْبَعِينَ كَبِيرَةٍ فَيَئُولُ إلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ أَنَّهَا تُضْبَطُ بِالْحَدِّ وَالضَّابِطِ وَعَلَيْهِ فَجَمِيعُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْحُدُودِ وَالضَّوَابِطِ إنَّمَا قَصَدُوا بِهِ التَّقْرِيبَ فَقَطْ وَإِلَّا فَهِيَ لَيْسَتْ بِحُدُودٍ جَامِعَةٍ وَكَيْفَ يُمْكِنُ ضَبْطُ مَا لَا طَمَعَ فِي ضَبْطِهِ بِالْحَصْرِ إذْ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِالسَّمْعِ وَلَمْ يَرِدْ وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ: بَعْضُهُ لِلْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ وَبَعْضُهُ لِمَا عَدَا الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَبَعْضُهُ لِمَا يَشْمَلُهُمَا وَبَعْضُهُ لِمَا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ مِنْ الْمَعَاصِي الشَّامِلَةِ لِصَغَائِرِ الْخِسَّةِ وَنَحْوِهَا كَالْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ فَمِنْ الْأَوَّلِ مَا فِي عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّهَا مَا لَحِقَ صَاحِبَهَا عَلَيْهَا بِخُصُوصِهَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ.
وَمِنْ الثَّانِي قَوْلُ الْغَزَالِيِّ كُلُّ مَعْصِيَةٍ يُقْدِمُ الْمَرْءُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِشْعَارِ خَوْفٍ وَوُجْدَانِ نَدَمٍ تَهَاوُنًا وَاسْتِجْرَاءً عَلَيْهَا فَهِيَ كَبِيرَةٌ وَمَا يُحْمَلُ عَلَى فَلَتَاتِ النَّفْسِ وَلَا يَنْفَكُّ عَنْ نَدَمٍ يَمْتَزِجُ بِهَا وَيُنَغِّصُ التَّلَذُّذَ بِهَا فَلَيْسَ بِكَبِيرَةٍ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَوْلَى ضَبْطُ الْكَبِيرَةِ بِمَا يُشْعِرُ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا بِدِينِهِ إشْعَارَ أَصْغَرِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا قَالَ: وَإِذَا أَرَدْت الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ فَاعْرِضْ مَفْسَدَةَ الذَّنْبِ عَلَى مَفَاسِدِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ أَقَلِّ الْكَبَائِرِ فَهِيَ صَغِيرَةٌ وَإِلَّا فَكَبِيرَةٌ. اهـ.
وَمِنْ الثَّالِثِ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْبَارِزِيِّ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ كُلُّ ذَنْبٍ قُرِنَ بِهِ وَعِيدٌ أَوْ حَدٌّ أَوْ لَعْنٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ عُلِمَ أَنَّ مَفْسَدَتَهُ كَمَفْسَدَةِ مَا قُرِنَ بِهِ وَعِيدٌ أَوْ حَدٌّ أَوْ لَعْنٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ مَفْسَدَتِهِ أَوْ أَشْعَرَ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهِ فِي دِينِهِ إشْعَارَ أَصْغَرِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ كَمَا لَوْ قَتَلَ مَنْ يَعْتَقِدُهُ مَعْصُومًا فَظَهَرَ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِدَمِهِ أَوْ وَطِئَ امْرَأَةً ظَانًّا أَنَّهُ زَانٍ بِهَا فَإِذَا هِيَ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ اهـ وَمِنْ الرَّابِعِ قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَتَابَعَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ فِي الْمُرْشِدِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ كُلُّ جَرِيمَةٍ أَوْ كُلُّ جَرِيرَةٍ تُؤْذِنُ أَيْ تُعْلِمُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثٍ أَيْ اعْتِنَاءِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدَّيَّانَةِ مُبْطِلَةٌ لِلْعَدَالَةِ وَكُلُّ جَرِيمَةٍ أَوْ جَرِيرَةٍ لَا تُؤْذِنُ بِذَلِكَ بَلْ يَبْقَى حُسْنُ الظَّنِّ ظَاهِرًا بِصَاحِبِهَا لَا تُحْبِطُ الْعَدَالَةَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الزَّوَاجِرِ وَكَذَا مِنْ الرَّابِعِ قَوْلُ الْأَصْلِ.
وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ شَيْخِهِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَارِّ ضَابِطُ مَا تُرَدُّ